جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: المقالات والمواضيع |
الخميس 19 مارس - 22:40:02 | المشاركة رقم: | ||||||||
عضو نشيط
| موضوع: العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة إن الحكم على أي أمة من الأمم بالتخلف والجهل والفقر والتبعية والانغلاق... أو حكم لها بالتقدم والارتقاء العلمي والمعرفي الأصيل والمنفتح على الآخر دون السقوط في حمأة الاستلاب والانبهار... إنما ينبثق من رصد صورة واقعها. ثم إن مجرد الوقوف على معرفة أشكال الخطأ والصواب؛ والفوضى والانحطاط والنهوض والارتقاء، ووصف ذلك كله مهما ارتقت أدوات الوصف لا يمكن أن يصمد في مواجهة الانهيار الذي يصيب الأمة من الداخل. فمواجهة الانهيار في مجالات الحياة والعلم والمعرفة والفن والأدب والاقتصاد تحتاج إلى الوصف والتحليل ـ دون شك ـ ولكنه يحتاج في الوقت نفسه إلى إرادة واعية تقوم بوضع المبادرات الجديدة لإيقاف حالة التدهور؛ وفق ضوابط منهجية علمية ومعرفية دقيقة، ثم تسعى إلى تقديم الحلول الحضارية المنقذة للأمة من ذلك كله. ومن ثم فإن فلسفة العلم تعني فلسفة التقدم الموازي لتطور المعرفة والتقنية والعلوم وفق منهج عقلي يفيد من الدرس الحضاري للأمة نفسها في ماضيها وحاضرها، وللأمم الأخرى دون الوقوع في منطق التبرير والوهم والضيّاع. فنحن ما زلنا نستبدل الظاهر بالباطن لقراءة الماضي. إن المتابع المدقق لحياة الأمة العربية يدرك بوضوح أن السعي إلى تدمير منظومات القيم الخلقية والمعرفية يتجلى بصور شتى يراها في جيل الشباب قبل غيرهم. ويرى أن هناك تزييفاً واعياً لكثير منها؛ كما هو في حال موضوع الإرهاب.. ولعل الهدف من ذلك كله جعل العرب تابعين للآخر ومستهلكين لكل ما ينتجه؛ لأنهم صاروا أرقاماً استهلاكية وحسب. وبناء على ما يرصده المثقف الواعي لما يجري في عالم اليوم يلمس لمس اليد أن كلّّ حركة فيه مخطط لها بنظام مسبق ودقيق ينصب على هوية الشعوب الفقيرة وثقافتها ومقوماتها لبناء حياتها ومستقبلها. فالانهيار الذي يهدد هذه الشعوب، كما يهدد أوطانها بالتجزئة والتبعية أعظم بكثير مما وقع في بداية القرن العشرين. ومن هنا يتساءل كلّّ منا: أين يقع العرب مما يحدث في عالم اليوم وقد بدأت الألفية الثالثة، وبدأ القرن الحادي والعشرون؟! أين تكمن أهمية النظام العربي ـ بكل صوره؛ بما فيها صورة الجامعة العربية ـ الذي توافر له بُعْد حضاري تاريخي أصيل ومتقدم وفاعل في الآخر حتى الساعة؟. وكذلك يتساءل: إن الأرض العربية تعدُّ من أغنى أراضي العالم بالموارد البشرية والطبيعية والاقتصادية، فإلى أي مدى استطاع أن يؤثر في مجريات الأحداث العالمية، أو أن يمسك بزمام المبادرة في بعض تلك الأحداث؟!! وربما يتساءل: إلى أي مدىً استطاع العرب أن يحدثوا حركة توازن داخلية ذاتية حقيقية بين أفراد مجتمعهم، على صعيد الإبداع الفردي والجماعي، وأن يبدعوا إنتاج ورشات عمل جماعية تحلل واقعها وتستشرف آفاق مستقبلها؟؟ ولو حدث هذا كله؛ فما نصيبه من التطبيق عند أصحاب القرار والفعل من رجال الفكر والسياسة والاقتصاد والاجتماع والإعلام...؟! لعل الإجابة عن هذه الأسئلة تغدو أكثر تعقيداً مما يمكن للمرء أن يتخيله. فالنظام العربي لم يثبت أي نوع من الفاعلية الإيجابية على الصعيد الداخلي والخارجي اللهم إلا التمسك بزمام السياسة المحلية والحفاظ على الدولة القطرية. وكذلك استطاع أن يحوّل الشارع العربي من ظاهرة صوتية إلى ظاهرة صمتية مصابة بكل ألوان الإحباط والعجز، والتخبط بعد أن اصطدمت بالمواقف السياسية القطرية والرؤى المنحرفة هنا وهناك. فلم يَعُد للدعوات المخلصة لانتشال العرب مما هم فيه أي قيمة ترجى إلا بمقدار حجمها الزمني الذي قيلت فيه؛ لأن التدابير الاحترازية للدولة القطرية ظلت أقوى من الترتيبات الوحدوية. وما اتفقت التدابير العربية الجماعية يوماً إلا على ترتيبات الأمن المتعلق بالرموز القُطْرية، أما ترتيبات الأمن القومي العربي الجماعي الموحِّد والموحَّد فقد سقطت؛ وفي أحسن حالاتها حدوثاً بقيت ثنائية لأمر مؤقت غالباً. فانزوت دعوة الوحدة العربية جانباً، وفقد التضامن العربي قوته وقيمته. فما ينتج من قرارات عن المؤتمرات القومية العربية الكثيرة سرعان ما ينحدر من سيئ إلى أسوأ لتبلغ ـ من بعد ـ حالة من فقدان الثقة بين هذا النظام أو ذاك، دون أن يؤبه لمشاعر الشعب العربي وتطلعاته. ومن ثم وصلت حالة الأمة العربية إلى أشكال ضعيفة متفسخة لا نظير لها في التجمعات العالمية ـ اليوم ـ ولاسيما إبان حربي الخليج الأولى والثانية... ثم ظهرت بشكل أعجب من العجب إبان العدوان الأمريكي البريطاني الصهيوني على العراق الشقيق في (20 آذار 2003) بعد أن نفذت بحقه وحق إيران سياسة الاحتواء المزدوج ثم سياسة العقوبات الذكية. فالعدوان الأمريكي قام بعمل عدائي عسكري ممنهج يهدف إلى تدمير الأرض والحضارة والعلم والعلماء والاستيلاء على مقدرات الأمة العربية مستغلاً ما وقع من فساد نظام الحكم وظلمه لشعبه وأمته. ولما انشغلت الأذهان العربية بالحرب الظالمة الشرسة المدمرة لحضارة بلاد الرافدين وسرقة كنوزها كانت يد الاستيطان الصهيوني الوحشي تعيث فساداً في فلسطين المحتلة وتقتل وتدمر كلّّ ما يقع أمامها؛ على حين يقف العالم الغربي صامتاً لا حياة في جثته. أما أمريكا فلم تخجل يوماً من رفع سوط الفيتو في وجه الحق العربي ومباركة الوحشية الصهيونية التي قدمت لها أدوات الإجرام والقتل من دبابات وطائرات... إن التبدلات الهائلة والمتسارعة في تجربة العرب الحديثة تنذر بتراجع مخيف في مفاهيم القيم والأخلاق؛ وتهدد بانهيار مرعب لكل مفاهيم الخير الإنسانية، وتقضي على كلّّ آمال العرب في الحرية والوحدة والعدالة والتطلع إلى بناء مستقبل كريم. فالمؤسسات القومية تصدعت أشكالها تحت معاول العجز والتخلف والتجزئة وممارسة الدولة القطرية لمهامها الخاصة والمعززة للفرقة على الرغم من وجود كلّّ أسباب الترابط والتجمع بين أبناء الأمة الواحدة؛ بل على الرغم من الظروف المشجعة لما تزعمه العولمة الجديدة التي تدعو إلى طمس الثقافات بثقافة واحدة وجعل العالم كله قرية كونية واحدة، وكذلك هو الاقتصاد، بيد أن من ينظر إلى الاقتصاد العربي يجد عجباً، فالتباين لا يقع فقط في أساليب الإنتاج وتخلفها، وإنما يتجسد في وسائل التبادل والاتصال. فقطع أواصر القربى والجغرافية فضلاً عن الاختلاف والتباين المقصود وغير المقصود عزز الفرقة في النفوس؛ إذ دفع الأمة إلى الانهيار السياسي قبل أي انهيار آخر، وإن كانت هناك انهيارات أخرى ستلحقه في اتجاهات شتى على الصعيد الاجتماعي والخلقي والثقافي والفني والاقتصادي... وهذا كله يعني أن مواجهة الانهيار تعد مواجهة حضارية على الصعيدين الداخلي والخارجي؛ وفي المجالات كلها... ثقافياً وسياسياً واجتماعياً وتقنياً وعسكرياً واقتصادياً... ومن ثم فإن مواجهة أي مشكلة في أي مجال تحتاج إلى ممارسة عقلية ومنهجية قبل أي ممارسة حياتية لتصبح سلوكاً اعتيادياً للناس... وهي ممارسة تستند إلى مبادئ تكفل لأبناء الأمة العربية وحدتهم وتقدمهم في الاتجاه الصحيح، دون أن يتخلوا عن أي قيمة من القيم، أو مبدأ من المبادئ تحت أي تأثير من التأثيرات.... ونرى أن انعقاد ندوة جمعيّة البحوث والدراسات لاتحاد الكتاب العرب يوم (16/12/2003م) بعنوان (العرب والعالم اليوم) يؤدي إلى إشاعة النقد الحرّ بين أبناء الأمة وفق مبدأ المساواة والانفتاح دون الإخضاع والكبت والانغلاق، فالمحاورة تكون من أجل الوصول إلى الفكرة الصحيحة والفاعلة في بناء منهج الأمة وحياتها ومعرفتها؛ وليس من أجل السيطرة والقهر. وكذلك هي تعني التخلص من كلّّ رواسب المجتمع القبلي والعشائري للوصول إلى المجتمع العربي الحضاري الذي لم تستطع البنى السياسية العربية أن تحققه على صعيد الواقع الفعلي... وندوة (العرب والعالم اليوم) قَدْ تكون قادرة على وضع بعض الحلول الناجعة لبعض مشكلات الأمة، وما أصيبت به من أمراض وأعراض في الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي؛ وإن كانت الأبحاث التي قدمت لها مازالت تعاني من أمراض الوسط الثقافي العربي الذي يمارس ظاهرة الوصف لأي مشكلة اكثر مما يلجأ إلى التحليل وبيان الحلول الصحيحة لأي مشكلة. وأياً ما يكن مستوى أي بحث مقدم لهذه الندوة فإنه يعبر عن الروح الجدلية المتبادلة بين المثقف العربي وبين الواقع الذي يعيش فيه ويراه. وهو واقع مُرّ وقاس يأكل النفس العربية قبل جسدها؛ بيد أنه لم يستطع أن يهزمه؛ وإن كسر بعض أدواته إلى حين. وهذا يشي بأن تعميق القراءة في الواقع العربي بين أوساط المفكرين والمثقفين والسياسيين والاقتصاديين يمكّنها من أن تضع بين أيديهم صورة أفضل لاستكشاف آفاق المستقبل ولبناء ثقافة عربية أصيلة ومعاصرة. فأبحاث هذه الندوة تستشرف الواقع العربي لتبني رؤىً وآمالاً ترجو فيها خلاص أمتها مما تعانيه منه اليوم من تراجع واضح في ميادين شتى؛ أو تغيّر ملموس في مناهج عديدة هنا وهناك؛ وفي مواقف مبدئية قدمت للأمة في وقت ما صدق تصوّرها، وقوة أثرها في الصعيد النفسي والاجتماعي والفكري؛ لأنها تنبثق من مفاهيم الهوية والتراث، والثقافة الممتدة في التاريخ والحاضر. إن فجراً جديداً للأمة العربية يبدأ بالتخلص من جفاف النظام السياسي الذي انغلق على نفسه ومؤيديه سواء آمنوا بما يقول حقاً؛ أم كانوا ممن انتفع بمزيات السلطة. فأمثال هؤلاء وأولئك مازالوا يتشبثون بمواقعهم على حساب تقدم مجتمعهم وارتقاء أمتهم، ومحاولة تحررها من التبعية والانغلاق والتخلف. وهي ترصد ما يخطط لها من حروب استباقية تنال منها في حياتها وثقافتها وآمالها. ثم إن بزوغ فجر جديد للأمة لا بد من أن يستند إلى التمسك بالهوية الوطنية والقومية باعتبارها المادة، وبالتراث والثقافة باعتبارهما الجوهر والروح الحضارية التي شكلت الرؤى الإنسانية لها في كلّّ زمان ومكان. إن انبثاق مثل هذا الفجر لا يعني تبعية ثقافة الأمة لثقافة الآخر، وإنما يعني الانفتاح والتفاعل، لا الوقوع في النسخ والتشويه والاستلاب. فثقافة الأمة العربية ـ وإن تخلفت بعض أدواتها؛ وبعض صورها ـ مازالت غنية بكثير من الرؤى التي تدفع البشرية إلى التقدم. وبهذا فإن ندوة (العرب والعالم اليوم) تنفتح على ثلاثة محاور تتكامل فيما بينها؛ الأول يتناول الجانب السياسي، ويناقش مفهوم الأمن القومي العربي؛ في إطار ما يعرف اليوم بالحروب الاستباقية التي جعلت ساحتها العالم كله، والوطن العربي والإسلامي خاصة.. فالنظام العالمي الجديد خطط مسبقاً بكل إرادة وتصميم للسيطرة على موارد الأرض العربية وغير العربية، ما جعله ينفذ مشاريعه العدوانية على أفغانستان والعراق تحت ذرائع الإرهاب وغيره، وهو مادة المحور الثالث من هذه الندوة. فالهدف المتوخى للحروب الاستباقية عند أمريكا خاصة إنما هو الاستيلاء المنظم على خيرات العالم لتكون تحت سيطرتها، فمن يملك الموارد والاقتصاد يملك القوة والسيطرة.. لهذا نشبت حرب أفغانستان من أجل نفط قزوين خاصة؛ وقد يسّرت الظروف والأحداث العالمية قيام هذه الحرب التي امتدت للهدف نفسه إلى العراق الذي يعد بوابة مشرعة النوافذ على أرض غنية بمواردها الطبيعية ولاسيما النفط كالجزيرة العربية وإيران وأذربيجان. ولهذا خُصص المحور الثاني للجانب الاقتصادي؛ وحدد بمفهوم (الولايات المتحدة والنفط العربي). فالنفط العربي أصبح جزءاً لا يتجزأ من حركة الاقتصاد العالمي عامة والأمريكي خاصة ولاسيما ما يتعلق منه بالاتجاه العسكري والتقني، والاجتماعي. وما يزال أساس استقرار العالم وتقدمه لعقود قادمة. ولعل تطوير أي مجتمع يخرج من أوساط المفكرين والمثقفين والأدباء والكتاب لما يتميزون به من منهج علمي دقيق؛ وفكر واع وخلاّق. فهم صناع الفكر والثقافة؛ ماداموا قادرين على بعث الحرية وخلق القيم الأصيلة والفاعلة. وهم قبل غيرهم مسؤولون عن قيم الأمة وتراثها، والحراس الأمناء على ذلك كله؛ يدفعون كلّّ أذى عنها، ويتصدون لمن يرغب في النيل منها وتشويهها، أو محاولة فرض عملية التغيير عليها. وهذا لا يعني أن ثقافتهم ثقافة وثائقية أرشيفية متخلفة مهمتهم المحافظة عليها؛ وإنما هي ثقافة أصيلة تميز هويتهم من هوية الآخر؛ بيد أن ثقافة الأمركة تريد أن تظهر ذلك بصور أخرى غير إنسانية. ولهذا فهي تسعى جادة ـ في ضوء خطط عالية الأساليب ـ لتغيير رؤية العرب والمسلمين إلى مفاهيم توافق فلسفتها ولاسيما ما يتعلق بالجهاد الذي لا ترى فيه أمريكا والصهيونية إلا لوناً من العنف أو وجهاً للإرهاب؛ إن لم يكن هو الإرهاب نفسه في زعمها متجاهلة بهذا كله حقيقة الوجه الإنساني السامي للإسلام وللعروبة. وما كان الجهاد ليكون إلا دفاعاً عن الذات في كلّّ زمان ومكان؛ ولم يوجه للاعتداء على الآخر. فالإرهاب صناعة صهيونية وغربية؛ وما يجري في فلسطين المحتلة إنما هو تطبيق للإرهاب المنظم للدولة اليهودية العنصرية. ولهذا ناقش المحور الثالث الجانب الثقافي، واختار منه ما ينصب حول مفهوم (الإرهاب: جذوره؛ صناعته؛ ضحاياه). فالولايات المتحدة الأمريكية استغلت الأحداث التي جرت على أرضها في نيويورك وواشنطن يوم الثلاثاء في (11/أيلول/ 2001) فألصقت الإرهاب بالعرب والمسلمين ليكونوا أول ضحاياها مستغلة جهل عدد منهم بنياتها ممن كان أداتها وصناعتها يوماً ما لإسقاط الاتحاد السوفيتي إبان الحرب الباردة. فالمجتمع الدولي كله غدا عُرضة للتآكل والاغتصاب تحت زعم محاربة الإرهاب الدولي عامة. وهو العدو الجديد المفترض؛ مما ينبغي للعالم مواجهته بقوة. فأحداث (11/ أيلول) هيأت مناخ التفكير الأمريكي؛ أولاً ثم مناخ التفكير الأوربي والغربي ثانياً؛ وبقية العالم ثالثاً لتأطير العلاقات الدولية من منظور تحليلي قسري يلصق الإرهاب بالعرب والمسلمين؛ بل بالإسلام وإن حاول جورج بوش الابن تهذيب لغته اللاحقة لتلك الأحداث عما كانت عليه إبانها. فأمريكا التي تزعمت النظام العالمي الجديد؛ شرعت تستبد به لتحقيق ما تصبو إليه في أهدافها الوطنية القومية أياً كان ضررها وشرها على الدول الفقيرة والمستضعفة ولو تعارضت هذه الأهداف مع حلفائها المقربين بما فيها بريطانيا. لقد أفادت في ذلك كله من بروز قوتها العسكرية والتقنية والفضائية وأرادت من العالم كله أن يكون كله قرية كونية؛ أي أرادت عن سابق تصميم وتصور أن يكون العالم سوقاً استهلاكية لكل ما تنتجه آلتها الصناعية. ومن ثم لابد لها من توفير الموارد المرجوة لتمويل صناعتها الحربية وغيرها. ولا شيء أدل على هذا كله من أن أمريكا مازالت جادة لإنجاز نظام الدفاع الصاروخي القومي الأمريكي، ومن ثم تحديث (6000) رأس نووي في مخازن الترسانة الأميركية بعد معاهدتي ستارت الأولى والثانية؛ وهي موجودة في مخازن الترسانة الأمريكية. وقد وفر بوش الأب والابن الأموال الهائلة؛ لإنجاز هذا التحديث من أموال الدول الأخرى واقتصادياتها وخاصة الدول العربية النفطية قبل غيرها. وفي هذا الإطار جهدت أمريكا في تدمير أسلحة بعض الدول؛ إن لم تذعن لرؤيتها؛ وسياستها المهيمنة، فاخترعت الصفات الكثيرة لإثارة غضب العالم عليها. وهذا ما جرى في غزو العراق تحت زعم امتلاك أسلحة الدمار الشامل التي تهدد السلام العالمي عامة وأمريكا خاصة؛ ثم نعتت عدداً من الدول باسم الدول المارقة كإيران وليبيا وكوريا الشمالية؛ واندفعت تهيئ العالم لمحاربة كلّّ من تضعه أمريكا على اللائحة السوداء؛ مستفيدة من كلّّ ما تملكه من قوة إعلامية؛ وقدرة عسكرية... وقد يطول الحديث في هذا المقام؛ لأن الاختلاف والتباين في المفاهيم الفكرية والثقافية يبقى مقبولاً إن لم يكن اعتداء، وتشويهاً لها. فالثقافة تظل بكل أشكالها ممثلة لروح الأمة ومجسدة لنبض حياتها وتقدمها. ولعل ما ينتج عن هذه الندوة يُعّدُّ خطوة على الطريق المرجوة والصحيحة؛ لشحذ الفكر العربي والنهوض بأعباء واجب الثقافة الوطني والقومي، ولعلها تستحق من رجال الفكر والسياسة أذناً صاغية. ولا ننسى في ختام كلامنا أن نؤكد ما يلي: إن العرب قادرون على إثبات حضورهم الدولي في عالم اليوم؛ إذا استطاعوا امتلاك إرادتهم ومواردهم. فالحر سيد لأرضه؛ قائد لأمته؛ قوي بأبناء العروبة والإسلام وبالأشراف الأحرار من العالم كله. فمهما اتسع الخرق على الراقع عليه ألا يفقد الأمل بالإصلاح. وهنا يكمن الفعل الحقيقي للمفكرين والمثقفين والأدباء في إعادة استلام المسؤولية الوطنية والقومية لتصحيح حركة مسار التقدم والتحديث والتصدي لكشف شبكة التزوير الكبرى التي تحاك لثقافة أمتنا وحياتها... فهم السدنة الأصلاء للثقافة العربية ، وصُنّاع الفكر والحياة؛ لما يتسلحون به من وعي أصيل، ومنهج دقيق؛ ومعرفة علمية مواكبة لأحدث ما يجري في عالم اليوم... فالأمة التي تحافظ على ثقافتها وهويتها ولا تغلق عيونها عما ينتجه الآخر لن تهزم؛ هكذا كانت أمتنا وهكذا ستظل. الموضوعالأصلي : العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: بشري
| ||||||||
الخميس 19 مارس - 22:42:13 | المشاركة رقم: | ||||||||
عضو نشيط
| موضوع: رد: العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة الحرب العدوانية على العراق ومستقبل المنطقة د. علي عقلة عرسان -1- في خروج صارخ على القانون الدولي، ومن دون أي مستند قانوني أو خُلُقي، ورغم اعتراض مجلس الأمن الدولي، قامت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا بشن حرب عدوانية على العراق، تحت شعار: نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية التي تهدد العالم وأمن دوله وأمن العالم، وجيران العراق، وشعبه، ومن أجل القضاء على نظام ديكتاتوري يهدد أمن الولايات المتحدة الأمريكية، ولأن العراق لم يلتزم بالقرارات الدولية لا سيما القرار 1441، ولم يلب مطالب المجتمع الدولي. وقد اعتمد جدول الذرائع والتركيز عليه سياسياً وإعلامياً من دون اعتبار لحجج العراق وآراء الدول الأخرى الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وتقارير المفتشين الدوليين، ومطالبة رئيسي لجنتي التفتيش هانز بليكس ومحمد البرادعي بمنح فرق التفتيش الوقت الكافي لإنجاز المهمة الموكلة إليها، ودون اهتمام بـ احتجاج الجماهير الواسع في أرجاء مختلفة من العالم على التوجه نحو الحرب لحل هذه القضية. وقبيل الحرب، وفي غمرة المراحل النهائية من مناقشات مجلس الأمن الدولي حول الملف العراقي، وصل كوفي عنان إلى نتيجة مفادها أن " الولايات المتحدة وبريطانيا ذاهبتان إلى الحرب" واضطر إلى القول: "إن هذه الحرب سوف تكون خارج ميثاق الأمم المتحدة، وخرقاً واضحاً لهذا الميثاق" وأضاف: "إن الدولة المحتلة يجب أن تتذكر واجباتها تجاه الشعوب المحتلة"، بمعنى أنه لخص ما سيكون عليه الوضع بشكل ما، في وقت بدا فيه بوضوح أن المجلس لا يتجه إلى تغطية قرار الحرب الأميركية على العراق، وأنه ليس ثمة أمل بنسبة 1% في تغيير مواقف الدول الأعضاء لتصبح في هذا الاتجاه، وأن صفحة جديدة في العلاقات الدولية قد تُفتَح وهي صفحة ليست ناصعة بالضرورة. وبعد قمة عقدت على عجل في جزر الآزور في 16 آذار /مارس 2003 استغرقت 45 دقيقة فقط، وفي استعراض سياسي اكتسب الطابع المسرحي هدَف إلى إعطاء الانطباع بأن مسؤولي الدول المجتمعة هناك: الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وإسبانيا والبرتغال قد بذلوا كل جهودهم للوصول إلى حل سلمي لموضوع العراق ولكن من دون جدوى؟! بعد تلك القمة أُعلِن عن التوجه إلى استخدام القوة ضد العراق، وكان القرار متخذاً واختير ذلك الموقع للإعلان عنه فقط. كان هناك جدول زمني لشن الحرب، وفُرِض الجدول الزمني الأميركي على العالم بذرائع كثيرة منها قول ريتشارد هاس مدير إدارة التخطيط السياسي في الخارجية الأميركية:" إن العالم لا يتمتع بترف القدرة على الانتظار"؟! وقد ركز بوش وبلير على كذبة تقول: إن العراق يستطيع أن يستخدم أسلحة الدمار الشامل في خمس وأربعين دقيقة. كانت الوحدة بين ضفتي الأطلسي مفقودة، ولكن القبضة الأميركية على حلف شمال الأطلسي " ناتو" كانت محكمة لا سيما بعد تعديل ميثاق الحلف بمناسبة مرور خمسين سنة على تأسيسه، وإخراج فرنسا من اللجنة السياسية " أو الاستراتيجية"، وتفعيل المادة الخامسة من ميثاقه التي تقرر أن كل عدوان على دولة من دول الحلف يعتبر عدواناً على دول الحلف كلها. وقد جعل ذلك ست عشرة دولة من دوله ترسل قوات مسلحة إلى أفغانستان وتقف مع الولايات المتحدة الأميركية في حربها على أفغانستان، وهي الحرب المستمرة على "الإرهاب" بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 التي أدخل العراق في حلقاتها من دون دليل، واحتلاله يقع، كما قيل، في سلسلة "حروب الولايات المتحدة الأميركية" المتصلة على الإرهاب. ونقل المعركة إلى أرض العدو كما قال الرئيس الأميركي بوش. في الجزيرة التي عقد فيها الاجتماع، وهي قاعدة أميركية، خرجت مظاهرات تندد بالتوجه نحو الحرب ورفعت الجماهير هناك، شأنها في ذلك شأن الكثيرين في العالم، شعارات تعبر عن كراهية لأميركا.. ثلاث دول انخرطت في حرب الرئيس بوش، وازدادت قليلاً فيما بعد لتصل إلى 31 دولة حسب المصادر الأميركية وسميت: التحالف الدولي؟! وخاض الرئيس الأميركي حرباً ما زال يبحث حتى الآن عن الدليل الذي يثبت الادعاءات والمسوغات التي قدمها للعالم من أجل شنها وعلى رأسها التخلص من أسلحة الدمار الشامل العراقية التي تهدد أمن العالم؟! فهل وقف أحد من قبل على جريمة بحق شعب وبلد تُرتكب أولاً ثم يتم البحث عن مسوغات وأدلة لارتكابها؟! وينبت على شوك اللسان سؤال: كيف يمكن لشخص أو لعدد قليل جداً من الأشخاص أن يتسببوا بموت الملايين في حرب بأحدث الأسلحة يصممون على خوضها وتهيئة الظروف لها وهم يدركون نتائجها المدمرة؟! سؤال لا بد من أن نطرحه ونحن نواجه بوش وبلير وصدام حسين وهم يصممون على خوض حرب يكون ضحيتها الأبرياء؟! ويبدو أن البشرية تخرج من حالة غباء لتدخل في أخرى، بفعل أشخاص لا يتحلون بالمسؤولية ولا يتحلون بـ الحكمة ولا يسيطرون على نزقهم وأحقادهم، ويتصرفون من دون معنى ومن دون فهم عميق لدروس التاريخ ولتطلعات البشر ولنتائج الحروب. هناك ساسة لا يفقدون قيمهم الروحية والخلُقية وهم في مناصبهم السياسية بل قبل أن يصلوا إلى تلك المناصب، ومع ذلك يعتلون سدة الحكم ويتحملون مسؤوليات في أوطانهم أو في العالم هي فضفاضة تماماً على ضمائرهم وعقولهم. وهناك أشخاص تضيع كل معاييرهم وقيمهم حين تستغرقهم المسؤوليات والمناصب السياسية وحب البقاء فيها فيلحِقون بالعالم والحضارة الإنسانية والقيم أضراراً فادحة، وقد يتولون كتابة التاريخ من وجهة نظرهم بوصفهم منتصرين أو أقوياء فيزورون الحقيقة ويظهرون أبطالاً؟! وربما تحتم على البشر أن يصدقوا ذلك ويتداولوه ويتعلموه؟! كان حجم الخطر على البشر واضحاً من جرَّاء حرب نتيجتها شبه محسومة لمصلحة القوة الأعظم، ومع ذلك خُطط لاستخدام قوة تدمير في غاية الشدة، لا ترمي إلى تحقيق نصر سريع بل إلى تدمير شامل واسع المدى يشمل الجيش والسلاح والدولة والبنى التحتية والإدارية والبشر والبيئة وسلامة الإنسان. في لقاء بتاريخ 19آذار 2003 مع البروفسور دوج روكيه المسؤول السابق في البنتاغون عن الأسلحة التي تستخدم اليورانيوم المنضَّب أشار إلى المخاطر الكبيرة التي تنتج عن استخدام هذا النوع من الأسلحة, وقال: "إن استخدامها يشكل جريمة ضد الله والبشرية"، ودعا إلى عدم استخدامها وتحريم ذلك الاستخدام.. ولكن نصائحه ونصائح سواه من قبله لم تجد نفعاً وتم استخدام تلك الأسلحة على نطاق واسع في العراق، ومن دون أي اهتمام بما يشكل جانباً إنسانياً أو أخلاقياً أو قانونياً يستحق أن يُلتفَت إليه. كان الجيش الأميركي قد حدد لنفسه خمسين ألف هدف يقصفها في العراق، وفي البرنامج الزمني 3000 ثلاثة آلاف هدف يومياً، وتم إسقاط كم هائل من القنابل على العراق عامة وعلى بغداد خاصة. عجيب وضع البشر من هذه الزاوية، وعجيب بشكل أشد سكوت جماهير وانصياعها بل انسياقها كالماشية وراء من يقودونها أو يسوقونها إلى الموت المادي والروحي معاً من أجل مصالح مادية وأهداف وغايات ومصالح مريضة ومتهافتة خُلُقياً وإنسانياً وتحت شعارات عاطفية أو عدوانية أو مادية أو عنصرية، وهي في معظمها نوازع تسلطية لا تقرها الحكمة ولا يقبلها الإنسان العاقل في الظروف الطبيعية، ومع ذلك تسير خلفها جموع كثيرة؟!. ما السر في كون الإنسان ضمن الجماعة وتحت ضغط الشعارات وبتأثير العاطفة يفقد الكثير من اتزانه وخصوصيته العقلية ومحاكمته ورؤيته الثاقبة ومعاييره الإنسانية العظيمة؟! هل هو السلوك والتصرف الجمعيان والفكر الجمعي يا تُرى أم رسيس مواقف ومعطيات مغلوطة تراكمها الأيام والأيديولوجيا والسياسات والإعلام والخرافات عن الذات وعن الآخر؟! في بعض اللحظات يساورني الشك بقدرة الدين والثقافة على تحقيق نقلة نوعية عميقة في جوهر التكوين البشري الذي يتكشف في لحظات ومواقف وحالات عن جوانب وحشية وهمجية تمليها حالة غير منطقية وغير عقلانية. الثقافة والمثقفون يتعرضون لاتهامات في حالات كثيرة نتيجة لضعف مواقفهم أو غياب تأثيرها في القرار السياسي وعدم قدرتها على منع وقوع المحظور. وفي الشارع العربي على الخصوص، الذي لا يبدو أنه تنازل عن حقه في المعرفة ولا عن دور الوعي المعرفي في حياته وقراراته فقط بل استقال من مسؤولياته وواجبات المواطَنة ومن دوره الاجتماعي والسياسي على صعد عدة وفي مستويات كثيرة، لأسباب شتى منها: التسلط والقمع والتغييب وتحكم الطَّفَاوة البشرية بالعمق الحياتي للناس وشروط معيشتهم..إلخ، مما يشكل معوقات لا تعفي أبداً من المسؤوليات والواجبات.. في الشارع العربي خمول لا يمكن أن يُفهَم أو يُقبل ولا يمكن أن يستمر، لأن ذلك يناقض منطق الأمور وحركة الحياة من جهة ويؤدي إلى موت روحي عظيم الأثر والخطر على دائرة بشرية وجغرافية ومعرفية وروحية واسعة. ـ 2 ـ في الساعة الرابعة وخمس وأربعين دقيقة بتوقيت دمشق من صباح يوم الخميس 20 آذار /مارس 2003 بدأت الحرب العدوانية على العراق، أو حرب الخليج الثالثة، بأربعين صاروخاً أُطلِقت على بغداد استهدفت عناصر قيادية عراقية، فيما سمي "هدف فرصة" تم الإعلام عنه. وقد أعلن الناطق باسم البيت الأبيض آري فلايشر أن عملية نزع سلاح العراق قد بدأت، وأن الرئيس بوش سيلقي خطاباً بعد نصف ساعة. وكان الجيش الأميركي يبحث عن إذاعة عراقية يبدو أنها الإذاعة الرسمية ويقول: هذا اليوم الذي انتظرناه طويلاً، أما العراق فلا يبدو أنه كان ينتظر هذه "الفرصة" رغم عنتريات الكلام، وحاول أن يتفادى الحرب بالوسائل الممكنة ولكنه لم يستطع. من المؤكد أن الرئيس جورج W بوش يملك قوة تجعل لكلماته طعم الحقيقة المُرَّة، والعراق مثل العرب الآخرين لا يملك من القوة ما يجعل للحقائق والوقائع الثابتة أي طعم ؟ وبدا لي من المتابعة لما سبق الحرب أن الرئيس بوش رجل لا يجدي معه الكلام فهو معبأ ومشحون تماماً وواقع بشكل نهائي تحت تأثير إيمانه الديني وولائه الصهيوني، وتحت وهم أنه مكلف برسالة إلهية تجعله يقف بالنتيجة ضد العرب والمسلمين، وأن التاريخ يناديه ليقوم بواجب وتكليف إلهيين لا يتوقفان عند حدود العراق، وأن الحركة الصهيونية قد أوكلت إليه حربها المطلوبة بإلحاح لتدمير قوة عربية ترى أنها تشكل خطراً على الكيان الصهيوني، وهي الحرب التي تحقق مصالح مشتركة للطرفين وتنسجم مع استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية من جهة، وتلامس أوتار إيمان الرئيس وتدغدغ مقومات غطرسته وتستثير رسيساً صليبياً عميقاً لديه عبر عنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بقوله: إنها " الحرب الصليبية المقدسة" التي بدأها في أفغانستان، وهي في العراق تشكل انتقاماً وحالة ثأرية تتصل بحرب والده من جهة أخرى. حتى الآن ورغم مرور أشهر على نهاية الحرب، لم يزل هناك ثلاثة مفقودين في العراق لم يتم العثور عليهم حتى الآن: أسلحة الدمار الشامل، ورأس النظام الذي سقط صدام حسين(1)، والأسرى الكويتيون، حيث فتح الكويتيون أرضهم للقوات الأميركية والبريطانية الغازية وفي إحدى خلفيات موقفهم: أن يخلصوا أسراهم، وأن يثأروا من العراق الذي احتل أرضهم عام (1990 ـ 1991) ويردوا له الصاع صاعين، إضافة إلى عدم قدرتهم على رد أي طلب للولايات المتحدة الأميركية. وهكذا أصبح لدى الأميركيين إضافة إلى "أسامة بن لادن" والملا عمر في أفغانستان، ثلاثة مفقودين آخرين في العراق تم العثور على واحد منهم. وفي سعي لتوسيع دائرة الحرب الأميركية في المنطقة لتشمل سورية قال أرئيل شارون: "إن أسلحة الدمار الشامل العراقية سُرِّبَت إلى سورية"، وكان ذاك من الافتراءات الصهيونية المعهودة التي ردت عليها سورية بالنفي التام؟! وبدأت الولايات المتحدة الأميركية بعد سقوط بغداد بيوم واحد أي في العاشر من نيسان 2003 تهديد سورية تحت ذرائع واتهامات عدة بينها السعي لامتلاك أسلحة الدمار الشامل وتسهيل دخول عناصر النظام في العراق ورموزه إلى الأراضي السورية، لكن الأهداف البعيدة الكامنة وراء ذلك كانت تعود في معظمها لمدة سابقة على غزو العراق واحتلاله، وسوف أتوقف عند ذلك لاحقاً. أتت الحرب العدوانية على العراق حلقة في سلسلة بدأت الولايات المتحدة الأمريكية التخطيط لها في عام 1996، وعززت ذلك التوجه وسرَّعت خطواته أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 حيث أصبحت الاستراتيجية التوسعية الأميركية تنفَّذ تحت شعار "محاربة الإرهاب". وقد قررت دول العالم جميعاً أن تناصر الولايات المتحدة الأمريكية في "محاربة الإرهاب"، ولكن العملية التي بدأت في أفغانستان كانت موجهة إلى عالم أوسع بكثير من ذلك البلد الفقير المتخلف، عالم ذي جغرافية بشرية وثقافية وعقائدية محددة: إنه العالم الإسلامي بشكل عام والوطن العربي بشكل خاص، وقد بيَّن ريتشارد هاس مدير إدارة التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأميركية حدود الجغرافية المستهدَفة في خطابات ودراسات سابقة على الحرب أقتطف منها قوله في مقال له بعنوان : "وهكذا من (كاوكاسوس) ـ "وهي مدينة في موزنبيق"، إلى جنوب شرق آسيا، إلى القرن الأفريقي، نحن نعمل مع الدول الواقعة على حدود الإرهاب، من أجل تحسين قدرات تلك الدول، بحيث تستطيع مواجهة الأخطار التي تتعرض لها من الداخل، وفي كل من جورجيا والفلبين على سبيل المثال بدأنا برنامج تدريب وإعداد من أجل تعزيز قدرات القوى العسكرية الوطنية." والجغرافية التي أشار إليها هاس وقال: إنها حدود "الإرهاب"، تمتد من "موزنبيق إلى جنوب شرق آسيا إلى القرن الإفريقي"، هذه المنطقة تحدد جغرافية معظم بلدان العالم الإسلامي بشكل عام. ولأن الأميركيين ربطوا الإسلام بالإرهاب، ورفض المحافظون الجدد منهم أي حوار حول هذا الذي اعتبروه حقيقة مطلقة ونهائية، وأعلنوه، وحاربوا انطلاقاً منه، ورفضوا التوجه لمناقشة الفكر الإسلامي والاقتراب من مصادره حتى في حلقات درس أرادت أن تقيمها بعض الجامعات الأمريكية، وعندما قرر أستاذ جامعي عقد حلقة درس حول القرآن الكريم في جامعة أميركية لمن يرغب من طلاب الدراسات العليا من دون أن يكون ذلك مقرراً دراسياً، أقاموا الدنيا ومنعوا ذلك وهاجموا الأستاذ المسؤول، وقالوا عنه وعمن يؤيده: إنهم يدرسون "كتاب الإرهاب"؟! تعود عملية ربط الإسلام بالإرهاب تمهيداً لحملة تُشنّ عليه إلى عقد الثمانينيات من القرن العشرين، واستغل نتائجها المحافظون الجدد وأتباع الفيلسوف اليهودي النازي ليو شتراوس ومن وافقهم من المتصهينين والمتطرفين بعد أحداث الحادي عشر من أيلول /سبتمبر 2001 حيث قال أولئك بضرورة تجفيف منابع التدين لكي يُقضي على "الإرهاب" في الإسلام، وقالوا بتغيير مناهج التربية والتعليم لاسيما ما يتعلق منها بالتربية القومية والوطنية والدينية والتاريخ والجغرافية، وهي توجهات سياسية ـ ثقافية تستهدف الهوية والشخصية الثقافية العربية والانتماء ومنظومات القيم الإسلامية في هذه المنطقة المستهدَفة منذ عقود لمصلحة "إسرائيل" ومشروعها الإمبريالي ـ الاستيطاني بالدرجة الأولى، ولطمس كل ما يتعلق بقضية فلسطين وبمعطيات الصراع العربي الصهيوني في أرض الواقع وفي الذاكرة. ويمكن القول: إن الحرب العدوانية على العراق تأتي في ذلك السياق ولكنها مطلب صهيوني ومصالح استراتيجية أميركية التقت في مفاصل جغرافية وزمنية وثقافية، وهو ما أنطلق منه ابتداء بسؤال: لماذا العراق؟! كان العراق في الثمانينيات من القرن الماضي يخوض في المنطقة حرباً أمريكية بالوكالة، ولا أشك في أن صدام حسين كان يدرك ذلك ويتجاوب معه ويطرب له، وربما كان من وافقه من العراقيين والعرب ودعمه في تلك الحرب لا يرى الوجه الأميركي الخالص لها. كان الرئيس العراقي يرمي إلى امتلاك قوة غير مسبوقة في المنطقة تحت غطاء تلك الحرب ليتسنى له أن يحقق أهدافاً وأطماعاً كانت في برنامجه ويتطلع إلى تحقيقها. وقد استنزفت تلك الحرب التي دامت أكثر من ثماني سنوات ثروات كل من إيران والعراق ودول الخليج العربي وطاقاتها، ودمرت عمراناً كثيراً، وقضت على مئات آلاف الأرواح البشرية البريئة، وكادت تؤسس لصراع دائم بين العرب والمسلمين لتشق الصف الضعيف وتضربهم بعضهم ببعض، كل ذلك جاء في سياق عمل كارثي دامٍ عقيمٍ سماه الرئيس العراقي بعد أن وضعت الحرب أوزارها: " عملاً من أعمال الشيطان"، ولم يكن بذلك يقصد الولايات المتحدة الأميركية التي كان يسميها الخميني الشيطان الأكبر وإن التقى معه على نحو غير مقصود في نص العبارة. لم تذكر الإدارة الأميركية مئات الآلاف الذين قضوا في تلك الحرب، ولم تذكر المخالفات الكبيرة والكثيرة التي وقعت في أثنائها وما استخدم من أسلحة دمار شامل فيها سواء في " حلبجة" أو في سواها، ولم تثر موضوع تسلح العراق بعد انتهائها مباشرة، وقد كان دونالد رامسفليد وزير الدفاع الأميركي الحالي مستشاراً مؤيداً لإعطائها للعراق في عام 1983 لكي يضرب بها إيران.. لقد أراد الأميركيون والصهاينة ومن حالفهم أن يقتتل العرب والمسلمون وأن يفني كل منهم الآخر كي يتخلصوا من الجميع. وعلينا أن نتذكر أنه في الحرب العراقية الإيرانية عملت ست وخمسون دولة في السوق السوداء كانت تتاجر بسلع تمتد من السلاح إلى الدواء والغذاء منها اثنتان وثلاثون دولة تاجرت بالسلاح والمعدات الحربية الأخرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وأنه لم يُقدَّم مشروع جاد إلى مجلس الأمن الدولي أو يُتَّخَذ موقف حازم لوقف تلك الحرب الدامية، وأن أموال الخليج والعراق وإيران ذهبت إلى جيوب الغربيين بالدرجة الأولى، وكان المستفيد الأول منها: الولايات المتحدة الأميركية والمتحالفون معها. أما الأسلحة الكيمياوية التي استخدمت في تلك الحرب ضد إيران أو في "حلبجة" فلم يتكلم عنها أحد من (1982 ـ 1983)، إلى ما قبل عام (2000) تقريباً أو (2001)، لقد كانت قضية مُقرَّة ومسكوتاً عنها لأن الأمريكيين أرادوا ذلك، ثم أصبحت غير مقرَّة ومثارة علناً وبقوة من الأميركيين الذين أخذوا يقولون: إن العراق يملك أسلحة دمار شامل وإن النظام ضرب شعبه وضرب سواه بتلك الأسلحة لأن الأمريكيين أرادوا ذلك أيضاً؟! لقد كان العراق، على نحو ما، في قبضة الولايات المتحدة الأميركية ويعمل ما يخدم استراتيجيتها. وعندما زحف صدام حسين زحفه المشؤوم نحو الكويت واحتلها كان يقرأ الرضا الأميركي ويتزحلق على دبلوماسية " إبريل غلاسبي" التي قالت له بلسان أميركي خبيث إن القضية بين الكويت والعراق شأن خاص لا تتدخل فيه الولايات المتحدة، الأمر الذي أغراه أكثر استناداً إلى رصيده وما اتخذه من مواقف وما قدمه للأميركيين من خدمات سابقة، نقرأ في ضوئها قوله في أثناء الأزمة: "الكويت جائزتي"؟! ونتساءل: جائزته على ماذا.. ولماذا!؟ إنها على الحرب ضد إيران التي كانت حرباً أميركية بالوكالة استخدم لتأجيج نارها داخلياً شعار طائفي مقيت. وحين اختلفت الطرق وتعارضت المصالح لم تعد الورقة الصدَّامية صالحة للاعب الأميركي الذي قرر أن يضع صدَّاماً عند حدوده، وبدأ صدام بدوره مرحلة التمرد على من كان متعاوناً معهم أو مطية لهم؟! لقد كانت هناك أسباب ومستجدات ومصالح وتحولات ومسرّعات لجعل الأمور تسير في هذا الاتجاه، ويأتي في جزء منها معطيات ومسوِّغات ومطالب عربية تم توظيفها أميركياً، ولكن الأساس مطالب صهيونية ومصالح أميركية. ـ 3 ـ في عام 2007، سوف تصبح حاجة الولايات المتحدة الأمريكية للنفط المستورد بنسبة تزيد على 65% مما تملكه الآن حسب بعض التقديرات، وهي تستهلك اليوم نحو عشرين مليون برميل من النفط يومياً وسوف يزداد استهلاكها ومن ثم تزداد حاجتها للطاقة وللنفط خصوصاً في السنوات القادمة وفقاً لبرامج التنمية ومخططها الإمبريالي الذي يستلزم قوة أعظم وانتشاراً أوسع وطاقة أكبر. لقد وصلت إلى شواطئ بحر قزوين، وشاطأت دولاً على ذلك البحر من خلال احتلالها لأفغانستان، وهيمنت على النفط والغاز الموجودين هناك بنسب عالية من خلال اتفاقيات وعلاقات ترقى إلى مرتبة التحالف مع بعض دول آسيا الوسطى، ولكن ذلك البحر والطاقة الواعدة فيه من الغاز والنفط بقي مقلقاً لصعوبات الإنتاج والتسويق من جهة ولأنه ليس تحت السيطرة التامة من جهة أخرى، فهناك روسيا وهناك إيران وهناك الحليف التركي أيضاً الذي لا بد من مراعاة مصالحه وعدم استفزازه نظراً لصلته القومية والتاريخية بشعوب آسيا الوسطى المشرفة جغرافياً على بحر قزوين. وجغرافية العراق تشكل موقعاً استراتيجياً هاماً قريباً من إيران وبحر قزوين وتركيا، وفي العراق كميات هائلة من النفط تشكل أعظم احتياطي نفطي متوقع في العالم حتى الآن بعد السعودية، ففي آبار العراق النفطية المكتشفة المستثمرة وآباره المكتشفة غير المستثمرة، ولا نتحدث عما سيكتشَف من حقول واعدة قد تجعله صاحب الاحتياطي النفطي الأول في العالم.. في العراق احتياطي نفطي يقدر حسب الخبراء بأكثر من /115/مليار برميل، وهذه الكمية من الاحتياطي المرشحة للزيادة لا توجد في أي بلد في العالم. إن المملكة العربية السعودية هي الآن المنتج الأول للبترول في العالم وهي الدولة صاحبة أضخم احتياطي نفطي مكتشف حتى الآن، ولكن العراق هو الذي يملك أكبر احتياطي نفطي متوقع في العالم على المدى البعيد. ونفط السعودية ودول الخليج الأخرى هو على نحو ما في قبضة الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن السيطرة على العراق سوف تمكِّن شركات استثمار النفط من الوصول إلى إنتاج ثلاثة ملايين برميل يومياً حتى نهاية عام 2003 كما كان يتوقع تشيني نائب الرئيس جورج بوش بعد سقوط بغداد مباشرة، والوصول إلى ما بين عشرة واثني عشر مليون برميل يومياً بعد (8 ـ 10) سنوات وفق التخطيط الأميركي، الذي أفقدته المقاومة العراقية مرتسماته وإمكانيات تنفيذه وفق البرنامج الزمني المرسوم. وهذا يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية عندما تسيطر على نفط العراق، لن تخشى منظمة أوبك ولا تقلبات الأسواق والسياسة ولا التلويح باستخدام النفط العربي سلاحاً في الصراع من أجل تحرير الأرض المحتلة أو التوصل إلى حل عادل لقضية فلسطين وسواها من قضايا المنطقة، وسوف "تفرُط" أوبك أو تشلها من الداخل من خلال موقع العراق الذي تحتله وسوف تتحكم بقراره إلى مدى بعيد، وستتحكم بأسعار النفط وضخه وتسويقه، ومن ثم تتحكم بمستقبل التنمية والنمو الصناعي في العالم من خلال التحكم برقاب منافسيها وشركائها من الدول الصناعية الثماني إلى الأوربيين والآسيويين الصينيين والهنود، لأنها سوف تسيطر على معظم النفط في العالم. وما جولة الرئيس الأميركي جورج بوش التي تلت الحرب على العراق إلى بعض الدول الإفريقية سوى مدخل تمهيدي للوصول إلى هيمنة أشمل على الطاقة من مصادرها ومواقعها المتعددة في إفريقية، وليست ليبيا الهدف الذي أصبح باليد بعيدة عن ذلك التخطيط منذ البداية. وبعد العراق سوف تلتفت إلى نفط إيران من خلال التهديد المباشر الذي بدأت وتيرته ترتفع وذرائعه تتعدد وتتنوع ومنها أسلحة الدمار الشامل. لكن العراق ليس النفط فقط.. العراق هو الموقع الاستراتيجي أيضاً والقوة العسكرية التي خاضت حربين في الخليج وبقيت موجودة وذلك لا يريح كثيرين. والإدارة الأميركية تريد أن تسيطر على العراق بكل الطرق والصيغ والأشكال وأن تدمر قوته وتغيّر نظامه وتوجهاته السياسية، وتدمِّر قوى عربية وإسلامية أخرى ومن ثم تغير أنظمة عربية وتعيد رسم الجغرافية السياسية في المنطقة، وتغيّر الثقافة السياسية فيها، لأنه يراد للكيان أن يهيمن ويبقى القوة المتفوقة على دول المنطقة مجتمعة، ولا بد من أن يحكم ويتحكَّم ويستقر فوق بحر الدماء العربية الذي صنعه إرهاب الدولة الصهيونية.. وأن يعيش كما يريد أن يعيش: متفرداً بالقوة في منطقة تتكون من فسيفساء دول وطوائف وقوميات ضعيفة خائفة متناحرة ينبغي أن يُفرَض عليها الاعتراف به والتطبيع والتعامل التامان معه. والعراق مدخل استراتيجي ومساحة تحرك ونقطة تهديد واستناد مباشرة ومؤثرة في هذا المجال، والسيطرة عليه تعني فيما تعني توجيه ضربة استباقية لأية قوة من أي نوع وأي محور يربط بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت قد يشكل رافعة سياسية واقتصادية وعسكرية للوطن العربي وللمنطقة كلها بوجه النفوذ والتهديد والغزو والاحتلال الصهيوني الأميركي. والسياسة الأميركية تعطي أهمية كبيرة وأولوية استراتيجية لإنجاز الأمور الآتية في العراق بعد الاحتلال: 1 ـ إقامة ما لا يقل عن خمس قواعد عسكرية أميركية كبيرة في أنحاء مختلفة من العراق، واحدة منها في الموصل على امتداد خط النظر المقابل لمحافظتي دير الزور والرقة السوريتين. وهي الآن تعيد انتشارها في المنطقة، وتسحب ـ في إطار إعادة الانتشار ولا أسميه انسحاباً ـ قوات لها موجودة في السعودية، لأنها عندما تضعها في العراق، تبقى السعودية عملياً بالمفهوم الاستراتيجي تحت السيطرة وتضعِف ورقة " المقدسات" الإسلامية أو تسحبها من أيدي الإسلاميين السعوديين بشكل خاص والمسلمين بشكل عام، وتسحب من التداول الذريعة الأقوى التي بيد القاعدة وبن لادن، تلك التي تقول: إن القوات الأمريكية تحتل مناطق من السعودية وتدنس الأرض المقدسة ولا بد من مقاومتها. وبتمركز الأميركيين في العراق لن يتغير الوضع الاستراتيجي ولكن يتغير التكتيك، ليبدأ بعد ذلك ابتزاز المملكة العربية السعودية واتهامها بالإرهاب، وتهديدها والتلويح لها بـ: " تقسيمها إلى ثلاث دول: نجد والحجاز والمنطقة الشرقية وكل ذلك كي تنفذ مطالب وتعيد النظر بسياسات تربوية وثقافية وبمناهج تعليم، وسوف يصل الأمر إلى حدود الدخول باتهام الإرهاب إلى العقيدة والمطالبة بتغيير في المذهب الوهابي ذاته لأنه كما يشيعون ويمهدون في إعلامهم وتصريحاتهم وتصنيفاتهم ودراساتهم: "مذهب متطرف يعلم "الإرهاب"؟! والدخول كذلك إلى مجالات أخرى منها المطالبة بتغيير التوجهات الاجتماعية والتقاليد. ويرون أنه إذا تحقق لهم ذلك تتحقق عملياً السيطرة على البلد وعلى الخليج وبعض توجهات البلدان الإسلامية من دون احتلال مباشر، لأن الاحتلال المباشر للسعودية غير ممكن، ومكلف، ويثير العالم الإسلامي كله: << قيامة العالم ستقوم بأشكال مختلفة نتيجة احتلال المقدسات الإسلامية والأرض المؤدية إلى تلك المقدسات نظراً للمكانة التي تشغلها في نفوس المسلمين>>. 2 ـ الاعتراف بالكيان الصهيوني وتطبيع العلاقات معه، ونتيجة لذلك وفي إطاره يتم: أ ـ إيصال النفط العراقي من كركوك عبر الموصل إلى ميناء حيفا، وهو الخط الذي كان يعمل قبل 1948، لمد "الكيان الصهيوني" بالنفط وبعائدات مالية نتيجة مرور أنبوب النفط في أرض فلسطين التي يحتلها. وقد قال بنيامين نتنياهو مؤخراً إن الخطوات على هذه الطريق تدعو إلى التفاؤل، وصرح للشركات " الإسرائيلية" بأن تعمل في العراق على الرغم من عدم وجود اعتراف متبادل بين الدولتين. وتقوم الآن سبعون إلى مئة شركة " إسرائيلية" بالعمل في العراق وتسوّق منتجات بملايين الدولارات، ومنها شركات: دان للمواصلات ـ طمبور للدهانات ـ سونول للمحروقات ـ دلتا للنسيج، ومن أبرز رجال الأعمال اليهود الإسرائيليين العاملين في هذا المجال: الجنرال أمنون شاحاك رئيس الأركان السابق في جيش العدو وبيني ميدان مستشار إيهود باراك. ب ـ العمل على جر مياه من شط العرب أو من الفرات إلى فلسطين المحتلة لتغطية حاجة الكيان الصهيوني من المياه. وقد يكون هذا هو المشروع البديل لمشروع شراء المياه من تركيا. وعلى هامش هذين الأمرين وترسيخاً لهذا التوجه بدأ الموساد " الإسرائيلي بشراء عقارات في بغداد وأنحاء أخرى من العراق بأثمان مرتفعة جداً مستفيداً من أوضاع العراقيين والسوق الراكدة، وبحث جدياً موضوع شراء فندق زهرة الخليج في بغداد ليكون مقراً للموساد على مقربة من مقر وكالة المخابرات الأميركية الـ C.I.Aوأقام رجل الموساد إيغال كرمون مركز أبحاث إسرائيلياً في بغداد يهتم بتوجهات المجتمع العراقي ويقرأ ويحلل ما ينشر في الصحف وما يقال ويلقى في التجمعات والمقاهي والندوات وفي المساجد والحوزات العلمية ليستنتج توجهات الرأي ويتدخل في التوجيه العام بالتعاون م الموضوعالأصلي : العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: بشري
| ||||||||
الخميس 19 مارس - 22:43:00 | المشاركة رقم: | ||||||||
عضو نشيط
| موضوع: رد: العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة ع الأميركيين. 3 ـ إلغاء وجود جيش فيه خدمة إجبارية في العراق، وقد تم حل الجيش العراقي فعلياً بقرار من الحاكم الأميركي بريمر، ويجري العمل على تشكيل جيش من المتطوعين تصل الدفعة الأولى منه إلى اثني عشر ألفاً تتولى اختيارهم وتدريبهم قوة الاحتلال والمؤسسات التي تتعاقد معها. وقد تم التعاقد مع مؤسسة أميركية بمبلغ 48 مليون دولار لتدريب الدفعة الأولى المشار إليها أما الدفعتان الأخريان فسيجري استكمالهما حتى نهاية عام 2005، وقد أشار الحاكم الأميركي بريمر(2) في 25 حزيران 2003 إلى أنه سيبلغ تعداد الجيش العراقي من المتطوعين حصراً حتى نهاية عام 2004 حوالي 40000 ضابطاً وجندياً. وإذا ما تم هذا وفق المخطط فإنه يتحقق للأميركيين ضبط هذا الأمر والتحكم به على المدى البعيد، وتتم السيطرة على قوة العراق المؤثرة وتوجهاته المستقبلية وسياسته التي يتدخل فيها الجيش عند الطلب ويمتنع عن التدخل فيها عند الطلب أيضاً، كما يتم التحكم بجهاز الأمن الداخلي والشرطة من خلال التكوين والتدريب وأشكال الارتباط. ويأتي ذلك بعد أن تم تدمير قوة العراق وجيشه ومعداته وأسلحته العادية وصناعته العسكرية، وتدمير الدولة ومؤسساتها في مجالات كثيرة، وتدمير آمال الكثير من البشر هناك. 4 ـ أما المناهج التربوية والتعليمية فيأتي تغييرها في العراق وفق سياسة أميركية للتغيير تشمل البلدان العربية والعالم الإسلامي، وسوف يتم ذلك وفق رؤية أميركية ـ صهيونية اشتد التأكيد عليها والإسراع بها والترويج لها بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 وهي استراتيجية صهيونية قديمة تلتزم بها إدارة بوش وتعمل على تطبيقها وترمي إلى تدمير القيم الروحية والقومية وخصوصية المجتمع العربي الإسلامي ومقومات هويته. وفي العراق بدأ العمل على تغيير المناهج في وقت سابق على إعلان الحرب وذلك بتشكيل لجنة في الولايات المتحدة الأميركية تعمل بإشراف وزارة الخارجية وضمن برنامجها المعروف باسم" مستقبل العراق"، مكونة من سبعة عشر مربياً أميركياً من أصل عراقي بينهم د. هند رسام و د. زينب سويج وبدأت اجتماعاتها في 3 شباط/فبراير 2003 في واشنطن العاصمة، ومما ورد التأكيد عليه: " أن المناقشات تركزت على إصلاح البرامج الدراسية، وتدريب المعلمين، والسياسة التعليمية التي ستؤثر بشكل رئيسي على مرحلتي الدراسة الابتدائية والثانوية". وقد جاء أحمد الجلبي إلى الناصرية في الطائرة العسكرية الأميركية التي أقلَّته إلى هناك مع 700 من عناصره يوم 7 نيسان/2003 ببعض مسودات كتب المناهج الجديدة تلك لتكون بديلاً من المناهج القائمة لاسيما مواد: التاريخ والتربية القومية والتربية الدينية، حيث يلغى كل ما يتصل بالصراع العربي الصهيوني، وقضية فلسطين، وبالفكر القومي والمسؤولية القومية والانتماء القومي، ولا يُمسّ "الكيان الصهيوني" من قريب أو بعيد بشيء يؤذيه، ويتم حذف كل ما يسميه الأميركيون والصهاينة تحريضاً أو تربية تؤدي إلى تعزيز الذاكرة القومية وترسيخ مواقف وثوابت تتعلق بالانتماء العربي وبالقضايا القومية الكبرى وعلى رأسها قضية فلسطين، ولا تذكّر الأجيال القادمة بأية قضية لها في الأذهان حضور يعيد التعلق بحق تاريخي في فلسطين أو قيم نضالية وحدوية. وقد أكد الرئيس بوش بعض أفق تلك الرؤية وذاك التوجه الأميركي الصهيوني بوضوح عندما قال في رسالة لمنظمة مؤتمر الأمن والتعاون الأوربي في 19/6/2003 ".. من واجب الحكومات أن تتأكد من خلو الكتب المدرسية والتصريحات والمنشورات الرسمية والبرامج التلفزيونية العامة من معاداة السامية" وهو يرمي إلى تحريض الأوربيين ليكونوا مع برنامجه الإمبريالي الموجه للبلدان العربية والإسلامية. وكان في خطابه في قمة العقبة 5/6/2003 قد دعا إلى وقف "التحريض في الكتابة والإعلام والسياسة" واعتبر أن التحريض على مقاومة الاحتلال الصهيوني نوع من الإرهاب ينبغي أن يتوقف، وأقر بشكل غير مباشر حرباً أهلية بين الفلسطينيين بذريعة قيام السلطة بمقاومة الإرهاب وهو يعني المقاومة ويشترط تدميرها ليستأنف تنفيذ خطوات أخرى في مسار خريطة الطريق. وفي هذا نوع من الأحكام والمواقف المسبقة ومن مصادرة لحرية التعبير، لأنه يحاكم أو يدعو إلى ملاحقة المعارضين لفكره وسياسته ونظرته إلى المفاهيم والمصطلحات والأمور في العالم كله ويدعو إلى قمع أولئك المعارضين. وهذا ليس مناقضاً للحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية ومفاهيم المقاومة المشروعة للاحتلال فقط، وإنما دليل على عقلية تحكم وفق انتقائية مَرَضية وانحياز أعمى على أسس اعتقادية تنطوي على عنصرية صهيونية معروفة بممارساتها النازية في فلسطين المحتلة وبتأييد الأميركيين وانحيازهم لها. 5 ـ أن يأخذ العراق بنظام السوق والخصخصة ويفتح أبوابه بلا قيد أو شرط أمام الاستثمارات التي تشرف عليها عملياً سلطة الاحتلال من جهة وتتحكم بتوجهاتها من خلال سيطرتها على الشركات العملاقة العابرة للقارات. وقد تم الإعلان رسمياً عن فتح العراق لمن يريدون التملك من دون شروط عدا التملك في قطاع النفط، ويكاد هذا يوازي الإعلان عن بيع العراق. أما التّلفّت العدواني الأميركي نحو سورية فيأتي بذرائع مختلفة: سورية لم تكن خارج قائمة الاتهامات والتهديد الأميركية ـ الصهيونية في أية لحظة من اللحظات، فقد كانت في رأس قائمة ما يسمى الدول التي ترعى الإرهاب التي تصنفها وزارة الخارجية الأميركية منذ عام 1989، ودعا الرئيس حافظ الأسد (رحمه الله) ـ في عام (1984 ـ 1985)، عندما طلب منه القضاء على المقاومة الفلسطينية واللبنانية اللتين يلصقون بهما صفة "الإرهاب"، دعا إلى عقد مؤتمر دولي بإشراف "الأمم المتحدة" لتعريف "الإرهاب" ومن ثم مكافحته دولياً وفق أسس، كما دعا إلى التفريق بين (المقاومة المشروعة) و"الإرهاب" المدان، وقال إن المقاومة الفلسطينية والمقاومة الوطنية في لبنان ليستا إرهاباً وإنما مقاومة مشروعة ضد الاحتلال ومن أجل قضية عادلة. ولكن الولايات المتحدة الأميركية حالت دون عقد المؤتمر حماية للكيان الصهيوني الذي قام على الإرهاب وما زال يمارسه وأضاف إليه إرهاب الدولة الممنهج برعاية أميركية لا نظير لها. وجاء ذلك لخلط الأوراق بصورة متعمدة كي تتم ملاحقة المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني والتضييق على الدول التي تدعمها في ظلال وضع دولي مبهم ودعاية أميركية ـ صهيونية واسعة ضد المقاومة والدول العربية التي تقول بمشروعيتها. ولم تستجب الولايات المتحدة الأمريكية لهذا المطلب الذي كررته سورية في عهد الرئيس بشار الأسد، وكان آخر ما قاله الأمريكيون حول الموضوع على لسان "كونداليزا رايس": "الإرهاب هو ما نعرفه ونعرِّفه" و" لا يوجد إرهاب جيد وإرهاب سيئ" في محاولة لوضع المقاومة الفلسطينية واللبنانية في لائحة الإرهاب والرد على المنطق السائد الذي يقول بشرعية المقاومة وإدانة الإرهاب، وهي بذلك تقول بلسان الدولة الأعظم: كلمتنا هي الفصل ونحن المرجع النهائي.. ويبدو أن هذا يصلح لتلخيص النظام الدولي الجديد من وجهة نظر الولايات المتحدة الأميركية. أما المنظمة الدولية أي هيئة الأمم المتحدة التي بدأ الحديث فيها حول تعريف الإرهاب منذ 1964، فلم تستطع أن تعقد مؤتمراً دولياً لتعريف "الإرهاب"، ولم تستطع أن تفرق، بسبب التدخل الأميركي السلبي، بين (مقاومة مشروعة) ضد الاحتلال وبين "إرهاب مدان"، وقد أدانت الولايات المتحدة الأميركية مقاومة مشروعة وسكتت عن إدانة إرهاب الدولة الصهيوني في الكثير من الحالات. وبقيت المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني من أي مصدر أتت ولأي سبب حتى للدفاع المباشر عن النفس.. بقيت إرهاباً بنظر الكيان الصهيوني وحليفه الأميركي ومجموعة الدول الأوربية وبعض الدول المؤيدة لها أو المنساقة في ركابها، وبقيت سورية التي تقر بمشروعية المقاومة و تدين الإرهاب ولها أرض محتلة منذ أكثر من /37/ سنة، بقيت دولة راعية للإرهاب بالمفهوم الأميركي، لأنها تدعم "حزب الله" ومقاومة للاحتلال، وتدعم المقاومة الفلسطينية في الداخل ضد المحتل الصهيوني وممارساته العنصرية، ولا يجوز لها أن تدعم هؤلاء من وجهة نظر أميركية؟! لكن المقاومة ضد الاستعمار والاحتلال حسب الشرعية الدولية وتاريخ نضال الشعوب تختلف عن الإرهاب اختلافاً جوهرياً، فالمقاومة فعل مشروع تقره القوانين الدولية وتجارب الشعوب وأعرافها وقد مارسه كل من تعرض للاحتلال.. مارسها الأمريكيون ضد الاحتلال البريطاني، والفرنسيون ضد النازيين، والروس ضد الألمان، والجزائريون ضد الفرنسيين، والفييتناميون ضد الفرنسيين والأميركيين، والصينيون ضد اليابانيين..إلخ، لكن "إسرائيل" فوق المساءلة وفوق القانون، وأمريكا تملك القوة، ومن يملك القوة يصنع القانون ويفرض نوعاً رديئاً مما يسميه حقائق الواقع، وشيئاً أكثر رداءة في سلم المفاهيم والأخلاق والمعايير والقيم، ويجعل من اختراق القانون قانون قوة فوق الحقائق والأخلاق؟! ويمكن القول بكل أسف: إنه لا يوجد قانون دولي يحترم خارج نطاق القوة المهيمنة وتفسيرها وتطبيقها وقانونها ومصالحها، القانون الدولي تشكله القوة بالدرجة الأولى ولم يعد له صلة بالحق والعدل والقيم السليمة، وكل الوقائع تشير إلى ذلك، والاستثناءات في هذا المجال قليلة ولا تتم أصلاً إلا من خلال توافق القوى على تطبيق معين للقانون الدولي في بعض الحالات. في تعريف "الإرهاب" إذا أخذنا تعريفاً من مصدرين يهوديين أحدهما صهيوني متطرف هو: " بنيامين نتنياهو" الذي يقدم نفسه باحثاً ويروِّج للدوائر الأمريكية معلومات عن "الإرهاب" وعن سورية التي" ترعاه" بمفهومهم، ومن مصدر يهودي آخر أقل تطرفاً، أو ليس متطرفاً إن شئت، هو الأميركي " نعوم تشومسكي"، في ذينك التعريفين نقف على الآتي: يقول تشومسكي: "نستخدم تعبير الإرهاب للإشارة إلى التهديد باستخدام العنف، أو استخدامه بالفعل للتخويف أو الإكراه لتحقيق غايات سياسية في معظم الأحيان، سواء أكان إرهاب الجملة الذي يمارسه الأباطرة، أم إرهاب التجزئة الذي يمارسه اللصوص."(3) أمّا نتنياهو، وهو مدخول بالعنصرية وبوجهة نظر سياسية محددة ومحدودة فيقول:" "الإرهاب هو استخدام العنف الإرهابي ضد دولة معينة بواسطة دولة أخرى تستغل الإرهابيين لشن حرب من خلال الأفراد كبديل للحرب التقليدية، وأحياناً يأتي الإرهاب من حركة أجنبية تتمتع بتأييد دولة مستقلة تسمح وتشجع نمو هذه الحركات على أرضها."(4) وتعريفه هنا موجه ضد سورية تحديداً ويفتقد للموضوعية والعلمية والنزاهة مما يجعله لا يعتد به علمياً، وعلى الرغم من ذلك أوردناه لنقول من خلال التعريفين إن الإرهاب بالنتيجة: " عدوان على الأشخاص، والممتلكات، لتحقيق أهداف سياسية، وهو يؤثر في الأمن وفي الاستقرار، ومن ثم قد تقوم به دول، أو مجموعات معينة، أو أحزاب، أو فئات. أما "الإرهاب" الذي يقوم به أشخاص، فهو يندرج في إطار الجريمة المنظمة، أو الجريمة الدولية، ولا يدخل في مجال "الإرهاب" بالمفهوم السياسي العام. إذا أخذنا هذا المفهوم وطبقناه على الاستيطان الصهيوني في فلسطين والجولان، نجد أولاً أن الاستيطان عدوان على الأشخاص والممتلكات، وأنه يزلزل الأمن ويعرض الأفراد والمجتمع والعمران لمردود العنف الدائم، ويجعل الأسر والأفراد المالكين مهددين بانتزاع أملاكهم ومقومات استقرارهم واطمئنانهم. ويتم ذلك لتحقيق هدف سياسي وفق برنامج وهو جوهر المشروع الاستيطاني الاستعماري الصهيوني المستمر، وهو يؤدي إلى قتل أشخاص أو اقتلاعهم من موطنهم، ويدمر مقومات وجود شعب، ويؤدي إلى تشريده، أو نفيه، ويدمر أمن واستقرار من يطالهم، وهذا هو ما يقوم به الكيان الصهيوني عملياً ويومياً منذ تأسيسه بالإرهاب وحتى اليوم. وترعى هذا الإرهاب الذي يقوم به أفراد بدعم " الدولة" و " دولة" لاستقدام أفراد"، وتقدم له الدعم الشامل والثابت والدائم الولايات المتحدة الأمريكية الراعي الأول للإرهاب في العالم، التي قدمت عشرة مليارات دولار في مطلع تسعينيات القرن الماضي عن طريق بوش الأب لدعم الاستيطان وجلب اليهود من الاتحاد السوفياتي السابق إلى "إسرائيل"، وقررت في عام /2002/ تقديم /14.2/ مليار دولار للكيان الصهيوني ابتداءً من عام /2004/ لتطوير سلاح ودعم الاستيطان استعجلت تقديم تسعة مليارات منها عام 2003، وذلك تغطية لتكاليف الاستيطان والسور الذي يقضم أرض الفلسطينيين ويحاصرهم في معازل، وللتمهيد لمشروع أعلنه شارون في /2002/ حيث قال إنه في نهاية 2020 سوف تعمل "إسرائيل" على أن تكون قد انتهت من جمع يهود العالم في فلسطين. وهذا المشروع الإمبريالي الكبير يحتاج إلى تمويل وتغطية سياسية وإعلامية، وإلى استقرار الاحتلال واعتراف بالكيان الصهيوني لكي ينفذ هذا البرنامج الذي يكون مرحلة في "المشروع الصهيوني" وهذا ما تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى توفيره له بكل الوسائل. إذاً نحن أمام مشروع أكبر تُختتم فيه المرحلة الصهيونية لتبدأ مرحلة أخرى في المشروع الصهيوني التاريخي الذي قدم بوش لشارون في زيارته لواشنطن خلال شهر آب 2003 خريطة إسرائيل الكبرى وعليها بابل التي تم احتلالها. وسورية متهمة بالإرهاب وهناك مشروع قانون رقمه /4483/ قدم للكونغرس في مجلسيه في 18/4/2002، تحت اسم "قانون محاسبة سورية" لعام /2002/ قدمته روزليتنن وإليوت إنغل وهما يهوديان، وبعد مناقشته في لجان، تدخل الرئيس بوش ليوقف هذا المشروع مؤقتاً لماذا؟.. لأنه قد اتخذ قراراً بإنهاء موضوع العراق أولاً، وليس لسبب آخر، ليأخذ الدول العربية واحدة بعد أخرى، ولكن هذا المشروع بذاته أعيد طرحه في مجلسي الكونغرس ابتداءً من 10/نيسان/2003 بعد سقوط بغداد مباشرة، مضافاً إليه ما يلي: أن سورية فتحت حدودها أمام عناصر من الحكم العراقي السابق، متناسين كل الخلافات التي كانت بين الدولتين لعشرين سنة وأكثر. وأنها أرسلت مقاومة منظمة لتحارب الأمريكيين في العراق، وأنها تملك أسلحة دمار شامل، وترعى الإرهاب، وهي في لبنان دولة محتلة تنتقص من سيادته، وتطور صواريخ بالستية.. إلى آخره... من سلسلة الادعاءات والافتراءات المعروفة. والمطلوب من سورية وفق المشروع المشار إليه الذي أصبح قانوناً في عام 2004 تحت مسمى: " قانون محاسبة سورية وتحرير لبنان: ـ أن تطرد منظمات المقاومة الفلسطينية من دمشق بوصفها منظمات تقوم بعمليات "إرهاب". ـ أن تجرد حزب الله من سلاحه في جنوب لبنان بوصفه حزباً "إرهابياً" وتقف حارساً على حدود الاحتلال. ـ أن تدخل هي ولبنان مفاوضات غير مشروطة مع "إسرائيل"، للوصول إلى سلام، والسلام هنا وفق المفهوم "الإسرائيلي" ـ "الأمريكي"، أي مفهوم "شارون للسلام" ويعني القبول بكل ما تمليه الحركة الصهيونية. ـ أن تسهل سورية عملياً مرور "خريطة الطريق" التي لا توافق عليها. و"خريطة الطريق" هي: خطوات مبرمَجة تتخذ من قبل السلطة الفلسطينية أولاً، وبعد ذلك من الكيان الصهيوني، ليصل الطرفان في عام 2005 إلى إقامة دولة فلسطينية: ليس لها حدود ثابتة، مجردة من السيادة، مجردة من الجيش والسلاح، لا تربطها مع أي دولة عربية أي حدود مباشرة، لأن الذي يجب أن يبقى على الحدود هو جيش الكيان الصهيوني، وسماء تلك الدولة مفتوحة أمام الطيران الصهيوني الحربي في كل الأوقات، ويسيطر الكيان الصهيوني فيها على الأمن ويتصرف وفق ما يخدم مصالحه وهواجسه الأمنية وكيفما يشاء المتطرفون فيه.."دولة" يقضمها الاستيطان والسور الذي يحاصر مواطنيها والفتنة التي يراد إشعال نارها في أطراف القرى وأحياء المدن لضمان سيطرة اليهودي على كل مقاليدها ؟! ولكن حتى نصل إلى هذه الدولة الفلسطينية، وقبل فتح موضوع تطبيق أي خطوة في "خريطة الطريق"، لا بد من تطبيق كل ما يتصل بالمطالب الأمنية للكيان الصهيوني، وعلى رأس ذلك جمع سلاح المقاومة والقضاء عليها وتفكيك بنيتها التحتية وملاحقة عناصرها قضائياً بوصفهم إرهابيين حسب مطالب حكومة العدو، ووقف الانتفاضة، واستتباب الأمن الإسرائيلي. ولكي يتم ذلك لا بد من حرب أهلية (فلسطينية ـ فلسطينية) تقضي على حماس، والجهاد، وسواهما من منظمات المقاومة بأيدي الشرطة الفلسطينية التي وعدت بدعم مطلق في هذا المجال. وكان هذا هو التوجه الذي اتخذ عند توقيع أوسلو، وحاول بعض أصحاب النفوذ والقرار في السلطة أن يخوضوا تلك الحرب مرة أو مرتين أو ثلاث أبرزها عام 1996، واتهم عرفات المقاومة الفلسطينية واتهم شعبه بـ"الإرهاب"، وأدان المقاومة وعملياتها بوصفها عمليات إرهابية ضد الإسرائيليين، ولكنه في النتيجة بعد كل ذلك، وبعد تصفيات لرجال متفوقين في المقاومة على يد السلطة، أو بوحي ومساعدة أمنية منها، عُزِل في غرفة، ووضع أبو مازن رئيس حكومة ليكون بدلاً عملياً عنه، واتهم بأنه لم يؤدِ دوره كما ينبغي ولم يقم بما وعد بالقيام به!؟ لأن السلاح الذي قدمه " الإسرائيليون لشرطة السلطة قدموه لكي تخوض حرباً تقضي بها على المقاومة الفلسطينية، أي لكي تقوم حرب أهلية. ويبدو أن هذه الوثيقة "خريطة الطريق" يجب أن تُكتب بالدم الفلسطيني، بموافقة ودعم عربيين، وتصفيق عالمي. "خريطة الطريق" بعد أن تصل إلى خطواتها الرئيسة، يكون هناك مؤتمر دولي، ويبدأ موضوع حل الخلافات الأخرى، لاسيما الصراع "الإسرائيلي ـ اللبناني"، كما يسمونه و"الإسرائيلي ـ السوري"، بإعادة الجولان عبر تفاوض. ونحن نذكر ما رفضه الرئيس حافظ الأسد في جنيف في آخر لقاء له مع الرئيس الأميركي كلينتون، والاختلاف حول وضع الجولان وما يتعلق من ذلك بالشاطئ الشمالي الشرقي لبحيرة طبرية وحق سورية في المياه، والقواعد في جبل الشيخ وتخفيض القوات والأسلحة..إلخ. ويضاف إلى ذلك القديم ألا تعارض سورية "خريطة الطريق". و"خريطة الطريق" حسب المطالب "الإسرائيلية"، ومطالب شارون الأساسية اليوم، يتوقف الانطلاق بخطواتها على الإقرار الفلسطيني بأمرين: القضاء على المقاومة بتصفيتها كلياً، وإسقاط حق العودة. عندما يُسقط حق العودة، يجب على سورية، أن لا تدافع عنه، عندما تقتل المقاومة، يجب أن لا تحميها ولا تتكلم، وعليها أن تعتبرها إرهاباً وتدينها، وعندما يبدأ بحث موضوع القدس فسورية لا علاقة لها، وموضوعها موضوع "فلسطيني ـ إسرائيلي"؟!. وقد جاءت وثيقة جنيف لتسقط حق العودة وتسهل على من يريدون تغيير الخريطة البائسة عملهم لتقديم خريطة أشد بؤساً. إذاً، على سورية أن تنكمش، وتتجرد من دورها الإقليمي، وبعدها الإقليمي، وبعدها العربي، ودورها القومي ومسؤولياتها القومية وأن تنحصر في جغرافيتها الضيقة سياسياً وثقافياً واجتماعياً، ولا يكون لها علاقة بالعرب ولا بالمبادئ؟! هذا السؤال/ الطلب يطرح على سورية بقوة وإلحاح مرافقاً بتهديد ووعيد: استسلموا لهذا.. وإلا؟! اقبلوا هذا بالسلم وإلا.. فنحن جيرانكم بعد احتلال العراق، ويجب أن تتم دراسة معنى هذا الجوار، كما قال كولن باول، أي أن الأمريكيين أصبحوا في العراق، وعليكم أن تستفيدوا من درس العراق. هذا الموضوع وهذا الوضع يؤثران كثيراً في تحديد رؤيتنا لمستقبل الصراع في غياب تكتلات دولية، وسيطرة قطب وحيد على العالم يستخدم القوة خارج حدود الشرعية الدولية، ويبدي جنوناً مدروساً لجعل الآخرين يخضعون لهذا النوع من سياسة الجنون. ومن ثم لوجوده على حدودنا من طرفين: الكيان الصهيوني والعراق، ومن ثم استعداد دولة عربية مثيرة للاشمئزاز بأن تقاتل إلى جانب الأمريكيين، فيما تسميه "حرب تحرير" أو "حرب من أجل الديمقراطية"، وكأن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تقدم الحرية والديمقراطية للشعوب وهي القيم على قيم الناس ومفاهيمهم؟! ونحن نعرف الديمقراطية التي أتت بـ "بوش الابن" إلى السلطة، وهي ديمقراطية شركة "إينرون"، التي أثبت القضاء الأمريكي فسادها بالكامل وحكم عليها، وهي التي كانت تمول حملة بوش الانتخابية، وهكذا الرأسمالية إنها تأتي بـ"ديمقراطية" مصنوعة وفق الطلب، بـ"المال" ولكل شيء ثمن؟! والولايات المتحدة الأميركية تريد أن تصدر هذا النوع من الديمقراطية لكل الشعوب، وترسم لنا طرقنا وتعين من يسوسنا بالمال؟! وهذا يطرح علينا السؤال: كيف نتعامل؟... القضية بين مبادئنا وثوابتنا من جهة، وقوتنا من جهة أخرى، سورية ليست معزولة هذا صحيح، وصحيح أيضاً أن سورية تختلف بوضعها الخاص والعام سياسياً واقتصادياً عن العراق اختلافاً كبيراً. سورية قادرة على الحركة، لها علاقة مع دول عدم الانحياز، ومع مجموعة الدول الإسلامية، ومع الدول الإفريقية، ومع كثير من الدول الأوروبية وهي مقبلة على توقيع اتفاق شراكة مع تلك الدول، وسورية لها علاقة مع دول في أمريكا اللاتينية، ولكن إذا ما وقع عدوان أو تأكد التهديد بالعدوان، فإن تلك الكتل أو الدول سوف تقوم بمناصرتنا بالبيانات، والكلام، والتصريحات، إلى آخر ما نتوقعه من ذلك، ولكنها لن تشهر السلاح لتدافع عنا، لأنها ليست مستعدة لخوض حرب في هذا المجال من أجلنا. أمَّا أشقاؤنا العرب فإذا كفونا شر التدخل إلى جانب العدو والمعتدي وتسهيل مهماته فوق أرضهم، فإن ذلك يكون منهم عملاً جيداً وربما جليلاً ونبيلاً. لكن الذي وضع "بطاريات باتريوت" في الأردن كي يحمي "إسرائيل" من الصواريخ التي قد تأتي من العراق عبر الأجواء الأردنية، لن يضع أسلحة من أي نوع كي يحمينا من صواريخ "إسرائيل" أو طيرانها. والمفارقة أن الولايات المتحدة الأمريكية خاضت حربها على العراق بحجة نزع أسلحة الدمار الشامل، ووضعت في الوقت ذاته "بطاريات صواريخ باتريوت" في فلسطين المحتلة والأردن لتحمي "مفاعل ديمونة النووي" و"أسلحة الدمار الشامل الإسرائيلية" من احتمال أن يطلق صدام حسين صاروخاً نحوها؟! ووضعت تلك الأسلحة وقوة الحماية في أراضٍ عربية وفي مواقع قتالية عربية لتحمي عدو العرب من قوة عربية!!. إذاً لا بد من أن نقرأ الخريطة بشكل واضح: سورية ليست معزولة هذا صحيح، ولكنها أيضاً لا تستطيع أن تعتمد على البيانات والتصريحات في حماية نفسها من العدوان الإمبريالي وأسلحته المتفوقة، وسورية فاعلة في المجال العربي ولكن المجال العربي فاسد الآن، وسورية لا تستند استناداً قوياً إلى دولة تمولها بالسلاح عند اللزوم فلا يوجد هذا السند في الوضع الدولي الحالي، وسورية لن تتنازل عن حقوقها ولن تفرط بمبدئيتها وثوابتها، وعليها أن تركِّب معادلة صعبة في هذا الوضع الصعب. نحن نحتاج إلى المرونة، والذكاء، وإلى أن نلعب اللعبة السياسية بإتقان، من دون أن ندان أو أن نفرط أو أن نخسر. وأنا أريد في ملامسة هذه المعادلة الصعبة أن أؤكد أمراً أعتبره استراتيجياً: يجب، من وجهة نظري، ألا ندين المقاومة، وألا نطاردها أو نطردها، لاسيما من جنوب لبنان، وألا نعمل على إضعافها للسبب الآتي: أنه طوال السنوات الماضية، المقاومة هي التي حمت جنوب لبنان وحرَّرته، ومن ثم فإن وجود المقاومة في جنوب لبنان، ووجود حماية متبادلة أو اعتماد متبادل إن صح التعبير، أو تأييد متبادل بينها وبين سورية، يجعل جبهة سورية تصل بالمقاومة إلى العمق السكاني "الإسرائيلي" وتلك قضية مهمة ومؤثرة، فلو ضمنت "إسرائيل" أنها تستطيع أن تدمرنا على نحوٍ ما، بضربات استباقية قوية ومحددة، دون أن تصاب بخسائر بشرية كبيرة في مناطق الكثافة السكانية في شمال فلسطين لفعلت ذلك منذ زمن، ولكنها تخشى ضربات من الصواريخ السورية ومن صواريخ المقاومة، أو من قوة المقاومة الموجودة على حدود الكثافة السكانية الممتدة من الناقورة إلى جبل الشيخ. وتلك المنطقة حتى امتداد حيفا وما بعد حيفا جنوباً تقع في مدى صواريخ المقاومة وأيضاً تقع في مدى صواريخ سورية التي تنطلق من أماكن مختلفة. هم يخشون القوة الصاروخية السورية، ويقولون ينبغي تدمير الصواريخ البالستية وغير البالستية، و"أسلحة الدمار الشامل السورية"؟! ومن المنطقي أن يطرح السؤال: لماذا يجوز للكيان الصهيوني أن يمتلك أسلحة دمار شامل بينها عدد كبير من الأسلحة النووية وما بين 200 إلى 400 رأس نووي تحملها صواريخ وغواصات نووية ـ دولفين وهي الغواصات النووية الثلاث التي أهدتها ألمانيا إلى الكيان الصهيوني في التسعينيات من القرن الماضي، وأوصت على صنع غواصات أخرى في عام 2004 ـ قادرة على إيصالها إلى أي مكان من الوطن العربي، وأن يمتلك صواريخ يغطي مداها الوطن العربي وبعض بلدان العالم الإسلامي، ولا يجوز لسورية أن تمتلك صواريخ تقليدية تصل إلى أرض العدو وتشكل أدنى رادع في حساباته العدوانية؟! ولماذا يتم السكوت على أسلحة الدمار الشامل الصهيونية المؤكد خطرها على العرب والمسلمين بينما يتم تدمير العراق وتهديد سورية وإيران لمجرد أكاذيب وأوهام يروجها الصهاينة فتصبح حقائق مضخمة لدى الأميركيين والبريطانيين؟! وهل هذه مجرد شكوك تضخَّم أم هي ذرائع تصمَّم لتنفيذ مخططات وخطط واستراتيجيات في حرب مفتوحة على العروبة والإسلام من خلال العرب والمسلمين؟! ولماذا يواجه مشروع القرار السوري المقدم إلى مجلس الأمن الدولي لجعل منطقة " الشرق الأوسط" منطقة خالية كلياً من أسلحة الدمار الشامل البيولوجية والكيمياوية والنووية بالمعارضة الأميركية المميتة ويجمَّد مشروع القرار ذاك، وتبدأ مطاردة سورية بالمطالب التعجيزية وملاحقتها بحملات الافتراء والأكاذيب الأميركو ـ صهيونية وفي طليعتها كذبة أسلحة الدمار الشامل؟! حزب الله في هذه الحالة كقوة مقاتلة مؤمنة مزودة بتجربة وسلاح، هي نصير لنا في معركتنا، وإذا تخلينا عنها وانتزع سلاحها ولم تعد قوة رادعة للعدو على الحدود الشمالية لفلسطين الكثيفة بالمستعمرات فسيأتي الاحتلال الصهيوني بـ " لحد آخر" إن لم تفرزه الظروف والأحداث، وستنكشف خاصرة سورية الرخوة في لبنان، ونعود إلى جحيم ما كان في عام 1982 وإلى الكوابيس والذكريات المرة، عندما وصل العدو الصهيوني إلى جبل الباروك في لبنان ونصب مدفعيته هناك، وأصبح مدى المدفعية بين العاصمة السورية ونيران العدو المتمركز في جبل الباروك بحدود من 30 ـ 35كم خط نظر. ولنا أن نسأل هل يوجد بلد في العالم يسكت عن أن تكون عاصمته في مرمى أسلحة العدو ولا يفكر بوضع استراتيجية دفاعية وبإيجاد بدائل قتالية؟... الأميركيون والصهاينة يعدّون استراتيجية الضربات الاستباقية لتنفيذ سياسة عدوانية من الأمور المشروعة، وقد تم التأكيد على هذه السياسة وأصبحت منهجاً عُرف بمبدأ بوش، وهم يوجهون ضرباتهم الاستباقية في حال وجود أدنى احتمال بقيام خطر بعد سنوات أو عقود من الزمن، فماذا نقول نحن والخطر قائم على حدودنا وقرانا ومدننا وعاصمتنا ومواطنينا جميعاً ومصالحنا كلها؟!. ومطلوب منا أيضاً من منظور استراتيجي يهمنا أن نستمر في دعم المقاومة الفلسطينية، حتى لو كانت موجودة على صورة مكاتب سياسية وإعلامية فقط، ويجب ألا نصمها بـ "الإرهاب"، وألا نبعدها من أرضنا، ونستمر في الدفاع عن مشروعيتها. فالمقاومة فضلاً عن كونها حقاً مشروعاً لكل شعب تحتل أرضه ويُعتدى عليه فهي في الصراع العربي الصهيوني الوسيلة الوحيدة المتبقية لإبقاء القضية حية، والرادع الوحيد الممكن لجعل العدو يحسب بعض الحسابات في أثناء تنفيذ عدوانه وبرامجه التوسعية الاستيطانية أو عند التخطيط لها، وهي عامل الضغط المباشر وشبه الوحيد الباقي في الساحة العربية والدولية لتحريك قضية فلسطين في مسارات الحل، والمحرك الأوحد الآن للجماهير العربية والمعبر عن الوجدان الجمعي، وهي رافد الذاكرة المتبقي من قضية عادلة يراد لها أن تزول من الذاكرة وينعدم تأثيرها في الوجدان.. فضلاً عن كونها الحليف الذي ينبغي أن تتمسك به سورية وأن تصنعه حتى لو لم يكن له وجود لأنه مهدد مثلها وهي مهددة مثله.. فالمصير واحد. وقد حققت المقاومة نتائج ملموسة نذكر بعضاً منها: - يعاني الكيان الصهيوني من أوضاع اقتصادية صعبة للغاية وخسائر مادية وانهيار في بعض الصناعات السياحية نتيجة لاستمرار المقاومة. وذلك يؤثر بشكل مباشر في الاستثمار والنمو والوضع الاجتماعي للعدو، وفي الهجرة إلى فلسطين، ويدفع باتجاه الهجرة اليهودية منها. -إذا لم تنجح خريطة الطريق ـ وهناك محبطات وعوائق ومثبطات كثيرة تشير إلى ذلك ـ فلن يكون هناك تقدم على مسارات أخرى للمفاوضات وفق ذلك النص، وسيتعزز خيار المقاومة بوصفه خياراً مقدَّماً على كل ما عداه لفقدان البديل، وسيؤثر هذا في موقف سورية ليس من المقاومة في جنوب لبنان والمقاومة الفلسطينية ومكاتبها في دمشق فقط بل في اتجاه التفكير بخوض مقاومة مسلحة على طريق تحرير الجولان المحتل. ولا بد من التفكير في الوضع بشيء من الشمول والرؤية المستقبلية، ليأخذ بالاعتبار إمكانية تطور المقاومة في العراق ونتائج ذلك، وإمكانية المواجهة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران.. وقد يعزز هذا التفكير بمحاور داعمة للمقاومة يفرضها الاحتلال الأميركي والتهديد الأميركي- الإسرائيلي لا سيما لسورية ولبنان والتهديد المباشر وغير المباشر لإيران. ولا أظن أن المراهنة على كسب ثقة الأميركيين والحلول محل الكيان الصهيوني في المحافظة على مصالحهم في المنطقة هي مفتاح رؤية واستراتيجية عربية جديدة ممكنة. إن عمق التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي وشمول مشروعهما الإمبريالي الجديد، وصدورهما عن مصالح مشتركة وقيم اعتقادية مشتركة، والنفوذ الصهيوني في مجالات صنع القرار الأميركي كل ذلك يجعل من كل توجه عربي نحو كسب ود الولايات المتحدة الأميركية في تحالف أو تقارب يشكل توازناً ما مع الكيان الصهيوني، أو يحيِّد أميركا في الصراع العربي الصهيوني، نوعاً من الوهم وخداعاً كبيراً للذات، وقراءة التجارب السابقة تفيد كثيراً في الوصول إلى قناعات في هذا المجال. الموضوعالأصلي : العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: بشري
| ||||||||
الخميس 19 مارس - 22:43:32 | المشاركة رقم: | ||||||||
عضو نشيط
| موضوع: رد: العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة فاللقاء العقائدي –الاستعماري- الإمبريالي ـ الصهيوني يشكل قاسماً مشتركاً يعزز أهدافاً مشتركة ومصالح مشتركة أيضاً. وينبغي ألا ننظر باستخفاف إلى تأثير المحافظين الجدد الذي يرتكز إلى فلسفة ليو شتراوس الصهيوني المتطرف من جهة وإلى العقيدة المسيحية- اليهودية القائلة بعودة "المسيا ـ المسيح وشروطها المفتَرَضَة ومناخها" من جهة أخرى. هناك حوالي 55 مليون أميركي يضغطون باتجاه: "تحقيق الوعد الإلهي باستقرار الشعب اليهودي في أرضه" / غاري باور المحرك المؤيد لإسرائيل بحماسة "إسرائيل جزء لا يتجزأ من مفهومهم الديني". فرتشارد بيرل وبول ولفوويتز وإليوت إبراهام ودوغلاس فايث وجون بولتون(5).. الخ من تلاميذ شتراوس ليسوا مجرد يهود عنصريين يؤمنون بالمشروع الصهيوني ويعملون بحماسة من أجله، ويملكون نفوذاً في مجال صنع القرار سواء في البنتاغون أو في وزارة الخارجية والبيت الأبيض، بل هم جزء من مجموعة متماسكة ذات رؤية وبرنامج تغيير يستهدف منطقة الشرق الأوسط ودولها وثقافتها السياسية وقيمها الدينية والاجتماعية والتربوية، ويريدون تغيير أشياء جذرية فيها لتصبح المنطقة في ضعفها وتآكلها وتبعيتها وخراب قيمها وتدمير مقومات هويتها ومخزون ذاكرتها التاريخية لا سيما فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني وقضية فلسطين، ملائمة لغرس الفكر الأميركي ـ الصهيوني فيها تحت شعارات إنسانية واجتماعية مقبولة لا يعترض عليها أحد ولكنها عندهم مجرد أقنعة وسلع سياسية ووسائل يروجون بواسطتها وتحت ذريعتها لاحتلال وطننا وتدميره وبسط سيطرتهم علينا وتخريب ثقافتنا وقيمنا ببث سمومهم فينا، ومن ثم بسط الهيمنة الصهيونية على منطقتنا بعد فرض حلول ملائمة لدولة يهودية ذات مشروع عنصري استيطاني توسعي، وهي مجموعة تملك أدوات وإمكانيات متنوعة وكبيرة، وتنسق تنسيقاً تاماً مع " إسرائيل" والحركة الصهيونية، وتحرك مجموعات الضغط، وتتناغم مع أجهزة استخبارت لها أذرعها في مجتمعاتنا وثقافتنا ممن يتعاملون معها ويأخذون بوجهة نظرها من " أبناء أمتنا".(6) وتلك المجموعة تسيطر على مراكز أبحاث ووسائل إعلام ومفاصل صنع القرار في الولايات المتحدة الأميركية والغرب، مما يشكل عوامل التأثير في الرأي العام الأميركي بصفة عامة. ولم يكن الرئيس بوش خارج دائرة هذا التأثير في أي قرار ذي قيمة، بل أصبح أكثر تشدداً من أي وقت مضى ومصاباً بهوس الدفاع عما يتصوره عداء للسامية؟! وقد قال في رسالة لمنظمة مؤتمر الأمن والتعاون الأوربي في 19/6/2003". من واجب الحكومات أن تتأكد من خلو الكتب المدرسية والتصريحات والمنشورات الرسمية والبرامج التلفزيونية العامة من معاداة السامية". وكان قد اعتبر أن التحريض على مقاومة الاحتلال الصهيوني إرهاباً، وأنها يجب أن يتوقف، وذلك في خطابه في قمة العقبة 5/6/2003 حيث دعا إلى وقف "التحريض في الكتابة. والإعلام والسياسة".(7) وعلى الرغم مما في هذا من مصادرة لحرية التعبير، لأنه يحرض ويلاحق ويدعو إلى ملاحقة المعارضين لفكره وسياسته في العالم كله ويدعو إلى قمعهم ومحاكمتهم، فإنه يأخذ به ولا يجده متعارضاً مع دعوته التي تكتسي بالنفاق والازدواجية البغيضة لمناصرة الحرية والدفاع عنها. وهذا ليس مناقضاً للحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية فقط، وإنما ينم عن عقلية تسلطية تحكم وفق انتقائية مَرَضية وانحياز أعمى على أسس اعتقادية دينية متطرفة تأخذ بها العنصرية الصهيونية وأتباعها وتجسدها ممارساتها النازية في فلسطين المحتلة، كما يجسدها أنصارها من اليمين الأميركي المتطرف الذي يعتنق ما أصبح يعرف بالمسيحية اليهودية. وانتقلت هذه العدوى إلى أوربا، وقد دعا رئيس هولندا يان بيتر بالكينيد إلى الإشارة إلى "الجذور المسيحية- اليهودية" في الدستور الأوربي. كيف يتعاملون وكيف نعمل؟! سؤالان متلازمان ويستوجبان التعامل معهما مع عدم تغييب التهديد ونتائج الدروس المتناثرة من حولنا. العدو لن يكف عن التحرك العدواني باتجاهنا، ونحن لا يمكن أن نبقى نراوح في المكان وكأن شيئاً لن يحدث. وإلى هذا المجال أدخل بأسئلة وتساؤلات: هل سيصل هذا إلى حد أن يضربونا مباشرةً.. أي استخدام القوة العسكرية؟ لا... هم يريدون أن تلتزم سورية بموقف عبر عنه الرئيس بشار الأسد بعبارة مرنة مستقاة من تاريخ العمل السياسي العربي كله في العقود الأخيرة من القرن الماضي، فقال: (ما يوافق عليه الفلسطينيون نوافق عليه)، هذه العبارة مطاطة، وتحتمل تفسيرات كثيرة، فمن هم الفلسطينيون الذين نقصدهم ونرضى بما يقولون؟!.. هل هم عرفات فقط؟!.. ـ أبو مازن فقط؟!.. ـ الفلسطينيون الذين هم خارج فلسطين؟!..، حماس؟!..، الجهاد؟!..، فتح المؤيدة لعرفات؟!..، فتح المنتفضة على عرفات؟! الفصائل الأخرى العديدة؟! المعتقلون والأسرى في سجون العدو الصهيوني؟! من هم الفلسطينيون المعنيون؟! إذاً يوجد مجال للمناورة والتحرك ضمن هذه العبارة، ولكنها تختلف عن الموقف السوري المبدئي التاريخي المعلن، وهذا هو مجال المرونة من دون تفريط الذي يختلف عن قول سورية الثابت: إن قضية فلسطين هي قضيتنا، وإننا لا نقبل بما قبل به عرفات في أوسلو، وخريطة الطريق برنامج للعودة إلى أوسلو بسقف مطالب أدنى، وهناك بعد قومي ومسؤولية قومية لقضية فلسطين سورية ليست خارج نطاقهما، والجولان احتل على طريق فلسطين وليس العكس.. إلخ. سورية تقول اليوم: اعترضنا على أوسلو ولكن لم نعطلها، "نوافق على ما يوافق عليه الفلسطينيون"!?، القضية أخذت هنا مستوى أكبر من المرونة وربما أشد خطورة، وهذا موضوع مفتوح نسبياً كما أسلفت.. ولكنه لا يرضي الأميركيين رغم ذلك. سورية يجب أن تركز تركيزاً قوياً ونادراً وكبيراً وحساساً وسريعاً، لتستفيد من كل ما جرى في العراق في المجالات جميعاً، والمراحل كلها كي يتلافى ما يمكن أن يكون لديها من أخطاء، ولاسيما في الجبهة الداخلية في سورية، لأنها هي الأساس، والجبهة الداخلية في سورية تتمتع بسلامة متميزة، ولكنها تحتاج إلى الكثير من العمل، ليست هي فقط قضية الشراكة في القرار السياسي والعمل السياسي ودخول كل الفئات والشرائح في المسؤولية عن الوطن، وبناء الوطن، والدفاع عن الوطن، ورفع سقف المواطنة ومفهوم الوطن ومستواه. والسوريون حسهم الوطني، وأنا أعتقد أنه سليم بدرجة كبيرة، بدليل ما نلمسه بأشكال مختلفة من معظم الفئات إن لم نقل كلها التي لا تصل إلى حدود دعوة بوش لضرب بلدنا واحتلالـه ليتخذ غطاء للاحتلال والعدوان من أشخاص من ذلك النوع المبذول في بعض البلدان، وتحتفظ بهامش متميز من الوعي والوطنية. سورية بحاجة إلى معالجة الفساد، لأن أي فاسد سيبيع الوطن ـ كما يبيع الشرطي الفاسد مخالفة المرور ـ ومن ثم قد نصل إلى شخص أو أشخاص يصبح وطنهم "القرش" مقدَّماً على الوطن: الجغرافية والأرض والتاريخ والحضارة والمقدسات والثوابت والكرامة. وهذا لن نعالجه إلا بمعالجة سليمة وقوية وجذرية للفساد في كل المجالات والمستويات بتنمية الوعي والقيم والإيمان، والإيمان سلاح.. شرطي حي الإيمان يقظ الضمير لا تغمض له عين. إن الشرطي في الشارع الذي يمثل القانون والسلطة التي تنفذه قد يرتشي وقد ينام وقد يغفل وقد يغيب وقد يمرض وقد يكون فاسداً، أما شرطي الداخل.. الشرطي الضمير الذي يسهم الإيمان بتكوينه فلا ينام ولا يغيب ولا يمارس الفساد والإفساد، فليكن شرطي الضمير في الداخل حياً ونظيفاً وقوياً وحاضراً، ولن يقيم ذلك الشرطي سوى الوعي المعرفي والإيمان العميق. والإيمان ليس عيباً ولا تخلفاً إلا عند من يعادون الدين والخلق الرفيع والشرائح الواسعة من المجتمع التي تتميز بتعلقها بالدين على مختلف مستويات وعيها. والولايات المتحدة الأمريكية، إذا أردنا أن نأخذ بتفريعة قد لا تشكل استطراداً أعود بعدها إلى الموضوع ـ الرئيس بوش يدعي أو يزعم أو يعتقد بأنه مكلف برسالة إلهية من الرب، وأن التاريخ يناديهُ!؟( إنه يعيش ويتحرك ضمن منظور ما يؤمن به في إطار المسيحية اليهودية وهو من أتباع الكنيسة المعمدانية في ذلك التنظيم ومعه ما لا يقل عن /60/ مليون من الأمريكيين يعتقدون بعودة (المسيا) ويعملون لها، أي عودة المسيح، وفي عودة المسيح يتفقون مع اليهود اتفاقاً كاملاً على: ـ أن عودة المسيح تستدعي وجود جميع يهود العالم في فلسطين، ولذلك ينبغي جمعهم فيها بوصفها "أرض الميعاد"؟. ـ أن بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى في القدس ضرورة لعودة المسيح. ـ أن القدس عاصمة لدولة يهودية نقية، يعيش فيها اليهود جميعاً في رفاه وبناء. عندها سيأتي المسيح، وعندما يأتي المسيح، سوف يقضي على اليهود وفق اعتقاد أتباع تلك الكنائس. هذا اعتقاد بعض الكنائس المسيحية في أمريكا، ولا أقول كل الكنائس في الولايات المتحدة الأميركية والعالم، وهو اعتقاد مشوب بالكثير من الأساطير والهوس الديني والتطرف المقيت، حتى بابا الفاتيكان اعترض على هذا التوجه، والناطق باسم البابا في حرب العراق، قال لبوش "المكلف برسالة إلهية": "إن هذه الحرب خارجة عن القانون والإنجيل" ولكن اعتقاد بوش وفق مفهوم كنيسته ومنظورها لا يتوافق مع رأي البابا صاحب المرجعية المسيحية الواسعة في العالم، وهذا يعني أنه ينبغي ألا نسوق الناس كلهم في مساق واحد. عندما يأتي المسيح، بنظر أتباع بعض الكنائس الأميركية المشار إليها على الخصوص، سوف يقضي على اليهود إن لم يصبحوا من أتباعه. ولسان حال اليهود يقول: أوصلونا أولاً إلى تلك المرحلة ومن ثم عندما يأتي المسيح سوف نرى. وبذلك تكون القضية قد حسمت لمصلحة مشروعهم من وجهة نظرهم. هم يدخلون مداخلهم تلك على أرضية دينية، وكلمة بوش التي قالها بعد أحداث سبتمبر حيث قال: "إنها حرب صليبية"، ليست عرضية ولا زلة لسان، واعتذاره عنها في حملته الانتخابية لاحقاً 2004 نوع من النفاق السياسي لكسب أصوات بعض الناخبين. لقد قال عبارته تلك وهو تحت سيطرة ما في أعماقه على تفكيره وتعبيره، ثم استدرك بعد ساعات فقال" إنها حرب العدالة المطلقة"، في تحريف أو ترقيع للمعنى الذي بينته عبارته الأولى، ولكن جاء من يقول له: إن العدالة المطلقة لله وحده وليست للبشر، فغير شعار حربه ليصبح "الحرية الدائمة" وأي حرية يصنعها بوش وتصنعها صهيونيته؟! إن هذا الذي قاله وفعله يكشف النفس، يكشف شيئاً عميقاً في التكوين الفكري والعقائدي والنفسي، إنها تراكمات حقد غدت صخرية في الأعماق، حالة يكشفها الانفعال مهما حاولت قدرة التحكم الإرادي بالقناع الموجود على الوجه أن تفعل. أعود بعد هذا الاستطراد إلى الجبهة الداخلية وقضية الإيمان، لا بد في الجبهة الداخلية من أن يقوم حوار بين كل الأطراف، كلنا مواطنون، وكلنا ندفع ثمن المواطنة، ويجب أن نتمتع بالمواطنة، ولكن المواطنة حقوق وواجبات، والمواطنة ليست الكرسي فقط، وليست المسؤولية فقط، وليست المكاسب والميزات التي يحظى بها أشخاص ويحرم منها أشخاص.. المواطنة تداول صحيح للسلطة وفق معايير وقيم سليمة وبأساليب حضارية ترسخ مصلحة الشعب والوطن وتحفظ قيمة الإنسان وتعزز احترامه لنفسه وللقانون. ويستدعي انتقال السلطة وتداولها بأساليب ديمقراطية محترمة مرعية من المسؤولين ومن المواطنين على حد سواء، ومتأصلة في التربية والتربة الثقافية والاجتماعية للمجتمع وليست مستوردة بالقوة من خارجه على ظهور الدبابات مع اليورانيوم المنضب وقطاع الطرق وأعوانهم، لأن الديمقراطية لا تعيش في أرض، في أي أرض، وهي مفروضة بقوة الأجانب والعملاء، الديموقراطية تأتي بقوة الوطن والمواطن والمواطَنَة والانتماء والخُلُق السليم والمعايير الدقيقة.. بقوة القانون ومن يحترم القانون.. بالاستناد الفعلي لعامليها أو مكونيها الحقيقيين: الحرية والمساواة. يجب ألا يكون هناك رأس فوق القانون في سورية وإلا لماذا نضع القانون إذا كنا سنتجاوزه في كل وقت ونلتمس الذرائع لذلك؟ ومن الذي فرض علينا القانون سوانا؟ ولماذا لا نلتزم بقانون وضعناه، ونغيره إذا توافقنا على تغييره؟... ونحن نعرف أن اختراق القانون يؤدي إلى وجود مواطن في طبقة ومواطن آخر في طبقة أخرى، مواطن يجوز له أن يتجاوز على القانون ومواطن يحاسب على أصغر تجاوز باسم القانون. هذه العملية الفاسدة، أو العملة الفاسدة، يجب ألا تبقى في التداول على الإطلاق، ولا تكون لأي شخص مهما كان موقعه ومسؤوليته.. المسؤولية تكليف وليست تشريفاً، والتكليف يحاسَب عليه وفق القانون والشرع أمام الناس لأنه أمانة، وأي شخص في موقع المسؤولية من رئيس الجمهورية إلى الشرطي إلى الحارس إلى كل واحد من المواطنين، يحاسَب على ما ائتُمن عليه. والمحاسبة عندما تكون حسب معيار سليم نظيف مُقَر من الشعب وفق القانون فهي منصفة، وهي ليست طمساً للحقوق ولا للإنجازات ولا للإمكانيات والصفات، ولا هي تعد ولا هي إغفال ولا استغفال، وإنما هي وضع للشخص في موقعه الذي يؤهله لـه أداؤه، وخلقه، وقدراته، وعلمه، ووضع للفعل في المكان المناسب له من حيث الحكم عليه وهذا مما يتفاوت فيه الأشخاص، ورحم الله ابن أبي طالب الذي قال: " قيمة كل امرئ ما يُحسِن.". وعندما نوجد معياراً سليماً ونظيفاً ونطبقه بسلامة وصرامة ودقة، نخلق مناخاً صحياً، وفي مثل ذلك المناخ نفرز كثيرين من الانتهازيين والمستزلمين والفاسدين ونضعهم خارج دائرة الأداء والمسؤولية، ونكشف كثيراً من الغثاء الذي يحاول أن يقدم نفسه على أنه صورة الوطن، وليس هو صورة الوطن بالضرورة. إننا إذا ما فعلنا ذلك، ويجب أن نفعله بسرعة، نسحب البساط من تحت أمراض كثيرة، وعلل كثيرة، وأعداء كثر، ونعود إلى التماسك الأفضل والجبهة الداخلية الأقوى وهذا مطلب ملح في أي وقت وتحت كل ظرف. ولكن هل وجود مجتمع سوري مثالي في كل الجوانب، يستطيع أن يهزم العدو من دون امتلاك قوة بالمفهوم الشامل للقوة بيد هذا المجتمع؟!.. لا.. لا.. أقولها وأؤكدها وأرددها.. نحن بحاجة إلى القوة بمعناها الشامل المتكامل لنحمي أنفسنا وأرضنا وحقوقنا وهويتنا ومصالحنا وعقيدتنا. ولا بد لنا من العمل على امتلاك قوة بكل الوسائل، وعلينا ألا نعطل قدرة علمائنا ومهندسينا والفنيين الذين لدينا وأن نطور تلك القدرات ونحميها ونستفيد منها في التقدم وبناء القوة، يجب أن نمتلك قوة متفوقة بتطبيقات العلم والتقانة في المجالين المدني والعسكري، لأنه لن يحررنا إلا نحن، ولن يحرر سلاحنا إلا نحن، ولن يحمي كرامتنا ويحررنا إلا نحن. النظافة الداخلية مطلوبة، والإيمان مطلوب، والقوة مطلوبة. إذا قلنا لدينا قوة، وليس لدينا إيمان يحرك سواعدنا، ويثبت قلوبنا، ويصنع إرادتنا ويدفعنا إلى استخدام السلاح دفاعاً عن أنفسنا وحقوقنا وحضارتنا.. فإن السلاح ينقلب بيد غير المؤمنين إلى خشب، وفي الاتحاد السوفييتي السابق تجربة تُستخلَص منها العبر، فقد انهار نظام هو الثاني في العالم والأقوى من حيث التنظيم على أساس أيديولوجي موحد انهار ولم تطلق رصاصة واحدة للدفاع عنه. أما إذا امتلكنا إيماناً، ولم نمتلك سلاحاً وقوة في كل المجالات، فإننا أيضاً لن نحقق نصراً في هذا العصر بالبركات ولا بالأدعية ولا بالنيّات الحسنة، ولا بالنظافة السياسية والصلابة القومية فقط، سيكون إيماننا عاملاً كبيراً من عوامل المقاومة والأمل، سيكون ركيزة في الرفض، في الصمود، في عدم الانصياع، في عمليات نوعية، في عمليات استشهادية.. في بطولات فذة.. لكن العدو في قدراته يجب أن تقابله قدرات: روحية، ثقافية، (إرادية). اجتماعية، اقتصادية، عسكرية أيضاً، لأنه بدون قوة عسكرية لا يتحقق التحرير ولا تندحر القوة الغاشمة والظلم الذي يشرّش في نفوس أفراد وأنظمة ودول. وهذا لا يعني عندي قوة الجيوش فقط لا.. بل يعني الأداة المقاتلة السلاح والإرادة التي تجعل للسلاح قيمة وليس مثل إرادة المؤمن إرادة قوية وثابتة وقادرة على التضحية تصنع الحرية والتحرير.. هذا إذا صدق الإيمان وصدق العزم. لذلك نحن مطالبون بالعمل منذ الآن وعلينا أن نقول نحن موجودون وسنبقى ولا بد من أن يكون لوجودنا المعنى الذي يليق به. إذا أردنا أن نستقيل من تاريخنا، ومواطنيّتنا، ومبادئنا، وثوابتنا، فهذا سهل.. ما علينا سوى أن نزداد ترهلاً وفساداً وتخلفاً وتوهماً.. وسوف نتحول إلى "بهيمة تأكل وتشرب وتنام وتتناسل وتعيش من دون هدف، وقد يصح فيها أنها تعيش لتأكل، ونحن من أمة يقول قائلها: " نحن نأكل لنعيش لا نعيش لنأكل.. ومعنى أننا نأكل لنعيش، أن في العيش رسالة للحي، وأن هناك تكليفاً، وهناك أداء يميز الناس ويمايز بينهم، وأن هناك أهدافاً أعلى، وهذه الأهداف الأعلى يجب أن نحققها بكل السبل، والإنسان قيمة روحية وهدف ووعي يصون القيمة ويصنع الأدوات والوسائل ويُعمِل عقله كي يبلغ الهدف، ويجعل حياة الإنسان فوق حياة البهيمة.". علينا ألا نضع العروبة في مقابل الإسلام، أو الإسلام في مقابل العروبة، لأن ذلك يضعف الطرفين وقد حصدنا زؤان ذلك عقوداً من الزمن ولم يكن بين الحصيد حنطة تذكَر، وربما كان ذلك فخاً نصب لنا فوقعنا كلنا فيه. علينا أن ننصف المواطن بشكل كامل، وعلينا أن نستعيد لحمة وطنية متفوقة في تماسكها وحسها العالي بالمسؤولية، ولكن علينا أيضاً أن نعمل بقوة العلم والعمل به والإيمان والعمل به لكي نصل إلى حالة أفضل في كل مجال من مجالات تفكيرنا وتدبيرنا وإنتاجنا وعملنا. إذا غلبنا في معركة فالقضية قضية أمة، وقضايا الأمم هي قضية أجيال، وليست قضية هذا الجيل أو ذاك، وحين تغلَب أمة ما في معركة تستنفر رصيدها الروحي والمادي وتعمل من أجل تحقيق نصر يدفعها إليه الحق الذي تستند إليه قضاياها.. ومن المهم ألا تنهزم إرادتنا وألا نسلم نهائياً للعدو، بما يريده العدو، الذي يريد أن يقاتلنا وأن يفنينا بأدواته وأسلحته وتآمره وبأيدينا إن استطاع إلى ذلك سبيلا، وقد نجح في ذلك بأشكل منها تشتيت أهدافنا وإراداتنا وتصادم الأهداف والإرادات.. ومنها ضعفنا وتخلفنا والضباب الذي يلف إرادتنا وسيل التجهيل الذي يغمرنا ونغمر أنفسنا به. ولكن السؤال هو: هل كنا خلال ذلك التاريخ كله أمة قابلة للإفناء أم أنها صمدت وتجاوزت المحن والامتحانات وشاركت في الحضارة البشرية، وما زالت باقية ولديها إرادة البقاء ومقوماته جميعاً؟!. قراءة التاريخ تفيد أننا أمة حية مرت بمراحل شأنها في ذلك شأن الأمم كلها، أما كلام الذين يهذون بالقول: إن العرب "مشروع أمة" فلا يستحق حتى التوقف عنده وأهداف قائليه ومروجيه معروفة،. وقراءة التاريخ تفيد أن أمتنا العربية صمدت للمحن والامتحانات وبقيت، وقراءة الواقع تفيد بأنها في خضم المحنة وتصر على الصمود والبقاء، وقراءة التاريخ تفيد أن المستقبل للأمم التي تملك مقومات الحياة والبقاء وتحسِن استخدام تلك المقومات وتوظيف طاقاتها وإمكانياتها لتبقى وتنهض وتتقدَّم.. وقراءة التاريخ من هذه الزاوية تفيد أن المستقبل لنا ولكن علينا أن نعمل كي يكون المستقبل لنا، أو يكون لنا مستقبل. (1) ـ قُبِضَ على صدام حسين في 15 كانون الأول/ ديسمبر 2003 قرب تكريت، وعُدَّ أسير حرب لدى الأميركيين، وسوف يحاكم في العراق بصفة أسير حرب كما أُعلِن. ـ وقتل قصي وعدي ابنا صدام حسين، في بيت الشيخ نواف الزيدان من شيوخ البوناصر قبيلة صدام بالموصل يوم الثلاثاء 22 تموز / يوليو2003. (2) ـ عيَّن الحاكم الأميركي للعرق بول بريمر في التاسع من شهر تموز مجلس حكم عراقي مؤلف من 25 عضواً، وكان أول قرار اتخذه المجلس في أول جلسة له هو اعتبار يوم 9 نيسان من كل عام عيداً وطنياً، وهو يوم انتصار القوات الأميركية في حربها العدوانية على العراق، ويوم سقوط بغداد التي قال بوش مفاخراً بصناعات الطيران الحربي الأميركي عن الطائرة B1 تركت بصماتها عليها، وهي عاصمة العرب والمسلمين وحامل حضارتهم على مدى تاريخ طويل. (3)- نعوم تشومسكي: الإرهاب الدولي- الأسطورة والواقع- ص13. ترجمة: لبنى صبري- منشورات سينا للنشر- القاهرة 1990. (4)- بنيامين نتنياهو- استئصال الإرهاب- ص55- ترجمة: محمد عبد السلام- منشورات دار الندى- بيروت. (5) ـ بعد حملاته الشديدة من أجل شن الحرب على العراق قام مساعد وزير الخارجية الأميركي جون بولتون اليهودي الموالي كلياً للكيان الصهيوني بحملات افتراء على سورية بعد حملاته على العراق وحرض على العدوان عليها ومما قاله: " ـ في الجلسة الأولى للجنة التي عقدت بتاريخ 16/9/2003 : دمشق «تمتلك مخزونًا من غاز الأعصاب الذي يمكن أن تحمله طائرات وصواريخ "باليستية"، كما أنها طورت بحوثًا لإنتاج غاز "في إكس" السام، فضلاً عن رفضها التوقيع على معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية". ودعا الكونجرس إلى استخدام كل الوسائل لردع دمشق والقوى الأخرى لثنيها عن مواصلة برامج الأسلحة المحظورة. (6) ـ ولبيان بعض ما يروجه ويستهدفه أولئك نسوق بعض أقوالهم: "الحرب على الإرهاب ليست صراع حضارات لكنها، رغم هذا تكشف عن صراع داخل حضارة، معركة من أجل مستقبل العالم الإسلامي. إنه صراع أفكار وهذا جانب يجب أن تتفوق فيه أميركا". ويلاحظ محاولة التسلل من منافذ خلاف داخلية لضرب العقيدة والثقافة والهوية لمصلحة انتصار " أميركا". ونستشف الأفق الذي يتطلعون إليه من قول بيل كريستول: " "لم يرغبوا في شن حرب على المصالح بل على القيم، حرب على رؤية أخلاقية"- " تغيير تلك الدينامية الثقافية والسياسية التي تنبتهم من الجذور". بيل كريستول. وكان فؤاد عجمي واضحاً في مرامي القول حيث قال في مقال بعنوان: العراق ومستقبل العرب: ".. وهذا الإحباط التلقائي هو نتاج ثقافة ينبغي لها أن تتحمل كامل المسؤولية عن الجراح التي سببتها لنفسها: فلا مبرر هناك لتكريس المزيد من الطاعة والإذعان في المنطقة". وينبغي أن تكون الدوافع وراء المحاولة الأميركية في العراق وفي المناطق العربية المجاورة أبعد من مدى إسقاط نظام صدام حسين ونزع أسلحته المميتة وتفكيكها بل أن تتجاوز ذلك إلى تحديث العالم العربي وإدخاله في العصر الراهن." . أما الأفق الذي يذهبون إليه فيشير إليه القول الآتي: "تلك هي عدالة المنتصرين الذين تصدوا لهذه المهمة وحققوا الهدفين التوأمين: نزع السلاح والديمقراطية وطال جهد المنتصرين الإصلاحي مجالات: الصحافة ونظام التربية والكتب المدرسية". (7) ـ أصدر الرئيس بوش في أثناء الحملة الانتخابيةت1 2004 قانوناً يلزم وزارة الخارجية بتقديم تقرير سنوي عن معاداة السامية في العالم، وتلتزم الولايات المتحدة الأميركية بملاحقة من تسميهم أعداء السامية، وكل من ينتقد الكيان الصهيوني وممارساته العنصرية يعتبر وفق تلك الرؤية معادياً للسامية.!؟. ( ـ ويرى أن حرية العالم وتحريره يتوقفان عليه وعلى بلده، قال جورج بوش في غرينسبورد 21/6/2003 "من الواضح اليوم أكثر من أي يوم مضى كم أن مستقبل الحرية والسلام في العالم بات يستند إلى ما تقوم به أميركا.." وفي استفتاء قام به الاتحاد الأوربي تبين أن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة هما الخطر الأول على السلام العالمي أما تحرير العالم فأثره في العراق ظاهر للعيان؟! إن أكاذيب الرئيس بوش لا نهاية لها، وقد يكون من الصواب وصف هذه الإدارة بإدارة الأكاذيب والشرور. الموضوعالأصلي : العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: بشري
| ||||||||
الخميس 19 مارس - 22:46:06 | المشاركة رقم: | ||||||||
عضو نشيط
| موضوع: رد: العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة الحرب الاستباقية على العراق أهدافها ومصيرها ومحاكمة الرئيس بوش كمجرم حرب د. غازي حسين * الحرب الاستباقية انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي. * استراتيجية الحرب الاستباقية. * الحرب الاستباقية ومقاومة الاحتلال. * مصير الحرب الاستباقية. * وجوب محاكمة الرئيس بوش. * جرائم الحرب الاميركية. * وهي أفظع وأخطر الجرائم ضد السلام والإنسانية. * استخدمت واشنطن أكذوبة أسلحة الدمار الشامل والعلاقة مع الإرهاب لتبرير الحرب الاستباقية على العراق. تعتبر الحروب الاستباقية، أي الحروب العدوانية في القانون الدولي المعاصر، وفي ميثاق الأمم المتحدة من أفظع الجرائم وأبشعها ضد السلام والازدهار وضد الإنسانية، وخطأً جسيماً ضد استقلال وسيادة أراضي الدولة المعتدى عليها وضد السلم والأمن الدوليين. يقضي القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والعديد من العهود والمواثيق الدولية بوجوب الوقف الفوري للحروب العدوانية الاستباقية وانسحاب القوات المعتدية ومعاقبة الدولة أو الدول المعتدية وإجبارها على دفع التعويضات عن الخسائر البشرية والمادية والنفسية التي سببتها الحرب الاستباقية. يحرّم ميثاق الأمم المتحدة التهديد بالقوة واستخدامها في العلاقات الدولية ولا يعترف بشرعية الآثار التي تترتب عليها. تؤكد المادة الأولى من الميثاق أن مقاصد الأمم المتحدة هي حفظ السلم والأمن الدوليين وحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية. وتمنع المادة الثانية منه الدول الأعضاء التهديد بالقوة أو استخدامها. ورفض مجلس الأمن الدولي تفويض الولايات المتحدة القيام بحربها الاستباقية على العراق، لذلك فإن الحرب الأميركية الاستباقية على العراق انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي ومسؤولية الولايات المتحدة كعضو دائم في مجلس الأمن عن الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. إن الولايات المتحدة لم تكن في حالة الدفاع عن النفس، إزاء الخطر المزعوم والكاذب الذي أعلنه الرئيس بوش، ولا يجوز لها إطلاقاً التذرع بالحرب الاستباقية على الشعب العراقي لتبرير عدوانها الوحشي والبشع على الشعب العراقي المحاصر، ولكنها لجأت إلى ذرائع كاذبة ومضللة وغير قانونية وغير أخلاقية لتضليل الشعب الأميركي عن الاستخدام غير الشرعي للقوة العسكرية لفرض هيمنتها على نفط العراق وتدمير جيشه وتنصيب حكومة ومجلس حكم ووزير خارجية جاؤوا على ظهر الدبابات والبوارج الأمريكية من سراديب وأقبية المخابرات المركزية. جاؤوا مع قوات الاحتلال الأميركي لخدمة المصالح الأميركية والصهيونية ومصالحهم الخاصة على حساب الشعب والأمة والعقيدة، ولمتابعة الحروب الاستباقية على العرب والمسلمين وربما على روسيا وأوربا والصين في المستقبل. استراتيجية الحرب الاستباقية أعدّ اليهودي الليكودي بول فولفوفيتس، نائب وزير الحرب الأميركي عام 1991 "دليل الأمن القومي" الأميركي أكد فيه فكرتين؛ الأولى أن حلفاء الولايات المتحدة هم منافسون محتملون لابد من منعهم من الطموح إلى دور إقليمي أو عالمي أكبر مما ينبغي، والثانية: تقرّ بأن التدخل العسكري الأميركي سمة ملازمة للشؤون الدولية. ورافق ذلك زيادة الإنفاق العسكري لتصعيد القدرة التكنولوجية الهائلة للعسكرية الأميركية على الرغم من انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي وانتهاء الحرب الباردة واستفراد الولايات المتحدة بالعالم. وصدرت عن البنتاغون عام 1997 وثيقة تحت عنوان "المراجعة رأساً على عقب" ووثيقة أخرى عام 1999 بعنوان "الثورة في الشؤون العسكرية"، وأقرتا بوجوب إعداد الجيش الأميركي ليكون قادراً على خوض حربين على غرار حرب الخليج الثانية في مكانين متباعدين من العالم في الوقت نفسه، والانتصار فيهما من دون خسائر بشرية تذكر في الأرواح باستخدام الأسلحة الذكية. وحدد رامسفيلد وزير الحرب الأميركي المخاطر المستقبلية على الولايات المتحدة من أسلحة الدمار الشامل، لتبرير الحروب الاستباقية وإحكام السيطرة العسكرية المطلقة على العالم ونهب ثرواته وتحويل دول عظمى مثل روسيا والصين وحتى أوروبا إلى دول وقوى عادية، ليس بمقدورها أن تواجه الغول الأميركي المتوحش. وظهر مفهوم الدول المارقة وهي القادرة على إنتاج أسلحة الدمار الشامل، ودول محور الشر، وهي الدول التي ترفض الاحتلال الإسرائيلي والأميركي، والحرب الصليبية العالمية ضد الإرهاب، وهي الدول التي تؤيد مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. تبلورت استراتيجية الأمن القومي الجديدة القائمة على الحروب الاستباقية قبل هجمات 11 أيلول وظهرت إلى العلن بعدها. وأعفت نظرية الحروب الاستباقية الولايات المتحدة من تقديم المبررات في الحروب التي تشنها بحجة الدفاع عن النفس أو ضد أخطار محتملة. وبالتالي أعطت الولايات المتحدة لنفسها الحق في العمل إزاء أخطار محتملة لتبرير حروبها الاستباقية ضد بعض الدول التي تؤوي أو تساعد المقاومين لخدمة مصالحها الاقتصادية ومحاربة العرب والمسلمين. خلاصة القول أن الرئيس الأميركي قَدْ خطط للحروب الاستباقية قبل 11 أيلول وأعلن عنها بعد وقوع هذه الأحداث. وخلط بين الحرب ضد الإرهاب وبالموقف من الدول المارقة، وامتد تعريف الإرهاب ليشمل الدول المارقة، وهي الدول الرافضة للهيمنة الأميركية والمدافعة عن مصالحها الوطنية والقومية والإسلامية. وبلور اليهودي الليكودي ريتشارد هاس، مدير مكتب التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأميركية في نيسان 2002 الموقف الاستراتيجي للسياسة الأميركية قائلاً إن حقبة ما بعد الحرب الباردة شكلت تحديات جديدة فوق قومية، ولم تعد الإستراتيجيات القديمة التقليدية استراتيجيات الدفاع والاحتواء والردع كافية بعد الآن، وإن الولايات المتحدة تستطيع السير بل ستسير منفردة حينما يكون ذلك ضرورياً، وأعطى الولايات المتحدة حق التدخل في شؤون الدول الأخرى والانتقاص من سيادتها والقيام بما يسمى بحق الدفاع الذاتي الوقائي أو الاستباقي. وانطلاقاً من استراتيجية الحرب الوقائية التي وضعها اليهود في إدارة الرئيس بوش صدر في أيار 2002 تقرير وزارة الخارجية الأميركية ووضع أربع دول عربية في قائمة الدول الراعية للإرهاب وهي العراق وسورية وليبيا والسودان، متهماً إياها بامتلاك أسلحة كيماوية وبيولوجية ومحاولة الحصول على السلاح النووي، بينما سكت التقرير عن امتلاك إسرائيل لجميع أسلحة الدمار الشامل النووية والكيماوية والبيولوجية بما فيها الغواصات النووية. وبلور رامسفيلد خلال جولته في بعض دول الخليج العربية في حزيران 2002 الحرب الاستباقية القادمة على العراق وقال: "إن الولايات المتحدة تعتزم وضع قواعد عقيدة عسكرية جديدة تنص على الحق في توجيه الضربة الأولى إلى الدول التي تملك أسلحة دمار شامل. وتَكلَّلَ التمهيد للحروب الاستباقية التي نَظَّر لها يهود الإدارة الأميركية ومنهم أيضاً بالإضافة إلى الأسماء المذكورة ريتشارد بيرل في التقرير الذي قدمه الرئيس بوش في (20) أيلول 2002 حول استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة وجاء فيه أن الرئيس بوش يرى أن إعادة هيكلة العالم ليصبح مكاناً آمناً لأميركا تقتضي فرض الهيمنة الأميركية على العالم، ورفض معظم العهود والمواثيق الدولية والانفراد في اتخاذ القرارات المتعلقة بالنزاعات الدولية، ومعاقبة الدول التي ترفض الانصياع لأوامر الإدارة الأميركية. وتتضمن خطة الأمن القومي الجديدة تبني الولايات المتحدة للحروب الاستباقية بمعنى مهاجمة الأعداء المحتملين من دون استفزاز أو مبرر. ويقول الرئيس الأميركي فيها حرفياً: "إن المنطق والدفاع عن النفس يستدعيان قيام أميركا بالتحرك ضد الأخطار المحتملة قبل أن تصبح أخطاراً حقيقيةً." وقرر فيها الرئيس بوش أن أميركا ستعيد بناء النظام الدولي على أساس ينسجم مع تفوقها العسكري الكاسح، والحيلولة دون امتلاك أي دولة ما يكفي من القوة العسكرية والتكنولوجيا لتحقيق التوازن العسكري مع أميركا، الأمر الذي يعني وضع الدول الكبرى تحت الهيمنة الأميركية وتهميشها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً. خلاصة القول: تضمنت الوثيقة إعلان الحروب الاستباقية بأسماء وتبريرات كاذبة ومضللة لمحاربة العرب والمسلمين ونهب ثرواتهم وفي طليعتها البترول والهيمنة على العالم. وتتجلى خطورة الاستراتيجية الأمنية الأميركية الجديدة ليس فقط في القيام بالحروب الاستباقية وإنما أيضاً في إمكانية استخدام السلاح النووي أو ذخائر وقنابل نووية تكتيكية ضد بعض الدول التي ترى الولايات المتحدة أنها تهدد مصالحها. وسبق لها أن استخدمت القنابل النووية في اليابان والذخائر والقنابل التكتيكية باليورانيوم المخصب في حربيها على العراق. تقود الاستراتيجية الأميركية الجديدة إلى القضاء على الأمم المتحدة والعهود والمواثيق والقوانين والأعراف الدولية التي رسختها البشرية بعد الحروب والمصائب والويلات التي حلتْ بها من جراء الحربين العالميتين، وعودة إلى مرحلة رعاة البقر في تكساس وثقافتهم التي تعتمد على العنف والبندقية للتعامل مع الأميركيين أنفسهم. محاولة تسخير مجلس الأمن للموافقة على الحرب الاستباقية لقد أبلغ الرئيس بوش انطلاقاً من الاستراتيجية الجديدة الأمم المتحدة أنها لا يمكن أن تكون فعّالة إلاَّ إذا وافقت على المخططات الأميركية، وإلاّ فعليها التسليم بأنها ليست إلاَّ مكاناً للمناقشات. وأبلغ الجنرال كولين باول المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس "أن للولايات المتحدة الحق المطلق في القيام بعمل عسكري، فكلما اقتنعنا بأمر ما سنرسم بنفسنا الطريق." وكشف بوش وبلير في قمة جزر الآزور عن ازدرائهما مؤسسات الأمم المتحدة ووجها إنذاراً للأمم المتحدّة بما معناه إما أنْ تستسلم للمخطط الأميركي وإلاّ فإنهما سيخوضان الحرب الاستباقية دون الاهتمام بعدم موافقتها، وسواء غادر الرئيس صدام العراق وعائلته بلادهم أم لا. وكرر الرئيس بوش أن للولايات المتحدة السلطة المطلقة في استخدام القوة لحماية أمنها القومي، وكأن العراق المحاصر والذي دمره الرئيس بوش الأب يستطيع تهديد الأمن القومي الأميركي. وأظهرت الحرب العداونية على العراق تشريع الحرب الاستباقية على خطر وهمي مختلق، ولذلك تصبح هذه الحرب أسوأ وأخطر حتى من الحرب التي أشعلها هتلر، وتظهر أن بوش أسوأ من هتلر ويجب محاكمته بموجب قوانين محكمة نورنبيرغ التي حاكمت مجرمي الحرب النازيين. أدّت الحرب والنتائج المدمرة التي خلفتها وتخلفها يومياً على الشعب العراقي إلى انحسار موجة التعاطف العالمي التي حصلت عليها الولايات المتحدة بعد أحداث 11 أيلول وولّدت موجة عالمية من الكراهية والبغضاء إزاء الولايات المتحدة وغطرستها السياسية وعربدتها الحربية. وتحوّلتْ إدارة بوش إلى عصابة مافيا حيث كرر دونالد رامسفيلد، وزير الحرب الأميركي كلام زعيم المافيا آل كابوني وقال: "الكلمة اللطيفة والبندقية يوفران من المكاسب أكثر مما توفره الكلمة اللطيفة دون أي شيء آخر". وتؤكد الاستراتيجية الأميركية الجديدة أن من يملك التفوق العسكري المطلق على الأعداء أو حتى على الأعداء المحتملين يستطيع أن يفرض مصالحه وأهدافه ويحدد المبادئ ويغيّر (يعدَّل) القانون الدولي كما يحلو له تماماً كما يفعل رئيس الوزراء الإسرائيلي مجرم الحرب شارون في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فالذين يدافعون عن سيادتهم وثرواتهم ومعتقداتهم وأهدافهم ويقاومون الاحتلال الإسرائيلي والأميركي يساهمون بحسب منطق الرئيس بوش في صنع الشر ويجب معاقبتهم. دعمت الإدارة الأميركية وبالتحديد رامسفيلد تسليح بعض البلدان العربية، وسكتوا عن الفظائع التي ارتكبها بعضهم، وذلك خدمة للمصالح الأميركية، ولكن عندما قررت اليهودية العالمية تدمير الجيش العراقي تبنت إدارة الرئيس بوش تدميره. وكان الإعلام الصهيوني قَدْ أمطر المواطن الأميركي بمعلومات مرعبة عن الخطر المزعوم الذي يمثله صدام على الولايات المتحدة بأسلحة الدمار الشامل التي يملكها وعلاقته القوية بتنظيم القاعدة وخاصة بعد المساعدات التي قدمها لشهداء الانتفاضة. وركز الإعلام الصهيوني على تورّط النظام العراقي في أحداث 11 أيلول 2001. وأقنع الإعلام الأميركي الموجه من قبل الإدارة الأميركية الشعب الأميركي بأن صدام يمثِّل الخطر الداهم والشر المطلق لأميركا على الرغم من استجابة العراق الكاملة لشروط وأوامر المفتشين الدوليين حتى قبل ساعات قليلة من بدء الحرب العدوانية. أهداف الحرب الاستباقية على العراق زعم الرئيس الأميركي بوش أن هدف الحرب الاستباقية على العراق هو تدمير أسلحة الدمار الشامل والقضاء على الإرهابيين من تنظيم القاعدة وتغيير النظام وتحرير الشعب العراقي. ونجحت أكاذيب الإدارة الأميركية وبالتحديد الرئيس بوش وقادة إدارته اليهود في تضليل الشعب الأميركي وخداعه بأكاذيب لا أساس لها من الصحة على الإطلاق، وثبت بالدليل القاطع كذبها وعدم صحتها ومنها امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وعلاقته مع تنظيم القاعدة. وظهر بجلاء أن الهدف الأساسي من الحرب الاستيلاء على النفط العراقي والقضاء على الدولة القومية والحزب القومي، ومسح الهوية القومية للعراق ورسم خريطة جديدة لـه وللمنطقة العربية أسوأ بكثير من خريطة سايكس ـ بيكو، وتصفية قضية فلسطين، وإنجاح المشروع الصهيوني في الوطن العربي، وتوطين الفلسطينيين في جنوب العراق تحت ستار "خلق التوازن بين الطائفتين الكبيرَتيْن، وتحقيق النظام الشرق أوسطي الجديد، وإقامة اتحاد عراقي ـ أردني ـ إسرائيلي ـ فلسطيني، وسوق شرق أوسطية بقيادة "إسرائيل" وتمويل "مشاريع الشرق أوسطية من الأموال المتبقية من نفط العراق. طبقت الإدارة الأميركية الحرب الاستباقية على العراق لتدميره وتدمير جيشه ومنجزاته وتراثه الحضاري ونهب ثرواته النفطية وإبادة شعبه وزرع الفتن الطائفية والقومية فيه. دمرت إدارة الرئيس بوش العراق بحجّة أنه يمتلك أسلحة الدمار الشامل ويهدد الأمن الأميركي، وثبت للملأ كذب الرئيس بوش، بينما تسكت الإدارة الأميركية عن امتلاك "إسرائيل" لأسلحة الدمار الشامل. وكان من الغريب بل من المستغرب أن ينظم يهود الولايات المتحدة المظاهرات المؤيدة للحرب الاستباقية على العراق ورفعوا فيها الشعارات التالية: "الحرب تنقذ اليهود"، "أنتم أعداء السامية"، الرفضون للحرب اذهبوا إلى بيوتكم"، مما أظهر بجلاء تقديس اليهود للحروب ضد العرب والمسلمين. وقف العالم بأسره ضد الحرب العدوانية، وقال لا للحرب، لا للحرب النفطية على الشعب العراقي، بينما أيدت اليهودية العالمية ودعمت "إسرائيل" الحرب بالإمكانيات كافة. وتجاهلت الولايات المتحدة الأميركية مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة ونداءات البابا والكنائس في أوروبا، ورجال الدين الإسلامي والمسيحي وجميع شعوب العالم، مما وضع ويضع القاعدة الأساسية للحوار والتعاون والتنسيق بين الديانتين المسيحية والإسلام فقط." وفي الأول من أيار عام 2003 أعلن الرئيس بوش من على منصة حاملة الطائرات "أبراهام لنكولن" أنه حقق نصراً في الحرب على الإرهاب بعد أن أزال أحد حلفاء تنظيم القاعدة، على الرغم من وقوع الولايات المتحدة في مستنقعات دجلة والفرات وثبوت عدم وجود علاقة مع تنظيم القاعدة. وزادت الحرب الاستباقية من التدمير والدمار والقتل الذي يعم جميع أنحاء العراق. وتصاعدت مقاومة الاحتلال الذي تنعته أميركا بالإرهاب في جميع قرى ومدن العراق باستثناء الشمال العراقي. الحرب الاستباقية ومقاومة الاحتلال تؤكد الولايات المتحدة في استراتيجية الحروب الاستباقية متابعة ما أسماه الرئيس بوش بالحرب المستمرة على الإرهاب تجاه بعض الدول التي تدعم وتؤوي رجال المقاومة، مما يعرّض باستمرار الشعوب العربية والإسلامية وشعوب العالم أجمع إلى أفدح الأخطار. وأكد بول فولفوفيتس، مساعد وزير الحرب الأميركي أن عراق صدام كان إرهابياً وأن الحرب الجارية هناك يجب أن ينظر إليها باعتبارها جزءاً من الحرب ضد الإرهاب. لقد أثبتت المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي والمقاومة العراقية للاحتلال الأميركي، والمقاومة الأفغانية فشل الحروب الاستباقية ضد الدول التي تؤوي الإرهابيين، لأنها قامت وتقوم على مزاعم وأكاذيب وتبريرات عنصرية واستعمارية ودينية معادية للعرب والمسلمين. فالمقاومة التي تسميها أميركا بالإرهاب تزداد في البلدان المحتلة ضد قوات الاحتلال، لأن الاحتلال أسوأ أنواع الإرهاب. فالمقاومون يملكون العقيدة والإيمان للدفاع عن أوطانهم وثرواتهم. إن الإرهابيين هم بوش وشارون، أعداء الشعوب والسلام والعالم المتحضّر والإنسانية جمعاء، وهما أعداء العرب والمسلمين والشعب الفلسطيني والعراقي وجميع شعوب العالم. إن بوش وشارون يحاولان إخضاع العرب والمسلمين من خلال الصدمة والترويع لكسر إرادات الحكومات، ولكن الحروب الاستباقية لن تحقق الأمن والسلام أو تقضي على مقاومة الشعوب للاحتلال. إن الأكاذيب التي أطلقتها الإدارة الأميركية لتبرير الحرب الاستباقية على العراق والخسائر المادية والبشرية والأخلاقية والقانونية والحضارية والنفسية التي ستلحقها الحرب على الولايات المتحدة تدفع إلى الاعتقاد بصعوبة ارتكاب حرب استباقية جديدة خلال فترة قصيرة من الزمن. لذلك يجب دعم الشعب العراقي الشقيق لكنس الاحتلال من وطنه، لأن الاحتلال الأميركي يتصرف في العراق بوحشية أكثر من المفاهيم الاستعمارية والعنصرية التي سادت في القرن التاسع عشر. إن شعوب العالم مدعوة لإجبار واشنطن على الاعتقاد بأن الحرب الاستباقية على العراق يجب أن تكون آخر الحروب الاستباقية وآخر محاولة لتغيير نظام سياسي بالقوة العسكرية وإقامة نظام سياسي جديد لخدمة مصالحها الاقتصادية والعسكرية وتغيير الهوية القومية للعراق ونهب نفطه. إن صورة الحضارة والديمقراطية الأميركية غاصت في أعماق المستنقع العراقي، لأن الإدارة الأميركية أشعلت الحرب الاستباقية لإغراءات وضغوط يهودية واقتصادية، وغاصت في الوحل أمام شعوب العالم التي أخذت تؤمن أن أميركا وإسرائيل تشكلان أكبر تهديد للسلام والاستقرار في العالم. وانهارت صورة الجيش الأميركي في أجساد الأطفال والنساء والشيوخ والرجال الذين فقدوا أرواحهم بذخائر اليورانيوم المخصب، والجنود والضباط الذي صهروا أجسادهم الطاهرة بالأسلحة السرية الحديثة ومنها سلاح الميكروويف. وفقدت الولايات المتحدة صدقيتها أمام جميع الشعوب وظهر بجلاء أن طغيان الخطاب الديني الأميركي على الحروب الاستباقية في أفغانستان والعراق يؤكد أن المتطرفين الدينيين هم في الإدارة الأميركية وليس في السعودية أو مصر أو العراق. ودفعت وحشية الجيش الأميركي بأحد المواطنين الأميركيين إلى الكتابة في واشنطن بوست قائلاً: "لقد قرأت أن جيشنا المحتل يستخدم أساليب الجيش الإسرائيلي، إحراق البيوت وتطويق القرى بكاملها بالأسلاك الشائكة، واحتجاز أسر المتمردين، وأنا أشعر بالعار لأنني أبقى هادئاً، قال أحد ضباطنا: بجرعة قوية من الخوف والعنف، والكثير من المال للمشاريع أعتقد أننا نستطيع إقناع هؤلاء الناس أننا هنا لمساعدتهم. إنه الأميركي القبيح وهكذا نحن إن جيشنا يختار نموذجاً من الواضح أنه أخفق في "إسرائيل". إن استئصال الروح الوطنية والقومية والإسلامية في العراق شرط لفرض الهيمنة الأميركية عليه، كما أن تدمير الجيش العراقي وإتلاف جميع معداته يمثل هدفاً استراتيجياً لـ "إسرائيل" لا تستطيع أن تقوم هي بتحقيقه، ولكن حققته الولايات المتحدة خدمة لها، وهو ما يعزز ويدعم مكانة بوش لدى اللوبي اليهودي الأميركي. إن الملامح الرئيسة والأهداف الأساسية للحرب الاستباقية في العراق ترمي إلى فرض الهيمنة الاميركية على العالم من خلال استخدام القوة العسكرية، والتحكم في النفط والمستقبل العراقيين، لإفساح المجال للتحكم في الاقتصاد العالمي من خلال كميات النفط المستخرجة والأسعار ووضع اليد على أموال النفط لتحقيق الازدهار الاقتصادي. لذلك أعلن الرئيس بوش في إحدى خطبه أن ازدهار العراق سيقود إلى ازدهار أميركا. إن الحرب الاستباقية على العراق جزء من الحرب الشاملة التي تشنها الولايات المتحدة وبريطانيا على العرب والمسلمين باسم مكافحة الإرهاب، ولإكمال المهمة التي بدأها بوش الأب تحت ستار تحرير الكويت، ولتغيير النظام العراقي واستبداله بنظام عميل لأميركا وصديق لـ "إسرائيل"، ولردع باقي النظم العربية والإسلامية. وترمي من جراء الحرب العدوانية بسط الهيمنة الأميركية على القارة الأوروبية بعد النجاح في تحقيق أهدافها في العراق، مما دفع بكيسنجر أن ينصح الأوروبيين بأن يمارسوا مسؤولياتهم الإقليمية في إطار شامل من النظام العالمي الذي تحدده الولايات المتحدة، وبالتالي يحظر كيسنجر ويهود أميركا على أوروبا أن تسير في طريق مستقل وفي طريق وحدتها إلاَّ من خلال الإطار الشامل الذي تحدده الولايات المتحدة. وبالتالي فإن يهود أميركا "وإسرائيل" هم السرطان الخبيث الذي يفتك في أجساد شعوب الشرق الأوسط وأوروبا والشعب الاميركي. إن النفط ليس السبب الرئيس للحرب الاستباقية على العراق، إذ جَرَتْ طرح العروض لمنحها النفط بأسعار مغرية مقابل عدم القيام بالحرب، ولكن واشنطن تريد بالإضافة إلى النفط تغيير النظام ومسح هوية العراق القومية والإسلامية، وتدمير قوته العسكرية التقليدية والصاروخيّة وجعله النموذج للتعامل مع بقية الدول لحملها على السير في ركاب السياسة الأميركية والصهيونية. يمكن القول إن الحرب على العراق بداية لفرض إستراتيجية الأمن القومي الجديدة، أي فرض مفهوم القوة العسكرية على النظام العالمي الجديد لخدمة القوى الحاكمة في الإدارة الأميركية: الرئيس بوش، نائب الرئيس ديك تشيني، وزير الحرب رامسفيلد، نائب وزير الحرب ولفوفيتس، وريتشارد بيرل. ويعبّر هؤلاء عن مصالح شركات النفط والسلاح وعن رؤى دينية مسيحية ويهودية متطرفة تؤمن بأن هيمنة الولايات المتحدة على العالم هي نهاية التاريخ. لذلك تشن الولايات المتحدة الحرب على الإسلام بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، لأنها صنَّفت الإسلام بالعدو رقم واحد للولايات المتحدة الأميركية بعد انهيار الشيوعية. وتهدف إدارة بوش من الحرب الاستباقية إلى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما فيها إيران وأفغانستان وباكستان وبعض الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى وبلدان الخليج لتحقيق المصالح والمخططات الأميركية والصهيونية، وتغيير مناهج التعليم في المراحل الابتدائية والثانوية وحتى تغيير كتب الدين الإسلامي والتربية القومية والسياسات الإعلامية والفكرية والاجتماعية، واعتماد الضربات الوقائية أو الحروب الاستباقية أو التهديد بها لكسر إرادات الحكومات المعنية. مصير الحرب الاستباقية إن الولايات المتحدة ليست في حالة الدفاع المشروع عن النفس، فالعراق المحاصر والمدمر في حرب الخليج الثانية والخالي من أسلحة الدمار الشامل، والذي لا تربطه روابط مع تنظيم القاعدة لم يهدد الأمن القومي الأميركي في يوم من الأيام، بل كانت تربطه علاقات وثيقة مع رامسفيلد وغيره خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية، لذلك تسقط جميع المبررات التي ساقتها إدارة بوش لتبرير حربها العدوانية على الشعب العراقي. إن مفهوم الحرب الاستباقية يتعارض مع قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الأساسية للقانون الدولي وعودة في العلاقات الدولية والتعامل الدولي مئة سنة إلى الوراء. ويعبّر هذا المفهوم الجديد لاستراتيجية الأمن القومي الأميركي عن الأسلوب الجديد للإمبريالية الأميركية والصهيونية العالمية للسيطرة على العالم وأمركته. الموضوعالأصلي : العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: بشري
| ||||||||
الخميس 19 مارس - 22:46:41 | المشاركة رقم: | ||||||||
عضو نشيط
| موضوع: رد: العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة ويجسّد أخطر المفاهيم التي ظهرت حديثاً في العلاقات الدولية، وينهي دور مجلس الأمن والأمم المتحدة. وتعتبر الحرب الاستباقية على العراق عدواناً مسلحاً وحشياً وهمجياً، واحتلالاً أجنبياً للعراق يعطي الشعب العراقي الحق الشرعي والقانوني للدفاع عن نفسه بموجب المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، ويعطيه الشرعية في مقاومة الاحتلال الأميركي. إن قرار الإدارة الأميركية بإشعال الحرب الاستباقية على العراق قرار غير شرعي وغير أخلاقي وقرار استعماري ـ صهيوني موجه ضد العرب والمسلمين بشكل خاص وشعوب العالم بشكل عام. ويهدد الأمم المتحدة بالانهيار وعودة إلى شريعة الغاب وإلى عهد الفوضى ورعاة البقر في تكساس. كان مصير الإمبراطوريات القديمة إلى الزوال، حيث إنها تَشِبُّ وتشيخ ثم تنهار، فانهارت الإمبراطورية الرومانية والفارسية والإغريقية وألمانيا النازية وجميع النظم العنصرية والاستعمارية، ما عدا الإمبريالية الأميركية والنظام العنصري والاستعماري الصهيوني في فلسطين العربية. وسيكون مصيرهما الانهيار كما انهارت جميع النظم الاستعمارية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. وسينهار الكيان العنصري الإسرائيلي كما انهارت النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا والعنصرية في روديسيا والبرتغال، ونظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا، وسيزول الاحتلال الأميركي للعراق وتنهار الإمبراطورية الأميركية في خارج الولايات المتحدة. وجوب محاكمة الرئيس بوش كمجرم حرب الحروب في القانون الدولي نوعان: حروب عادلة وحروب غير عادلة. الحروب العادلة هي حروب التحرير وحروب الدفاع عن النفسِ، أما الحروب غير العادلة فهي الحروب الاستعمارية، حروب الهيمنة والحروب التوسعية والحرب الأميركية ـ البريطانية على العراق حرب عدوانية غير مشروعة وغير عادلة. تحظر المواثيق والعهود الدولية "الحروب العدوانية" وتنص على معاقبة مرتكبيها وملاحقتهم مهما طال الزمن، حيث أقرت الأمم المتحدة عدم سريان تقادم الزمن على جرائم الحرب والجرائم ضد السلام وضد الإنسانية. كان الفتح حتى الحرب العالمية الأولى سبباً مشروعاً من أسباب اكتساب الإقليم، وذلك لعدم منع أو تحريم اللجوء إلى الحرب في العلاقات الدولية. ولكن على أثر المصائب والويلات والخسائر البشرية والمادية الفادحة، وإلحاق الأذى والضرر جراء الحرب العالمية الأولى تقرر في مؤتمر الصلح في فرساي عام 1919 تأسيس عصبة الأمم لتعمل على استتباب الأمن والسلم الدوليين. لم ينص ميثاق عصبة الأمم على تحريم الحروب ولكنه نص على مشروعيتها في مجموعة من الحالات وهي حالة الدفاع عن النفس والثانية استنفاد الإجراءات التي ينص عليها ميثاق عصبة الأمم. وبما أن ميثاق عصبة الأمم لم يمنع الحروب، قررت مجموعة من الدول الأوروبية أن تخطو خطوة متقدمة لتلافي هذا النقص. فوقعت ميثاق بريان كيلوج عام 1928، الذي نص في مادته الأولى على استنكار الدول الموقعة عليه اللجوء إلى الحرب لتسوية الخلافات الدولية. بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة أصبح منع الحروب العدوانية وتحريمها من أهم سمات القرن العشرين ونصراً لقوى السلم والتحرر على قوى الحرب والعدوان والتوسع والعنصرية. يتضمن ميثاق الأمم المتحدة نصوصاً صريحة واضحة لتحريم الحروب ومنع الدول الأعضاء من استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية. تنص ديباجة الميثاق على عدم استخدام القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة، وتنص المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة على أن مقاصد الأمم المتحدة هي: حفظ السلم والأمن الدوليين، واتخاذ التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتتذرع بالوسائل السلمية وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي لحل المنازعات الدولية. وتنص المادة الثانية من الميثاق في القفزة الثالثة على أنه على جميع الدول الأعضاء أن تفض المنازعات الدولية بالوسائل السلمية. وتمنع الفقرة الرابعة الدول الأعضاء من التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أية وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة. إن ميثاق الأمم المتحدة يحرم التهديد بالقوة أو استخدامها في العلاقات الدولية، ولا يعترف بشرعية الآثار التي تترتب عليها. وأجاز فقط حق الدفاع عن النفس بموجب المادة (51). تعتبر الحروب العدوانية، حروب الاستعمار والاستعمار الاستيطاني في القانون الدولي المعاصر، وفي ميثاق الأمم المتحدة وبقية العهود والمواثيق الدولية من أفظع الجرائم ضد السلام وضد الإنسانية، وخطأ جسيماً ضد استقلال وسيادة وحرمة أراضي الدولة المعتدي عليها. ويقضي القانون الدولي ومبادئ وأهداف وقرارات الشرعية الدولية بوجوب انسحاب القوات المعتدية من جميع الأراضي التي احتلتها ومعاقبة الدولة التي أشعلت الحرب على حربها العدوانية وإلزامها بدفع التعويضات عن الخسائر البشرية والمادية التي سببتها الحرب. وانطلاقاً من هذه القوانين والمبادئ والأهداف يجب معاقبة حكومة الولايات المتحدة وبالتحديد الرئيس الأميركي بوش كمجرم حرب على الحرب العدوانية التي أشعلها في العشرين من آذار ضد حرمة وسيادة واستقلال العراق. وضعت الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية العديد من العهود والمواثيق الدولية في مجال حماية المدنيين وحقوق الإنسان وتحريم المجازر الجماعية، والحفاظ على الممتلكات الخاصة والعامة، وعدم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، ومحاكمة المسؤولين على الجرائم والمخالفات التي ترتكب من قبلهم، وكانت أول هذه الخطوات هي محكمة نورينبرغ وآخرها "المحكمة الجنائية الدولية". تذرع النازيون خلال الحرب العالمية الثانية بعدم وجود معاهدات ومواثيق دولية تمنع استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية وتحافظ على سلامة المدنيين وأملاكهم. وتذرعوا بعدم وجود اتفاقيات دولية تمنع قتل المدنيين وارتكاب المجازر بحقهم وتعاقب عليها. لذلك وقَّعتْ الدول الأربع الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا في آب 1945 اتفاقية لندن التي تضمنت إنشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب النازيين واليابانيين على الحرب العدوانية التي أشعلوها وعلى الأعمال الوحشية التي اقترفوها. وجرت محاكمة مجرمي الحرب الألمان بموجب محكمة نورينبرغ الدولية عام 1946 سواء الذين أصدروا الأوامر أو نفذوها أو اشتركوا بتنفيذها. حاول ممثل الدفاع تبرئة المتهمين، لأنهم تصرفوا كممثلين لسلطة الدولة، بحجة أن القانون الدولي آنذاك لا يعرف وقائع تدين الأشخاص الذين يطبقون إجراءات حكومية، إلاّ أن قضاة المحكمة، وبشكل خاص النائب الأميركي رفضوا محاولة ممثل الدفاع، واتخذوا قراراً بهذا الخصوص جاء فيه: "ترتكب الجرائم ضد القانون الدولي من قبل أناس وليس من قبل كائن مجرد، ولا يمكن تطبيق مبادئه إلاَّ بمعاقبة الأفراد الذين يرتكبون مثل هذه الجرائم". وبموجب ذلك جرت معاقبة مجرمي الحرب النازيين حتى الضباط والجنود الذين نفذوا الأوامر العليا. وتنص المادة السادسة من النظام الأساسي لمحكمة نوربنيرغ على أن مرتكبي الجرائم ضد السلام وضد الإنسانية وجرائم الحرب هم مجرمو حرب يتحملون مسؤولية جرائمهم، لذلك يجب ملاحقة الرئيس الأميركي بوش ومحاكمته وإنزال أقصى العقوبات بحقه. تعرِّف المادة السادسة في الفقرة (أ) من نظام محكمة نورنبيرغ بأن الجرائم ضد السلام هي" التخطيط والإعداد والقيام بشن الحرب العدوانية أو أي حرب تنتهك معاهدة دولية. وتتناول الفقرة (ب) من نفس المادة جرائم الحرب وهي: "انتهاك قوانين وتقاليد الحرب، كقتل وإساءة معاملة السكان المدنيين، وكذلك القتل والمعاملة السيئة لأسرى الحرب، وتدمير القرى والمدن أو أي تدمير آخر لا مسوّغ له للضرورات العسكرية". وتعرف المادة (جـ) الجرائم ضد الإنسانية: "بالقتل والإفناء، والاستعباد، والنفي، والإبعاد، وغيرها من الأعمال المنافية للإنسانية التي ترتكب ضد المدنيين قبل أو خلال الحرب." أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار (95) في الحادي عشر من كانون الثاني عام 1946 نظام وقرارات محكمة نورينبرغ كجزء من القانون الدولي، كما أقرت أيضاً عدم سريان تقادم الزمن على مثل هذه الجرائم. وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع من كانون الأول عام 1948 معاهدة تحريم إبادة الجنس البشري (جينوسايد) ووجوب المعاقبة عليها. وتعد هذه المعاهدة بمثابة تقنين دولي يحرم جريمة الإبادة الجماعية ويعاقب عليها. وتنص المادة الرابعة منها على وجوب معاقبة الأشخاص الذين يرتكبون جريمة الإبادة سواء كانوا حكاماً مسؤولين دستورياً (الرئيس بوش مثلاً) أو موظفي دولة أو أشخاصاً عاديين. وتلتقي أحكام هذه المعاهدة الدولية مع مبادئ وأحكام محكمة نورينبرغ التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من القانون الدولي الجزائي وينطبق عليها أيضاً عدم سريان تقادم الزمن. أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1949 اتفاقيات جنيف الأربع المتعلقة بحماية المدنيين زمن الحرب ومعاملة أسرى الحرب والجرحى. وتعد الاتفاقية الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين استجابة واضحة لتطلعات الشعوب الأوروبية التي عانت ويلات ومصائب الحرب العالمية الثانية والحروب التي سبقتها، وذلك بتحديدها للقواعد الأساسية للحماية التي يستحقها الإنسان للمحافظة على حياته وإنسانيته من قوى العدوان والظلم والاحتلال. ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 26 تشرين الثاني عام 1968 على المعاهدة الدولية بخصوص عدم سريان تقادم الزمن على جرائم الحرب والجرائم ضد السلام وضد الإنسانية. واعتبرت هذه الجرائم من أفدح الجرائم في القانون الدولي وأن معاقبة مرتكبيها تشكل عاملاً فعالاً في تجنيب الشعوب مثل هذه الجرائم. فهل تسري المبادئ الواردة في هذه المعاهدات والمواثيق الدولية على هتلر وبقية مجرمي الحرب النازيين فقط أم تسري أيضاً على مجرمي الحرب بوش وبلير ورامسفيلد؟ ارتكب الرئيس بوش، ورئيس الوزراء البريطاني الحرب العدوانية على العراق في العشرين من آذار 2003. واحتلت قواتهما العراق. ويستهدف العدوان الأميركي ـ البريطاني المنشآت المدنية كالمستشفيات والمدارس والأسواق التجارية والجوامع والكنائس، وتدمير مشاريع الماء والكهرباء والبنى التحتية الأخرى في أم قصر والبصرة والناصرية وبغداد، وتدمير الجامعة في بغداد والسوق الشعبي في العاصمة العراقية. وانتهكت القوات المعتدية اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وقتلت أكثر من مئة ألف من المدنيين وأسرى الحرب وتدمير التلفزيون العراقي ومقر الهاتف والاتصالات في جميع المدن العراقية بدءاً من الجنوب والعاصمة حتى الموصل وكركوك، ولم تسلم من القصف الأميركي حتى مخازن المواد الغذائية. وقتلت القوات المعتدية أي قتل الرئيس بوش عشرات الالاف من المدنيين العراقيين جراء القصف المتعمد للأهداف المدنية في العاصمة العراقية والبصرة والنجف الأشرف. إن الحرب العدوانية التي أشعلها الرئيس الأميركي بوش على العراق تعد من أكبر الجرائم ضد السلام في المنطقة، لأن المواثيق الدولية تعتبر الحروب العدوانية من أكبر الجرائم في القانون الدولي وبحق الشعوب والأمم والإنسانية جمعاء. جرائم الحرب الأميركية. تنتهك جرائم الحرب قواعد وتقاليد الحرب الواردة في العديد من المواثيق والاتفاقات الدولية كاتفاقات لاهاي عام 1899، و1907، واتفاقيات جنيف لعام 1906 و1929 و1949، حيث قامت القوات الأميركية والبريطانية المعتدية بقصف القرى والمدن العراقية والمنشآت الصناعية و الزراعية والمدنية، كالمتاحف والقصور والمطارات ومصافي النفط في البصرة والجسور والمستشفيات والأحياء السكنية والشعبية. وتقوم بتصفية الأسرى من القوات العراقية وتعذيب المعتقلين في سجن أبو غريب. تعد هذه الجرائم جرائم حرب وتشكل انتهاكاً فاضحاً للاتفاقات الدولية الموقعة في لاهاي وجنيف حيث تنص اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على أنه "يجب دائماً عدم الاعتداء على المدنيين، بل إنه يلزم في كلّّ حين احترامهم ووقايتهم ومعاملتهم معاملة إنسانية". وتنص المادة (53) من الاتفاقية المذكورة على أنه "يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات، أو بالدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير". وعلى الرغم من توقيع الولايات المتحدة لهذه المعاهدات الدولية الملزمة تقتل القوات الأميركية والبريطانية المعتدية الأطفال والنساء والرجال المدنيين وتدمر السيارات والحافلات في الطرقات ولا تزال الصواريخ والطائرات تقصف العاصمة بغداد والمدن العراقية ليل نهار وبقنابل يبلغ وزنها (2850) كغم في ظل تخاذل مجلس الأمن الدولي والصمت العربي الرسمي المشبوه، والذي يخدم العدوان وإبادة الشعب العراقي والاستيلاء على نفطه وثرواته لتغطية نفقات الحرب العدوانية وحل الأزمات الاقتصادية في الولايات المتحدة وبريطانيا. وجاء تشكيل المحكمة الجنائية الدولية في أعقاب مؤتمر القانون الدولي الذي انعقد في إيطاليا عام 1998 ليؤكد من جديد المبادئ التي أقرتها محكمة نورنبيرغ المتعلقة بتقديم مجرمي الحرب في أي زمان ومكان إلى العدالة الدولية، وبالتالي يضع تأسيسها مجلس الأمن الدولي أمام مسؤولية تطبيق مبادئ وأهداف الشرعية الدولية على مجرمي الحرب بوش وبلير. تحدد المادة الخامسة من نظام المحكمة الجنائية الدولية الاختصاصات التي تتعلق بعملها وهي: *جرائم الإبادة الجماعية * الجرائم ضد الإنسانية *جرائم الحرب *وجرائم العدوان على الغير. تتجسد جميع أنواع هذه الجرائم في الحرب العدوانية الأميركية ـ البريطانية الجارية حالياً في العراق. لذلك يجب تقديم الرئيس الأميركي بوش إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته كمجرم حرب أسوة بمجرمي الحرب النازيين والروانديين. إن تخاذل مجلس الأمن الدولي في شجب الحرب العدوانية على العراق وتقصيره في القيام بواجباته الأساسية في حفظ السلم والأمن الدوليين وتوفير الحماية الدولية للشعب العراقي، والعجز العربي يتطلب من جميع النقابات المهنية والاتحادات الشعبية العربية الإسراع في التحرك ليل نهار وعلى جميع الأصعدة لمساعدة الشعب العراقي البطل والتصدي للحرب العدوانية عليه وفضح أهدافها الاستعمارية. إن الحرب العدوانية الأميركية ـ البريطانية على العراق انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وأهداف الشرعية الدولية. وإن قرار الرئيس بوش بإشعال الحرب على الشعب العراقي قرار غير قانوني وغير شرعي وغير أخلاقي وقرار استعماري يهدد الأمم المتحدة بالانهيار، وعودة بالقانون الدولي مئة سنة إلى الوراء، عودة إلى قانون شريعة الغاب في العلاقات الدولية والتعامل الدولي. المطلوب من مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة وجميع شعوب العالم العمل على تقديم الرئيس الأميركي بوش إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته كمجرم حرب لمعاقبته على حربه على العراق ولردعه ولردع أي رئيس أميركي آخر حتى مجرد التفكير في إشعال حروب عدوانية على أي بلد من بلدان العالم. الموضوعالأصلي : العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: بشري
| ||||||||
الخميس 19 مارس - 22:47:25 | المشاركة رقم: | ||||||||
عضو نشيط
| موضوع: رد: العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة مستقبل الحروب "الوقائية" الأمريكية د. خير الدين عبد الرحمن حملت آخر أخبار واشنطن قراراً اتخذه دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي، بتدريس بعض مسرحيات وليم شكسبير وعرضها في سائر وحدات القوات المسلحة الأمريكية، على أن تكون البداية مسرحية "عطيل" مع مطلع العام 2004. وإذ أثار هذا القرار الدهشة، لتصادمه مع حكم المحافظين الجدد الصهاينة والمتصهينين ـ الذين يمثل رامسفيلد أبرز قادتهم ـ على شكسبير بمعاداة السامية وحقدهم الشديد عليه لكتابته مسرحية "تاجر البندقية"، وكذلك لأنَّ برامج التثقيف في القوات المسلحة الأمريكية بعيدة عن مثل هذا المستوى من الإبداع الفكري والأدبي، وقد خضعت لإشراف دقيق مشدد من بعض رموز هؤلاء المحافظين الجدد المسيطرين على وزارة الدفاع جعلها تركّز على صهينة أفراد القوات المسلحة ممَّن خضعت عقولهم للاحتلال قبل استخدامهم لاحتلال العراق. لكن التفسير سرعان ما ظهر عندما أشار رامسفيلد إلى أنه قد اكتشف مدى إيمان شكسبير بالضربات الاستباقية وتكراره النصح على ألسنة أبطال مسرحياته باللجوء إلى توجيهها للأعداء، الأمر الذي يجعل من شكسبير حجة لا تبارى وسنداً قوياً في مواجهة المعارضة المتصاعدة للحروب الاستباقية التي تبنت الإدارة الأمريكية الحالية شنّها بكثافة. لقد اتسع نطاق هذه المعارضة، بعدما حوّلت الحروب الأمريكية الاستباقية معظم أمم العالم إلى أعداء حاليين أو متوقعين للولايات المتحدة، وأوجدت تياراً عالمياً واسعاً موحداً ضدها، بحيث بدلاً من أن تقضي على أعداء أمريكا راحت تزيد من هؤلاء الأعداء ليشملوا سائر الأمم، بل وقطاعات واسعة من المجتمع الأمريكي نفسه. لذلك اكتشف رامسفيلد أن شكسبير سوف يكون سنداً قوياً له إذا ما تعرّف الضباط والجنود الأمريكيون عبر مسرحياته إلى تأييده الحروب والضربات الاستباقية!. لعل هذه الطرفة السوداء الواقعية تُسهل علينا التعمّق أكثر في مأساة الحروب الأمريكية الاستباقية. فعلى الرغم من أن غزو القوات الأمريكية كلاً من أفغانستان والعراق قد شكّل نوعاً من التحوّل الخطير في الوضع الدولي، وخاصة عندما بدا العالم ممثلاً بالأمم المتحدة عاجزاً عن وقف استباحة الولايات المتحدة الدول الأخرى بالاحتلال العسكري المباشر، ظهرت الحرب على هذين البلدين التي سمتها الولايات المتحدة "وقائية"، وكذلك الحروب المقبلة التي تلوح بشنها هنا وهناك، كأنها استراتيجية أمريكية جديدة غير مسبوقة بزخمها، قررها الرئيس جورج بوش الابن رداً على الضربات التي استهدفت برجي مركز التجارة الدولي في نيويورك ومقر وزارة الدفاع في واشنطن يوم 11/9/2001. هذا الانطباع خادع وخاطئ، فقد مارست الولايات المتحدة، عقب الحرب العالمية الثانية خصوصاً، طويلاً دبلوماسية حاملات الطائرات والبوارج والمدمرات في البحر الكاريبي والمحيطين الهادئ والأطلسي والبحر الأبيض المتوسط ومناطق عديدة من العالم منذ أيام ثيودور روزفلت وصولاً إلى جورج بوش الابن، مروراً برونالد ريغان وجورج بوش الأب، ناهيك عن استخدامها الغزو العسكري المباشر وترتيب محاولات انقلابية ضد عدّة حكومات وفرض الحصار الاقتصادي لتغيير أنظمة وفرض سياسات، أو لحماية طغاة تبنتهم من أمثال أنستازيو سوموزا في نيكاراغوا وجون كلود دوفالييه في هاييتي ورضا بهلوي في إيران. مع ذلك، جاء التبني الرسمي الأمريكي العلني لسياسة شن الحروب الاستباقية على من تعتبرها الولايات المتحدة "دولاً مارقة"، وممارسة هذه السياسة فعلاً على نحو ما كان في غزو العراق واحتلاله، ليشكل مرحلة جديدة من الفوضى والاضطراب في العالم. لقد أحصى المعهد الأمريكي للمراجعة التاريخية I.H.R. مئتين وست عشرة مغامرة عسكرية أمريكية في شتى أنحاء العالم منذ نهاية القرن التاسع عشر، تمَّ احتلال أراضي الغير في أكثر من مئة من هذه المغامرات، كما في احتلال الفيليبين لاثنتي عشرة سنة مثلاً احتلالاً كاملاً، ثمَّ احتلالها جزئياً لقرن كامل، واحتلال هاييتي لعشرين سنة، واحتلال كوبا وبنما والدومينيكان والأرجنتين وغرينادا وسواها، وتدخل عسكري في زنجبار سنة 1839 والصومال والكونغو وليبريا وأنغولا وليبيا، ثمَّ يوغسلافيا سنة 1999، وفي لبنان سنتي 1958 و1982 وأفغانستان التي تعرضت للقصف سنة 1998 ثمَّ للغزو والاحتلال سنة 2001، وفي العديد من دول جنوب شرق آسيا، وخاصة كوريا وفيتنام ولاوس وكمبوديا، ناهيك عن قصف أكثر من عشرين عاصمة أجنبية بالنيران الأمريكية لتغيير أنظمتها الحاكمة. لا تفوتنا الإشارة إلى أن أدولف هتلر قد استخدم مفهوم الحرب الوقائية بدوره لاجتياح معظم بلدان أوروبا واحتلالها، ثمَّ استخدم الكيان الصهيوني هذا المفهوم على نطاق واسع منذ تمَّ زرعه قسراً على أرض فلسطين المغتصبة في العام 1948. بدأ اعتماد الحرب الوقائية كاستراتيجية أمريكية رسمية علنية منذ أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن في شهر أيار (مايو) 2002 أمام البرلمان الألماني عن تحول الولايات المتحدة إلى شن حروب وقائية Prevenrive، أو استباقية، أو إجهاضية Preemptive، ضد الدول التي رأى أنها ترعى الإرهاب أو تموله أو تغض الطرف عنه، وضد الدول التي تطور حالياً ـ أو قد تفكر أن تطور مستقبلاً ـ أسلحة دمار شامل، نووية أو كيماوية أو بيولوجية، كرر بوش تأكيد هذا التحول في أول الشهر اللاحق، حزيران (يونيو) في حفل تخرج ضباط الأكاديمية العسكرية في وست بوينت West Point. أشار ليل غولدتشتاين، الأستاذ في مركز الدراسات الاستراتيجية في الكلية الأمريكية للحرب البحرية إلى أن التخبّط مهيمن بوضوح على علاقات الولايات المتحدة بمن تعتبرها بلداناً مارقة، على نحو ما تشير فقرة في وثيقة استراتيجية الأمن القومي الصادرة في سبتمبر 2002 جاء فيها: "أعداؤنا يعلنون صراحة أنهم يسعون إلى امتلاك أسلحة الدمار الشامل، والدلائل تشير إلى تصميمهم على هذا الهدف، والولايات المتحدة لن تسمح لهم بالنجاح في مساعيهم... والطريق الوحيد للسلام والأمن هو طريق التحرك ضد هذه البلدان..."، وقال غولدتشتاين إنه بعد شن الحرب على العراق يمكن التذرع بأن الحرب كانت وقائية، وأن تفعيل استراتيجية انتهاز الفرص عبر شن حروب وقائية يمثل نمطاً سائداً للتعامل الأمريكي مع الأزمات (Political Science Quaeterly, June 2003). من ناحية أخرى، رأى كثيرون أن تفعيل الحروب الاستباقية أو الوقائية الأمريكية علناً على هذا النحو كاستراتيجية أمن قومي نشطة يمثل أخطر تحول في السياسة الخارجية الأمريكية منذ أكثر من خمسين عاماً. فقد قال ويليام جالستن، الأستاذ في جامعة ميريلاند الذي عمل مساعداً للرئيس السابق بيل كلينتون، إن هذا تحول جذري في مكانة أمريكا في العالم، وكتب في صحيفة واشنطن بوست أنه بدلاً من أن تواصل الولايات المتحدة التعامل باعتبارها الدولة الأولى بين أنداد كما كانت تفعل في ظل النظام الدولي الجديد، بدأت تتعامل الآن وكأنها هي القانون ذاته، وتضع قواعد القانون الدولي دون موافقة الدول الأخرى، وهذا ليس لمصلحة الولايات المتحدة على المدى الطويل. لقد تكرس مبدأ قانوني على امتداد القرن العشرين ينفي الشرعية عن أية حرب وقائية، أنها خطر داهم يقوّض أسس العلاقات الدولية وجذورها، ولذلك جاء اعتماد الولايات المتحدة وممارستها الحرب الوقائية لتكريس سيطرتها وهيمنتها المنفردة على العالم استمراراً لسلسلة من الاجراءات والتحولات الأمريكية التي انتهكت وتحدّت القانون الدولي ومؤسساته على نحو مكشوف وصلف في السنوات الأخيرة. في المقابل، شدد وليم سافير، الكاتب الصهيوني البارز في صحيفة نيويورك تايمز، على أن الضربات العسكرية الاستباقية التي اعتمدت إدارة بوش على توجيهها إلى بلدان عديدة هي جوهر عقيدة الدفاع عن الولايات المتحدة، وليست استثناء طارئاً. بل إن ريتشارد تالت هلمر، عضو مجلس إدارة الدفاع التابع لوزارة الدفاع الأمريكية، وأحد أبرز ثلاثة أمريكيين مؤيدين لإسرائيل ومدافعين عن مصالحها، قال مدافعاً عن غزو العراق: "الحرب الإجهاضية الاستباقية حق للولايات المتحدة تستخدمه متى شاءت وضد من تشاء، دون أي اكتراث بالأمم المتحدة وسواها. أمَّا القانون الدولي فإنه يصلح لتنظيم صيد السمك في الأنهار والبحار، لا لمسائل الحرب والسلم بين الدول والأمم"!. لم يخفف من غلواء اشتداد هوس التغني بالحرب الوقائية في الولايات المتحدة ما حذر منه محللون، مثل إيفو دالدر خبير الأمن القومي في معهد بروكينغز وأحد موظفي البيت الأبيض في إدارة الرئيس السابق كلنتون، الذي قال إن الإعلان الأمريكي عن تبني استراتيجية شن الحروب الوقائية قد ترددت أصداؤه في أوروبا مثيرة الكثير من القلق، ومكرسة توجه إدارة بوش الابن بالتفرد في فرض السياسات والقرارات الدولية دون اكتراث بحلفاء الولايات المتحدة، ودون إبداء أدنى اهتمام حتَّى بسماع آراء هؤلاء الحلفاء. كما كتب أرثر شليسنجر: "إذا قمنا بقصف العراق وغزوه، ممَّا سيؤدي إلى قتل المئات من المدنيين العراقيين [عجيب أن يتم تجاهل مئات الآلاف من ضحايا الحصار الأمريكي الذي سبق الغزو، والاكتفاء بالقلق من احتمال مقتل مئات بسبب الغزو]، وإذا زعزعنا استقرار البلدان العربية، وإذا سمحنا لإسرائيل بأن تحرم الفلسطينيين من دولة منفصلة، سوف نجازف بتوحيد العالم الإسلامي ضدنا وإشعال صراع الحضارات الذي يثير مخاوف كبيرة... تقوم الحرب الوقائية على وهم أنه يمكن التنبؤ بما سيحدث قبل وقوعه، لكن ليس هناك في البيت الأبيض أو البنتاغون مكاتب لذلك النوع من العرَّافين الذي نجده في أفلام ستيفن سبيبلبرغ، وللتاريخ عادة مزعجة تتمثل في البرهنة على خطأ كل توقعاتنا" (د. محمد يونس، حملة مكافحة الإرهاب، الاتحاد، أبو ظبي، 22/8/2002، ص29). لعل هذا العداء بين الولايات المتحدة والتاريخ هو الذي جعل جون كيلي، مساعد وزير الخارجية الأمريكية أثناء حرب الخليج الثانية، يقول بعد انتهاء تلك الحرب سنة 1991: "إذا أرادت الولايات المتحدة أن تنجو من الفيروس القاتل الذي أطاح بكل الإمبراطوريات الكبرى السابقة، والذي اسمه التاريخ، فعليها أن تنشر الجثث الإقليمية في كل مكان"، وهل من سبيل إلى نشر "الجثث الإقليمية، جثث الأمم والدول" بأفضل ممَّا تفعل الحروب الوقائية التي يشنها الطرف الأقوى بذريعة الاشتباه أو التوجس أو حتَّى لإشباع نزوة عابرة؟ من المناسب هنا أن نقف عند موقف نقيض أشار إليه د. منير العجلاني في كتابه "عبقرية الإسلام في أصول الحكم" (ط2، دار الكتاب الجديد، بيروت، 1965، ص447- 448) إذ أشار إلى أن الفقهاء قد قسموا العقوبات في الإسلام إلى حدود وتعازير، وأضاف بعضهم القصاص في الجنايات على الأنفس والأطراف، وميزوا الحد من التعزير بكون الحد لا يقام بالشبهة. فيفرض السؤال نفسه بالتالي إن كان الحد في حالة فرد لا يقام بالشبهة، كيف يتم شن حرب وتدمير دولة وتقويض مجتمع على أساس شبهة، بل شبهة مختلقة تقوم على أكاذيب أطلقها أصحاب قرار الحرب متعمدين. لقد ثارت تساؤلات وملاحظات وانتقادات لا تخرج عن هذا السياق، لكن الرئيس بوش وأركان إدارته استخفوا بالانتقادات، وكرروا تصريحات متغطرسة جددت قول جورج بول قبل أربعين سنة مبرراً تصعيد الحرب ضد فيتنام أن "الولايات المتحدة دولة فريدة في تاريخ العالم"، وقول مادلين أولبرايت، وزيرة خارجية إدارة كلينتون "ترى الولايات المتحدة أبعد من الآخرين لأنَّ قامتها تفوقهم طولاً وارتفاعاً... وهي تفوقهم فضيلة أيضاً!". كان نعوم تشومسكي قد توقع هذا التحول في كتابه المعنون (الدول المارقة Noam Chomski, Rogue States: The Rule of Force in World Affairs, Random House, 2000، وأعاد تشومسكي هذا التحول إلى دراسة صدرت في العام 1995 بعنوان أساسيات الردع في مرحلة ما بعد الحرب الباردة Essentials of Post Cold War Deterrence أشارت إلى ضرورة استغلال الولايات المتحدة ترسانتها النووية الهائلة لإظهار نفسها باعتبارها "الدولة المنتقمة". كما أرجع تشومسكي الأمر في كتاب آخر له (ماذا يريد العم سام؟ ترجمة عادل المعلّم، دار الشروق، القاهرة، 2001) إلى قول جورج كينان، المؤسس اليهودي للدبلوماسية الأمريكية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ قال "لن يكون بعيداً اليوم الذي نضطر فيه للتعامل بمنطق القوة، بعيداً عن رفع الشعارات". لاحظ أكثر المراقبين أن الرئيس بوش الابن قد استخدم أطروحات اللوبي الصهيوني الأمريكي، وخاصة أقطاب تيار المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية الراهنة، في تبرير الاستراتيجية الحربية الأمريكية الجديدة، والتمهيد لتبني شن الحروب "الوقائية" ضد أخطار وهمية مزعومة تمثلها الدول التي تتردد في الخضوع للولايات المتحدة وللكيان الصهيوني. بل إن الرئيس بوش قد استخدم أيضاً المقولة المهزوزة لفرنسيس فوكوياما بنهاية التاريخ وتوقف التطور عند النموذج الأمريكي الذي اعتبره مآلاً إجبارياً وحيداً للبشرية، قيماً ونمط حياة وسلوك وتفكير. قال بوش في مقدمته لوثيقة "استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة" الموزعة على تسعة أقسام رئيسة في ثلاث وثلاثين صفحة، أرسلها إلى الكونجرس يوم 20/9/2002: "إن المعارك الكبرى التي دارت في القرن العشرين بين الحرية والشمولية انتهت بنصر حاسم لقوى الحرية وبروز نموذج واحد ودائم للنجاح القومي وعناصره، هو الحرية والديمقراطية والمشروع الحر. ويمكن القول إنه في القرن الحادي والعشرين لن يتاح إلا للأمم التي تشارك بالالتزام بحقوق الإنسان وضمان الحرية السياسية والاقتصادية [بالمفهوم الأمريكي] أن تطلق إمكانات شعوبها وتضمن رخاءها في المستقبل" (الصحف اليومية العالمية ليومي 20 و21/9/2002). لقد جاءت هذه الوثيقة بمثابة إعلان إمبراطوري أمريكي يغتصب للولايات المتحدة سلطة امتلاك العالم، أرضاً وبشراً وسماء وفضاء، بل "استرقاق الولايات المتحدة لباقي أمم العالم وفرض عبودية حقيقية عليها، نتيجة غطرسة يتداخل فيها قدر كبير من الأنانية وعبادة التكنولوجيا والمال والنزوات والجهل والغباء. عندما تتناسب الغطرسة طرداً مع نمو القوة التي ولدتها، يزداد اختلال السلوك المتواكب مع تلك الغطرسة إلى حدود قد تنعكس أضرارها على صاحب ذلك السلوك، بمثل ـ وربما بأكثر من ـ انعكاسها على ضحاياه (د. خير الدين عبد الرحمن، كيف تبرر الولايات المتحدة الحروب الوقائية التي اعتبرتها محاكم نورمبرج جرائم حرب؟ مجلة دراسات استراتيجية، مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية، جامعة دمشق، العدد 6/7، خريف 2002 وشتاء 2003، ص44). الموضوعالأصلي : العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: بشري
| ||||||||
الخميس 19 مارس - 22:47:58 | المشاركة رقم: | ||||||||
عضو نشيط
| موضوع: رد: العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة لقد شهد النصف الثاني من القرن العشرين ـ وبالتحديد منذ أنجزت القوى الغربية الكبرى فرض كيان من المهاجرين اليهود على أرض فلسطين في العام 1948، قاموا باقتلاع معظم شعبها وبنوا أكبر قوة مسلحة بالأسلحة التقليدية وغير التقليدية والتكنولوجيا فائقة التطور في المنطقة ـ بما فيها أسلحة الدمار الشامل النووية والكيميائية والبيولوجية التي تشكل ترسانة هائلة بُنيت بمساعدة فرنسة أولاً، ثمَّ أمريكية أساساً لاحقاً ـ عدة حروب توسعية وغزوات عسكرية قام بها هذا الكيان واحتلّ عبرها كل أرض فلسطين وأراض مصرية وأردنية ولبنانية، كما امتدت ضرباته العسكرية إلى العراق حيث دمرت المفاعل النووي قرب بغداد بعد تدمير مفاعلين آخرين في فرنسا قبل شحنهما إلى العراق، وضربات جوية وبحرية وعمليات إنزال حربي واقتحام امتدت إلى تونس والجزائر وأوغندا وباكستان وبلدان أخرى، كل هذا بذريعة الحروب الوقائية، الإجهاضية، الاستباقية. لقد كرست المساعدة والمساندة والحماية والحصانة التي منحتها الولايات المتحدة بالذات للكيان الصهيوني في مواجهة أي رد عربي جاد أو تدخل دولي فاعل وضعاً صار من السهل معه على الولايات المتحدة أن تشن بدورها حرباً بعد الأخرى بذريعة اتقاء احتمالات تهديد مستقبلية ربَّما تنشأ أو تنمو في هذه الدولة أو تلك، الأمر الذي يجعل العالم بأسره عملياً مستباحاً للقوة العسكرية الطاغية التي تفرض وقائع تناسبها في أي مكان، متى استدعت مصالحها هذا، دون اكتراث بقانون دولي أو حقوق شرعية. ذهب توقع بعض المراقبين والمحللين في نهاية العام 2002 إلى أن الأمر سوف يقتصر على تصعيد في الإعداد والتهيئة لضربات عسكرية صممت إدارة الرئيس بوش على توجيهها إلى كل من العراق وكوريا الديمقراطية وإيران، دون تردد في استخدام كل الأسلحة ـ بما فيها الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى ـ لكن آخرين قد توقعوا اتساع نطاق هذه الحرب الأمريكية المتدرجة ليشمل، بشكل أو بآخر، ما بين أربعين دولة وستين دولة، وهو عدد الدول الذي أشار إليه الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد ومستشارته للأمن القومي كونداليزا رايس كمواقع لنشاطات إرهابية محتملة، علماً بأن هذه الدول تشمل كل الدول العربية والإسلامية! وهذا بالتأكيد لمصلحة إسرائيل، الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، التي أكدت نشرة صادرة عن مركز مكافحة انتشار الأسلحة النووية في سلاح الجو الأمريكي أن ترسانتها تحتوي أربعمائة قنبلة نووية وهيدروجينية (السفير، بيروت، 2/7/2002، ص1)، وليس نصف هذا العدد كما راج سابقاً، دون أن تهمس الإدارة الأمريكية بضرورة تقليص هذه الترسانة، ولو لذر الرماد في العيون إزاء الاستخدام الأمريكي لمعلومات كاذبة ملفقة عن أسلحة دمار شامل لتسويغ غزو العراق واحتلاله، ثمَّ تلويحها بنفس الذريعة لتهديد إيران، وإثارة أوساط صهيونية أمريكية أكاذيب مماثلة لمحاولة ابتزاز سورية. روجت مصادر أمريكية في وقت مبكر أن الرئيس بوش يعد لاستخدام قوة عسكرية كبيرة ضد من يعتبرهم أعداء، وحددت كونداليزا رايس لصحيفة نيويورك تايمز مفهوم الإدارة الأمريكية للحرب الوقائية بأنها تحرك مبكر لإحباط احتمال أعمال مدمرة قد توجه ضد الولايات المتحدة عبر أعمال مضادة، حيث لا مجال لانتظار وقوع العمل ثمَّ الرد (صحف 2/6/2002). لم يقتصر تبني مفهوم الحرب الوقائية وممارسته على الإدارة الجمهورية الحالية، ففي الإدارة الديمقراطية التي سبقتها كان الرئيس السابق بيل كلينتون قد هدد بحرب استباقية نووية ضد كوريا الديمقراطية إن لم توقف برنامجها النووي، بل أقسم علناً إنه لن يسمح لكوريا الشمالية باستكمال صنع قنبلتها النووية تحت أي ظرف، فوصلت الأزمة إلى حافة الانفجار فعلاً لو لم يتم التوصل في العام 1994 إلى تجميد البرنامج النووي الكوري عبر تسوية تفاوضية (انظر: د. خير الدين عبد الرحمن، القوى الفاعلة في القرن الحادي والعشرين، دار إشراق/ عمان ودار الجليل/ دمشق، 1996، ص157 وما بعدها). بينما تعاملت إدارة الرئيس بوش بضعف شديد مع تجدد الأزمة الناجم عن عدم تنفيذ الولايات المتحدة التزاماتها بموجب تلك التسوية بتزويد كوريا الديمقراطية ببعض ما تحتاجه من الطاقة مقابل إغلاق بعض مفاعلاتها النووية، بحيث قامت كوريا الديمقراطية بإعلان استئناف برنامجها النووي وطرد مفتشي وكالة الطاقة النووية التابعة للأمم المتحدة والانسحاب من معاهدة وقف الانتشار النووي. ففي الوقت الذي أصرت على حشد مئات آلاف الجنود الأمريكيين والبريطانيين والأستراليين وسواهم لغزو العراق وإسقاط نظامه الحاكم، بل المجاهرة بأنه سوف يتم تعيين حاكم عسكري أمريكي للعراق وإقامة إدارة أمريكية لحقول النفط العراقية، إنتاجاً وتنقيباً وتصديراً، وهدّد الرئيس بوش باستخدام كل القوة الأمريكية ضد العراق (خطاب حالة الاتحاد أمام مجلسي الكونجرس يوم 28/1/2003) كما كرر قبل ذلك بأنه لن يتردد في استخدام السلاح النووي الأمريكي ضد العراق. ذكرنا هذا بتصريح الجنرال الكسندر هيج، أثناء توليه وزارة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس رونالد ريجان لفترة قصيرة ـ لكنها كانت ليتفق مع الجنرال أرئيل شارون على خطة غزو الجيش الإسرائيلي لبنان في مطلع حزيران (يونيو) 1982 واحتلال عاصمته بيروت ـ حيث قال الجنرال هيج آنذاك إن الولايات المتحدة لن تتردد في استخدام السلاح النووي لمنع أي تهديد لمصالحها في الخليج، أو للربط بين تلك المصالح والاجتياح الإسرائيلي للبنان، شهد العالم إلى أي مدى كان رد الرئيس بوش ضعيفاً على تهديدات كوريا الديمقراطية بنقل الحرب إلى الولايات المتحدة ذاتها في نفس الفترة التي هدد فيها العراق ثمَّ شن عليه الحرب وأمر قواته باحتلاله وعين حاكماً عسكرياً أمريكياً له تحت ستار مكتب إعادة إعمار العراق، ثمَّ استبدله بسفير خبير بشؤون "قمع الإرهاب" أسماه حاكماً مدنياً، وجعل له واجهة محلية لا سلطة لها عملياً. هل كان يفعل هذا لو امتلك العراق أسلحة كوريا؟ لم يشهد العالم من قبل حتَّى الحد الأدنى من الغطرسة وموجات الوعيد التي اعتادت الولايات المتحدة توجيهها للدول التي لا ترضخ لمشيئتها ـ وخاصة الدول العربية والإسلامية ـ عندما كررت كوريا إنذارها بأن صواريخها سوف تدمر نيويورك وواشنطن وسان فرانسيسكو، حيث كان الرد الأمريكي يكرر أنه يسعى إلى تسوية سلمية مع كوريا الديمقراطية، وأنه لن يتجاوز أبداً الوسائل الدبلوماسية في سعيه على حل الأزمة الراهنة معها! كان المراقبون قد توقعوا تطور نزعة الهيمنة وغطرسة القوة الأمريكية إلى مثل هذا الوضع المتفجر بعدما تصاعد البناء العسكري الأمريكي على نحو غير مبرر. وبالفعل بدأت مفاوضات أمريكية ـ كورية في بكين أعلن خلالها الوفد الكوري يوم 25/4/2003 أن بلاده قد أنتجت بالفعل أسلحة نووية، وهي في حيازتها حالياً. لقد بنت الولايات المتحدة قوة عسكرية ضخمة كافية لردع كل الدول الأخرى، بما يحمي فرض أولوية مطلقة للمصالح الاقتصادية الأمريكية في العالم، خلافاً لتوقعات العالم المنطقية التي افترضت تقليص القوة العسكرية الأمريكية بعد انتهاء الحرب الباردة، وما تلا انتهاءها من تفكك الاتحاد السوفييتي السابق الذي كان القوة الندية الوحيدة المنافسة للولايات المتحدة. صممت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على التمسك باستراتيجية عسكرية عامة عنوانها التورط العالمي Global Engagement، أو بالأحرى الهيمنة العالمية، عبر السيطرة على جميع المسارب البحرية والجوية والفضائية، مع نشر قوات محدودة في أوروبا الغربية وكوريا الجنوبية واليابان وبنما وهندوراس وكوبا وبرمودا وأيسلندا والسعودية والكويت وقطر وسنغافورة واستراليا (د. بول سالم، الولايات المتحدة والعولمة، المستقبل العربي، بيروت، العدد 229، آذار 1998). لكن العالم الذي حلم بسنوات طويلة من السلام والهدوء عقب انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي، وبعدما أمسكت الولايات المتحدة بعنق العالم عبر إمساكها نفطه إثر حرب الخليج الثانية التي حشدت لها جيوش نحو ثلاثين دولة ضد العراق، أصيب بالإحباط لدى إعلان الولايات المتحدة عن قيامها بتطوير وإنتاج أكثر من مائة نوع سلاح سري جديد في العقد الأخير من القرن العشرين، بما فيها أنواع أكثر فتكاً من أسلحة دمار شامل وأسلحة فوق التقليدية، مثل الجيل الثالث للأسلحة النووية الذي يحرر من الطاقة ما يزيد ألف ضعف على طاقة التدمير التي كان يحررها السلاح النووي السابق لكل وحدة مساحة من الأهداف المقصودة عن طريق مركبات أو مواد خاصة يتم إلصاقها بالجهاز النووي من الخارج، إضافة إلى سلسلة من الأسلحة الإشعاعية والإلكترونية لاستخدامها بديلاً لتلك الأسلحة الأسطورية الجديدة فائقة التدمير التي لا يمكن التحكم بنتائجها الكارثة. لقد سلّطت مئات الأبحاث والدراسات الضوء على هذه الأسلحة الأمريكية الجديدة التي وصفها جيمس آدمز James Adams في كتابه المعنون "الحرب العالمية التالية" The Next World War بأنها في الغالب أسلحة صامتة، غير مرئية، ذكية، ذات تدمير هائل، موجهة إلكترونياً بالكمبيوتر وبكاميرات رقمية Digital Cameras، ترتكز إلى تطويع المعلومات في خدمة الحرب، وتضع المدنيين في دائرة الخطر إلى جانب الأهداف الحيوية المعادية والبنية التحتية والجسور ووسائط النقل البرية والجوية والبحرية وشبكات الكهرباء والاتصالات والمياه. لفت نظر باحثين آخرين التركيز الشديد على طائرات حربية قاذفة ومقاتلة بلا طيارين، إضافة إلى العمل على زيادة سرعة القاذفات الثقيلة ودقتها ومداها، وتطوير القنابل الصامتة لتصبح ذكية يتم توجيهها بالأقمار الصناعية، وكذلك تطوير وسائط حربية تضمن التفوّق المعلوماتي والإلكتروني. كان الإحباط مضاعفاً لدى العارفين بأن القانون الأول المطبق عملياً للحركية الاجتماعية Socio- Dynamics يقول: إن ما هو ممكن تقنياً فلابد من تطويره، ويقول القانون الثاني: ما جرى تطويره فلابد من استعماله. هكذا تضاعف عدد الحروب التي شنتها الولايات المتحدة أو افتعلتها أو دفعت إليها في العقد الأخير الذي توقعه العالم بداية عصر سلام. ازداد الوضع بؤساً عندما قررت الإدارة الأمريكية قفزة هائلة في ميزانيتها العسكرية للعام 2003، لتقترب من الأربعمائة مليار دولار، بعدما ظلّت الميزانية العسكرية في حدود مائتين وسبعين مليار دولار سنوياً في السنوات الخمس الأخيرة من القرن العشرين. لم تتردد تصريحات المسؤولين الأمريكيين وأوساطهم المقربة في إعلان أن هذه الأسلحة الجديدة شديدة الفتك سوف تضمن الانتصار الأمريكي في الحرب ضد العراق، وما سوف يليها من حروب ضد الدول ذات الأنظمة "المارقة" أو بالأحرى" غير المطواعة", وقد بات استخدام وصف هذه الحروب بالاستباقية والوقائية وتسويغ ممارستها شائعاً جداً، انسجاماً مع استراتيجية الإدارة الجديدة. نستذكر هنا أقوال العديد من المفكرين والباحثين الأمريكيين والأوروبيين الغربيين، مثل بول كيندي في كتابه (صعود وهبوط القوى العظمى)، وديفيد كاليو في كتابه (أبعد من السيطرة الأمريكية)، وولتر روسل ميد في كتابه (الأبهة الفانية)، وسواهم ممَّن أعربوا عن تخوفهم على مصير الولايات المتحدة بعد تضخمها الحربي المفرط. قال بول كينيدي مثلاً إن زيادة الإنفاق العسكري واللجوء إلى استخدام القوة، والإسراف في استخدامها، قرائن على دخول الدولة العظمى مرحلة الهبوط، لأنَّ هذه العسكرة تعبير عن الإحساس باهتزاز المكانة. وقال كذلك إن القوة العظمى تستجيب بالفطرة لزيادة إنفاقها على الأمن في مرحلة التدهور. وهو نفسه قد أكد أن "مظهر القوة الأمريكية في حرب الخليج الثانية لم يغير من واقع سقوط الإمبراطورية الأمريكية، ذلك أن الثقافة السياسية الأمريكية تمنع بلورة استراتيجية لمواجهة المصادر الداخلية لهذا السقوط (Paul Kennedy, Ameriqe: Les Defauts de la Cuirasse, L'xpress, Paris, 2.8. 1992, P.5) الموضوعالأصلي : العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: بشري
| ||||||||
الخميس 19 مارس - 22:48:43 | المشاركة رقم: | ||||||||
عضو نشيط
| موضوع: رد: العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة لعل من المفيد التمعن في تعليق أندرو كرينفش، المدير التنفيذي لمركز تقويم الاستراتيجيات والميزانيات الأمريكي لصحيفة نيويورك تايمز حول استحالة التنبؤ بتفاصيل حروب العالم 2010، ممَّا يجعل الميزانية العسكرية الراهنة غير متوازنة إطلاقاً ما دامت تتعامل بخطط تطوير وتصنيع أسلحة وتجهيزات لمستقبل غامض غير واضح المعالم. تأتي عملية التصعيد العسكري والإعداد لحروب استباقية أو وقائية تشنها القوات الأمريكية تباعاً في مناطق مختلفة من العالم، في وقت بلغ معه العجز المالي للولايات المتحدة سنة 2001 مبلغ 417 مليار دولار، أو 4,1% من إجمالي الناتج القومي الأمريكي، ومع ذلك لوحظ استمرار قوة الدولار وارتفاع قيمته بالنسبة لعملات العالم الرئيسة الأخرى خلال السنوات السبع الماضية بما مجموعه 50% من قيمة الدولار، وهذا ما ردّه محللون اقتصاديون لضغوط سياسية عززها التهديد العسكري. ترجح أكثر التقديرات الحالية أن قائمة الدول المرشحة لحروب وقائية أمريكية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق تكاد تكون مفتوحة! بينما رجحت أوساط أمريكية عديدة أن تكون أبرز هذه الدول سورية ولبنان (حزب الله تحديداً) ومصر والسعودية. تلاحقت مؤشرات كثيرة تدعم هذا الترجيح، مثل تأكيد صحيفة الفيجارو الفرنسية مثلاً أن الإدارة الأمريكية قد عرضت على تركيا إحياء اتفاق قديم موقع بين بريطانيا وتركيا في العام 1926 يقضي بمنح تركيا عشرة في المئة من نفط حقول كركوك العراقية في مقابل اشتراك القوات المسلحة التركية بفاعلية في حرب أمريكية ـ بريطانية على العراق (الفيجارو، باريس، 20/3/2003). كما شهدت الفترة السابقة لاحتلال العراق تصعيداً أكبر في الحرب التي أعطت الإدارة الأمريكية إسرائيل الضوء الأخضر والدعم المالي والحماية من أجل أن تخوضها ضد الفلسطينيين. ويشار إلى مشاركة القوات الأمريكية عملياً في الحرب التي يخوضها الجيش الفليبيني ضد الحركات الإسلامية المطالبة بالاستقلال في جنوب الفليبين هي أيضاً فصل من فصول الحرب الأمريكية المفتوحة التي بدأت مرحلتها الراهنة في أفغانستان. وإذا كان البعد النفطي المتمثل في استثمار النفط والغاز في حوض بحر قزوين، وكذلك ثروات معدنية هائلة أخرى في بلدان القوقاز وما حولها، قد ظهر طاغياً في الدوافع الحقيقية للحرب في أفغانستان وما تكامل معها من تعزيز هائل للوجود العسكري والاستخباراتي الأمريكي، معززاً بدور وظيفي إسرائيلي نشط مماثل، في دول آسيا الوسطى المسلمة عموماً، فإن نفس هذا البعد النفطي المتداخل مع أبعاد حضارية وتاريخية لا يزال يحكم بقوة ما يواجهه العالم العربي، وخاصة الحروب والتحركات الأمريكية المتوقعة. لقد لاحظ رئيس الحكومة الروسية الأسبق يفغييني بريماكوف، وهو رئيس استخبارت سابق متخصص بشؤون العالم العربي، أن نوعية الأسلحة التي حشدتها قوات الولايات الأمريكية في أفغانستان توضح بجلاء أن الهدف الاستراتيجي لتلك الحرب يتجاوز حدود أفغانستان كثيراً، وهي استكمال ميكانيكي لما بدأه الرئيس بوش الأب في الخليج قبل عشر سنوات ممَّا تجاوز هدفه الاستراتيجي مسألة الكويت وحدودها كثيراً. قال بريماكوف إن الحاكم الحقيقي في الإدارة الأمريكية الحالية هو الثلاثي ديك تشيني ودونالد رامسفيلد وبول وولفووتز، وهدف هذا الثلاثي الرئيس المعلن هو إرغام العرب على خضوع تام لإسرائيل وفقاً للشروط والمصالح الإسرائيلية. وفي هذا الصدد فإن العراق وإيران جزء رئيس من عملية واسعة تقوم الولايات المتحدة فيها بعدّة عمليات جراحية إقليمية وهزات هائلة ترسي معادلات جديدة، حيث ستكون عمليات القوات المسلحة الأمريكية شديدة البطش (المحرر العربي، بيروت، العدد 21، 313/3/2002، ص28). إن الأسباب والتبريرات المعلنة للحرب، أو حتَّى الوصف المسبق لها مثل اعتبارها وقائية تستهدف إجهاض تهديد محتمل قبل أن ينمو ويصبح خطراً داعماً، تقوم عادة على مبالغات محسوبة تسعى إلى احتلال العقول والعبث بتوجهاتها وأحكامها عبر تعبئة التأييد والتفهم في صفوف الأصدقاء، في مقابل زرع الشكوك وعدم الثقة والاستعداد للانهيار في صفوف الخصوم. كان "أوثانت" الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، والآسيوي الوحيد الذي تولى هذا المنصب، قد قال في ستينيات القرن العشرين "متى نشبت الحرب صارت الحقيقة أولى ضحاياها". صار هذا القول صائباً قبل نشوب الحرب، أي في مرحلة الإعداد لها أيضاً، وهذا ما يشمل بالتأكيد الكثير من الذرائع التي يجري استخدامها أو تلفيقها لتسويغ حرب وقائية. وبالتالي فإن التحول الحربي الاستراتيجي للولايات المتحدة إلى شن حروب "وقائية استباقية" يفتقد إلى قدرة الإقناع بأن الولايات المتحدة مهددة فعلاً، ويطمس حقيقة أن السبيل المجدي إلى النجاة من التهديد وهو مراجعة السياسات الأمريكية وطريقة تعاملها مع شعوب العالم، والحد من غطرسة القوة الأمريكية ـ كما دعا السيناتور وليم فولبرايت، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي قبل أربعين سنة من الاجتياح العسكري المدمّر لمجرد اشتباه باعتراض على الإملاءات الأمريكية. وصف جون كوولي John Cooley في كتابه الموسوم (الحصاد: حرب أمريكا الطويلة في الشرق الأوسط Payback: America's Long War in the Middle East ترجمة عاشور الشامسي، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، وبيروت، 1992، ص385) ما آلت إليه السياسية الأمريكية في المنطقة بقوله: "لقد تسرع الكثيرون من المسؤولين في أحكامهم فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط على مدى تعامل الولايات المتحدة الطويل مع شعوب المنطقة" وحذر خصوصاً من الارتجالية الأمريكية التي وصفها بالكارثة، والتي قال إنها تؤدي إلى سوء القرار المبني على الجهل، بينما هناك حاجة للمعرفة وللتعاطف والتوافق ومحاولة فهم شعوب المنطقة بدلاً من الارتجال والاعتماد على شرطي محلي مثل الشاه أو إسرائيل. لكن مثل هذه الأصوات لم تفلح في وقف الارتجالية أو التخفيف من غطرسة القوة، الأمر الذي تزداد خطورة عواقبه ونتائجه مع تزايد القدرة التدميرية لمنظومات الأسلحة الأمريكية الجديدة، نظراً للإغراء الكبير الذي تشكله التكنولوجيا الحربية فائقة التطور لصانعي القرار وأصحاب المصالح لاستسهال شن الحروب. لكن منظومات الأسلحة التي تدفع ـ مع عوامل أخرى ـ إلى شن مزيد من الحروب، لا تشكل ضمانة نجاح، على العكس ممَّا يعتبره تيار الصقور الأمريكي من المسلمات. رأى فنسان ديبورت مثلاً أن "الروح المعنوية وحدها ستتيح غداً إيجاد الحلول للأزمات والنزاعات غير المنظورة. والروح المعنوية وحدها ستتيح عدم الانجراف وراء التقانة... فثمة حل واحد هو: العودة إلى النظريات، والعثور على ما صاغه الفكر العسكري عبر قرون، والتجهيز بوسائط الفهم والإدراك، وباختصار، العودة إلى نظام الروح بغية فرض سيطرة أفضل على النظام المادي ونظام المصادفات والظروف... حاولت الصناعة والمكننة والمعلوماتية عبثاً ودون طائل قلب أشكال الحرب. ولكن استمرت المقومات الدائمة للهزيمة والنصر في عكس الصورة الطبيعية الدائمة للظاهرة الاجتماعية التي هي الحرب. إن طاقات الإنسان وحدوده الجسدية والنفسية يمكن أن تلغي كل ما أنتجته التقانة في لحظة واحدة. الإنسان لا يتغير، وتعود الحرب هي هي". (فنسنان ديبورت، من أجل الفكر الاستراتيجي، الدفاع الوطني، باريس، أب/ أيلول 1999). لعل هذا بالضبط ما يزيد من عبثية حرب شديدة الفتك والتدمير، على حد وصف رئيس الحكومة الروسية الأسبق يفغييني بريماكوف للحرب ضد العراق قبل شهور من وقوعها، حرب تعتبرها الإدارة الأمريكية "وقائية" ضد خطر موهوم يهدد القوة العظمى الوحيدة في العالم، يمثله العراق الذي لم يشفع له، بل ربَّما شجع على غزوه واحتلاله، حصار خانق أنهكه تماماً وقلص قدراته العسكرية إلى حد بعيد بما أغرى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن على نشر تقرير لأستاذ الاستراتيجية فيه أنطوني كوردسمان مؤرخ في 31/12/2002 تضمن مراجعة للخطط الأمريكية لاستعمار العراق، ووصاياه ونصائحه لهدم البنى القائمة في العراق واستبدالها عبر مكوث أمريكي عسكري واقتصادي وإداري وأمني وثقافي شامل طويل الأمد في العراق. جاء تقرير كوردسمان استكمالاً لسلسلة من الدراسات والتقارير التي أعدّها الثلاثي الصهيوني بول وولفويتز وتشارلز بيرل ودوغلاس فيث منذ العام 1976 شدّدت جميعاً على الأهمية الحيوية الملحة لقيام الولايات المتحدة باحتلال العراق. هؤلاء الثلاثة ـ وليست مصادفة ـ صهاينة شديدو التعصب ضد العرب والمسلمين، ذوو نفوذ هائل. قد لا تتضح ملامح استراتيجية الحروب "الوقائية" الأمريكية بغير وضعها في سياق برامج التسلح الأمريكية الجديدة. لقد تمَّ تطوير نحو ثلاثة آلاف سلاح أمريكي جديد في العقود الأخيرة، مع تركيز شديد على زيادة سرعة الإطلاق والوصول، ودقة الإصابة، وشدة التدمير. لم تكترث الإدارات الأمريكية بالأسئلة الحائرة المشروعة على امتداد العالم عن مبرر تطوير مثل هذا العدد الهائل من الأسلحة، ومبرر استمرار التضخم المتزايد في ترسانة السلاح الأمريكية وقدراتها التدميرية غير المسبوقة في تاريخ البشرية، بعد تفرّد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم عقب إطلاق الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان مبادرة الدفاع الإستراتيجي (حرب النجوم) التي أنهكت الاتحاد السوفييتي السابق وضعضعته وأسهمت في تسريع تفككه، إذ لم تكن لديه قدرة على تأمين جزء من الإنفاق الهائل اللازم لدخول سباق تسلح يلائم تلك الطفرة التسليحية الأمريكية التي قدرت تكلفتها بمئات مليارات الدولارات. أجمعت تقديرات الخبراء على أنه ما من عدو راهن أو محتمل للولايات المتحدة وحلفائها في عالمنا، أو حتَّى تحالف من مجموعة أعداء، تحتاج مواجهته إلى تطوير وتكديس هذه الأسلحة فائقة التطور، كماً ونوعاً. مع ذلك، فاجأت الولايات المتحدة العالم بتصعيد تسليحي جديد تمثل ببرنامج الدرع الصاروخي الذي لم تكترث الولايات المتحدة باعتراضات روسيا والصين وأوروبا والهند ومعظم دول العالم الأخرى عليه، لما يشكله من انتهاك لمعاهدة الحد من انتشار الصواريخ عابرة القارات الأمريكية ـ السوفييتية للعام 1972، التي ألغتها الإدارة الأمريكية الحالية من جانب واحد بعدما صممت على إطلاق برنامج الدرع الصاروخي الذي يكلف أكثر من أربعين مليار دولار، ليوفر للولايات المتحدة حماية من أية هجمات صاروخية، تاركاً سائر دول العالم الأخرى مكشوفة أمام الضربات الصاروخية الأمريكية وغير الأمريكية. كانت المعاهدة المذكورة قد قامت على ردع متوازن يوفره انكشاف الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق لصواريخ كل منهما. لم يكد العالم يلتقط أنفاسه بعد هذا التصعيد الأمريكي الجديد الذي افتتح الرئيس بوش الابن به فترة رئاسته، حتَّى تمَّ الكشف في حزيران 2003 عن برنامج تسلح أمريكي ضخم آخر هو "الصقر" أو فالكون الذي يتضمن إنتاج جيل جديد من الأسلحة التي تطلق من الولايات المتحدة بهيئة صواريخ وقنابل ذات سرعة خارقة تقارب سرعة الضوء، بحيث تصيب أي هدف على سطح الكرة الأرضية. النموذج الرئيس الممثل للأسلحة الجديدة التي يبدأ استخدامها سنة 2007 هو صاروخ كروز يقطع تسعة آلاف ميل في أقل من ساعتين، حاملاً أربعة أطنان من المواد شديدة التفجر، طائراً بعشرة أضعاف سرعة الصوت ويستطيع اختراق تحصينات سماكتها أكثر من سبعين قدماً من الصخر الصلد! اختصر جون بايك، رئيس مركز الأمن العالمي في واشنطن هدف البرنامج بقوله "إنه يعني قدرتنا على تفجير الناس في أية بقعة على هذا الكوكب، حتَّى لو لم تسمح لنا أية دولة على الأرض باستخدام أراضيها". إنه استمرار تصعيدي في منطق "الحرب الاستباقية" الذي دفع الولايات المتحدة إلى تدمير هيروشيما وناغازاكي في شهر آب عام 1945 بقنبلتين نوويتين دون أي مبرر عسكري، في أعقاب عدّة رسائل حكومية يابانية تعرض إنهاء الحرب، بل استسلام اليابان، إلا أن الإدارة الأمريكية قد التزمت مبدأ يشكل ركناً رئيساً لأداء الصناعة الأمريكية وتعاملها يقول "كل ما يتم إنتاجه يجب استخدامه" من ناحية، وأرادت توجيه رسالة رادعة لكل الأمم والدول عبر ذلك التدمير النووي الرهيب مفادها أن على العالم الخضوع لها. لكن كسر الاتحاد السوفييتي الاحتكار النووي الأمريكي شل فاعلية الرسالة. لقد أعلن البنتاغون أن الهدف الاستراتيجي لبرنامج فالكون "هو قمع أي تهديد واجتثاث أي خطر قائم أو محتمل أو موضع شك دون الاعتماد على قواعد متقدمة أو حلفاء. إنه برنامج يحرر الولايات المتحدة من الحاجة إلى حلفاء إقليميين في أي مكان في السنوات الخمس والعشرين القادمة"! وهكذا تتضح ملامح الرؤية الأمريكية لعالم الغد الذي تستعد فيه حتَّى لاحتمال أن لا تجد تابعاً أو صديقاً أو حليفاً لها، دون أن تتخلى عن سعيها إلى التفرد في الهيمنة. إنها غطرسة عبادة القوة التي تنشر الدمار والفوضى. يلفت النظر تأكيد الرئيس الروسي بوتين في العشرين من تشرين الأول (أكتوبر) 2003 تبنيه لتصريح وزير دفاعه بأن روسيا لن تتردد بعد الآن في شن حرب استباقية ضد أية دولة معادية لها عندما تقرر أن شن هذه الحرب ضروري لمصالحها، ما دامت قوة عظمى أخرى قد سبقتها إلى هذا الإجراء دون اكتراث بالأمم المتحدة ولا بالقانون الدولي. بغض النظر عن مدى تجسيد هذا التهديد الروسي مستقبلاً، يبدو من المؤكد أن شن الحروب الاستباقية لن يظل احتكاراً للولايات المتحدة وإسرائيل اللتين تغتصبان حصانة مطلقة تجاه أي قانون أو مساءلة. إن الفوضى نتيجة منطقية لإقدام الولايات المتحدة على استباحة الأمم والدول الأخرى على هذا النحو. والتاريخ زاخر بأمثلة لانهيار إمبراطوريات وطواغيت بسبب تصرفات مماثلة، يستذكر الذهن تلك الحالة التي مارس فيها فرعون القتل الجماعي "الاستباقي" لكل طفل مولود في فترة أبلغه المنجمون أن طفلاً يولد فيها سيتسبب بنهايته. لقد شاءت الحكمة الإلهية أن يسعى فرعون إلى نهايته بنفسه إذ استثنى النبي موسى من المجزرة الجماعية "الاستباقية الوقائية"، بل ورباه في قصره لقد أسف أرنولد توينبي في موسوعته الضخمة "دراسة في التاريخ" لأنَّه ليس بالإمكان دراسة تاريخ الإنسانية منذ ظهورها من غير أن يضطر الدارس إلى القول بأن "الحرب مؤسسة تقع في قلب الحضارة الإنسانية"! اختار ألبرت فولر سنة 1950 نصوصاً من دراسة توينبي تلك (صدرت بعنوان: الحرب والحضارة، ترجمة فؤاد أيوب، دار دمشق) وجعل عنوان أحد الفصول جملة شديدة الإيحاء هي: "العالم مريض اليوم بالحرب". شرح توينبي في هذا الفصل مدى الفزع الذي يجدر بنا وَعْيُه به إزاء بقاء الحرب مؤسسة معترفاً بها في المجتمع الغربي، على الرغم من أن هذه الحرب في عصرنا لن تكون سوى حرب إبادة تتدرج في تصاعدها إلى مستوى يجعل تدمير الإنسانية بأكملها مصيراً محتوماً. رأى توينبي أيضاً أن الحرب سبب مباشر في انهيار الحضارات: إنها بنت الحضارة والسبب المباشر في انهيارها، إنها سرطان الحضارة! لم تفت توينبي الإشارة إلى أن الحرب متجذرة في الحالة الأمريكية بالذات كمؤسسة جوهرية واكبت نشوء الولايات المتحدة وتطورها واستمرارها. يتضاعف الفزع أضعافاً كثيرة عندما تصبح الحرب "الوقائية" أو "الاستباقية" سياسة رئيسة دائمة معلنة، وأداة يتم اللجوء إليها بسهولة وخفة، كلّما اقتضت مصلحة دولة أو مجموعة شركات، أو حتَّى شركة ضخمة واحدة، أو نزوة فرد متحكم أو عدد من الأفراد، في استباحة لسيادة الدول وحقوق الأمم ومصائرها، وفي انتهاك سافر للقانون الدولي ومبادئ الشرعية! أبسط واجبات الدفاع عن الذات في هذه المرحلة أن لا يتكاثر فينا من يشكّلون طابوراً خامساً للحروب الاستباقية التي تستهدف عالمنا العربي الإسلامي أساساً. الموضوعالأصلي : العرب اليوم بين الواقع والطموح الأستاذ الدكتور حسين جمعة // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: بشري
| ||||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |