ميشال فـــــوكـــــــــــــو جينيالوجيا المعرفة ص 79 / 80
***
سلطة الدولة
في الواقع إن الدولة هي التي تحتكر مبدئيا السلطة المادية بممارسة الضغط وهي التي تقاضى وتعاقب تحظر القتل و تفرض النظام, نظامها هي أكثر منه النظام الذي يريده مجموع المواطنين. إن لعبة السلطة بالذات تنطوي على عنف تظهره لعبة الجماعات الضاغطة. و لذا يعود للدولة أيضا أن تقرر الحرب شريطة ألا تكون لعبة بأيدي قوى تسيطر عليها. تلك ليست إلا أدني مظاهر ازدواجية الدولة فهي تضمن النظام و تكرس الحرب تدين قتل المواطنين و تفرض قتل العدو تدعي معرفة الخير و الشر وحق تصنيف بين صديق وعدو توحد بسهولة بين قواتها التأديبية وقوى الكون, بين نظام المجتمع القائم و قوى العالم أليست هذه الازدواجية الأخيرة هي التي تبرر التضامن بين السياسي و القدسي ؟ فكما أن القدسي يمارس عنفا على التصور الخيالي ويضمن الامتثال لنظام ما كذلك يظهر ما هو سياسي بمظهر القدرة القدسية بالذات, حتى إن المساس بسلطة الدولة يميل إلي أن يصبح كفرا و أن هذا الميل المتأصل عميقا في نفس الإنسان يترسخ كثيرا عندما تريد السلطة التي تحتكر المقدسات أي السلطة الدينية أن تجعل من السلطة العامة مدافعة عن قيمها الخاصة. و كما أن المجتمع لا يتردد في إخفاء رقابته و سيطرته تحت ستار حريات جذابة ومزعومة كذلك ينكشف العنف الفاضح لحرب تشن على الفقراء باسم سلام الفقراء.
إن هذه السيطرة لا تمارس في نطاق الحياة الاجتماعية والدينية أو السياسية فحسب ولا في إطار الأمة وحده. فثمة سيطرات أخرى تمارس. ما من شك أنه قد يتوجب علينا التدقيق عن كثب في هذا الوضع الاجتماعي الصارخ بالعنف الذي هو نظام الرق والذي هو أبعد من أن يكون قد زال في أيامنا.