ماذا يعني أن يوجّه وزير التعليم العالي والبحث العلمي رسالة إلى عمداء الجامعات حتى يفرضوا الصرامة في عملية تصحيح أوراق الماجستير؟ وماذا يعني أن يهتم رؤساء الجامعات بهذه المراسلة وينقلوها إلى أعمدة المعاهد بكثير من الصرامة والتركيز؟
وماذا يعني أن ينتقل الإحتجاج من الطلبة العاديين إلى طلبة الماجستير الذين يتهمون الأساتذة المصححين بتهم خطيرة من محسوبية ورشوة، ومنهم من صار يسمي الفائزين بأسمائهم قبل الامتحان وبعضهم قرر مقاطعة هذه الامتحانات مادامت نتائجها محسومة قبل إجرائها وأحيانا قبل بداية الموسم الجامعي..
مازال الجزائريون يصرّون على أن البكالوريا هي آخر الامتحانات المحترمة في الجزائر، ومازالت تأخذ طابعا مقدسا لدى عامة الناس، ومازال الأوائل فيها لا ينالون تكريمات الرئاسة والسلطات المحلية فقط، وإنما عامة الشعب الذي لا يكاد يعترف بمتفوق وناجح في الجزائر إلا الذي ينال شهادة البكالوريا بأعلى الدرجات، وللأسف فإن هذا الامتحان المحترم جدا، يفقد هيبته أمام تلاعبات بعض رؤساء المعاهد في جامعاتنا فيتحوّل الناجح إلى يائس، ويتحول الفاشل نحو القمة، خاصة أن بعض رؤساء المعاهد صاروا يتعاملون مع مناصب عملهم وكأنهم في مزارع ورثوها عن أبائهم، ويجب أن يورّثوها هم لأبنائهم، فحكايات أبناء رؤساء المعاهد الذين ينجحون في مسابقات الماجستير صارت كثيرة ولا تثير حتى الطلبة الممتحنين، لأنها أشبه بالأمر الواقع في معاهدنا.. ورسالة معالي وزير التعليم العالي لم تأت من عدم، وهو ما كان ليرسلها لمديري الجامعات ويطالب بالصرامة لو كانت الأمور تسير كما يحلم به الوزير ويحلم به الشعب، وما كان ليرسلها لو لم تكن لدخان الاحتجاجات الكثيرة التي قادها الطلبة وأولياؤهم نار متأججة فعلا في الكثير من المعاهد التي تقيم مسابقات الماجستير وتمنح فيها التفوق ليس للأحسن، وتنطبق ذات الملاحظة على امتحانات الاختصاص في الطب وجراحة الأسنان والصيدلة، وقد تجد صاحب الامتياز في البكالوريا والمراكز الأولى في مساره الجامعي بطالا يتسول عملا في الشبكة الإجتماعية، وتجد بالمقابل الطالب الذي كان لا ينجح إلا بالامتحانات الاستدراكية معيدا في الجامعة.. وكلنا نعلم أن الذي يصل إلى منصب علمي بالطرق البذيئة لن يجد حرجا في تمكين غيره من منصب مماثل بذات الطريقة، ناهيك عن افتقاده للكفاءة التي تخوّل له منصبا علميا مرموقا كأستاذ جامعي يمنح سوق العمل الكفاءات العلمية والتكنولوجية.
قد نقبل باللاعب غير المناسب في الملعب غير المناسب، فالحكاية ليست سوى كرة أو رياضة تفنى فيها الأجساد ولا تفنى العقول، وقد نقبل بالوزير غير المناسب في المكان غير المناسب فالحقائب ترثّ وترمى في النسيان مع الوزراء الفاشلين، وقد نقبل بالإمام غير المناسب على المنبر غير المناسب، فالدين واحد والإسلام خالد حتى ولو زلّ عصى هذا الإمام أو ذاك.. لكن أن نمنح مناصب التعليم العليا لمن لا يستحقونها فتلك هي الخطيئة والكبيرة التي لا نقبلها، لأن الإمام التقي لن تمنحه سوى الجامعات الصارمة، والوزير الكفء لن تمنحه سوى الجامعات الصارمة، ورجل الأعمال النزيه لن تمنحه سوى الجامعات الصارمة. مجرد إرسال وزير التعليم العالي بهذه المراسلة لمديري الجامعات هو اعتراف ضمني ببعض الهفوات التي وقعت ومازالت تقع في امتحانات الماجستير.. والإعتراف هو قمة المسؤولية، لأن الذي لا يعترف بذنبه.. لن يتوب أبدا.