الفلاسفة خصوم أساسيون لرعاة الانغلاقلطالما كانت ولا تزال الفلسفة هي صداع نصفي يصيب الركود الفكري عبر العصور؛ لذلك نرى الفلاسفة دائمًا ما يكونون خصومًا أساسيين لكل من يرعى الجمود والانغلاق الفكري ليُحكَم على سقراط بالموت بالسم ، وينفى سينيكا إلى جزيرة نائية قبل أن يُعدم من الجيش، ويُغْرَق هيباثوثوس في البحر من جماعة الإخوان الفيثاغورسيين، وتُسحَل هيباتيا في شوارع الإسكندرية قبل أن تُقتل دهسًا بالإقدام. الجرائم ضد الفلسفة هي وليدة جمود وانغلاق فكري، وهذا ما لا ينطبق على المجتمع السعودي على الأقل في الوقت الحالي، الذي يشهد انفتاحًا فكريًّا وتَقبُّلًا للآخر وازدهارًا اقتصاديًّا؛ يجعل من البيئة السعودية ملاذًا آمنًا لصناعة الأفكار الجديدة وممارستها، وهذا بالضبط ما تُعنى به الفلسفة التي يجب أن تتعلمها الأجيال التالية بشغف، فلا حضارة استثنائية إلا بفلسفة استثنائية.
نعم الفلسفة لا خطورة منها بل الخطورة في عدم ممارستها، فمن دون فلسفة عميقة لا يمكن اكتشاف أخطاء مجتمعية وعلاجها. هناك ما يمنع تنقية الهوية من شوائب الممارسات والأفكار السلبية التي تنشأ بفعل الركود الفكري أحيانًا والانفتاح الثقافي حينًا آخر، ثم تتغلغل بحثًا عن حواضن فكرية تنمو منها ممارسات سلبية تتشكل مع الزمن لتُصبِح مُسلَّمات يصعب التخلص منها أو التعاطي معها، وهذا بالضبط ما نريد أن ننبه أبناءنا إليه، وأن يتعلموا كيف ينقذون أنفسهم ويصححون أخطاءهم، ومن ثم ينطلقون لبناء أخلاق نقية تُسهِم في بناء المجتمع المثالي، الذي لطالما حلمت به البشرية عبر العصور لتضمن بقاءها وازدهارها للأبد.
صناعة الفكر والثقافة صناعة ثقيلة جدًّا وطويلة المدى وتحتاج إلى خطة وعمل، يبدأ من رأس الهرم الوطني نزولًا إلى أصغر لَبنات المجتمع السعودي، وهذا الوضع أيضًا ينطبق على ممارسي الفلسفة وروادها بمختلف أنواعها، لتكون أول التحديات وأكبرها هو طبيعة الفكر ومخرجاته الطويلة المدى، وهذا ما يجعل جمهور الفلسفة قليلًا جدًّا عبر الأزمان. ولكن هذا لا يخفي الإقبال الشديد الذي شهدته المنتديات الفكرية في مختلف مناطق المملكة بالرعاية الكريمة التي حظي بها المثقف السعودي، وسيحظى بأكثر من ذلك في السنوات القليلة المقبلة لتقل التحديات التي كانت تشكل عوائق، منها الدعم المالي والتركيز الإعلامي على أبرز مخرجات العمل الفلسفي، ولا سيما التخوف المجتمعي المتوهم من خطورة الفلسفة والموروث الذي صور أن الفلسفة هي حراك فكري خطير يهدد الثوابت بمختلف أنواعها، وهذا ما يشكل أبرز التحديات التي أخذت بالتلاشي شيئًا فشيئًا وهو ما يجعلني أتوقع إقبالًا مجتمعيًّا على المنتديات الفلسفية يتجلى في التداول الفكري الذي تشهده وسائل التواصل الاجتماعي بكل أريحية وموضوعية، والآن تشهد المنتديات الفلسفية حراكًا قويًّا لم يشهده المسرح الفكري السعودي قبل ذلك.