قصة التتار (35)[size=32]صة التتار [/size]
[size=32] الوحدة مع الشام
خطوة على الطريق - (35) :[/size]
ملخص المقال بعد الاستقرار الداخلي في مصر، حرص قطز على الاستقرار الخارجي مع جيران مصر المسلمين، فكيف تمت الوحدة مع الشام؟
كانت الخطوة الأولى لسيف الدين قطز هي الاهتمام بالاستقرار الداخلي للبلاد، وكانت خطوته الثانية هي استقدام الفارّين من المماليك البحرية، والإفادة من طاقاتهم وإمكانياتهم، وتقوية الجيش بهم. أما الخطوة الثالثة له فكانت -أيضًا- خطوة رائعة! بل في غاية الروعة! الوحدة مع الشام: بعد الاستقرار «الداخلي» في مصر حرص قطز على الاستقرار «الخارجي» مع جيران مصر من المسلمين. فالعلاقات كانت متوترة جدًّا جدًّا مع إمارات الشام الأيوبية، وقد فكروا غير مرَّة في غزو مصر، ونقضوا الحلف الذي كان بين مصر والشام أيام الصالح أيوب، واستقطبوا المماليك البحرية عندهم عندما فروا من مصر، وهم يتربصون بمصر الدوائر في كل يوم، بل إن الناصر يوسف الأيوبي أمير دمشق وحلب كان قد طلب من التتار بعد سقوط بغداد أن يعاونوه في غزو مصر! مع كل هذه الخلفيات المعقدة للعلاقة بين مصر والإمارات الأيوبية فإن قطز سعى لإذابة الخلافات التي بينه وبين أمراء الشام، وكان يسعى إلى الوحدة مع الشام، أو على الأقل تحييد أمراء الشام، فيُخَلُّوا بينه وبين التتار دون أن يطعنوه في ظهره كما اعتادوا أن يفعلوا. ووجد قطز أن رأس هؤلاء والمقَدَّم عليهم هو الناصر يوسف الأيوبي صاحب إمارتي حلب ودمشق، وهو أكبرهم، ويحكم أعظم مدينتين في الشام، وكان قطز يعلم تمام العلم كراهية الناصر يوسف له، ويعلم بأنه طلب من التتار أن يساعدوه على حربه.. ومع كل هذا فقد أرسل له قطز رسالة تفيض رقة وعذوبة، وكأنه يخاطب أقرب المقربين إليه... (وأورد هذه الرسالة المقريزي في السلوك ).. وكانت هذه الرسالة قبل قدوم التتار إلى حلب، واحتمال التعاون بين التتار والناصر يوسف قائم، فأراد قطز أن يوحد بينه وبين الناصر يوسف -على ما به من عيوب وخطايا- بدلًا من أن يضطر قطز إلى مواجهة جيش الشام من المسلمين، ولكن قطز كان يعلم أن أعظم أهداف الناصر هو البقاء على كرسي الحكم، ولن يضحي به مهما كانت الظروف، لذلك فإن قطز أرسل له رسالة عجيبة فعلًا! الناصر يوسف ملك مصر! لقد أرسل له يعرض عليه الوحدة، على أن يكون الناصر يوسف الأيوبي هو ملك مصر والشام! لقد عرض عليه أن يكون هو -أي قطز- تابعًا للناصر يوسف، مع أن موقف قطز العسكري الآن أفضل بكثير من موقف الناصر يوسف، مع أن مصر دولة أقوى بكثير من مدينتي حلب ودمشق! لقد قال له قطز، في رسالته: إنه لا ينازع الملك الناصر في الملك ولا يقاومه، وأنه -أي قطز- نائب عن الناصر في ديار مصر، وأن الناصر متى جاء إلى مصر أجلسه فورًا على كرسي الحكم فيها! هذه أمور لا يتخيلها إنسان بموازين السياسة المادية، ولا يمكن أن تُفهم إلا إذا أدخلت في حساباتك البعد الإيماني الأخلاقي -لا السياسي فقط- عند قطز