زينب الخضيري: توسيع نطاق التفكير
إقرار تدريس الفلسفة، ربما هو تصحيح لمفهوم كان محظورًا سابقًا، والحياة لا تستقيم على وتيرة واحدة، والتغيرات التي حظيت بها السعودية مؤخرًا جعلت إعادة النظر في كل شيء ضرورة حتى نواكب التطورات العالمية من حولنا. سعدت كثيرًا بهذا الفتح في مدارسنا؛ لأن تدريس الفلسفة هو إقرار بأهمية توسيع نطاق التفكير والبحث والتحليل في كل ما حولنا، فالفلسفة هي طريقة للتفكير المعمق. وكوني من عشاق الفلسفة ومن المهتمين بالقراءات الفلسفية، قرأت في إحدى الصحف السعودية خبرًا عن تدريب المعلِّمين من أجل تدريس الفلسفة، ولكنه استوقفني كثيرًا؛ إذ إن مشكلتنا الدائمة أننا لا ندرس الأفكار والبرامج بشكل جيد. وتخلو الجامعات من التخصصات الفلسفية، التي نحن نحتاجها لتوسيع المدارك والتفكير النقدي، فالعقل المنساق ضمن آليات نظر محدد ينتج فعله في حدود ذلك النظر ولا يستطيع تجاوزها، إلا داخل إرادة وعي تستوعب الثبات وتؤسس للانطلاق.
وتدريس الفلسفة له جذور فقد نادى بها الأميركي ماثيو ليبمان، وشجع على تدريسها منذ الطفولة، ففي سبعينيات هذا القرن وجد ماثيو ضعفًا في التفكير النقدي والمنطق لدى طلبة الجامعة. واقترح أن أفضل ما يمكن أن يقدم للطلبة هو التبكير بالتدريب على هذه المهارات منذ الطفولة. فالإنسان اجتماعي بطبعه وهو كائن مؤثر ويتأثر بواقعه، لذلك يكون الاهتمام بالعقل شيئًا من العمل الشائك نظرًا لحالة التصلب الحضاري الذي نعيشه؛ لماذا لا نشتغل على العقل الذي هيمنَ عليه العقل الغربيُّ؟ لماذا لا نستفيد بدل أن نستسلم؟ لماذا لا ننتج بدلًا من أن نكون متلقين؟ ففي لحظة التفتيش عن العقل العربي نواجه تحدي هيمنة العقل العالمي علينا، فلا نحن صنعنا لنا هوية لنقف بوجه هذا الطوفان ونتفاهم معه بذات حرة مستقلة، ولا نحن انسقنا وتماهينا بسلاسة مع العقل العالمي، نظل واقفين في وسط حلق هذا العالم. إذن ما الذي نستطيع فعله تجاه تدريس الفلسفة؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نطرحه، وكيف ستُدرَّس الفلسفة، ومن سيُدرِّسها؟ هذه الأسئلة الثلاثة الإجابة عنها كفيلة بأن نراهن على نجاحها في مدارسنا. كذلك قرأت في كتاب «تفكر، مدخل أخاذ إلى الفلسفة» للكاتب سايمن بلاكبرن، أن الفيلسوف الفرنسي ديكارت عزل نفسه في حجرة، واختبر رؤية أعقبتها أحلام، بينت له فيما حسب مهمته في الحياة: الكشف عن السبل الوحيدة الصحيحة للعثور على المعرفة، يستدعي الطريق الصحيح تقويض كل ما سبق أن سلّم به، والبدء من الأسس.
أما المجموعات الفلسفية في السعودية، فهي جديدة وأقدمها الحلقة الفلسفية تحت مظلة النادي الأدبي في الرياض، وهي بدأت قبل أكثر من ثماني سنوات، وفي هذه السنة أصبحت هناك حلقة فلسفية في المدينة المنورة، وجدة، وهذا الانتشار والتطور في توسع الحلقات الفلسفية، وإدخال الفلسفة في التعليم، سيجعل هناك تحولًا وتطورًا مع الزمن. والفلسفة تثير التساؤلات والآراء حول كيفية اكتسابنا للمعرفة وتوليد الأفكار وإمكانية التقاء المعرفة والأفكار مع زمن المستقبل في نقطة حاسمة هي الآن. الفلسفة لن أقول: إنها طوق نجاة لنا، ولكنها ستنير طريقنا وتساعدنا في مواجهة العالم. فالحقائق المتغيرة تجبرنا على النزول للواقع، وتكثيف حضور الواقع والعيش بداخله وتحليله ربما ينقذنا من أفكارنا التاريخية، وهو عدم حصر أنفسنا في فكرة واحدة، وعدم الاستسلام لكل شيء. تأتي الحلقات الفلسفية لنشر الوعي ولإيجاد طرق تفكير جديدة تجعلنا مختلفين. وهذا بالطبع يجعل هناك الكثير من التحديات التي تواجه هذه المجموعات الفلسفية؛ أهمها: ضبابية مفهوم الفلسفة في المجتمع، ونخبوية الطرح، وضرورة ربطها في حياتنا المعاصرة والاستفادة منها.
أكاديمية وروائية.