الكيد علامة ضعف لا قوة.. وجبن لا شجاعة
خواطر الامام
يقول الحق سبحانه:
بسم اللّه الرحمن الرحيم
(»ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيرا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول»‬ )
الفيل: ٢-٥)
صدق الله العظيم

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين والحمدلله كما علمنا أن نحمد، وصلي الله وسلم علي سيدنا محمد رحمة الله للعالمين وخاتم المرسلين.
وبعد، فقد وقفنا في الحلقة السابقة عند قوله تعالي: (ألم يجعل كيدهم في تضليل) - (الفيل 2).
وقلنا إن الكيد هو التبييت والتدبير الخفي للانتصار علي الخصم والكيد يأتي من الخصم الضعيف غير القادر علي المواجهة فالكيد والتبييت. علامة ضعف لا علامة قوة وعلامة جبن لا علامة شجاعة وإقدام.
ومعني أن كيدهم (في تضليل) (الفيل :2) أي في ضياع وإضلال لأنفسهم، لأن تبييتهم وكيدهم صحيح في خفاء لا يراه المقابل وهم قريش.
لكن وراء قريش قوة أعلي تعلم هذا الكيد وتري، هذا التبييت فهو كيد فقط للفريق الآخر لكن ليس كيدا في علم الله لأنه مفضوح مكشوف، لذلك سيكون في ضلال وضياع لا يؤدي إلي شيء ولا قيمة له ولا نتيجة ولا غاية.
فالذي تكيده ليس وحده في الساحة لذلك تقرأ (إنهم يكيدون كيدا، وأكيد كيدا) - (الطارق: 51، 61) يعني لن أترك عبادي لكم ولن أسلمهم لكيدكم، بل سأرد عليكم كيدكم وأجعله في نحوركم.
ويقول أيضا (ومكروا ومكر الله) - (آل عمران: 45) وقال: (يخادعون الله وهو خادعهم) - (النساء: 241) فالكائد هنا مغرور بقوته غافل عن القوة العليا التي تقف إلي جانب المكيد.
وقوله تعالي: (وأرسل عليهم طيرا أبابيل) - (الفيل: 3) أي جماعات من الطير، وكلمة (أبابيل) جمع مشتق من المفرد أبيل أو أبول أو هي جمع لا مغرد له.
ثم يقول تعالي: (ترميهم بحجارة من سجيل) - (الفيل: 4). لما تكلم الشيخ محمد عبده في تفسير (ترميهم بحجارة من سجيل) قال: إن الطير كانت تحمل في أرجلها ميكروبات، لماذا؟ لأهم يستبعدون أن تحمل الطير الحجارة وترمي بها.
ونقول: هل نحن ندرس النبوات علي أساس أنها نبوغ بشري أو عبقرية بشرية؟ نحن ندرس النبوات علي أنها أصلا مرسلة من عند الله وممدودة ومؤيدة من الله.
إذن ليس معني أن عقلك لا يتسع لمثل هذه القضايا أن ترفضها لأن عقلك ليس حجة وإلا لو حكّمنا العقل فأي عقل نحكّمه؟ أي عقل نتخذه حجة؟ عقلي أم عقلك؟
ومادام الفعل لله فلماذا ندخل أنا أو أنت فيه؟
وحينما نفسر (حجارة من سجيل) بأنها ميكروبات فهي إذن مثل البعوضة التي تحمل مثلا ميكروب الملاريا وهذا أمر عادي. إذن تريد بهذا التفسير أن تقول إن السماء بمعزل عن هذه الحادثة، وهذا لا يتناسب أبدا مع جلال هذه الحادثة، فأوقعوا أنفسهم في ورطة، وهدفهم إيجاد حل لمن لا يؤمنون بالغيبيات.
كذلك وقعوا في ورطة حينماحاولوا الرد علي الغربيين الذين يقولون: إن الإسلام انتشر بحد السيف، لكن حماسهم في الرد علي أعداء الإسلام أوقعهم في أخطاء كثيرة كنا في غني عنها.
فالذي يؤرق المستعمر أن يسمع في بلاد الإسلام عن كلمة الجهاد في سبيل الله، فأشاعوا أن الإسلام انتشر بحد السيف.
وكان في وسعنا أن نرد عليهم ردا بسيطا نقول لهم: وهل المسلمون الأوائل الذين حملوا السيف لنشر الإسلام أسلموا بالسيف؟ إذن المسألة مردودة للأصل، فمحمد في بدايته كان ضعيفا وحوله جماعة ضعفاء ولم يستعمل السيف في الإسلام إلا لرد العدوان والدفاع عن النفس.
لكن عامة المسلمين فهموا هذه الحقيقة فهما سلبيا وظنوا أن الإسلام بمعزل عن حركة الحياة بحيث لا يستعمل السيف أو القوة إلا إذا اعتدي عليه.
وهذا فهم منقوص يراد به الكيد للإسلام أن نوقف دوره عند الدفاع عن النفس، فإذا لم يعتد علينا أحد فنحن في أماكننا لا نخطو خطوة للأمام ولا نبادر مبادرة.
وهكذا أفقدنا الدين مهمته الأساسية التي أرادها الله له، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الطغيان بكل أشكاله، أفقدنا الإسلام إيجابيته.
كذلك في مجال السيرة النبوية فيها غيبيات كثيرة لا يقبلها العقل المجرد، فطلع علينا من ينكرها ويقول لم تحدث أصلا ومنا من يفسرها بأمور عقلية لإرضاء هؤلاء الذين لا يؤمنون بالغيب.
ومنهم من عزل حياة الرسول وسيرته عن معجزاته وعدلوا في وصفه صلي الله عليه وسلم حتي وصلوا به إلي أنه بشر عادي.
والأستاذ هيكل في كتاب السيرة الذي كتبه يقول: سأنحي المعجزات التي حدثت لرسول الله وأبعد هذه الغيبيات وأبحث في شخصه كإنسان عبقري.
وهكذا صار سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم في نظر هؤلاء عبقريا وما أكثر العباقرة!!
لا يا سيدي نحن لا نريد محمدا العبقري نريد محمدا النبي الرسول ويكفينا هذا، لأنك حين تصفه بالقائد أو العبقري إنما تجعله إنسانا كأي إنسان عبقري فأعطيته إمكانيات الإنسان.
وإلي لقاء آخر إن شاء الله.