آكُلُ لَحْمِي وَلاَ أدَعُهُ لآكِلٍ.
أول من قال ذلك العَيَّار بن عبد الله الضبيّ ثم أحد بني السِّيد بن مالك بن بكر بن سَعْد بن ضبة، وكان من حديثه فيما ذكر المفضل أن العَيَّار وفَد هو وحُبَيْش [ص -43] ابن دُلَف وضِرَار بن عَمْرو الضَّبّيَّان على النعمان، فأكرمهم وأجرى عليهم نُزُلاً، وكان العيار رجلا بطالا يقول الشعر ويضحك الملوك، وكان قد قال:
لا أذْبَحُ النازيَ الشَّبوب ولا * أسْلَخُ يومَ المُقَامة العُنُقَا
وكان منزلهم واحدا، وكان النعمان باديا فأرسل إليهم بجُزُرٍ فيهن تيس فأكلوهن غير التيس فقال ضِرار للعَيَّار وهو أحدثهم سنا: إنه ليس عندنا من يسلخ هذا التيس فلو ذبحته [وسلخته] وكفيتنا ذلك، قال العيار: ما أبالي أن أفعل، فذبح التيس وسَلَخه، فانطلق ضِرار إلى النعمان فقال: أبيت اللعن! إن العيار يسلخ تيسا، قال: أبعد ما قال؟ قال: نعم، فأرسل إليه النعمان فوجَده الرسولُ يسلخ تيسا فأتى به، فقال له: أين قولك*لا أذبح النازي الشبوب*؟ وأنشده البيت، فخجِل العَيَّار، وضحك النعمان منه ساعة، وعَرَف العيار أن ضِرارا هو الذي أخبر النعمان بما صنع، وكان النعمان يجلس بالهاجرة في ظل سُرَادقه، وكان كسا ضرار حلةً من حُلَله، وكان ضرار شيخا أعرج بادنا كثير اللحم، قال: فسكت العيار حتى كانت ساعة النعمان التي يجلس فيها في [ظل] سُرَادقه ويؤتى بطعامه عمد العيار إلى حُلَّة ضرار فلبسها، ثم خرج يتعارج حتى إذا كان بحيال النعمان كشف عنه فخرئ، فقال النعمان: ما الضرار قاتله الله لا يَهَابُني عند طعامي؟ فغضب على ضرار، فخلف ضرار ما فعل، قال: ولكني أرى أن العَيَّار فعل هذا من أجل أني ذكرت سَلْخه التيسَ، فوقع بينهما كلام حتى تشاتما عند النعمان، فلما كان بعد ذلك ووقع بين ضرار وبين أبي مَرْحَبٍ أخي بني يَرْبُوع ما وقع تناول أبو مَرْحَب ضرارا عند النعمان والعيار شاهد، فشتم العيار أبا مرحب وزجَره فقال النعمان: أتشتم أبا مَرْحَب في ضرار وقد سمعتك تقول له شرا مما قال له أبو مرحب؟ فقال العيار: أبيت اللعن وأسعدك إلهك، آكل لحمي ولا أدعه لآكل، فأرسلها مثلا، فقال النعمان: لا يملك مَوْلىً لمولى نصرا، فأرسلها مثلا.