السؤال : هل يرسم تراكم التجارب البشرية , و تسلسل احداثها , وجهة محددة للسيرورة التاريخية ؟
الانسان ليس كائنا واعيا فقط , او هو كائن اجتماعي فقط , و انما هو ايضا كائن تاريخي , اي له ماض هو بمثابة ذاكرة حية تحتفظ بكل الوقائع و الاحداث التاريخية و المنجزات التي تحققت في مختلف المراحل و الحقب التاريخية, ونظرا لهذا الغنى الذي يتميز به تاريخ الانسان, فقد اعى المخرخون في مختلف العصور عناية خاصة لهذا التاريخ .
و قبل طرح الاشكالية لابد من تحديد دلالة مفهوم التاريخ , فالتاريخ مجموع التحولات المتتابعة في مجتمع انساني , و هذه التحولات تمس ميادين الانسان المتعددة (الثقافة ,السياسة ,الاقتصاد...) فهو يمثل ذاكرة الانسان بمختلف انشطتها المادية و الفكرية , فهو يطلعنا على افكار و افعال الانسان الذي ينتسب لمجتمع ما او حضارة ما .
و يمكن صياغة الاشكالية عبر التساؤلات التالية :
- هل يرسم تراكم التجارب البشرية و تسلسل احداثها وجهة محددة للسيرورة التاريخية ؟
- هل التاريخ يسير في خط مستقيم لا يحيد عنه او يخضع للصدفة و العشوائية ؟
- هل يحدد السابق اللحق ام هو تتابع عرضي و اعتباطي ؟
كجواب على الاشكالية يذهب مضمون السؤال الى ابراز اطروحة مفادها ان تراكم التجارب البشرية و تسلسل احداثها , وجهة محددة للسيرورة التاريخية و المقصود بها ان التاريخ يسير في خط مستقيم لا يحيد عنه و يمثل سلسلة من الحلقات المترابطة , فهو خاضع لمنطق التقدم , حيث ان السابق يحدد اللاحق , بالاضافة الى ذلك ان التاريخ ليس تتابع عرضي و اعتباطي , فهو يسعى لغاية محددة في اخر المطاف , حيث لا نجد تراجع الى الوراء , ولا نجد كذلك قفزة فجائية .
و لتعمق اكثر يمكن الاستئناس بما قدمه في هذا الشان "كارل ماركس" حيث يرى ان التاريخ يسير في خط مستقيم لا يحيد عنه و يرسمه الواقع الاقتصادي و الاجتماعي .
أن التاريخ البشري يهيمن على مساره منطق جدلي، فهو يسير في خط محتوم لا يحيد عنه، هذا الخط يرسمه الواقع الاقتصادي والاجتماعي للناس، والذي يسميه ماركس بالبنية التحتية التي تتألف من قوى الإنتاج مجموع الأدوات أو الوسائل التي ينتج بها الإنسان ما يحتاج إليه بما في ذالك اليد العاملة وعلاقات الإنتاج وهي طريقة التنظيم التي يخضع لها مجتمع ما،ومجموع علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج يعطي ما يسميه ماركس نمط الإنتاج مثل نمط الإنتاج الرأسمالي أو الإقطاعي أو العبودي