المجتمع الإِسلامي أيام عمر بن الخطاب[size=24]المجتمع الإِسلامي أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاضلاً متماسكاً، ولم يختلف يوم تولى الأمر عثمان بن عفان رضي الله عنه، إن لم نقل أن الرضا كان من عثمان أكثر من عمر للينه، وقد ملّ المجتمع الحزم، ولرفقه وقد تعب الناس من الشدة وإن حاول الكثير إظهار الخلاف الكبير بين العهدين، والرضا بعهد عمر، وإنقاص حق عهد عثمان. ولم يكن للشورى التي أوصلت عثمان إلى الخلافة أي أثر في المجتمع، إذ تمت بشكل طبيعي ودون أن يحاول أحد رجالها أن يسعى للحكم، فعبد الرحمن بن عوف - كما نعلم - سلخ نفسه منها، والزبير رشح غيره، وكذا سعد، ولم يبق إلا علي وهو رجل زاهد فيها من البداية إلى النهاية، وبايع عثمان كما بايع غيره، ولم يختلف أحد من المسلمين.
إلا أن المشكلة التي كثر البحث فيها هي قتل الهرمزان وجفينة وابنة أبي لؤلؤة على يد عبيد الله بن عمر، فالحادثة التي قتل فيها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب جريمة سياسية اشتركت فيها أطراف متعددة من مجوس ويهود ونصارى ... وبعضهم كان يظهر الإِسلام، وبعضهم من بلاد ثانية كان لهم دور في التخطيط للقتل ... والمشتركون فيها لا بدّ من قتلهم قصاصاً ووضعاً للحد من جرائم القتل وعبث أعداء الإِسلام بأهله، إلا أن القتل لا بدّ من أن يكون برأي الخليفة حتى لا يكون تعدٍ على صلاحيات صاحب الأمر، وحتى لا يفلت زمام الأمر، ويقوم بتنفيذ الأحكام كل امرئٍ حسب رأيه وهواه باسم إقامة الحدود ... ولما قام بالأمر عبيد الله بن عمر فلا بدّ من حسابه، ولكن الخليفة أيضاً هو الذي يحاسبه وينظر في أمره وليس سوى ذلك، لذا فقد حُبس عبيدالله بانتظار رأي الخليفة الجديد، فلما تولى عثمان كانت هذه أول مشكلة واجهته، ولا بدّ من إقامة الحد وهو القتل، وهذا ما أشار به علي بن أبي طالب وعدد من الصحابة، وقد صعب على عدد آخر أن يقتل عمر بن الخطاب بالأمس بأيدٍ قذرةٍ واليوم يقتل ابنه، إلا أن المسلم لا يقتل بغير المسلم، وشك الناس في إسلام الهرمزان لذا فقد عرضوا على عثمان أن يكون هو ولي أمر المقتولين بصفتهم غرباء، وأن يدفع الدية من بيت المال وتعود، إذ أن بعضهم لا أولياء لهم، وفكر بعضهم أن يقوم الخليفة بدفع الدية من ماله الخاص، وعلى كلٍ فإن الخليفة لا يمكن أن يقبل بهذا التحايل لتعطيل حدٍ من حدود الله، ولكنه دفع عبيد الله بن عمر إلى القماذبان بن الهرمزان ليقتله بابيه، إذ عدَّ الهرمزان مسلماً، فيقول القماذبان : كانت العجم بالمدينة يستروح بعضها إلى بعض، فمرّ فيروز بأبي، ومعه خنجر له رأسان، فتناوله منه، وقال : ما تصنع بهذا في هذه البلاد ؟ فقال : آنس به، فرآه رجل، فلما أصيب عمر، قال : رأيت هذا مع الهرمزان، دفعه إلى فيروز. فأقبل عبيدالله فقتله، ولما ولي عثمان دعاني فأمكنني منه، ثم قال: يا بني، هذا قاتل أبيك، وأنت أولى به منه، فاذهب فاقتله، فخرجت به وما في الأرض أحد إلا معي، إلا أنهم يطلبون إلي فيه. فقلت لهم : ألي قتله ؟ قالوا : نعم - وسبُّوا عبيد الله - فقلت : أفلكم أن تمنعوه ؟ قالوا : لا، وسبّوه فتركته لله ولهم. فاحتملوني، فوالله ما بلغت المنزل إلا على رؤوس الرجال وأكفهم. وبهذا فقد عفا صاحب الحق، وعندها قام عثمان بدفع الدية من ماله الخاص، أما الذين لا أولياء لهم فالخليفة هو وليهم، وقد دفع الدية لهم ثم ردت إلى بيت المال. وهكذا حلت هذه المشكلة بطريقة سليمة، وانقطع الحديث فيها، وعاد للمجتمع تماسكه ورجع فاضلاً كما كان، إلا أنه مع الزمن بدأ يفقد مقوماته تدريجياً، وهذا الأمر يعود لأسباب منها ما تتعلق بالخليفة بالذات، ومنها ما يتعلق بتغير الظروف، ومنها ما يتعلق بالسياسة التي سار عليها.
كان عمر بن الخطاب حازماً شديداً على أمرائه وهذا ما أخاف الناس وجعل له هيبة بينهم بحيث لا يجرؤ أحد على مخالفته، فقد روى ابن الجوزي : أن عمر قدم مكة، فأقبل أهلها يسعون، فقالوا : يا أمير المؤمنين، إن أبا سفيان ابتنى داراً فحبس مسيل الماء ليهدم منازلنا، فأقبل عمر ومعه الدرة فإذا أبو سفيان قد نصب أحجاراً، فقال عمر : ارفع هذا، فرفعه ثم قال : وهذا، وهذا، حتى رفع أحجاراً كثيرة خمسة أو ستة، ثم استقبل عمر الكعبة فقال : الحمد لله الذي يجعل عمر يأمر أبا سفيان ببطن مكة فيطيعه.
وروى الطبري : أن عمر رضي الله عنه جاءه مال، فجلس يقسمه بين الناس فازدحموا عليه، فأقبل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يزاحم الناس حتى خلص إليه، فعلاه عمر بالدرة، وقال : أقبلت لا تهاب سلطان الله في الأرض، فأحببت أن أعلمك أن سلطان الله لا يهابك.
[/size]