جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: الركن الأسلامي العام :: القسم الاسلامي العام |
الأربعاء 15 يوليو - 17:38:40 | المشاركة رقم: | |||||||
مشرف
| موضوع: توحيد الفتوى توحيد الفتوى توحيد الفتوى (إن فقهاء الإسلام، ومن دارت الفتيا على أقوامهم بين الأنام: الذين خُصّوا باستنباط الأحكام، وعُنُوا بضبط قواعد الحلال والحرام، فهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء، بهم يهتدي الحيران في الظلماء، وحاجة ناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب) (1). فهم المبلغون عن الله - سبحانه وتعالى - مرادَه، ولذا لم يصلح لهذه المرتبة إلا أهل الصدق والعدالة، والعلم والدراية. (وأول من قام بهذا المنصب الشريف سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، فكان يفتي عن الله بوحيه المبين، وكان كما قال له أحكم الحاكمين: "قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين" [ص: 86]، فكانت فتاويه - صلى الله عليه وسلم - جوامع الأحكام، ومشتملة على فصل الخطاب، وهي في وجوب اتباعها وتحكيمها والتحاكم إليها ثانية الكتاب، وليس لأحدٍ من المسلمين العدول عنهما ما وجد إليهما سبيلا، وقد أمر الله عباده بالرد إليهما حيث يقول: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً" [النساء: 59](2). ولذا نهى العلماء عن تقليدهم في فتاويهم، فهم بشرٌ غير معصومين، وقد يخطئون كغيرهم، وإن كانوا جبال علم وجَلال، بل ينهل الإنسان مما نهلوا، ويعرض فتاويهم على الكتاب والسنة، ولا يأخذ منها إلا ما وافقهما، فالحق أحق أن يتبع. وفي هذه الورقات القلائل لمحات حول مسألة تتكرّر الدعوة إليها، وهي توحيد الفتوى، بحيث يلتزم الناس آراء عالم أو جهة واحدة يعملون بها ولا يسمح لمن يخالف هذا الرأي إلا أن يفتي بموجبه؛ لمنع اضطراب الرأي وحصول البلبلة بين الناس، أو لمنع التساهل في أحكام الشرع. وهذه المقالة وإن كانت موجزة فإنّي أرجو أن تبرز بعض جوانب الحق فيها، وإنما الموفَّق من وفَّقه الله وعصمه، والله المستعان. المراد بتوحيد الفتوى: التوحيد: مصدرُ وَحَّد يوحَد. وهو جعل الشيء واحدًا(3). والفتوى في اللغة: البيان، ويقال لها: فُتْيا وفَتْوَى(4)، وتُطلق على الجواب عما يشكل(5). وفي قوله - تعالى -: "يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون" [يوسف: 43]، أي: بينوا لي تعبيرها(6). وفي الاصطلاح هي: تبيين الحكم الشرعي، والإخبار به دون إلزام(7). بناء على ما سبق أنه: إلزام أو التزام المفتين الإخبار عن حكم المسائل الخلافية بقول واحد منها هو قول مفت أو جهة فتوى معينة في جميع المسائل الخلافية. مقدمات وممهدات: أولاً: المجتهد يصيب ويخطئ: فكل مسألة اختلف أهل العلم فيها فالحق فيها واحد يوفق الله - تعالى - إليه من شاء من عباده، وغيره من الأقوال خطأ يعذر فيه المجتهد لاجتهاده، ولا يتقيد الحق بقول أحد معين من المجتهدين. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجرُ واحد "(. فهذا النص النبوي يقسم المجتهدين إلى مصيب ومخطئ(9). وتفريعاً لهذه القاعدة قرر المحققون من أهل العلم المنع من التزام مذهب فقهي دون غيره، قال شيخ الإسلام ابن تيميه: (إذا نزلت بالمسلم نازلة فإنّه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله من أي مذهب كان، ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول، ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين غير الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل ما يوجبه ويخبر به، بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو فتح هذا الباب لوجب أن يعرض عن أمر الله ورسوله، ويبقى كل إمام في أتباعه بمنزلة النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمته وهذا تبديل للدين) (10). بل إن الأئمة الأربعة ورؤوس السلف الصالح نهوا الناس عن تقليدهم إلا فيما تبين وجه الحق فيه، ومنه قول أبي حنيفة: (لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه) (11). وقول مالك بن أنس: (إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه) (12). وقول الشافعي: (إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولوا بسنة رسول الله، ودعوا ما قلت) (13). وقول أحمد بن حنبل: (لا تقلدني ولا تقلد مالكًا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا) (14). والتطبيق العملي لذلك من تلامذة الأئمة ظاهر لمن درس اختياراتهم وآراءهم. قال الحجوي: (لا تجد أهل مذهب إلا وقد خرجوا عن مذهب إمامهم، إما إلى قول بعض أصحابه، وإما خارج المذهب؛ إذ ما من إمام إلا وقد انتقد وانتقد عليه قول أو فعل خفي عليه في السنة أو أخطأ في الاستدلال فضعف مذهبه) (15). ثانياً: هل يجوز للمقلد أن يفتي؟ المقلد: هو من يأخذ قول غيره دون معرفة دليله. وقد اختلف أهل العلم في حكم إفتاء المقلد(16)، على اعتبار أنه ناقل لفتوى من قَلّده، وذكر ابن القيم الخلاف، ثم قال: (والتحقيق أن هذا فيه تفصيل، فإن قال له السائل: أريد حكم الله - تعالى - في هذه المسألة، وأريد الحق فيما يخلصني ونحو ذلك، لم يسعه إلا أن يجتهد له في الحق، ولا يسعه أن يفتيه بمجرد تقليد غيره من غير معرفة أنه حق أو باطل، وإن قال له: أريد أن أعرف قول الإمام ومذهبه ساغ له الإخبار به ويكون ناقلاً له ويبقى الدرك(17) على السائل) (18). وقال ابن عبد البر: (قال أهل العلم والنظر: حدُّ العلم التبيين وإدراك المعلوم على ما هو فيه، فمن بان له الشيء فقد علمه، قالوا: والمقلد لا علم له، لم يختلفوا في ذلك) (19). وقال أيضاً: (ولم يختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها، وأنهم المرادون بقول الله - عز وجل -: "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نُوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" [النحل: 43]، وأجمعوا أن الأعمى لا بد له من تقليد غيره ممن يثق به بتمييزه القبلة إذا أشكلت عليه، فكذلك من لا علم له ولا بصر، بمعنى ما يدين به لا بد له من تقليد عالمه، وكذلك لم يختلف العلماء أنّ العامة لا يجوز لها الفتيا، وذلك - والله أعلم - لجهلها بالمعاني التي منها يجوز التحليل والتحريم والقول في العلم) (20). ثم نُزل على فتيا العامي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من أُفتي بفتيا غير ثبت فإنما إثمها على من أفتاه "(21). وقد نقل ابن عابدين أنه قد استقر رأي الأصوليين على أن المفتي هو المجتهد(22)، ونقل الزركشي الإجماع على أنه لا يحل لمن جمع شيئاً من العلم أن يفتي(23). ولهذه القاعدة استثناء سيأتي. ثالثاً: الاختلاف دون فُرقة غير مذموم: فهنا وصفان: الاختلاف، والافتراق، وهما خلافان لا يلزم وجود أحدهما حصول الآخر، فالافتراق وصف مذموم في الشرع، ولهذا نهى الله عنه نهياً مطلقاً فقال: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا " [آل عمران: 103]. وقال: "أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه" [الشورى: 13]. أما الاختلاف فقد يكون رحمة، وأهله معذورون. قال ابن تيمية: (والنزاع في الأحكام قد يكون رحمة إذا لم يفض إلى شر عظيم من خفاء الحكم، ولهذا صنف رجل كتاباً سماه: كتاب الاختلاف، فقال أحمد: سمه كتاب السعة، وإن الحق في نفس الأمر واحد، وقد يكون من رحمة الله ببعض الناس خفاؤه لما في ظهوره من الشدة عليه) (24). وقد حصل الاختلاف في الاجتهاد الفقهي والتنزيل الواقعي للأحكام بين سلف هذه الأمة الذين هم أفضل قرونها من الصحابة و التابعين ولم يلزم منه افتراقهم، بل كانوا أهل مودة وتناصح، كما لم يكن سبباً للذم أو مدعاةً للتأثم ما دام هذا الخلاف في المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد وإبداء الرأي. قال ابن القيم: (وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه؛ لتفاوت إرادتهم وأفها مهم وقدرات إدراكهم، ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه، وإلا إذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التباين والتحزب، وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله، لم يضر ذلك الاختلاف فإنه أمر لا بد منه في النشأة الإنسانية. ولكن إذا كان الأصل واحداً والغاية المطلوبة واحدة والطريق المسلوكة واحدة، لم يكد يقع اختلاف، وإن وقع كان اختلافاً لا يضر كما تقدم من اختلاف الصحابة؛ فإن الأصل الذي بنوا عليه واحد وهو كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والقصد واحد، وهو طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، والطريق واحد وهو النظر في أدلة القرآن والسنة وتقديمها على كل قول ورأي وقياس وذوق وسياسة) (25). رابعاً: تاريخ فكرة توحيد الفتوى: أقدم ما يعرف من وجود لفكرة توحيد الفتوى ما يذكر في كتب التاريخ أن (هارون الرشيد) استشار (الإمام مالكًا) في أن يعلق الموطأ في الكعبة ويحمل الناس على ما فيه، فقال له: أما تعليق الموطأ فإن الصحابة اختلفوا في الفروع وتفرقوا، وكل عند نفسه مصيب(26). وروي أنه قال: لا تفعل فإن الناس وما هم عليه(27). قال الشوكاني: (التقليد لم يحدث إلا بعد انقراض خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم؛ وحدوث التمذهب بمذهب الأئمة الأربعة إنما كان بعد انقراض الأئمة الأربعة) (28). ولا أعلم توحيدًا للفتيا خارجًا عن التمذهب بأحد المذاهب، وهو وإن لم يكن توحيدًا تامًا للفتوى إلا أنه من شاكلته الجزئية. ونجد هذا متمثلاً في قول من أوجب التزام أحد المذاهب الأربعة. حتى لما أراد بعض أهل اليابان عام 1357هـ الدخول في الإسلام قال لهم جمع من أهل الهند ينبغي أن يختاروا مذهب أبي حنيفة، وقال جمع من أهل أندونيسيا: يلزم أن يكون مذهبهم شافعيًا، فكان ذلك سدًا في سبيل إسلامهم(29). أما (محمد سعيد الباني) فقد دعا في كتابه (عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق) الذي ألفه عام 1340هـ إلى: (وحدة المذاهب)، وفسره بأنه: الأخذ من كل مذهب بما كان دليله أقوى من كتاب وسنة، والأيسر من كل مذهب، والأقرب لروح الزمان ومقتضيات العمران، بشرط أن تتفق على كل ذلك كلمة علماء الشريعة بواسطة لجنة الشورى الشرعية، واقترح ترتيبها، وذلك بسبب تضارب الآراء والأقوال، مما يلبَس على العامّة، ويسبّب افتراقهم، مع جمود الفقهاء على نصوص كتب متبوعيهم، ومكافحتهم للعلوم الكونية، وأنّ كل ذلك هو أكبر أسباب تبلبل المسلمين وانحطاطهم(30). ومع ترتيبه لصفة عملهم واقتراحه لطريقة نشر آرائهم إلا أنّه لم يذكر كيف فيما لو اختلفوا في الاختيار والترجيح. وفي هذا الزمن وجدت دعوات لتوحيد الفتوى بالتزام واحد يتصرّف أعضاء اللجنة من أهل العلم ضبطًا للاختلاف ومنعًا من الفوضى؛ بعضها من شخصيات إسلاميّة وبعضها قول من غيرها. خامسًا: سبب نشوء التقليد المذهبي: إن المثال الجزئي لتوحيد الفتوى والمتمثل بإلزام الناس اتباع أحد المذاهب الأربعة الفقهية أمر عرض للمسلمين خلافاً لما كان عليه الحال في صدر الإسلام؛ فقد كان الناس يتعلمون الأحكام الأساسيّة كالطهارة والصلاة من آبائهم ومعلميهم، فإذا وقعت لهم واقعة استفتوا فيها أي مفت وجدوا من غير تعيين حتى يستقل الواحد منهم بإدراك الأحكام ومعرفتها(31). وبعد ظهور المدارس الفقهيّة الأربع لم يحتكر أحد الإفتاء فيها، بل كان في ذلك الزمن مجتهدون مستقلون ومدارس فقهيّة أخرى كمذهب الأوزاعي والليث بن سعد والطبري وغيرهم. بل وفي نفس المدارس الفقهيّة كان أكابر فقهائها مجتهدين في الحقيقة؛ إذ إليهم يرجع تحرير المذهب وتقرير قواعده وتأصيله. ثم ظهرت بعد ذلك فكرة الإلزام بالتقيّد بأحد المذاهب. قال ابن خلدون: (ووقف التقليد في الأمصار عند هؤلاء الأربعة، ودرس المقلدون لمن سواهم، وسد الناس باب الخلاف وطرقه لَمّا كثر تشعّب الاصطلاحات في العلوم، ولما عاق عن الوصول إلى رتبة الاجتهاد، ولما خشي من إسناد ذلك إلى غير أهله، ومن لا يوثق برأيه ولا بدينه، فصرّحوا بالعجز والإعواز، وردوا الناس إلى تقليد هؤلاء، وحظروا أن يتداول تقليدهم لما فيه من التلاعب..ومُدّعي الاجتهاد لهذا العهد مردود منكوص على عقبه مهجور تقليده) (32). ومع ذلك فقد وقف عدد من أهل العلم موقف المضاد لهذه الدعوة والمتنكر لها، من أبرزهم شيخ الإسلام ابن تيميّة، وتلميذه ابن القيّم. قال ابن القيم: (واختلفوا متى انسد باب الاجتهاد على أقوال كثيرة، ما أنزل الله بها من سلطان، وعند هؤلاء أن الأرض قد خلت من قائم لله بحجة، ولم يبق من يتكلّم بالعلم، ولم يحلّ لأحد بعدُ أن ينظر في كتاب الله ولا سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لأخذ الأحكام منهما.. وهذه أقوال قد بلغت من الفساد والبطلان والتناقض والقول على الله بلا علم، وإبطال حججه والزهد في كتابه وسنة نبيه مبلَغَها، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ويصدق قول رسوله أنه لا تزال طائفة من أمته على محض الحق الذي بعثه به، وأنّه لا يزال يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة من يجدد لها دينها) (33). وشدد الشوكاني على الذين دعوا لهذه الفكرة، وقال في وصفهم: (إنهم أوجبوا على أنفسهم تقليد المعين واستروحوا إلى أن باب الاجتهاد قد انسد، وانقطع التفضل من الله على عباده، ولقنوا العوام الذين هم مشاركون لهم في الجهل أنه لا اجتهاد بعد استقرار المذاهب، فضموا إلى بدعتهم بدعة، وسجلوا على أنفسهم الجهل، وكأن هذه الشريعة قد صارت منسوخة، والناسخ لها ما ابتدعوه من التقليد في دين الله) (34). ومن حاول بحث أسباب التقليد فإنه قد يرجعها إلى جملة من الأمور التالية: 1- ادعاء الاجتهاد ممن لم يتأهل له، مع عدم وجود من يأخذ على يده من السلاطين، فدفع الناس إلى التزام فتاوى الأئمة السابقين احتياطاً للدين، وبعداً بالشريعة عن العبث والإفساد. 2- جور بعض القضاة، ومجون بعض الفقهاء مما دفع إلى الدعوة إلى الاقتصار على مذهب يلتزمه الإنسان ولا يخرج عنه لئلا يحصل منهم ريبة. 3- إنشاء المدارس والأوقاف المقصورة على أصحاب مذهب من المذاهب. 4- وكما كان للسلطان دوره في عدم منع المفتي غير المتأهل؛ فكذلك كان له دوره في الحث على التزام مذهب معين بحصر الولايات في أتباعه أو الأرزاق في أصحابه(35). ولا شك أن فكرة التزام أحد المذاهب حل بعضاً من هذه المشكلات، لكنه كما تقدم أوجد مشكلات أخرى من التعصب ووقوع الفتن بين أهل المذاهب، والإعراض عن الوحي، ووضع الأحاديث والانتصار للضعيف منها، وهجر أقوال كثيرة لفقهاء خارج هذه المذاهب قد تكون هي الحق، وسبب كل ذلك أن الناس يطمئنون إلى ما اعتادوه، وينفرون عما لا يعرفونه. كما كان من آثاره جمود العقول وقصور الهمم حتى لم يجد الفقهاء حلاً لكثير من الوقائع والنوازل المستجدة على ساحاتهم، وصار عملهم حفظ مختصرات تذكر بالرأي المعتمد دون القدرة على فهم حكم لم يذكر، مع أن الشريعة اعتنت بالكليات التي يندرج تحتها ما لا حصر له من الجزئيات التي يمكن فهم حكمها منها. حكم توحيد الفتوى: لتبيين الحكم الشرعي لتوحيد الفتوى نحتاج إلى استعراض ثلاثة إجماعات توصلنا إلى معرفة الحكم، وهذه الإجماعات هي: 1- إجماع المسلمين على أن من استبان له وجه الحق فعليه أيفتي به ولا يخالفه. قال الشافعي: أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليس له أن يدعها لقول أحد سواه. وقد نقل غير واحد الإجماع(36) عليه؛ فليس لأحد أن يفتي بغير ما يعتقده صواباً. ونقل ابن عبد البر جُملاً كثيرة عن السلف في ذم التقليد، منها: قول ابن عباس - رضي الله عنهما -: (ويل للأتباع من عثرات العالم. قيل: كيف ذلك؟ قال: يقول العالم شيئاً برأيه، ثم يجد من هو أعلم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه فيترك قوله ذلك، ثم يمضي الأتباع) (37). وقول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: (إياكم والاستنان بالرجال) (38). وقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: (ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلاً) (39). وعن سفيان بن عيينة قال: (بكى ربيعة، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: رياء ظاهر، وشهوة خفية؛ والناس عند علمائهم كالصبيان في حجور أمهاتهم، ما نُهوا عنه انتهوا، وما أمروا به ائتمروا) (40). ثم بعد ذلك تبين أن هذه النصوص لغير العامة؛ فالعامة لا بد لها من تقليد علمائها؛ لأنها لا تتبين موقع الحجة ولا تصل إليها. 2- الإجماع على أنه لا تثريب على من قال بقول قد سبق إليه في مسألة خلافية. قال الخطيب البغدادي: (إذا اختلف الصحابة في مسألة على قولين وانقرض العصر عليه، لم يجز للتابعين أن يتفقوا على أحد القولين؛ فإن فعلوا: يزل خلاف الصحابة، والدليل عليه أن الصحابة أجمعت على جواز الأخذ بكل واحد من القولين، فإذا صار التابعون إلى القول بتحريم أحدهما لم يجز ذلك، وكان فرقاً للإجماع) (41). وقال ابن تيمية: (إذا كانت المسألة من مسائل الاجتهاد التي شاع فيها النزاع لم يكن لأحدٍ أن ينكر على الإمام، ولا على نائبه من حاكم وغيره) (42). وسئل - رحمه الله - عمن ولي أمراً من أمور المسلمين ومذهبه لا يجوز شركة الأبدان؛ فهل يجوز له منع الناس؟ فأجاب: (ليس له منع الناس من مثل ذلك ولا من نظائره مما يسوغ فيه الاجتهاد، ولهذا فإن مثل هذه المسائل الاجتهادية لاتنكر باليد، وليس لأحدٍ أن يلزم الناس باتباعه فيها، ولكن يتكلم بالحجج العلمية؛ فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه) (43). 3- الإجماع على أنه يجوز للعامي سؤال من شاء من المفتين دون أن يتقيد ذلك بمذهب بعينه. قال ابن تيمية: (إذا نزلت بالمسلم نازلة فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله من أي مذهب كان) (44). وقال العز بن عبد السلام: (لا يتعين على العامي أن يقلد إماماً في سائر المسائل؛ لأن الناس منذ عهد الصحابة إلى أن ظهرت المذاهب يسألون من ظهر لهم من غير نكير) (45). فهذه الإجماعات السابقة أشار إليها العز بن عبد السلام في هذه المسألة فيما نقله عن القرافي، فقال: (إجماع الصحابة على أنه يجوز للعامي الاستفتاء لكل عالم في مسألة، ولم ينقل عن السلف الحجر في ذلك، ولو كان ممتنعاً ما جاز للصحابة إهماله وعدم إنكاره. والثاني: إجماع الأمة أن من أسلم لا يجب عليه اتباع إمام معين؛ فإذا قلد معيناً وجب أن يبقى ذلك التخيير المجمع عليه حتى يحصل دليل على رفعه، لا سيما والإجماع لا يرفع إلا بما هو مثله في القوة) (46). إذا تبين ما سبق فنقول: إن إلزام المفتين أو التزامهم عدم الخروج عن رأي أو قول واحد في المسألة الشرعية الخلافية يحتاج للحكم عليه أن يقسم لثلاثة أحوال بحسب حال المفتي كما يلي: الأول: المفتي الناقل: وهو المطلع على الأحكام الشرعية غير المجتهد، واستفتاء هذا خلاف الأصل، وهو إنما يسوغ عند عدم وجود المفتي المجتهد. قال ابن القيم: (إذا تفقه الرجل وقرأ كتاباً من كتب الفقه أو أكثر، وهو مع ذلك قاصر في معرفة الكتاب و السنة و آثار السلف والاستنباط والترجيح؛ فهل يسوغ تقليده في الفتوى؟ فيه للناس أربعة أقوال، والصواب فيه التفصيل، وهو: إن كان السائل يكنه التواصل إلى عالم يهديه السبيل لم يحل له استفتاء مثل هذا، ولا يحل لهذا أن ينصب نفسه للفتوى مع وجود هذا العالم، وإن لم يكن في بلده أو ناحيته غيره؛ بحيث لا يجد المستفتي من يسأله سواه فلا ريب أن رجوعه إليه أولى من أن يقدم على العمل بلا علم أو يبقى مرتبكاً في حيرته متردداً في عماه وجهالته، بل هذا هو المستطاع من تقواه المأمور بها) (47). ثم نظر ذلك بمسائل كثيرة تأتي أحكام الشريعة فيها بتحصيل المصالح حسب الإمكان. وهذا المفتي الناقل يسوغ له التقيد بالإخبار عن قول عالم، أو جهة معينة أذا اعتقد أن صاحب الفتوى هو الأفضل في علمه والأوثق في دينه كما يفعل المقلد -. أما لو لم يعتقد كونه أو كونها الأفضل والأوثق، وأن غير صاحب الفتوى أوثق وأفضل منه لم يجز له التزام الإخبار عن قوله؛ لأنه يدل المستفتي على ما يعتقده أنه غير رشيد، وهذه خيانة له. وقد تناول ابن القيم مسألة دلالة المفتي للمستفتي على غيره وقال: (هو موضع خطر جداً، فلينظر الرجل ما يحدث من ذلك: فإنه متسبب بدلالته إما إلى الكذب على الله ورسوله في أحكامه، أو القول عليه بلا علم. وكان شيخنا يقصد ابن تيمية شديد التجنب لذلك، ودللت مرة بحضرته على مفت أو مذهب، فانتهرني، وقال: ما لك وله؟ دعه ففهمت من كلامه أنك تبوء بما عساه يحصل له من الإثم ولمن أفتاه) (48). ثم نقل أن الإمام أحمد سئل عن الرحل يسأل من مسألة فأدله على إنسان يسأله، فقال: (إذا كان =يعني الذي أرشده إليه متبعاً ويفتي بالسنة) يعني فلا بأس. الثاني: المفتي الذي تعارضت لديه الأدلة ولم يتمكن من الترجيح: وقد اختلف أهل العلم في الواجب عليه على أقوال، واختار ابن القيم أن يتوقف عن الإفتاء حتى يتبين له الراجح منها. وقال: (هذا كما إذا تعارض عند الطبيب في أمر المريض أمران: خطأ وصواب، ولم يتبين له أحدهما؛ لم يكن له أن يقدم على أحدهما ولا يخيره، فمسائل الحلال والحرام أولى بالتوقف) (49). وهذا خاص بما لو وجد المستفتي مفتياً آخر، وإلا لو لم يوجد غيره فلا يسوغ له التوقف كما تقدم في المفتي الناقل لفتوى غيره، بل هذا أظهر؛ لأنه عجز، وبذلك ترتفع المؤاخذة؛ إذ لا واجب بلا اقتدار. ولما قرر الشيخ ابن عثيمين أن التقليد يجوز في موضعين ذكر العامي كونه الموضع الأول ثم قال: (والثاني: أن يقع للمجتهد حادثة تقتضي الفورية ولا يتمكن من النظر فيها، فيجوز له التقليد حينئذ) (50). وكما تقدم فليس له أن يحيل إلا إلى رأي من يعتقده أهلاً للاجتهاد، أما لو لم يعتقد أهليته للاجتهاد فليس له أن يلتزم رأيه فيما عجز عن إدراك الراجح فيه، ويفتي بقول من يعتقده أقرب إلى إصابة الحق. الثالث: المفتي المجتهد: إذا تبين ما سبق من الإجماعات من أنه ليس يلزم المستفتي أن يقلد واحداً بعينه، ولا يمنع الإنسان من أن يفتي برأيه ما دام في مسألة خلافية، ولا يجوز له أن يفتي بغير ما يعتقده فنقول: إن إلزام المفتين المجتهدين أو التزامهم عدم الخروج عن رأي أو قول واحد في المسألة الشرعية الخلافية محرم وفاعله ظالم لنفسه. قال ابن تيمية: (الظالم يكون ظالماً بترك ما تبين له من الحق، واتباع ما تبين له أنه باطل والكلام بلا علم. فإذا ظهر له الحق فعدل عنه كان ظالماً) (51). وقال ابن القيم: (ليحذر المفتي الذي يخاف مقامه بين يدي الله - سبحانه - أن يفتي السائل بمذهبه الذي يقلده، وهو يعلم أن مذهب غيره في تلك المسألة أرجح من مذهبه وأصح دليلاً، فتحمله الرياسة على أن يقتحم الفتوى بما يغلب على ظنه أن الصواب في خلافه فيكون خائناً لله ولرسوله وللسائل وغاشاً له، والله لا يهدي كيد الخائنين، وحرم الجنة على من لقيه وهو غاش للإسلام وأهله، والدين النصيحة والغش مضاد للدين) (52). وعلى هذا السنن كانت وقائع الأعيان من أفعال الصحابة - رضي الله عنهم -. فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه لقي رجلاً فقال: ما صنعت؟ قال: قضى علي وزيد بكذا. قال: لو كنت أردك إلى كتاب الله - عز وجل - أو إلى سنة نبيه لفعلت، ولكني أردك إلى رأيي والرأي مشترك(53). واختلف الصحابة ومن بعدهم في مسائل كثيرة من مسائل العلم(54). ولم يلزم أحد منهم غيره برأيه، ولا التزم أحد منهم رأي غيره، لكن مع ذلك نبذوا الفرقة والخلاف(55). ولما أتم عثمان بن عفان ـ - رضي الله عنه - ـ الصلاة بمنى أربع ركعات وقيل ذلك لابن مسعود استرجع، ثم قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر بمنى ركعتين؛ فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان(56). ثم صلى أربعاً، وقال: الخلاف شر(57). فمعنى هذا أنه ائتم بعثمان فأتم؛ إذ القصر غير واجب؛ لأنه مأموم والمأموم يتم خلف المقيم. ولذا كان ابن عمر ـ - رضي الله عنهما - ـ: إذا صلى معه صلى أربعاً، وإذا صلى وحده صلى ركعتين(58). فابن مسعود ـ - رضي الله عنه - ـ موافق لعثمان ـ - رضي الله عنه - ـ في جواز الإتمام، لكنه يرى الفضيلة في القصر كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحباه(59). وخلاصة ما سبق أنه (ليس لأحد أن يلزم أحداً بقبول قول غيره ولو كان حاكماً) (60). وأنه (لو شرط على المفتي ألا يفتي إلا بمذهب معين بطل الشرط، ولا يجب التزامه بل ولا يسوغ) (61). الموضوعالأصلي : توحيد الفتوى // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: farida
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |