خلع المهتدي ثم وفاته: خلع المهتدي ثم وفاته:
كانت كل هذه الأحوال فرصاً لخلاص المهتدي من سيادة القواد الأتراك فلم يفعل بل كان ظاهره مع الرؤساء وباطنه مع الجنود ويظهر أنه أراد استعمال الحيلة في الخلاص منهم فأنقذ جنداً لمحاربة خارجي وفيه موسى بن بغا وبايكباك ومفلح فكتب المهتدي إلى باكيباك يأمره أن يضم العسكر الذي مع موسى إلى نفسه وأن يكون هو أمير الجيش وأن يقتل موسى ومفلحا. فلما وصل الكتاب بايكباك ذهب إلى موسى وأراه إياه وقال له إني لست أفرح بهذا وإنما هو تدبير علينا جميعاً وإذا فعل بك اليوم شيء فعل بي غداً مثله فما ترى؟ قال أرى أن تصير إلى سامرا وتظهر له أنك في طاعته فإنه يطمئن إليك ثم تدبر في قتله فقدر بايكباك فدخل على المهتدي فأظهر المهتدي الغضب من مخالفته حيث لم يقتل موسى ومفلحاً فاعتذر إليه بايكباك فاحتبسه المهتدي عنده وأخذ سلاحه ولما رأى الجند الذين معه غيبته عنهم جاشوا وأحاطوا بالجوسق فلما رأى المهتدي ذلك استشار صالح بن علي بن يعقوب بن المنصور فأشار عليه أن يفعل ما فعله المنصور بأبي مسلم فأمر المهتدي بضرب عنق بايكباك فضرب عنقه والأتراك مطيفون بالجوسق بسلاحهم فلم يرعهم إلا رأس بايكباك بين أيديهم أمر المهتدي برميها. فلما رأوها اضطربوا واستعدوا للقتال فحاربتهم الفراغنة والمغاربة والأشروسنية وكثر بينهم القتل ثم انفصل الفريقان وذهب الأتراك فقووا أنفسهم وجاء منهم زهاء عشرة آلاف وخرج المهتدي وفي عنقه مصحف يدعو الناس إلى نصرته فلما التحم القوم مال الأتراك الذين مع المهتدي إلى إخوانهم وبقي في المغاربة والفراغنة ومن خف من العامة فحملت عليهم الأتراك حملة شديدة ففروا منهزمين معهم المهتدي والسيف في يده مشهور وهو يقول: يا معشر الناس انصروا خليفتكم حتى صار إلى دار محمد بن يزداد وفيها أحمد بن جميل صاحب الشرطة فدخلها ووضع سلاحه فعلم الأتراك خبره فجاؤوا إليه وقبضوا عليه وحملوه إلى داره مهاناً وذلك في14 رجب سنة256 ثم خلعوه لما أبى أن يخلع نفسه ثم مات لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة256.