جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: قسم التاريخ و الحضارة الاسلامية :: شخصيات عالمية |
الأربعاء 14 أكتوبر - 18:48:16 | المشاركة رقم: | |||||||
عضو نشيط
| موضوع: محمد بن عبد الكريم الخطابي محمد بن عبد الكريم الخطابي محمد بن عبد الكريم الخطابي ١٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨بقلم الدكتور جميل حمداوي تمهيـــــد يعد محمد بن عبد الكريم الخطابي من أهم أبطال المقاومة المغربية والأمازيغية في التاريخ المغربي الحديث والمعاصر بصفة خاصة والتاريخ العربي بصفة عامة إلى جانب محمد الشريف أمزيان وموحا أوحمو الزياني وعسوأوبسلام. وقد تميز محمد بن عبد الكريم الخطابي ببسالته في العديد من المعارك ضد القوى الإمپريالية التي استهدفت احتلال المغرب واستغلاله والسيطرة على ثرواته من أجل تمويل حروبها على حساب الشعوب المستضعفة، بيد أن هذه القوى الغاشمة ستلقى مقاومة شرسة في منطقة الريف ولاسيما في معركة أنوال المظفرة التي كبدت الأعداء الغزاة خسائر فادحة في الأرواح والعتاد. وما يعرف كثيرا عن بطل الريف أنه كان يجمع في توجهاته السياسية بين التشبث بالإرث الأمازيغي والهوية البربرية والدفاع عن الشريعة الإسلامية وتحقيق العدل والشورى، فضلا عن نضاله المستميت من أجل تحقيق حرية الوطن واستقلال المغرب وتخليصه من إسار الحماية وإنقاذه من الذل والاسترقاق والعبودية التي فرضها المستعمر على المواطنين المغاربة. إذاً، من هومحمد بن عبد الكريم الخطابي؟ وماهي أهم المراحل التي مرت منها مقاومته التحررية في مواجهة العدوالأجنبي؟ وماهي نتائج هذه المقاومة البطولية؟ 1/ من هومحمد عبد الكريم الخطابي؟ ولد محمد بن عبد الكريم الخطابي سنة 1882م بأجدير التابعة لمدينة الحسيمة، وهومن قبيلة بني ورياغل التي كانت لها مكانة كبرى بين القبائل الريفية الأخرى. تلقى تعليمه الابتدائي على والده الفقيه، وبعد ذلك سافر إلى فاس لتلقي التعليم بجامع القرويين ، ومكث فيها أربع سنوات، وقد أهلته للاطلاع على السياسة الخارجية للمغرب والمشاكل التي كان يواجهها وخاصة ثورة بوحمارة التي أقضت مضجع المولاي عبد العزيز. وبعد رجوع محمد بن عبد الكريم الخطابي إلى منطقة الريف، عين في مدينة مليلية مدرسا للغة العربية، ومارس بعد ذلك مهمة القضاء، وزاول الصحافة في الجرائد الإسپانية المحلية. وقد كان هذا القاضي في مدينة مليلية عادلا في حكمه لايخاف لومة لائم ولا يستسلم لرغبات الإسپان وضغوطاتهم حتى شبه بين الناس بعمر بن الخطاب في عدالته وتطبيق شريعة الله في أحكامه الفقهية. ومن المعلوم أن محمد بن عبد الكريم لم يكن راضيا على السياسة الإسپانية في منطقة الريف: "إذ كانت الجيوش تعامل الأهالي بكيفية سيئة، ولا تحترم كرامة رجال القبائل الريفية الغيورين على عزتهم وحريتهم." ، لذلك بدأ محمد بن عبد الكريم يشتغل في الخفاء ضد العدو، يبحث جادا عن منفذ للهروب من مليلية ليتجه نحوأجدير لمساعدة والده في الاستعداد لمعركة الجهاد ضد الغزاة، بيد أن العدوتنبه إلى خطورة هذا المناضل ، لذا كانت تمنعه من الخروج من مليلية بكل الوسائل المتاحة، وبتاريخ1 يوليو1915م، بعث كاڤيلا من النكور إلى مركز القيادة بمليلية تلغرافا يقول فيه:" إن معلومات ذات ثقة، تؤكد بأن الفقيه عبد الكريم (الأب) ينتظر مجيء ابنه السي محاند قاضي مليلية، للعمل سويا ضد مصلحة إسپانيا، ولذلك فإن رجوع الابن إلى مليلية يعتبر غير وارد بالمرة. وقد أكدت لي مصادر الخبر، خطورة مجيء السي محاند إلى قبيلة بني ورياغل، لما يمكن أن يكون له من تأثير قوي على المتعصبين الريفيين". وقد زج به العدوفي السجن بتهمة مشاركته في مؤامرات سياسية ضد فرنسا، فاستطاع الفرار من مليلية قاصدا أجدير لمساعدة والده في الكفاح والنضال الوطني إلى وفاة أبيه عام 1920م. هذا، وقد شمر أسد الريف عن ساعده لبناء الإنسان الريفي نفسانيا ودينيا واجتماعيا وأخلاقيا، فوحد القبائل الريفية التي كانت تتصارع فيما بينها وجمعها على كلمة واحدة أساسها المحبة والتضامن والاتحاد لمواجهة العدو، وجمع الإمكانيات اللازمة لخوض الحرب ضد الإسپان الذين يريدون غزوالريف لإذلال الساكنة واستنزاف خيراتهم، وقد نجح الزعيم الريفي فعلا في جمع شمل زعماء القبائل منذ انعقاد مؤتمر إمزورن في 21 فبراير من عام 1921م الذي خرج بنقطتين أساسيتين، وهما: الدفاع عن الوطن إلى آخر قطرة من دم في جسم الإنسان الريفي ، وتطبيق الشريعة الإسلامية في كل ربوع منطقة الريف. وبعد ذلك، أسس محمد بن عبد الكريم الخطابي جمهورية الريف سنة 1923م، وأرسى دعائم إدارة دستورية ديمقراطية إسلامية منظمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ودينيا، تقوم على الشورى والحوار البناء الهادف، والاحتكام إلى القرآن والسنة وأقوال الجماعة. كما عين حكومة مخلصة في عملها وواجباتها الدينية والوطنية، تسهر على تطبيق الشريعة الإسلامية في منطقة الريف، ولا نبالغ إذا قلنا بأن محمد بن عبد الكريم يعد الخليفة السادس بعد عمر بن عبد العزيز والخلفاء الراشدين الأربعة، وهوكذلك أول حاكم عربي حاول تطبيق الشريعة الإسلامية في تاريخنا العربي الحديث والمعاصر. ولم يكن الهدف من تأسيس الإمارة الريفية في الحقيقة سوى تحرير الريف أولا من قبضة الاستعمار، ثم تحرير المغرب في المرحلة اللاحقة مع تنفيذ قرار السلطان المغربي. ومعنى هذا أن عبد الكريم:" عندما لقب نفسه أوأقر تلقيبه (أميرا) كان في ضميره أنه من رجال (صاحب الجلالة سلطان المغرب) وأن ما يسمى (جمهورية الريف) مرحليا سيعود إلى الوحدة مع الوطن الأم تلقائيا متى تم التحرير، وأن النظام الملكي في المغرب سيبقى النظام الوحيد المنبثق من ضمير المغاربة ومعتقداتهم، وتاريخهم، وتقاليدهم أبعد من ذلك دلالة ومفهوما، أن عبد الكريم الخطابي عندما كان في أوج قوته توجه إلى السلطان يلفت نظره إلى المصير المؤسف لرعاياه في الريف ورئيسهم، ويصف هؤلاء الرعايا كما وصف رئيسهم بــــ(أنهم مخلصون لجلالته) ثم يعطي لهذا الإخلاص معنى الولاء المقترن بالطاعة.... حتى ما سمي (دستور الجمهورية الريفية) ينم عن التعلق بالنظام الملكي الدستوري في مفهومه الإسلامي. ويؤكد ماذهب إليه المرحوم الأستاذ علال الفاسي من أن عبد الكريم ورجال ثورته لم يريدوا أن يقعوا في الخطإ الذي وقع فيه الهيبة ووالده ماء العينين حينما أعلنا نفسيهما ملكين بعد أن كانا مخلصين للعرش ومدافعين عنه، ولذلك وجدوا حلا وسطا هوتأسيس نظام مؤقت يمكنهم من تنظيم الإدارة وتدريب الجمهور على أن يحكم نفسه بنفسه، ومتى تم التحرير الكامل لسائر أبناء الوطن سلموا البلاد لصاحب العرش، ولم يطالبوا بأكثر من تطبيق نظام دستوري يحقق رغبات الشعب في مراقبة أعمال الدولة والتعاون على تسييرها. " هذا، وقد ساد منطقة الريف الأمن والعدل والرخاء والازدهار حينما تولى محمد بن عبد الكريم الخطابي الحكم بعد وفاة والده الفقيه، مع العلم أن منطقة الريف كانت في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين منطقة السيبة والفوضى على الرغم من وجود أتباع السلطان وقواد المخزن. ومن ثم، "راح الأمير ابن عبد الكريم يبذل جهودا عظيمة في إنقاذ البلاد من الحالة المحزنة التي كانت فيها. فقد كانت الفوضى ضاربة أطنابها والفتن والثورات منتشرة في طول البلاد وعرضها والفتك شديدا، والأزمة الاقتصادية آخذة بخناق الشعب، فقاوم الأمير هذه الأخطار وذلل الصعاب وضرب على أيدي العابثين بالأمن، فحلت الطمأنينة محل الخوف، وذهب العدل والقانون بالظلم والاستبداد، حتى صار الأجنبي فضلا عن الوطني يستطيع أن يجوب تلك الأنحاء آمنا لايخشى شرا من أحد إذا كان يحمل جوازا من الأمير، وحتى صار الريفي نفسه يحار من هذا الأمر، فهواليوم يتكلم عن الحكومة في بلاده مباهيا بها وعن السلامة المدهشة التي يتمتع بها في حله وترحاله. وما كانت الأعمال الحربية لتنسي الأمير أمر الإصلاحات التي تحتاج إليها البلاد أشد الحاجة، وما كان توطيد الأمن ليشغله عما يحقق لشعبه المستقبل المجيد فقام بإصلاحات في كل فروع الحياة، فنظم مالية البلاد وأصلح الإدارة ونظم التجارة والزراعة وأسس المدارس وأرسل البعثات العلمية إلى أوربا، وعني بإصلاح حالة الريف الصحية، فأنشأ المستشفيات والمستوصفات، وجلب الآلات الفنية، وعمل على تعبيد الطرق وربطها بعضها ببعض إلى غير ذلك من الإصلاحات التي ستكون نواة لنهضة ثابتة في المستقبل" ، كما اهتمت الجمعية الوطنية للجمهورية الريفية اهتماما عظيما بتكوين الجيش وتحديثه وتدريبه على أحدث الطرائق الحربية والتقنيات العسكرية المعاصرة، فأقرت: "التجنيد العام بحيث أصبح كل رجل في الريف مكلفا بالدفاع عن بلاده بدون أجرة، وخولت الأمير عبد الكريم السلطة التامة في اختيار الطريقة الملائمة، وسلمته زمام القيادة العليا للجيش، وتركت له الحرية التامة في أمور الحركات الحربية وغيرها من المسائل." ومن جهة أخرى، فقد مرت مقاومة محمد بن عبد الكريم الخطابي بأربع مراحل كبرى: أ- تبتدئ المرحلة الأولى من ولادته سنة 1882م إلى أواسط دجنبر 1918م عندما هرب من مليلية راجعا إلى أجدير، وتتشكل هذه الفترة من الطفولة والدراسة والشباب والعمل في الإدارة الإسپانية. ب- وتبتدئ المرحلة الثانية من دجنبر 1918م إلى استسلامه في 27 ماي 1926م، وهذه هي فترة الثورة الريفية والكفاح من أجل تحرير الوطن. ت- وتنطلق المرحلة الثالثة من 27 ماي 1926م إلى لجوئه إلى مصر في 31 ماي 1947م، وهذه هي فترة المنفى، فترة الهدوء والاستكانة والصمت. ث- وتبتدئ المرحلة الرابعة والأخيرة من 31 ماي 1947م إلى وفاته بالقاهرة في 6 فبراير 1963م، وتتسم هذه الفترة بعودة بطل الريف إلى النضال والكفاح السياسي السلمي لتحفيز المغاربة على معركة التحرير في سبيل حرية الريف بصفة خاصة واستقلال الوطن بصفة عامة. ولقد أصبح عبد الكريم الخطابي بالنسبة للمغاربة بطلا أمازيغيا صادقا ورجلا وطنيا مؤمنا، وصار بالنسبة للعرب بطلا قوميا، بل صار لجميع شعوب العالم قاطبة بطلا تحرريا عالميا كماوتسي تونغ وشيكيڤارا وسون يات سين وهوشي مينغ وفيديل كاسترو... ويترجم حضور عبد الكريم الخطابي في ذاكرة الريفيين بصفة خاصة والشعب المغربي بصفة عامة أن " المغاربة مثلهم كمثل جميع الشعوب يقدرون كامل التقدير أولئك الذين ساهموا في صناعة تاريخهم وأمجادهم وبناء مستقبلهم. ومن ثم، فهم يقاومون بدون تردد ثقافة النسيان، على الرغم من إصرار بعض الأشخاص أوالفئات والجهات على توجيه الأحداث الوجهة التي تكفل لهم الاحتفاظ بامتيازاتهم، والحصول على المزيد منها، متجاهلين قول الحكماء بأنك تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت ولكن لايمكن أن تخدع كل الناس كل الوقت." تلكم هي باختصار وجيز سيرة محمد بن عبد الكريم الخطابي، فمن الصعب استقصاؤها بدقة لتعدد المصادر والمراجع التي عايشت الأحداث الريفية الساخنة سواء أكانت أجنبية أم عربية أم محلية. 2/ تطور مقاومة محمد عبد الكريم الخطابي: دامت ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي 8 سنوات متواصلة من 1918م إلى 1926 تاريخ استسلامه، وقد خاض أمير الريف ضد الأعداء الغزاة عدة حروب استطاع أن ينتصر فيها أيما انتصار وكبد فيها العدوخسائر فادحة على مستوى العدد والعدة، وكانت منطقة نفوذه تمتد من دائرة قلعية شرقا إلى جبالة غربا وإلى تازة جنوبا. ومن الحروب التي شارك فيها محمد بن عبد الكريم الخطابي ببسالة نادرة وشجاعة قل نظيرها نستحضر: معركة أظهار أوبران ومعركة سيدي إبراهيم ومعركة يوم الاثنين ومعركة أنوال ومعركة نهائية يوم الخميس ومعركة جبل أعروي ومعركة جزيرة النكور ومعركة تفارسيت ومعركة سيدي أحساين... وتبقى معركة أنوال من أهم المعارك البطولية الملحمية الخالدة التي شنها محمد بن عبد الكريم الخطابي ضد الغزاة وخرج منها منتصرا ظافرا ، وكبد فيها العدوالظالم خسائر جسيمة مازال التاريخ الأورپي يتذكرها في صفحاته الدامية السوداء. 3/ معركة أنوال: الحدث والدلالة: تعد معركة أنوال من أهم المعارك التي شهدها العالم الحديث في القرن العشرين. وقد خاضها عبد الكريم الخطابي ضد الاستعمار الإسپاني معتمدا في ذلك على حرب شعبية كان لها صيت عالمي كبير، إذاً ماهي أسباب ودواعي هذه الحرب الضروس؟ وما هي الخطة التي اتبعها عبد الكريم في هذه المعركة؟ وما هي نتائجها وانعكاساتها الداخلية والخارجية؟ أ/ سياق حرب أنوال التحررية: خرج مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة1906م بوضع المغرب تحت الحماية الأجنبية، فاستهدفت إسبانيا شماله وجنوبه، بينما ركزت فرنسا على وسطه، أما طنجة فبقيت منطقة دولية. لقد واجهت إسبانيا أثناء تغلغلها في منطقة الريف الشرقي مقاومة شرسة وحركة جهادية قادها محمد الشريف أمزيان من سنة 1906 إلى 1912م. وكانت حملة الشريف الدفاعية منصبة على عرقلة تغلغل الإسپان في أزغنغان بعد مده للسكة الحديدية لاستغلا ل مناجم الحديد في أفرا وجبل وكسان. وقد كبد الشريف الإسپان خسائر مادية وبشرية، كما قضى على ثورة الجيلالي الزرهوني أوما يسمـــى ببوحمارة أوالروكي. وبعد موت الشريف أمزيان في 15 ماي 1912م ستواصل أسرة عبد الكريم الخطابي النضال المستميت ضد التكالب الاستعماري الإسپاني والفرنسي. وستقف في وجه أطماع الحكام الإسپان والطبقة الأرستقراطية المناصرة لسياسة الحرب وأطماع الحزب الحاكم. ولما أحس محمد بن عبد الكريم الخطابي بأطماع إسپانيا في الريف الشرقي التي تتمثل في احتلال الحسيمة والحصول على خيرات الريف واستغلال معادنه بعد استيلاء الغزاة على الناظور وتطوان والاستعداد المتدرج للانقضاض على ثورة الريسوني لاحتلال شفشاون، من ثم قرر محمد بن عبد الكريم الخطابي أن يؤسس إمارة جهادية؛ وذلك بتوحيد قبائل الريف مثل: گزناية وبني ورياغل وبني توزين وتمسمان... وأسس إمارته على أحكام شريعة الله وأنظمة الإدارة الحديثة، وأبعد الريفيين عن الفوضى والثأر، وأجبرهم على الاحتكام إلى عدالة الشرع والقضاء الإسلاميين. هذا، وقد أحدث عهد عبد الكريم قطيعة بين عهدين: 1- عهد السيبة والفوضى الذي يمتد من أواخر القرن 19 إلى أوائل العقد الثاني من القرن العشرين بكل ما شهده من سخائم ونعرات عشائرية. 2- عهد الثورة التحريرية الممتدة من1921الى 1926م، إذ عرف الريف عدة إصلاحات وفي مقدمتها القضاء على حدة الفوضى والثأر. ولما عرف محمد بن عبد الكريم نوايا حكومة إسپانيا الاستعمارية، نظم جيشه أحسن تنظيم على الرغم من نقص العدد والعدة. وكان عبد الكريم مثالا في الشجاعة والبطولة والعدل والتشبع بروح الإسلام؛ لذلك اتخذه الريفيون بطلا جماهيريا يقود ثورة شعبية من الجبليين والفلاحين للدفاع عن ممتلكاتهم وأعراضهم باسم الجهاد والحق المبين. ولايعني هذا أن إمارة الريف مستقلة عن السلطة المركزية؛ بل كانت موالية لها أتم الولاء والخضوع والاحترام على الرغم من فترة السيبة والفوضى التي أشار إليها بعض المؤرخين، وهذه التبعية فرضتها الظروف المرحلية والعسكرية. وقد أثبت جرمان عياش في كتابه "أصول حرب الريف" هذه التبعية والولاء للمخزن عندما أقام المؤلف "لائحة بأسماء عمال مخزنيين تمتد من 1835 إلى 1900 م، وتشهد على استمرار حضور ممثلين عن المخزن في الإقليم، كما كشف عن وجود ست قصبات في مختلف أنحاء الريف ترابط بها حاميات مخزنية. وكل هذا يدل على أن الريف كان خاضعا للسلطة المركزية على عكس ما تدعيه الروايات الأجنبية". ولم تكن ثورة الريف التحريرية لعبد الكريم بدافع إقليمي؛ بل كانت بدافع وطني ضد الاستعمار، وبدافع قومي لتحرير الشعوب الإسلامية من ربقة الاستعمار والجهل والتخلف. ب/ سيناريومعركة أنوال الخالدة: إذا انتقلنا إلى سيناريومعركة أنوال، فقد عقدت إسپانيا أملا على احتلال خليج الحسيمة بعد أن عقد المقيم العام الجنرال بيرينغير صلحا مع قبائل الريف، واستقبل بحفاوة من قبائل الأعيان وبعض الرؤساء من بني ورياغل وبني سعيد وبن طيب. وعاد المقيم العام إلى تطوان متفائلا مسرورا ومشيدا بعمل سلبستري القائد العام للجيوش الغازية المعتدية، كما اطمأن وزير الحرب الإسپاني"إيزا" إلى هذا الوضع المريح عسكريا وسياسيا. وعلى الرغم من هذا التفاؤل الزائد، كان الريفيون وخاصة رجال بني سعيد وبني وليشك وأهل كرت على أهبة للانقضاض على عدوهم سلبستري الذي أحرق غلتهم ومنازلهم، وصادر أغنامهم دون أن يدفع لهم تعويضا ماديا مقابل سلوكه الوحشي؛ ودفعهم إلى الهجرة نحوالجزائر خوفا من بطشه، ومن موت الفقر والجفاف. هذا، وقد اتفق الجنرال بيرينغير مع رئيس الشرطة الأهلية بمليلية الكولونيل غبريل موراليس على التوجه نحوالريف للتفاوض مع محمد بن عبد الكريم؛ وذلك بإغرائه بــ7 ملايين دولار، زيادة على أسلحة حديثة وجميع أنواع الذخيرة التي تمكنه من مقاومة الجيش الفرنسي مقابل التنازل عن خليج الحسيمة. لكن محمد بن عبد الكريم رفض هذه المساومات، وأصدر أمرا يقضي بفرض غرامات على كل من يتفاوض مع الإسپان في هذه القضية المصيرية، كما هدد الإسپان بعدم اجتيازهم لــ" وادي أمقران"، وإلا سيتصدى لهم الأبطال الأشاوس من تمسمان وبني توزين. وقد أثار هذا التهديد حفيظة سلبستري، وقرر غزوالمنطقة ساخرا من تهديدات عبد الكريم ومستصغرا من شأنه ومن عدته الحربية. وبدأ سلبستري بعد ذلك في بناء الثكنات والحاميات العسكرية لتسهيل الإمدادات الحربية وتأمين وجود قواته وتمركزها بشكل أفضل ومقبول في كل المناطق الريفية الإستراتيجية، فاقترب الجنرال من ظهار أبران في أواخر شهر ماي1921 م لمحاصرة الموقع، وجس النبض؛ بيد أن الريفيين تصدوا للجيش الغازي وألحقوا به هزيمة شنعاء مازال يتذكرها الشعر الأمازيغي: قديما وحديثا. وعليه، فقد " توجه الثوار بهجوم ضد مركز أبران فاقتحموه، وقتلوا جميع من كان به من ضباط وجنود إلا عددا قليلا استطاع الهروب، فالتحقوا إما بأنوال وإما بسيدي إدريس". وأصدر الجنرال برينغير أوامره لسلبستري بعدم التقدم إلى الأمام؛ لكنه لم يعر أدنى اهتمام لهذه الأوامر، وتوجه مباشرة نحوأنوال للسيطرة على الموقع. وهناك نشبت معركة حامية الوطيس دامت خمسة أيام شارك فيها العدوبــ25 ألف من الجنود، ولم يحضر إلى أنوال من مجاهدي عبد الكريم سوى ألفي مجاهد، أما الجنود الآخرون فكانوا ينتظرون الفرصة السانحة، ويترقبون الأوضاع مع زعيمهم محمد بن عبد الكريم بأجدير. وفي الساعة السادسة مساء من 20 يوليو1921م، وصل عبد الكريم بــ1500 جندي إلى موقع أنوال؛ لتشتعل الحرب حتى صباح 21 يوليومن نفس السنة، وانتهت الحرب بانتحار سلفستري وموت الكولونيل موراليس الذي أرسل عبد الكريم جثته إلى مليلية؛ لأنه كان رئيسه في إدارة الشؤون الأهلية سابقا. وقد اتبع عبد الكريم في هذه المعركة خطة التخندق حول "إغريبن"، ومنع كل الإمدادات والتموينات التي تحاول فك الحصار على جيش العدو. "وكانت الضربة القاضية لمركز (إغريبن)عندما أدرك المجاهدون نقطة ضعف الجنود الإسپان المحاصرين المتمثلة في اعتمادهم على استهلاك مياه (عين عبد الرحمــــن) بـــ(وادي الحمام) الفاصل بين (ءاغريبن) و(أنوال)، فركزوا حصارهم حول هذا النبع المائي، وبذلك حرم الجنود الإسپان من الماء، واشتد عطشهم إلى درجة اضطرارهم إلى شرب عصير التوابل وماء العطر والمداد، ولعق الأحجار، بل وصل بهم الأمر إلى شرب بولهم مع تلذيذه بالسكر…كما جاء في المصادر الأسبانية." وقد تتبعت جيوش عبد الكريم فلول الجيش الإسپاني، وألحق به هزائم شنعاء في عدة مواقع ومناطق مثل: دريوش وجبل العروي وسلوان فأوصله حتى عقر داره بمليلية. وبعد ذلك أصدر عبد الكريم أمره بالتوقف وعدم الدخول إلى مليلية المحصنة لاعتبارات دولية وسياسية وعسكرية. وفي هذا يقول أزرقان مساعده الأيمن في السياسة الخارجية: " نحن – الريفيين- لم يكن غرضنا التشويش على المخزن من أول أمرنا، ولا الخوض في الفتن كيفما كانت، ولكن قصدنا الأهم، هوالدفاع عن وطننا العزيز الذي كان أسلافنا مدافعين عنه، واقتفينا أثرهم في رد الهجومات الاعتدائية التي قام بها الإسپان منذ زمان، وكنا نكتفي بالدفاع عن الهجوم عليه فيما احتله من البلدان مثل مليلية التي كان في طوقنا أخذها بما فيها، من غير مكابدة ضحايا جهادية؛ لكنا لم نفعل ذلك لما كنا نراه في ذلك من وخامة العاقبة، فانه ليس عندنا جند نظامي يقف عند الحدود التي يراعيها…" ويعترف عبد الكريم بغلطته الكبرى عن عدم استرجاعه لمليلية في مذكراته: " على إثر معركة جبل العروي، وصلت أسوار مليلية، وتوقفت، وكان جهازي العسكري ما يزال في طور النشوء. فكان لابد من السير بحكمة، وعلمت أن الحكومة الإسپانية وجهت نداء عاليا إلى مجموع البلاد، وتستعد لأن توجه إلى المغرب كل ما لديها من إمدادات، فاهتممت أنا، من جهتي بمضاعفة قواي وإعادة تنظيمها، فوجهت نداء إلى كل سكان الريف الغربي، وألححت على جنودي وعلى الكتائب الجديدة الواردة مؤخرا، بكل قوة، على ألا يسفكوا بالأسرى ولا يسيئوا معاملتهم، ولكني أوصيتهم في نفس الوقت وبنفس التأكيد، على ألا يحتلوا مليلية، اجتنابا لإثارة تعقيدات دولية وأنا نادم على ذلك بمرارة وكانت هذه غلطتي الكبرى". ج/ نتائج معركة أنوال وانعكاساتها: ومن نتائج معركة أنوال التي وقعت في 21 يوليوز 1921م ما غنمه الريفيون من عتاد عسكري حديث ، وفي هذا يثبت ميگيل مارتين مانصه:" حصل الريفيون على أكثر من 20.000بندقية و400 رشاش و121 مدفع وعلى مستودعات الذخيرة والمؤن، وعلى مليون رصاصة، وعلى عدد من السيارات والشاحنات والقاطرات. وذلك نتيجة استيلائهم على أزيد من مائة موقع عسكري. وكانت هذه الهزيمة هي الأداة التي أعطت لمحمد بن عبد الكريم الإمكانيات لتنظيم الجيش بعتاد حربي لم يكن بإمكانه اقتناؤه فضلا عن ارتفاع معنويات أنصاره." وفي هذا السياق يقول عبد الكريم في مذكراته أيضا: " ردت علينا هزيمة أنوال 200 مدفع من عيار 75 أو65 أو77، وأزيد من 20.000 بندقية ومقادير لا تحصى من القذائف وملايين الخراطيش، وسيارات وشاحنات، وتموينا كثيرا يتجاوز الحاجة، وأدوية، وأجهزة للتخييم، وبالجملة، بين عشية وضحاها وبكل ما كان يعوزنا لنجهز جيشا ونشن حربا كبيرة، وأخذنا 700أسير، وفقد الأسبان 015.00 جندي ما بين قتيل وجريح" وكان لانتصار الريفيين في معركة أنوال صدى طيب على المستوى الوطني والعربي والدولي، وقيل الكثير من الشعر للإشادة بهذه النازلة العظيمة وطنيا وقوميا؛ وقد شاع بعد ذلك أن بعض الأدباء جمع ما قيل في موضوع الحرب في ديوان سماه"الريفيات"، وعلى المستوى الإعلامي، وقف الرأي العالمي من الحركة التحريرية الريفية موقفين متقابلين: موقف مؤيد وموقف معارض. " فالتيار المعارض هوبطبيعة الحال، التيار الكولونيالي المتشبع بالفكر الاستعماري الذي له مصالح كثيرة ومشاريع لها علاقة بالمستعمرات، حيث كان من الطبيعي أن يقف مدافعا ومؤيدا لكل السياسات التي كانت ترمي إلى تقوية النفوذ الاستعماري وخدمة أطماعه، ولكن بأقل التضحيات، وكان هذا التيار يتكون من اليمين الأورپي بمفهومه الواسع، ومن النخبة الأرستقراطية بصفة خاصة. وقد انضافت إليه، ومن تلقاء نفسها، أصوات يهودية كانت تعتبر نجاح الثورة الريفية بمثابة القضاء الأكيد على تواجد الجاليات اليهودية بالشمال الإفريقي... أما التيار الثاني، فقد كان يشكله أساسا الرأي العام الشيوعي..." أما في أمريكا اللاتينية، فكان ينظر إلى عبد الكريم بمثابة بطل ثوري عالمي يشبه عندهم سيمون بوليڤار أحد رواد الحركة التحريرية هناك. أما الرأي العام الإسلامي " فقد كان يعلق آمالا كثيرة على نجاح الثورة الريفية، وعبر عن استنكاره في أكثر من مناسبة تضامنا مع المسلمين في الريف؛ لكنه كان مغلوبا على أمره." ولقد اتخذت خطة عبد الكريم الحربية تكتيكا عسكريا لدى الكثير من الزعماء والمقاومين في حركاتهم التحريرية عبر بقاع العالم لمواجهة الإمبريالية المتغطرسة مثل:هوشي منه وماوتسي تونغ وعمر المختار وتشيكيڤارا وفيديل كاسترو، ولا ننسى كذلك الثورتين:الجزائرية والفلسطينية. وكانت لمعركة أنوال انعكاسات سياسية وعسكرية خطيرة على إسبانيا وفرنسا بالخصوص؛ مما اضطرت هاتان الدولتان للتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على الثورة الريفية قبل أن تستفحل شوكة محمد بن عبد الكريم الذي بدأ يهدد كيان فرنسا ويقض مضجعها. فشن التكالب الاستعماري هجوما عنيفا وكاسحا بريا وبحريا وجويا، واستعملت في هذه الحملة العدائية المحمومة أبشع الأسلحة المتطورة الخطيرة السامة لأول مرة؛ وتم تجريبها على الريفيين الأبرياء من أجل مطامع استعمارية دنيئة. ولقد انتهت هذه الهجمات المركزة على معاقل المقاومة الريفية باستسلام مجاهد السلام البطل عبد الكريم الخطابي يوم 26 ماي 1926م. هذه نظرة موجزة عن معركة أنوال التي ستبقى ذكراها راسخة في تاريخ المغرب الحديث. وما أحوجنا اليوم إلى تمثل دروس هذه المعركة بقيمها النبيلة وأخلاقياتها الرفيعة وبطولاتها الخارقة التي تذكرنا بأمجاد ومعارك وحروب أسلافنا الأشاوس الميامين ! وما أحوجنا للتشبع بقيمها الوطنية والقومية للنهوض بوطننا العزيز وأمتنا العربية الإسلامية، والتمسك بالوحدة الترابية لمواجهة كل مناورات المعتدين وأطماع الاستعمار المباشر وغير المباشر. 4/ مصير مقاومة محمد بن عبد الكريم الخطابي: وعلى أي حال، فقد كبد الريفيون بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي القوات الإسپانية خسائر فادحة عددا وعدة، وتراجع الإسپانيون إلى السواحل بعد أن حرر البطل سلوان ومدينة الناظور، وتوقف عند مشارف مدينة مليلية. بيد أن فرنسا كانت تتخوف منذ 1923م من تعاظم دور محمد بن عبد الكريم الخطابي وما يشكله من تهديد للتواجد الفرنسي بالمغرب، إذ خاض البطل مجموعة من المعارك التي انتصر فيها على القوات الفرنسية وخاصة معارك ورغة، وكادت جيوشه أن تحتل تازة وفاس. ولقد دفع هذا الواقع العسكري الذي كان لصالح بطل الريف الحكومة الفرنسية لمراجعة خططها العسكرية بالمغرب، فأزاحت هذه الحكومة ليوطي المقيم العام على المغرب من منصبه الامتيازي، وعينت فيه ستيغ STIG الذي تلقى تعليمات للتعاون مع الإسپان والأمريكان والألمان للتصدي لمقاومة محمد بن عبد الكريم وإجهاضها عن طريق استخدام أحدث الأسلحة الفتاكة، ولاسيما الغازية منها، وفي هذا السياق تقول زكية داود:" وبقدر ماكانت القوات الفرنسية المتحالفة مع الجيش الإسباني تتقدم مسبوقة بالدبابات وعمليات القصف الجوي(حيث ألقت 73 طائرة أكثر من 1000طن من القذائف دون احتساب الغازات الخانقة التي ينتجها الكيميائي الألماني سطولتسنبرغ بمصنع في مليلية، وأطلقت المدافع 18.000 قذيفة على مجموعة واحدة من المرتفعات الجبلية)،كان يتم إحراق القرى وتدميرها. كان المقصود هوترهيب السكان والقضاء على مواردهم، لذلك كانت الهجمات تستهدف الأسواق خصوصا، وقطعان الماشية تنهب وتباع بأبخس الأثمان. وأجمعت كل الكتب العسكرية الفرنسية لتلك الفترة على وصف الوسائل المذهلة التي تم تحريكها والتي قدرت كلفتها لاحقا بباريس بـــ1.800 مليار فرنك." وبعد مقاومة شديدة ومعارك ضارية عنيفة ضد القوات الفرنسية استبسل فيها محمد بن عبد الكريم الخطابي ومجاهدوه أيما استبسال، والذي سيبقى خالدا في صفحات التاريخ المغربي الحديث والمعاصر، أعلن أسد الريف استسلامه للفرنسيين في 27 ماي 1926م حقنا للدماء وحفظا على أرواح الريفيين، كما كانت الحرب غير متكافئة من حيث موازين القوى ومن حيث العدد والعدة. لذا ارتضت فرنسا أن تنفي المقاوم محمد بن عبد الكريم الخطابي إلى جزيرة لارييونيون La Réunion جنوب شرق مدغشقر التي ظل بها إلى سنة 1947م. وأثناء عبوره قناة السويس حيال منفى آخر، نظم المغاربة المتواجدون في مصر بالاتفاق مع الحكومة بالقاهرة عملية فراره إلى أرض الكنانة حيث استقر بها إلى أن توفي سنة 1963م. وقد واصل محمد بن عبد الكريم نضاله السياسي السلمي والإعلامي ضمن لجنة تحرير المغرب العربي التي أسستها الأحزاب الوطنية المغاربية في القاهرة لتؤلب نفوس المغاربة على أعدائهم إبان الوحدوي العربي الكبير جمال عبد الناصر الذي كان يستهجن الاستعمار الغربي أيما استهجان وازدراء. هذا، وقد كلفت الحرب التحررية التي خاضها محمد بن عبد الكريم الخطابي ضد التحالف الفرنسي الإسباني عدة خسائر أشار إليها وزير الخارجية الفرنسي في تصريحه أمام البرلمان سنة 1955م حيث قال:" كلفتنا فيما سبق، حرب الريف سنة 1926م، استنفار 325.000جندي، بينما لم يكن يتوفر لعبد الكريم إلا فرقة واحدة يبلغ تعداد أفرادها حوالي 75.000 رجل، المسلحون منهم 20.000 رجل. وقد كان لدينا على خط النار 32 فرقة عسكرية و44 سربا على رأسها، و60 جنيرالا بقيادة بيتان Petain، وللعلم فإن هذا الجيش الفرنسي، هوالذي خرج منتصرا في الحرب العظمى(1914- 1918م). كما أن هذا الجيش يعد مدرسة في الجندية، هذا وقد دعمه أربعة أخماس من السكان المغاربة الذين قدموا 40.000 ألف جندي إضافي..." ومن أهم ماتعرضت له المقاومة الريفية لإجهاضها والتصدي لثوارها استعمال إسپانيا للغازات الكيماوية السامة بمساعدة ألمانيا الفاشية، وقد سببت هذه الغازات في انتشار أمراض جلدية خطيرة واستفحال داء السرطان وأوبئة أخرى مازال الإنسان الريفي يعاني من آثارها إلى اليوم. وقد اعترف كثير من الباحثين الألمان والإسپان باستخدام الحكومة العسكرية الإسپانية فعلا لهذا السلاح الجرثومي الخطير في منطقة الريف قصد القضاء نهائيا على الثورة الريفية التي حيرت القوى الغربية التي لم تستطع مجابهتها ومواجهتها والقضاء على زعيمها البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي في الميدان الحربي. وقد جاء في تقرير" لطيارين ألمانيين، شاركا إلى جانب الجيش الإسباني في حرب الريف يوليوز 1925م، عندما ظهرت الحالات المرضية الأولى، الناجمة عن القصف بواسطة قنابل الغاز(اللوست) من دون أن يتمكن سكان الريف من الوقوف على أسبابها الحقيقية، ظهر لدى القبائل التي تعرضت للقصف الجوي ميل واضح للهجرة، إلا أنه ( محمد بن عبد الكريم) كان قد وجه إليها نداء يحثها فيه على اتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية المضادة للغارات التي تستعمل فيها الغازات السامة.". ومن هنا، يتبين لنا أن الاستعمار الإسپاني الغاشم قد استعمل أسلحة محظورة دوليا لإبادة الشعب الريفي الأمازيغي والقضاء على مقدرته القتالية ، ولكن استعمال الأسلحة السامة ضد شعب أمازيغي محتل ومستضعف أعزل سيبقى عارا في جبين إسپانيا الهمجية؛ لما ارتكبته من جرائم متوحشة في حق الإنسانية والشعوب الآمنة. خاتمــــة : وعليه، فإذا استقرأنا تاريخ الأمازيغ قديما وحديثا فإننا سنجد محمد بن عبد الكريم الخطابي على رأس قائمة الأبطال الأشاوس وسيد المجاهدين في تاريخ تامازغا ، ويعد أيضا من أعظم أبطال المقاومة الأمازيغية في الذاكرة التاريخية البربرية إلى يومنا هذا. هذا، فقد كرس البطل كل جهوده لتنمية بلاده وخدمة منطقة الريف على سبيل الخصوص مدافعا عن الكينونة الأمازيغية ومتشبثا بالهوية البربرية والتراث الأمازيغي وعادات الأمازيغيين وتقاليدهم وأعرافهم. كما لم يفرط في الدين الإسلامي قيد أنملة، بل دافع عنه دفاعا مستميتا ، وحاول لأول مرة في التاريخ الحديث والمعاصر أن يطبق الشريعة الإسلامية تطبيقا حقيقيا وصحيحا حينما بادر إلى تأسيس دولة إسلامية شرعية تؤمن بالشورى والحريات الخاصة والعامة وتستهدي بالقرآن والسنة وتأخذ بزمام العدل والإنصاف وتطبيق اقتصاد الزكاة وإعلان إمارة المسلمين في الجهاد والسلم. ويمكن القول أيضا بأن محمد بن عبد الكريم هوالذي نوّر تاريخ المغرب الحديث والمعاصر ببطولاته الخارقة وملاحمه النيرة بعد أن كان المغرب يعيش في حالة الفوضى والتسيب والتخلف بسبب الضغوطات الاقتصادية والعسكرية والسياسية والمالية المفروضة عليه منذ القرن التاسع عشر الميلادي؛ مما أوقع المغرب في الحماية لمدة أربع وأربعين سنة من الحجر والهيمنة والاستغلال والإذلال. ومن هنا، يمكن القول: إن محمد بن عبد الكريم الخطابي سيبقى معلمة نضالية خالدة، وسيستمر صرحا منقوشا في ذاكرة التاريخ باعتباره قائدا أمازيغيا شهما ، وبطلا وطنيا نبيلا، ومناضلا قوميا رائدا ، ورمزا عالميا شاهدا يذكر الإنسانية بالانجازات الجبارة في مجال النضال والتحرر من أجل كرامة الريف والوطن والأمة العربية الإسلامية والإنسانية جمعاء. الموضوعالأصلي : محمد بن عبد الكريم الخطابي // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: الحرف المتمرد
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |