جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: قسم التاريخ و الحضارة الاسلامية :: قسم التاريخ و الحضارة الاسلامية |
الأربعاء 14 مايو - 22:29:05 | المشاركة رقم: | |||||||
Admin
| موضوع: علاقة الرستميين بالإمارة الأموية في الأندلس علاقة الرستميين بالإمارة الأموية في الأندلس علاقة الرستميين بالإمارة الأموية في الأندلس بقلم د /عبد القادر بوباية * مقدمة: بمبايعة عبد الرحمن بن رستم بالإمامة سنة 160هـ/ 776م، تأسست الدولة الرستمية التي تُعد أول دولة مستقلة عن الخلافة العباسية تقوم في بلاد المغرب ، ومنذ قيامها تميزت هذه الدولة بشخصيتها على أنها دولة ذات سيادة على أراضيها ، وعلى السكان القاطنين تحت سمائها، كما أصبح من حقها أن تساهم بدورها في العلاقات الدولية، تلك العلاقات التي جنى الرستميون من ورائها مكاسب كثيرة ستكون لها آثار بعيدة المدى في تدعيم أركان دولتهم، لأنها أتاحت لهم مزيداً من الاحتكاك بالدول المجاورة لهم وفي جميع المجالات. تنوعت العلاقات الخارجية للدولة الرستمية بحكم المصالح المشتركة و"بحسب مواقف الدول المجاورة، قوة وضعفاً، صداقة وعداء(1)". وسأحاول من خلال هذه المداخلة المتواضعة تسليط الضوء على علاقة الرستميين بالدولة الأموية في الأندلس في جميع الميادين والمجالات، إضافة إلى إبراز الدور الذي لعبه بعض أعلام الرستميين في التطور السياسي والازدهار الحضاري الذي عرفته شبه الجزيرة الإيبرية. علاقة الرستميين بالدولة الأموية في الأندلس: قامت العلاقات بين الدولة الأموية في الأندلس والرستميين على أسس التحالف المتين والصداقة المتبادلة، وقد بدأت العلاقات بين الطرفين في وقت مبكر حيث إن مؤسس الدولة الأموية بالأندلس، وهو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك حين فرّ من العباسيين لجأ إلى المغرب الأوسط ، وأقام بين بني رستم الذين حافظوا عليه ، وأجاروه من الأخطار التي كانت تواجهه، وهو الأمر الذي يؤكده مؤلف كتاب "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" حين يقول: "وآل أمره في سفره (أي عبد الرحمن بن معاوية) إلى أن استجار ببني رستم ملوك تيهرت من المغرب الأوسط(2) . إن تعبير المقري الذي نقله عن ابن عبد الحكم يؤكد أن قبائل المغرب الأوسط التابعة مذهبياً لبني رستم هي التي قدمت يد المساعدة لعبد الرحمن الداخل مؤسس الدولة الأموية في الأندلس 138هـ/ 755م (3). كان من الطبيعي إذن أن يتم التآلف بين أمراء بني أمية في قرطبة وبين الأئمة الرستميين في تاهرت ، وتقوم العلاقات بين الدولتين على أساس من الصداقة والتحالف والمودة ، إذ كان الأمويون في الأندلس محطّ عداء العباسيين ومكائدهم ، كما كان العباسيون أيضاً أعداء للإباضيّة في تاهرت، لأنهم كانوا يعتبرون بلاد المغرب كلها ميراثاً شرعياً تركه الأمويون لهم ، وعلى هذا الأساس نظروا إلى الدولة المستقلة عنهم نظرة عداء باعتبار مؤسسيها قاموا باقتطاع أجزاء من ممتلكات العباسيين. ومما دفع أمراء بني أمية إلى توطيد علاقتهم بالرستميين أنه لم يعد أمامهم من منفذ إلى بلاد المغرب سوى المغرب الأوسط ؛ لأنَّ المغرب الأدنى (إفريقية) قامت فيه دولة الأغالبة الموالية للعباسيين والمغرب الأقصى فيه دولة الأدارسة الشيعية التي كانت علاقتها بالأمويين في الأندلس تتسم بالعداء(4)، وبقيام هاتين الدولتين أوصدت جميع المنافذ والسبل في وجه الإمارة الأموية الفتية، وبذلك أصبحت الدولة الرستمية هي الشريان الحيوي الوحيد الذي بإمكانه تغذية تلك الإمارة بالحياة، والتعاون معها سياسياً واقتصادياً وحضارياً(5) . وفي إطار التعاون السياسي بين الدولتين، ارتبطت كل منهما بالأخرى ارتباطاً وثيقاً، وكان زعماء كل دولة يتابعون نشاط الدولة الأخرى بإعجاب بالغ، وقد استقبل الرستميون كما ذكر مؤرخوهم كبار رجال الأندلس الذين وفدوا إلى تاهرت واستوطنوها، وأصبح البعض منهم يساعد بعض الأئمة في شؤون الإدارة والحكم، ومن أبرز هؤلاء شخصيتان كانتا في تاهرت عند وفاة عبد الرحمن بن رستم هما مسعود الأندلسي ، وعمران بن مروان الأندلسي ، وكان الإمام قبل وفاته قد جعل الإمامة شورى بين سبعة من رجال الدولة الرستمية ممَّن توسّم فيهم الصّلاح والعلم والتقوى والورع، ومنهم مسعود الأندلسي وعمران بن مروان الأندلسي، ويقول المؤرخون : إنهم أي السبعة أجمعوا رأيهم على اختيار أحد اثنين: مسعود الأندلسي أو عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم، ثمَّ مال أكثر المرشحين للإمامة ومعهم العامة إلى تولية مسعود الأندلسي(6)، ولكن هذا الأخير غاب عن الحضور يوم البيعة، وجعل الإمامة تؤول إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن، ويدلّ هذا على أن شخصية أندلسية كانت على وشك اعتلاء سدّة الحكم في تاهرت، ومما يؤكد المكانة الراقية التي كان يحتلها مسعود الأندلسي عبارة أوردها الدرجيني تنص على أنه ، أي مسعود "تقدم فبايع عبد الوهاب ، وبايعه الناس بعد ذلك"، وهو الأمر الذي يدل على مكانة هذا الأندلسي المؤثرة في عامة الدولة الرستمية(7)، كما يدل أيضاً على أنه من قدماء سكان تاهرت ومعتنقي المذهب الإباضي. ظلت الدولتان تسعى كل منهما إلى كسب صداقة الأخرى، وقد قامت بينهما علاقة سياسية متينة، وهناك عدة حوادث تدل عليها، وقد بدأت في الظهور منذ بداية عهد الإمام عبد الوهاب( 171 ـ 211هـ/787 ـ 826م) وفي هذا الإطار ذكر ليفي بروفنسال أن عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية المعروف بالبلنسي قد حلّ بتاهرت في عهد الإمام عبد الوهاب(8 ( ، وتشير الأحداث التي سبقت خروجه من الأندلس إلى أن قدومه إلى تاهرت لم يكن عفوياً بل كان من أجل تحقيق غاية ما. عند وفاة عبد الرحمن الداخل كان ابنه هشام بماردة وسليمان ـ ابنه الآخر ـ بطليطلة، وكان صقر قريش قد أوصى ابنه عبد الله قبل وفاته بأن يلقي بالخاتم والأمر لمن يسبق من أخوته؛ "فإن سبق إليك هشام فله فضل دينه وعفافه واجتماع الكلمة عليه، وإن سبق إليك سليمان فله فضل سنه ونجدته وحب الناس له(9)، وقد سبق هشام أخاه ففاز بالإمارة، وثار سليمان يطالب بأحقيته في الإمارة لعامل السن فآزره عبد الله؛ فثار معه وحارب هشام أخويه إلى أن طلب سليمان الأمان؛ "فاشترط عليه الأمير هشام الخروج من الأندلس ويعطيه ستين ألف دينار(10)"؛ فركب سليمان البحر بأهله وولده إلى ساحل المغرب(11)،ويضيف ابن خلدون أنّ عبد الله سار معه، ونزل الأخوان في بلاد المغرب؛ فأقام سليمان بطنجة، بينما خرج عبد الله متجولاً بين دول المغرب الإسلامي؛ فاتصل "بابن الأغلب صاحب إفريقية وخاطبه في مشروعهما(12)، ويبدو أنه لم يلق رداً إيجابياً، فانتقل إلى تاهرت، واتصل بالإمام عبد الوهاب بهدف الحصول على مساعدة رستمية، ولكن الإمام الرستمي لم يستجب لمطالبه، لأنَّه كان يَعدُ أن نزاع الإخوة الأمويين مسألة داخلية، كما أنه يريد الحفاظ على العلاقة الودية مع السلطة القائمة بالأندلس. لقد حافظ عبد الوهاب بموقفه هذا من الثائرين على الإمارة الأموية في قرطبة على العلاقات الطيبة القائمة بين الرستميين والأمويين . ظلت الدولتان تسعى كل منهما إلى كسب صداقة الأخرى، ففي سنة 207هـ/ 822م بعث الإمام عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم أبناءه الثلاثة وهم دحيون وعبد الغني وبهرام(13) في سفارة رسمية إلى قرطبة(14)، وكان يوم وصول هذه السفارة الرستمية إلى قرطبة يوماً عظيماً مشهوداً حيث استقبلهم عبد الرحمن الثاني في غاية الاحتفال والإكرام، ويذكر ابن سعيد المغربي أن الأمير الأموي قد "أنفق ألف دينار(15)" حتَّى أصبح ذلك حديث الناس ومصدر إعجابهم(16)، ومن المرجّح أن هذه السفارة كانت تسعى إلى تحقيق جملة من الأهداف ، ومنها توثيق العلاقات الودية بين الدولتين ، وتأكيد دعم وتأييد تاهرت لقرطبة في مواجهتها للثائرين عليها ، إضافة إلى دعمها في مواجهة هؤلاء الخارجين عليها ، وما يؤكد ذلك ما ذكره ابن سعيد وغيره من المؤرخين من أن بشر بن عبد الملك قد أشار على عبد الرحمن "باصطناع البربر واتخاذ العبيد ليستعين بهم على العرب(17)، ومن هنا يظهر أن مهمة أبناء عبد الوهاب في قرطبة كانت تتمثل في مرافقة قوة من البربر قدمت من المغرب الأوسط عامة، ومن منطقة تاهرت بشكل خاص. لقد كشفت بعض المصادر وجود شخصيات رستمية بارزة في الأندلس، ومن أبرزها سعيد بن محمد بن عبد الرحمن بن رستم وابنه محمد وعبد الرحمن بن رستم ورابع يدعى القاسم؛ فقد ذكر ابن الأبار في كتاب الحلة السيراء نسب محمد كاملاً حيث قال إنه: "محمد بن سعيد بن محمد بن عبد الرحمن بن رستم، وهو من موالي الغمر بن يزيد بن عبد الملك(18). يذكر ابن الأبار أن محمد بن رستم كان أديباً، لاعباً بالشطرنج، شاعراً، وقد ورث هذه العلوم عن بيته الرستمي(19)، وهو الأمر الذي جعل عبد الرحمن الثاني يصطنعه" في إمارته على شذونة من قبل أبيه الحكم، وتطورت العلاقة بين محمد بن رستم وعبد الرحمن بن الحكم؛ فاطمأن هذا الأخير لمحمد ووثق فيه، ولما أفضت الإمارة إليه استقدمه إلى قرطبة واستعان به، وعينه عاملاً له على ثغر طليطلة، ويؤكد ابن عذاري عند كلامه على ثورة هشام الضرَّاب سنة 214هـ/ 829 ـ 830م؛ فذكر أنه قد "توافت الجنود لمحمد بن رستم عامل الثغر(20)، وتقدم ابن رستم بهؤلاء الجنود، والتقى بهاشم الضرّاب فقتله ومن معه، وكانوا آلافا في نواحي لورقة(21). ظهرت مقدرة محمد بن رستم العسكرية ثانية في عام 230هـ/ 844م عندما هاجم النورمانديون ) المجوس) إشبيلية، حيث ذكر العذري (من مؤرخي وجغرافي القرن 5هـ/ 11م) أن عبد الرحمن بن الحكم أرسل قُوَّاده: عبد الله بن المنذر وعيسى بن شهيد والإسكندراني وعبد الرحمن بن كليب لمواجهتهم، ويبدو أن هؤلاء قد فشلوا في صدّ الهجوم، واتصل ذلك بالأمير عبد الرحمن؛ "فأخرج محمد بن سعيد بن رستم؛ فمضى من فوره إلى ذلك فيمن ضمّ إليه من الأجناد حتَّى نزل حاضرة إشبيلية؛ فخرج المجوس إليه وقابلوه في المدينة، واستمرّ القتال أياماً بينهما، وكادت الهزيمة تلحق بالمسلمين؛ "فترجّل محمد بن رستم، وترجّل الناس معه، وأدخل الرجال بين العدو والنهر الأعظم؛ فحالوا بينهم وبين المراكب؛ فانهزم المجوس(22)". ومن هذا الكلام يتضح بجلاء الدور الكبير الذي لعبه ابن رستم حيث كان سبباً في إلحاق الهزيمة بالمجوس، وذلك بفضل إقدامه ودهائه، وهو ما يعطيه شرف النصر المحقق على النورمانديين ، كما يؤكد هذا الكلام المكانة التي كان يحتلها الرستميون عامة ومحمد بن رستم خاصة في البلاط القرطبي، وهناك عبارات أخرى تؤكد هذه المكانة، ومنها قول ابن حيان "محمد بن سعيد بن رستم الوزير الحاجب(23)" وأخوه القاسم قبله(24) وعبارة ابن الأبار التي تنص على أن عبد الرحمن استقدمه و"صرفه في الحجابة والوزارة(25)، وتوفي محمد بن سعيد بن رستم في صفر سنة 235هـ/ 849م. شهد بلاط الأمويين في الأندلس بروز عدد من رجالات السياسة من الرستميين الذين تمكنوا من اعتلاء منصب الوزارة والحجابة في دولتهم، وفي هذا الشأن يقول ابن القوطية، وهو يتكلم عن عبد الرحمن بن الحكم: "وكان له وزراء لم يكن للخلفاء قبله ولا بعده مثلهم بعد عبد الكريم بن مغيث الحاجب الكاتب المتقدم ذكره، فمنهم عيسى بن شهيد ويوسف بن بخت وعبد الله بن أمية بن زيد وعبد الرحمن بن رستم(26)، وقد تولى عبد الرحمن بن رستم منصب الحجابة، وهو ما يؤكده ابن القوطية حيث يقول: "ثمَّ مات عبد الرحمن بن غانم؛ فصارت الحجابة بين عيسى بن شهيد وعبد الرحمن بن رستم(27)". نلاحظ من خلال ما سبق أن عبد الرحمن بن رستم كان شخصية مرموقة في قرطبة، والدليل على ذلك هو توليه لمنصب هام كالحجابة، وبصفته وزيراً كان يشارك في المجلس الشوري للأمير الأموي؛ فيقدم له النصائح والآراء، وكان عبد الرحمن بن الحكم بحاجة إلى تلك الآراء، وفي ذلك يقول ابن القوطية: إنه أي عبد الرحمن الثاني كان "أول من رتب اختلاف الوزراء إلى القصر والتكلم في الرأي(28)". نمت العلاقة الرستمية الأندلسية في عهد أفلح بن عبد الوهاب (211 ـ 240هـ/ 826 ـ 854م ) نمواً مضطرداً، وكان حكام كلتا الدولتين يُبلغ الآخر بأخبار الانتصارات، ويبادله الهدايا بهذه المناسبات، وحدث ذلك حين قام الأغالبة في عهد أبي العباس محمد بن الأغلب ببناء مدينة قرب تاهرت سموها العباسية، وذلك سنة 227هـ/ 841م، وكان الهدف من بنائها تهديد عاصمة الرستميين ، والتأثير على مركزها الاقتصادي والسياسي، ولذلك قام الإمام الرستمي بهدمها وإحراقها، وبادر بإخبار حليفه عبد الرحمن بما فعل؛ فأرسل إليه هذا الأخير هدية كبيرة قدرها المؤرخون بمئة ألف دينار(29). وقد أصبح تبليغ أخبار الانتصارات بين حكام الدولتين تقليداً سياسياً مألوفاً، حيث بادر عبد الرحمن بن الحكم، واعترافاً منه بدور الرستميين في هزيمة المجوس (النورمانديين) بإبلاغ خبر ذلك النصر إلى حليفه الرستمي أفلح بن عبد الوهاب، وردّ عيه هذا الأخير بأن هنأه على ذلك عام 230هـ/ 844م (30)، كما ذكر ابن سعيد المغربي أن الأمير الأموي " لم يشغله النعيم عن وصل البعوث إلى دار المغرب(31)، وعلى الرغم من أن ابن سعيد لم يذكر الهدف من هذه البعوث، إلا أنه يمكن القول إنها لم تكن تحمل صبغة عسكرية موجهة ضد القيروان، والأرجح أنها كانت تهدف إلى تمتين العلاقات بالإمارات الموالية أو المتحالفة مع قرطبة، إضافة إلى العمل على جلب ما تحتاج إليه الأندلس خاصة أن حكامها كانوا يواجهون في هذه الأوقات أوضاعاً داخلية صعبة ، ميزتها الثورات والفتن العديدة التي قام بها العرب والبربر، إضافة إلى التحرّشات التي كان يقوم بها النصارى المدعّمون من قبل مملكة الفرنجة. إذا كانت الدولة الرستمية قد منحت بعض رعايا الدول التي تختلف معها سياسياً ومذهبياً حق اللجوء السياسي، وأعطتهم كل ألوان الحماية؛ فإنها لم تكفل مثل هذا الحق للخارجين على الدولة الأموية، ولم تسمح لهم بالقيام بأي نشاط سياسي ضد حلفائهم الأمويين في الأندلس، وفي الوقت نفسه منحت الدولة الرستمية حق الاستيطان والإقامة لكل أندلسي وفد إليها للتجارة أو العمل دون الإضرار بالعلاقات الطيبة المتوطدة بين الدولتين، ويروي لنا ابن القوطية قصة طريفة تبين لنا مدى حرص الرستميين على توثيق هذه العلاقات، وحمايتها من كل ما يعكر صفوها، وتتعلق هذه القصة بالثائر عمر بن حفصون الذي فرّ إلى تاهرت، واختفى بها استعداداً للعمل ضد الأمويين، واشتغل مساعداً لأحد الخيّاطين الذين وفدوا على تاهرت من مدينة ريّة بالأندلس ضمن الوافدين من أهل هذا البلد الإسلامي رغبة في متابعة نشاطهم الاقتصادي، وبينما كان عمر جالساً عند الخياط، جاء شيخ ومعه ثوب؛ فقام إليه الخياط ووضع له كرسياً؛ فقعد عليه، وسمع الشيخ كلام ابن حفصون فأنكره، وقال للخياط: من هذا؟ فقال: غلام من جيراني بريُّة أتى ليخيط عندي؛ فالتفت الشيخ إليه، وقال له: متى عهدك بريُّه؟ قال له: أربعون يوماً، قال: تعرف جبل ببشتر؟ فقال له: أنا ساكن عند أصله، قال له الشيخ: فيه حركة؟ قال : لا، قال : قد أذهله ذلك، ثمَّ قال: هل تعرف فيما يجاوره رجل يقال له عمر بن حفصون؟ فذعر من قوله، وأحَدَّ الشيخ النظر إليه، وكان ابن حفصون قد أفضى الثنية ؛ فقال له : يا منحوس تحارب الفقر بالإبرة، ارجع إلى بلدك؛ فأنت صاحب بني أمية ، وسيلقون منك غياً ، وستملك ملكاً عظيماً، فقام من فوره، وذلك خوفاً من انتشار الأمر، وأن يقبض عليه بنو أبي اليقظان [بنّ أفلح (241 ـ 281هـ/ 855 ـ 894م)]... فأخذ خبزتين من خباز وألقاها في كُمِّهِ وخرج فأتى الأندلس(32). من خلال هذا النص نلاحظ بوضوح موقف الرستميين من ابن حفصون ومن قرطبة على وجه الخصوص، فهم لم يعملوا على دعم أي ثائر ضد الدولة الأموية، وهو الموقف نفسه الذي وقفه الرستمييون سابقاً مع عبد الله البلنسي. لم تذكر المصادر التي بين أيدينا شيئاً عن العلاقة بين تاهرت وقرطبة بعد وفاة الأمير محمد بن عبد الرحمن حيث تولى الأمر بعده ابنه المنذر (273 ـ 276هـ/ 886 ـ 888م )، ولم تطل أيامه؛ فانتقل أمر الأندلس إلى أخيه عبد الله بن محمد (275 ـ 300هـ/ 888 ـ 912 م)، وتميز عهده بكثرة الثوار عليه؛ فمنهم المولدون كابن حفصون ودسيم بن إسحاق، ومنهم البربر كبني موسى بن ذي النون، ومنهم العرب كإبراهيم بن حجاج الذي استقلّ بإشبيلية وقرمونة(33) ونظراً لهذه الأوضاع المتردية، كان حاكم قرطبة بحاجة إلى تأييد تاهرت ومساعدتها، وعلى الرغم من عدم وجود أدلة تؤكد الاتصال بين الطرفين إلا أنه من المحتمل جداً أن العلاقة الطيبة قد استمرت بين العاصمتين، ولكن المؤرخين لم يشيروا إليها لأنهم ركزوا جلّ اهتمامهم على مجريات الأوضاع الداخلية، وبخاصة على الثورات التي قامت في شتى نواحي البلاد. نظرا للظروف العصيبة التي كانت تمر بها الإمارة الأموية في الأندلس؛ فإنها لم تكن قادرة على تقديم أية مساعدة للرستميين عندما داهمهم جيش أبي عبد الله الذي تمكن من القضاء على الإمامة الرستمية في تاهرت في ظرف زمني وجيز، حيث خرج من إفريقية في 15 رمضان 296 هـ (ليلة 8 جوان 909م)، ووصل إلى تاهرت في 6 شوال 296 هـ الموافق لـ 28 جوان سنة 909 م، وما يفسر هذه السرعة في القضاء عليها هو تدهور الأوضاع الداخلية في عاصمة الرستميين بسبب الفتن والقلائل التي ميزت عهد آخر أئمتها، ويتعلق الأمر بـ "يقظان بن أبي اليقظان" (294 ـ 296هـ/ 906 ـ 909م)، وقد مكنت هذه الأوضاع أبا عبد الله الشيعي من دخول تاهرت واستباحتها ونهبها، وإحراق جزء هام من المؤلفات التي كانت تحويها المكتبة المعروفة بالمعصومة(34). لم تكن العلاقات السياسية هي كل ما يربط الرستميين بالإمارة الأموية في بلاد الأندلس، بل قامت بين الدولتين علاقات اقتصادية وثيقة، وتتمثل خاصة في المبادلات التجارية ، ومما ساعد نموها تلك التسهيلات التي منحها الرستميون للتجار القادمين من الأندلس، حيث فتحت أمامهم الطريق إلى سائر العالم الإسلامي، وقد قويت العلاقة التجارية في ظل حاجة الأمويين بالأندلس إلى مختلف المنتجات وبخاصة الزراعية منها نظراً للفتن والثورات التي قامت خلال فترة هذه الدراسة، والتي حالت دون تحقيق الأندلسيين للاكتفاء الغذائي إضافة إلى أن الأندلسيين كانوا في حاجة إلى أسواق خارجية لتصريف المنتجات الفائضة عن حاجتهم. فتح الرستميون الموانئ التابعة لهم في كل من تنس التي بنى القسم الحديث منها جماعة من البحريين الأندلسيين من أهل إلبيرة وأهل تدمير في سنة 262هـ/ 872م (35)، ومرسى (فروخ الدجاج) ووهران التي بناها جماعة من الأندلسيين في عام 290هـ(36) لاستقبال البضائع الأندلسية ، ولا سيما المنسوجات الحريرية، كما قاموا بدور الوسيط في نقل هذه المنتجات وتصريفها في بلاد السودان ومصر وبلاد المشرق الأخرى، كما أن الرستميين كانوا يزودون الأندلسيين بسلع مختلفة كانوا في حاجة إليها ، وبخاصة المنتوجات الزراعية والعبيد، وبذلك أصبحت الدولة الرستمية سنداً قوياً للإمارة الأموية في عمليات التصدير والاستيراد، وتزويدها بكل ما تحتاج إليه، ونتج عن ذلك نشاط الأساطيل التجارية الأندلسية، وازدهار المدن والموانئ الرستمية والأندلسية على حدّ سواء(37). وصاحب هذه العلاقات السياسية والاقتصادية روابط ثقافية هامة بين الرستميين والأمويين في الأندلس، إذ أصبحت الدولة الرستمية الجسر الذي ضمن استمرار التدفق الحضاري من المشرق إلى بلاد الأندلس، وعن طريق الرستميين نجح أمراء بني أمية في الأندلس في الحصول على ما يحتاجون إليه من كنوز المشرق ومؤلفاته وكذا علمائه، وبذلك فإن حكام تاهرت قد قاموا بدور الوسيط الثقافي حيث أخذوا عن المشرق وأعطوا للأندلس. نتيجة لهذا الدور الثقافي الذي اضطلع به الرستميون، ظهرت مؤثرات إباضية في بلاد الأندلس إذ إنه من الطبيعي أن تترك هذه العلاقات القوية آثارها في الشعب الأندلسي، وإن لم يكن لها من القوة ما يظهرها بشكل واضح نتيجة لسيطرة العقيدة السنية المطلقة على الأندلسيين، وقد ظهرت هذه التأثيرات في مناطق الاحتكاك التجاري بين الرستميين والأمويين في قرية بلفين (منطقة ألمرية) التي كان أهلها على مذهب الخوارج(38)، وكان أحد المعلمين في قرطبة، واسمه جابر بن غيث اللبلي يعلم أبناء الوزير هشام بن عبد العزيز، وكان هذا المعلم كثير التشدّد حتَّى إنه كان في صرامته يقارب الإباضية(39). وإلى الأندلس رحل كثير من علماء الدولة الرستمية، يسمعون على علمائها ويروون عنهم، ومن هؤلاء قاسم بن عبد الرحمن التاهرتي الذي يقول عنه الحميدي إنه: "دخل الأندلس وكان من جلساء بكر بن حماد التاهرتي وممن أخذ عنه، وهو والد أبي الفضل أحمد بن قاسم الذي يروي عنه أبو عمر بن البر(40)". ومنهم أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن التاهرتي البزاز أبو الفضل، ويقول عنه الحميدي: "ولد بتاهرت وأتى مع أبيه صغيراً إلى الأندلس، وقال أبو عمر بن عبد البر سمع أبو الفضل التاهرتي من ابن أبي دليم وقاسم بن أصبغ ووهب بن مسرة ومحمد بن معاوية القرشي وأبي بكر الدينوري، وكان ثقة فاضلاً، اختصّ بالقاضي منذر بن سعيد البلوطي وسمع منه تواليفه كلها، قال أبو عمر: وقد لقيته وسمعت كثيراً منه". الموضوعالأصلي : علاقة الرستميين بالإمارة الأموية في الأندلس // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: berber
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |