اللغة بين المعرفة الفطرية والمعرفة المكتسبة اللغة بين المعرفة الفطرية والمعرفة المكتسبة
ان اللسانيات الغربية الحديثة - وخاصة اللسانيات التوليدية- "قد أولت قضية المعرفة اللغوية وعد اللغة خصيصة من الخصائص القائمة في نفس المتكلم، اهتماما كبيرا؛ فقد نالت القضية من مباحثها حظا كبيرا من البحث والتنظير، وامتزج فيها الفلسفي الإبيستيمولوجي بالعلمي العقلاني؛ فأثيرت أسئلة حول ماهية المعرفة البشرية وكيفية ظهورها وتجليها عند الفرد وأقسام المعارف،وغير ذلك. وهي أسئلة لها نظائرها في أنظمة معرفية أخرى كنسق المعتقدات الفردية والجماعية، وقد حاول النحو التوليدي أن يبرهن على أن الفكر ذو طبيعة قالبية؛ أي على هيئة نظام من اﻷنساق الفرعية المتفاعلة. ولكل نسق خصائصه الخاصة. وقد رجع رائد المدرسة اللسانية التوليدية ن.تشومسكي بعض هذه اﻷسئلة إلى أصول فلسفية قديمة وأخرى حديثة، وصاغها في شكل مسائل دعاها بالمسألة الأفلاطونية والمسألة الديكارتية ومسألة أورويل.
وإذا اتخذنا المعرفة القبلية الفطرية أساسا تتنزل عليه المعارف الملقونة، فهمنا لماذا تساءل الفلاسفة والمفكرون عن قضية مثيرة صاغها يرتراند رسل في السؤال التالي: 'كيف يتمكن بنو البشر من اكتساب معارف شتى على الرغم من أن تجاربهم في هذا الكون قصيرة ومحدودة؟' وقد صاغ ن.تشومسكي على هذا اﻹشكال سؤالا مماثلا هو: ' كيف نستطيع ان نحصل على نظم معرفية واسعة، على الرغم من قصر تجربتنا وتقطعها؟ وكيف يستطيع أن يتواصلوا بتجربتهم الفردية المحدودة إلى هذا الضرب من التقارب في نظم الاعتقاد والتوقع المعقدة والمحكمة البناء ، التي توجه سلوكهم وعلاقاتهم ؟'.
لقد عرف التراث الكلاسيكي كثيرا من اقتراحات الجواب، ونستطيع أن نؤكد - تبعا للتراث الأرسطي- أن العالم مبني بشكل مخصوص، وأن الفكر البشري قادر على إدراك هذا البناء انطلاقا من حالات فردية، للوصول إلى النوع ثم الجنس ، فإلى تعميم أكبر. وهكذا يصل هذا الفكر إلى معرفة الكليات والجوامع universals انطلاقا من إدراك الأحوال الخاصة.
ص: 45-46-47.