جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: قسم التاريخ و الحضارة الاسلامية :: قسم التاريخ و الحضارة الاسلامية |
الإثنين 5 مايو - 12:47:12 | المشاركة رقم: | |||||||
Admin
| موضوع: باب الصدق باب الصدق - باب الصدق قَالَ الله تَعَالَى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [ التوبة : 119 ] . وَقالَ تَعَالَى : وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ [ الأحزاب : 35 ]. وَقالَ تَعَالَى : فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ [ محمد :21 ] . ---------- تعريف الصدق : الصدق يكون : في الأقوال : ومعناه : استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها . وفي الأعمال : ومعناه : استواء الأفعال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد . وفي الأحوال : ومعناه : استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص . قَالَ الله تَعَالَى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ أي : يا أيها الذين آمنوا بالله ، وبما أمر الله بالإيمان به ، قوموا بما يقتضيه الإيمان ، وهو القيام بتقوى الله ، باجتناب ما نهى الله عنه ، والبعد عنه ( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين ) في أقوالهم وأعمالهم وأحوالهم ، الذين أقوالهم صدق ، وأعمالهم وأحوالهم لا تكون إلا صدقاً ، خالية من الكسل والفتور ، سالمة من المقاصد السيئة ، مشتملة على الإخلاص والنية الصالحة . ( تفسير السعدي ) . وَقالَ تَعَالَى : وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ ذكر الله تعالى ضمن الذين أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً (الصادقين والصادقات) فهذا يدل على فضل الصدق وعلة منزلته ، وأنه سب لمغفرة الذنوب ، ونيل الأجور العظيمة . وَقالَ تَعَالَى : فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ أي : فلو أخلصوا له النية لله وصدقوا ( لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ ) من المعصية والمخالفة ، فليس هناك أنفع للعبد من صدقه مع ربه . 54-وأما الأحاديث فالأول : عن ابن مسعود ، عن النَّبيّ ، قَالَ : (( إنَّ الصِّدقَ يَهْدِي إِلَى البرِّ ، وإنَّ البر يَهدِي إِلَى الجَنَّةِ ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقاً . وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ الله كَذَّاباً )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ------- ( يَهْدِي ) أي : يرشد ويوصل . ( إِلَى البرِّ ) البر كلمة جامعة لأعمال الخير ، ومختلف الأعمال الصالحات ، قال تعالى ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) . ( وإنَّ البر يَهدِي ) أي : يقود ويوصل . ( إِلَى الجَنَّةِ ) وهي الدار التي أعدها الله لأوليائه المتقين ، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . ( حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقاً ) أي : يصير الصدق له سجية وخلقاً . ( وَإِنَّ الكَذِبَ ) وهو الإخبار بخلاف الواقع . ( يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ ) الفجور يشمل جميع الأعمال السيئة . 1-الحديث دليل على الصِّدْقِ أَصْلُ الْخَيْرِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ : (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إلَى الْجَنَّةِ وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إلَى النَّارِ وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ ( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ) (تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ) وَقَالَ ( وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ) ( يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ) . وَلِهَذَا يُذْكَرُ أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّبَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ لَهُمْ ذُنُوبٌ كَثِيرَةٌ فَقَالَ : يَا بُنَيَّ : أَنَا آمُرُك بِخَصْلَةِ وَاحِدَةٍ فَاحْفَظْهَا لِي ؛ وَلَا آمُرُك السَّاعَةَ بِغَيْرِهَا الْتَزِمْ الصِّدْقَ وَإِيَّاكَ وَالْكَذِبَ وَتَوَعَّدَهُ عَلَى الْكَذِبِ بِوَعِيدِ شَدِيدٍ فَلَمَّا الْتَزَمَ ذَلِكَ الصِّدْقَ دَعَاهُ إلَى بَقِيَّةِ الْخَيْرِ وَنَهَاهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْفَاجِرَ لَا حَدَّ لَهُ فِي الْكَذِبِ . ( مجموع الفتاوى : 15 / 246 ) . وقال ابن القيم : ولهذا كان أصل أعمال القلوب كلها الصدق وأضدادها من الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والأشر والعجز والكسل والجبن والمهانة وغيرها أصلها الكذب, فكل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشؤة الصدق, وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤة الكذب, والله تعالى يعاقب الكذاب بأن يقعده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه, ويثيب الصادق بأن يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته, فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق؛ ولا مفاسدهما ومضارهما بمثل الكذب, قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) . 2- قال ابن تيمية : الصِّدْقُ أَسَاسُ الْحَسَنَاتِ وَجِمَاعُهَا وَالْكَذِبُ أَسَاسُ السَّيِّئَاتِ وَنِظَامُهَا وَيَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ الْإِنْسَانَ هُوَ حَيٌّ نَاطِقٌ فَالْوَصْفُ الْمُقَوِّمُ لَهُ الْفَاصِلُ لَهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الدَّوَابِّ هُوَ الْمَنْطِقُ وَالْمَنْطِقُ قِسْمَانِ : خَبَرٌ وَإِنْشَاءٌ وَالْخَبَرُ صِحَّتُهُ بِالصِّدْقِ وَفَسَادُهُ بِالْكَذِبِ فَالْكَاذِبُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْبَهِيمَةِ الْعَجْمَاءِ . الثَّانِي : أَنَّ الصِّفَةَ الْمُمَيِّزَةَ بَيْنَ النَّبِيِّ وَالْمُتَنَبِّئِ هُوَ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ الصَّادِقُ الْأَمِينُ, وَمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابُ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ . وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) . الثَّالِثُ : أَنَّ الصِّفَةَ الْفَارِقَةَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْمُنَافِقِ هُوَ الصِّدْقُ فَإِنَّ أَسَاسَ النِّفَاقِ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ الْكَذِبُ, وَعَلَى كُلِّ خُلُقٍ يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ لَيْسَ الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ) . الرَّابِعُ : أَنَّ الصِّدْقَ هُوَ أَصْلُ الْبِرِّ, وَالْكَذِبَ أَصْلُ الْفُجُورِ, كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ ( عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إلَى الْجَنَّةِ وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ... ) . الْخَامِسُ : أَنَّ الصَّادِقَ تَنْزِلُ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ, وَالْكَاذِبَ تَنْزِلُ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ, كَمَا قَالَ تَعَالَى ( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ . تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ . يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ) . السَّادِسُ : أَنَّ الْفَارِقَ بَيْنَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَبَيْنَ الْمُتَشَبَّهِ بِهِمْ مِنْ الْمُرَائِينَ وَالْمُسْمِعِينَ وَالْمُبْلِسِينَ هُوَ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ . السابع : أَنَّ الْمَشَايِخَ الْعَارِفِينَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَسَاسَ الطَّرِيقِ إلَى اللَّهِ هُوَ الصِّدْقُ وَالْإِخْلَاصُ كَمَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ ( وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ) وَنُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ : كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) . وقَوْله تَعَالَى ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إذْ جَـاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوى لِلْكَافِرِينَ ) . وقوله تعالى ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) . 2-الحديث دليل على فضائل الصدق : أولاً : أنه سبب للطمأنينة . كما في الحديث : ( فإن الصدق طمأنينة ) . ثانياً : هو المميز بين المؤمن والمنافق . قال : ( آية المنافق ثلاث : . وإذا حدث كذب ... ) . ثالثاً : لا ينفع يوم القيامة إلا الصدق : قال تعالى ( قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ) . رابعاً : الصدق أصل كل بر . قال : ( إن الصدق يهدي إلى البر ) متفق عليه . خامساً : أن مجاهدة النفس على تحري الصدق توصلها إلى مرتبة الصديقية . قال : ( ... ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ) . سادساً : الصدق سبب للبركة . كما قال ( البيعان بالخيار ... فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ) . قال ابن تيمية : الله يَصِفُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصِّدْقِ ؛ قَالَ تَعَالَى ( وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ). وَقَالَ ( وَاللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرٌ . وَقَالَ تَعَالَى ( إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) وَقَالَ ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) إلَى قَوْلِهِ ( أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) . وقال ابن تيمية : ( الصدق يهدي إلى البر ... ) فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ أَنَّ الصِّدْقَ أَصْلٌ يَسْتَلْزِمُ الْبِرَّ , وَأَنَّ الْكَذِبَ يَسْتَلْزِمُ الْفُجُورَ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ( إنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ) ( وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) وَلِهَذَا كَانَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إذَا أَمَرَ بَعْضَ مُتَّبِعِيهِ بِالتَّوْبَةِ وَأَحَبَّ أَنْ لَا يُنَفِّرَهُ وَلَا يُشَعِّبَ قَلْبَهُ أَمَرَهُ بِالصِّدْقِ . وَلِهَذَا كَانَ يَكْثُرُ فِي كَلَامِ مَشَايِخِ الدِّينِ وَأَئِمَّتِهِ ذِكْرُ الصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ حَتَّى يَقُولُوا : قُلْ لِمَنْ لَا يَصْدُقُ : لَا يَتَّبِعْنِي . وَيَقُولُونَ : الصِّدْقُ سَيْفُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ, وَمَا وُضِعَ عَلَى شَيْءٍ إلَّا قَطَعَهُ. وَيَقُولُ يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ وَغَيْرُهُ : مَا صَدَقَ اللَّهَ عَبْدٌ إلَّا صَنَعَ لَهُ وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرٌ . وَالصِّدْقُ وَالْإِخْلَاصُ هُمَا فِي الْحَقِيقَةِ تَحْقِيقُ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ, فَإِنّ الْمُظْهِرِينَ لِلْإِسْلَامِ يَنْقَسِمُونَ إلَى مُؤْمِنٍ وَمُنَافِقٍ, وَالْفَارِقُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْمُنَافِقِ هُوَ الصِّدْقُ, فَإِنَّ أَسَاسَ النِّفَاقِ الَّذِي يُبْنَى عَلَيْهِ هُوَ الْكَذِبُ ؛ وَلِهَذَا إذَا ذَكَرَ اللَّهُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ نَعَتَهُ بِالصِّدْقِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) إلَى قَوْلِهِ (إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) وَقَالَ تَعَالَى (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) فَأَخْبَرَ أَنَّ الصَّادِقِينَ فِي دَعْوَى الْإِيمَانِ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ لَمْ يَتَعَقَّبْ إيمَانَهُمْ رِيبَةٌ وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْعَهْدُ الْمَأْخُوذُ عَلَى الْأَوَّلِينَ والآخرين . وقال : وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ فَوَصَفَهُمْ سُبْحَانَهُ بِالْكَذِبِ فِي آيَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ, كَقَوْلِهِ تَعَالَى (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) وقَوْله تَعَالَى (إذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) وقَوْله تَعَالَى (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) وَنَحْوُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ . وقال رحمه الله: وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الصِّدْقَ وَالتَّصْدِيقَ يَكُونُ فِي الْأَقْوَالِ وَفِي الْأَعْمَالِ, كَقَوْلِ النَّبِيِّ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظُّهُ مِنْ الزِّنَا فَهُوَ مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَالْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْأُذُنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا السَّمْعُ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ وَالْقَلْبُ يَتَمَنَّى وَيَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ) وَيُقَالُ حَمَلُوا عَلَى الْعَدُوِّ حَمْلَةً صَادِقَةً إذَا كَانَتْ إرَادَتُهُمْ لِلْقِتَالِ ثَابِتَةً جَازِمَةً, وَيُقَالُ فُلَانٌ صَادِقُ الْحُبِّ وَالْمَوَدَّةِ, وَنَحْوُ ذَلِكَ . وَلِهَذَا يُرِيدُونَ بِالصَّادِقِ ؛ الصَّادِقُ فِي إرَادَتِهِ وَقَصْدِهِ وَطَلَبِهِ وَهُوَ الصَّادِقُ فِي عَمَلِهِ, وَيُرِيدُونَ الصَّادِقَ فِي خَبَرِهِ وَكَلَامِهِ وَالْمُنَافِقُ ضِدُّ الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ كَاذِبًا فِي خَبَرِهِ, أَوْ كَاذِبًا فِي عَمَلِهِ كَالْمُرَائِي فِي عَمَلِهِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( إنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ ) الْآيَتَيْنِ . • وقد قسم ابن القيم الصدق إلى ثلاثة أقسام : الأول : صدق في الأقوال : ومعناه : استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها . والثاني : صدق في الأعمال . ومعناه : استواء الأفعال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد . والثالث : صدق في الأحوال . ومعناه : استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص . 4- من أقوال السلف في الصدق . قال عمر بن الخطاب : عليك بالصدق وإن قتلك . وقال بشر بن الحارث : مَنْ عامل الله بالصدق استوحش من الناس . وقال جعفر بن محمد : الصدق هو المجاهدة ، وأن لا تختار على الله غيره كما لم يختر عليك غيرك ، فقال تعالى ( هو اجتباكم ) . وقال بعض العلماء : أجمع الفقهاء والعلماء على ثلاث خصال أنها إذا صحت ففيها النجاة ولا يتم بعضها إلا ببعض : الإسلام الخالص عن البدعة والهوى ، والصدق لله في الأعمال ، وطيب المطعم . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : والصدق أساس الحسنات وجماعها ، والكذب أساس السيئات ونظامها . قال ابن القيم : الصادق مطلوبه رضى ربه ، وتنفيذ أوامره وتتبع محابه فهو متقلب فيها يسير معها أينما توجهت ركائبها ، ويستقل معها أينما استقلت مضاربها فبينا هو في صلاة إذ رأيته في ذكر ثم في غزو ثم في حج ثم في إحسان للخلق بالتعليم وغيره من أنواع المنافع. قال ابن تيمية : الصديقية : كمال الإخلاص والانقياد والمتابعة للخبر والأمر ظاهراً وباطناً . قال ابن القيم : لا يشم رائحة الصدق عبد داهن نفسه أو غيره . وقال : كل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب. وقال : أصل أعمال القلوب كلها: الصدق . وقال : من ترك المألوفات والعوائد مخلصاً صادقاً من قلبه لله فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا في أول وهلة ليمتحن أصادق هو أم كاذب . 5- علامات الصادق . أولاً : طمأنينة القلب واستقراره : إن الصدق في جميع الأحوال باطنها وظاهرها يورث الطمأنينة والسكينة في القلب ، وينفي عنه التردد والريبة والاضطراب التي لا توجد إلا في حالات الشك وضعف الصدق أو عدمه ، يقول ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة ) . ثانياً : الزهد في الدنيا والتأهب للقاء الله عز وجل . فالصادق مع الله عز وجل لا تراه إلا متأهباً للقاء ربه ، مستعداً لذلك بالأعمال الصالحة ، والقيام بأوامر الله عز وجل والانتهاء عن نواهيه ، يريد بذلك وجه الله عز وجل متبعاً في ذلك رسوله . ثالثاً : سلامة القلب . إن من علامة الصدق سلامة القلب ، وخلوه من الغش والحقد والحسد للمسلمين ، فالعبد المؤمن الصادق في إيمانه لا يحمل في قلبه غلاً للمؤمنين ولا شراً ، بل إن حب الخير والنصح للمسلمين هو طبعه وعادته . رابعاً : حفظ الوقت وتدارك العمر . إن الصادق في إيمانه لا تجده إلا محافظاً على وقته شحيحاً به ، لا ينفقه إلا فيما يرجو نفعه في الآخرة ، ينظر إلى العمر كله كأنه ساعة من نهار, وإلى الدنيا كأنها ظل شجرة نزل تحتها ، ثم قام وتركها ، فبادر بالأعمال الصالحة فراغه وصحته ، وشبابه ، وحياته ، وابتعد عن كل آفة تقطع عليه طريقه ، وتضيع عليه وقته ، وتبدد عليه عمره القصير بما لا ينفع . خامساً : الزهد في ثناء الناس ومدحهم بل وكراهة ذلك : ويتبع ذلك الزهد فيما عند الناس ، والقناعة بما كتب الله عز وجل ، وهذه الصفة إذا وجدت فهي علامة على الصدق والإخلاص ، وهي تنبع أصلاً من صحة المعتقد ، وكمال التوحيد لله عز وجل ، وحول هذه الصفة والوصول إليها يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار . سادساً : إخفاء الأعمال الصالحة وكراهة الظهور : إن من علامة صدق العبد فيما يعمله لله عز وجل حرصه على إخفاء عمله وكراهة اطلاع الناس عليه ، كما أن كراهة الشهرة والظهور علامة من علامات الصدق الذي يبعد صاحبه عن الرياء والسمعة والتصنع للخلق ، فكلما كان العبد صادقاً مع ربه عز وجل كلما كان حريصاً على إخفاء أعماله حيث لا يطلع عليها إلا الله عز وجل . قال الحسن : إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به الناس ، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه وما يشعر به الناس ، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزور وما يشعرون به . سابعاً : الشعور بالتقصير والانشغال بإصلاح النفس ونقدها أكثر من الآخرين . ثامناً : الاهتمام بأمر هذا الدين والجهاد في سبيل الله عز وجل . إن الصدق في محبة الله عز وجل ومحبة دينه تقتضي أن يكون أمر هذا الدين هو شغل المؤمن الشاغل ، حيث لا يقر له قرار ، ولا يهدأ له بال وهو يرى دين الله عز وجل ينتهك ويقصى من الحياة ، وبالتالي يرى الفساد المستطير يدب في أديان الناس ودمائهم وأعراضهم وعقولهم وأموالهم . إن المؤمن الصادق لا يقدّم على هذا الهم الأكبر أي اهتمام من أمور الدنيا الفانية . [ كتاب وفقات مع آيات للشيخ الجليل حفظه الله ] . قال ابن القيم رحمه الله : إن الصادق لا يحب أن يعيش إلا ليشبع من رضا محبوبه ، ويستكثر من الأسباب التي تقربه إليه وتدنيه منه , لا لعلة من علل الدنيا ولا لشهوة من شهواتها . 55-الثاني : عن أبي محمد الحسن بنِ عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنهما، قَالَ: حَفظْتُ مِنْ رَسُول الله : (( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ؛ فإنَّ الصِّدقَ طُمَأنِينَةٌ ، وَالكَذِبَ رِيبَةٌ )) رواه الترمذي , وَقالَ: (( حديث صحيح )) . قوله : (( يَريبُكَ )) هُوَ بفتح الياء وضمها : ومعناه اتركْ مَا تَشُكُّ في حِلِّهِ وَاعْدِلْ إِلَى مَا لا تَشُكُّ فِيهِ . --------- 1- هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الدين ، وأصل في الورع الذي عليه مدار اليقين ، ومنج من ظلم الشكوك والأوهام المانعة من نور اليقين . والورع : ترك ما تخاف ضرره في الآخرة . وفي هذا الحديث تقسيم الواردات القلبية إلى قسمين : الأول : الوارد الذي يُريبُكَ ( أي : يُنشىءُ في قلبك الريب ) ، والريب : هو قلق النفس واضطرابها . والثاني : الوارد الذي لا يُريب ( وهو ما لا يتولد من إتيانه قلق النفس واضطرابها ) . ويسمى الأول : إثماً ، ويسمى الثاني : براً . والمأمور به شرعاً في القسم الأول : أن تدعه . وفي القسم الثاني : أن تأتيه . 2- فضائل الورع . أولاً : أنه سبب لاستبراء العرض والدين . كما في قال ( من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ) . ثانياً : أنه خير خصال الدين : قال ( وخير دينكم الورع ) رواه الحاكم . ثالثاً : من علامات العبادة . قال ( كن ورعاً تكن أعبد الناس ) رواه الترمذي وفيه ضعف . رابعاً : أنه من هدي النبي وخلقه . عن أنس : (أن النبي وجد تمرة في الطريق فقال: لولا أني أخاف أن تكون من الصدقــة لأكلتها). متفق عليه خامساً : أنه سبب للنجاة . كما في حديث الباب ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) . 3- من أقوال السلف في الورع : قال الحسن : ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام . وقال حسان بن أبي سنان : ما من شيء أهون من الورع ، إذا رابك شيء فدعه . وقال عمر : كنا نترك تسعة أعشار الحلال مخافة أن نقع في الحرام . وقال العسكري : لو تأمل الحذاق في هذا الحديث لتيقنوا أنه قد استوعب كل ما قيل في تجنب الشبهات . وقال شيخ الإسلام : الورع من قواعد الدين . وقال ابن المبارك : ترك فلس من حرام أفضل من مائة ألف فلس أتصدق بها . وقال الضحاك : لقد أدركت أصحابي وما يتعلمون إلا الورع . وقال أبو سليمان الداراني : الورع أول الزهد ، كما أن القناعة أول الرضا . وقال إبراهيم بن أدهم : ما أدرك من أدرك إلا من كان يعقل ما يدخل جوفه . وكان الإمام الورع سعيد بن المسيب لا يقبل من أحد شيئاً لا ديناراً ولا درهماً ولا شيئاً . وقال إدريس الحداد : كان أحمد بن حنبل إذا ضاق به الأمر آحر نفسه من الحاكة ، فلما كان أيام المحنة وصرف إلى بيته ، حمِل إليه مال فرده وهو محتاج إلى رغيف ، فجعل عمه إسحاق يحسب مارد فإذا هو نحو 500 ألف ، قال ، فقال : يا عم لو طلبناه لم يأتنا ، وإنما أتانا لما تركناه . وقال الحسن بن عرفة : قال لي ابن المبارك : استعرت قلماً بأرض الشام فذهب عليّ أن أرده إلى صاحبه ، فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي ، فرجعت يا أبا علي إلى أرض الشام حتى رددته على صاحبه . 56-الثالث : عن أبي سفيانَ صَخرِ بنِ حربٍ في حديثه الطويلِ في قصةِ هِرَقْلَ ، قَالَ هِرقلُ : فَمَاذَا يَأَمُرُكُمْ - يعني : النَّبيّ - قَالَ أبو سفيانَ : قُلْتُ : (( اعْبُدُوا اللهَ وَحدَهُ لا تُشْرِكوُا بِهِ شَيئاً ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ، ويَأْمُرُنَا بالصَلاةِ ، وَالصِّدْقِ ، والعَفَافِ ، وَالصِّلَةِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . -------------------- 1- الحديث دليل على فضل الصدق ، حيث أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومنهم نبينا كان يأمر بالصدق . 2- وجوب عبادة الله . 3- تحريم الشرك بالله تعالى . 4- أن دعوة الرسل هي لتحقيق التوحيد . 5- أن التوحيد نفي وإثبات . 6-وجوب الصلاة . 7- أن الصلاة فرضت بمكة . 8-فضل العفاف والصلة . 57-الرابع : عن أبي ثابت ، وقيل : أبي سعيد ، وقيل : أبي الوليد ، سهل ابن حُنَيْفٍ وَهُوَ بدريٌّ : أنَّ النَّبيّ ، قَالَ : (( مَنْ سَأَلَ الله تَعَالَى الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ )) رواه مسلم . -------- ( عن سهل ابن حُنَيْفٍ ) صحابي جليل شهد بدراً . ( بدريٌّ ) أي : شهد بدراً . ( مَنْ سَأَلَ الله تَعَالَى الشَّهَادَةَ ) أي : الموت شهيداً . ( بِصِدْقٍ ) من قلبه . ( بَلَّغَهُ ) أي : أوصله . ( مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ ) مجازاة له على صدقه . 1- الحديث دليل على فضل الصدق وعظم منزلته ، وأنها سبب لرفعة العمل وعلوه . ذكر للإمام أحمد الصدق والإخلاص ، فقال : بها ارتفع القوم . 2- الحديث دليل على استحباب طلب الشهادة ، ويدل لذلك : أ- حديث الباب . ب- وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقاً أُعْطِيَهَا وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ). رواه مسلم ج- ج-وعن أبي هريرة . قال : قال ( ...وَلَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّى أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَل ) متفق عليه . كان عمر يقول ( اللهم ارزقني شهادة في سبيلك ) . 3- هل من مات وهو يسأل الشهادة بصدق يأخذ نفس ما للشهيد من الثواب والأجر ؟ في هذه المسألة تفصيل : أولاً : من كان يجاهد في سبيل الله صادقاً محتسباً ، ويشارك في قتال الأعداء ، ويرجو مِن الله أن يكتب له الشهادة ، ولكن مع ذلك لم ينلها حقيقة ، فمثله يكتب الله له أجر الشهيد كاملاً غير منقوص . ثانياً : ومن اتخذ الأسباب التي يملكها لنيل الشهادة ، وسعى للمشاركة في الجهاد في سبيل الله، وسبق ذلك عزيمةٌ صادقةٌ ، وسأل الله بإخلاص أن يكتب له هذه المرتبة ، غير أنه حيل بينه وبين المشاركة الفعلية في الجهاد : فهذا يكتب الله له أجر الشهيد ، ويعطيه مِن سعة فضله سبحانه ما يبلغ به أجر الشهداء . ثالثاً : وأما من نوى الجهاد في سبيل الله نية مجردة عن اتخاذ الأسباب والسعي التام لنيل الشهادة، فهذا له أجر نيته فقط ، وليس له أجر الشهيد الذي قُتل في المعركة . يقول ابن القيم رحمه الله : بل هذا النوع منقسم إلى : أولاً: معذور من أهل الجهاد، غلبه عذره، وأقعده عنه، ونيته جازمة لم يتخلف عنها مقدورها، وإنما أقعده العجز، فهذا الذي تقتضيه أدلة الشرع أن له مثل أجر المجاهد، وهذا القسم لا يتناوله الحكم بنفي التسوية، وهذا لأن قاعدة الشريعة أن العزم التام إذا اقترن به ما يمكن من الفعل أو مقدمات الفعل نزل صاحبه في الثواب والعقاب منزلة الفاعل التام ، كما دل عليه قوله : ( إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار . قالوا : هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصاً على قتل صاحبه ) . وفي الترمذي ومسند الإمام أحمد من حديث أبى كبشة الأنماري عن النبي أنه قال : ( إنما الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه الله مالاً وعلماً ، فهو يتقي في ماله ربه ويصل به رحمه ، ويعلم لله فيه حقاً ، فهذا بأحسن المنازل ، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً ، فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان ، فهو بنيته، وهما في الأجر سواءٌ ، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً ، فهو لا يتقى في ماله ربه ، ولا يصل به رحمه ، ولا يعلم لله فيه حقاً ، فهذا بأسوأ المنازل عند الله ، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول : لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان ، فهو بنيته ، وهما في الوزر سواءٌ ) . فأخبر أن وزر الفاعل والناوي الذي ليس مقدوره إلا بقوله دون فعله سواءٌ ؛ لأنه أتى بالنية ومقدورِه التام ، وكذلك أجر الفاعل والناوي الذي اقترن قوله بنيته. وكذلك المقتول الذي سل السيف وأراد به قتل أخيه المسلم فقتل ، نزل منزلة القاتل لنيته التامة التي اقترن بها مقدورها من السعي والحركة . ومثل هذا قوله : ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ) ، فإن بدلالته ونيته نزل منزلة الفاعل . ومثل هذا من كان له وِردٌ يُصَلِّيه من الليل فنام ، ومن نيته أن يقوم إليه فغلب عينه نوم كتب له أجر ورده ، وكان نومه عليه صدقة ، ومثله المريض والمسافر إذا كان له عمل يعمله فشغل عنه بالمرض والسفر كتب له مثل عمله وهو صحيح مقيم ، ومثله : ( من سأل الله الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداءِ ولو مات على فراشه ) ونظائر ذلك كثيرة. ثانياً : والقسم الثاني : معذور ليس من نيته الجهاد ، ولا هو عازم عليه عزماً تاماً ، فهذا لا يستوي هو والمجاهد في سبيل الله ، بل قد فضَّل الله المجاهدين عليه وإن كان معذوراً ؛ لأنه لا نية له تلحقه بالفاعل التام كنية أصحاب القسم الأول " انتهى من" طريق الهجرتين " (ص/359) فالخلاصة أن من نوى الجهاد ، وسعى إليه ، وبذل أسبابه ، وسأل الله الشهادة بصدق ، كتب الله له أجر شهيد . فائدة : ومع ذلك ننبه هنا إلى أنه ليس المقصود أن الله يكتب لمن سأل الشهادة بصدق جميع ما للشهيد الذي قتل في المعركة من الأجر والكرامة ؛ وإنما يكتب له قدر أجر الشهادة مجردة عن كل أجور الأعمال المقترنة بالعمل الجهادي من تعب ونصب وجراح وبذل مال ونحو ذلك ، فالشهيد وسائل الشهادة بصدق يستويان في أصل الأجر وليس في نوعه ومتعلقاته . يقول الإمام النووي رحمه الله : واعلم أن الشهيد ثلاثة أقسام : أحدها : المقتول في حرب بسبب من أسباب القتال ، فهذا له حكم الشهداء في ثواب الآخرة وفي أحكام الدنيا ، وهو أنه لا يغسَّل ولا يصلَّى عليه . والثاني : شهيد في الثواب دون أحكام الدنيا ، وهو المبطون , والمطعون , وصاحب الهدم , ومن قتل دون ماله , وغيرهم ممن جاءت الأحاديث الصحيحة بتسميته شهيداً ، فهذا يغسَّل ويصلَّى عليه وله في الآخرة ثواب الشهداء , ولا يلزم أن يكون مثل ثواب الأول . والثالث : من غل في الغنيمة ، وشبهه ممن وردت الآثار بنفي تسميته شهيداً ، إذا قتل في حرب الكفار ، فهذا له حكم الشهداء في الدنيا فلا يغسل , ولا يصلَّى عليه , وليس له ثوابهم الكامل في الآخرة . انتهى. " شرح مسلم " (2/164) ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله : والذي يظهر أن المذكورين - في الشهداء خمسة وغيرهم - ليسوا في المرتبة سواء ، ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث جابر ، والدارمي وأحمد والطحاوي من حديث عبد الله بن جحش ، وابن ماجه من حديث عمرو بن عتبة : أن النبي ، سئل أي الجهاد أفضل ؟ قال : من عقر جواده وأهريق دمه . وروى الحسن بن علي الحلواني في ( كتاب المعرفة ) له بإسناد حسن من حديث ابن أبي طالب قال : " كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد ، غير أن الشهادة تتفاضل " انتهى."فتح الباري" (6/44) ويقول المناوي رحمه الله : " ( وإن مات على فراشه ) لأن كلاً منهما نوى خيراً وفعل ما يقدر عليه ، فاستويا في أصل الأجر ، ولا يلزم من استوائهما فيه من هذه الجهة : استواؤهما في كيفيته وتفاصيله ، إذ الأجر على العمل ونيته يزيد على مجرد النية ، فمن نوى الحج ولا مال له يحج به يثاب دون ثواب من باشر أعماله ، ولا ريب أن الحاصل للمقتول من ثواب الشهادة تزيد كيفيته وصفاته على الحاصل للناوي الميت على فراشه ، وإن بلغ منزلة الشهيد ، فهما وإن استويا في الأجر لكن الأعمال التي قام بها العامل تقتضي أثرا زائدا وقربا خاصا ، وهو فضل الله يؤتيه من يشاء ، فعلم من التقرير أنه لا حاجة لتأويل البعض وتكلفه بتقدير "مِنْ" بَعد قوله : ( بلغه الله ) ، فأعط ألفاظ الرسول حقها ، وأنزلها منازلها ، يتبين لك المراد " انتهى. " فيض القدير " (6/186) وبناء عليه فالفضل الوارد في حديث الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ( لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ : يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ) . رواه الترمذي (حديث رقم/1663) وقال : حسن صحيح غريب . يظهر أن هذه الفضائل إنما تكتب لشهيد المعركة ، بدليل قوله : ( يغفر له في أول دفعة )، يعني من دمه ، فنال هذه الخصال الستة بسبب ما أريق من دمه في سبيل الله ، فلا ينال هذه الخصال غيره وإن نال أجر الشهادة الأصلي . 58-الخامس : عن أبي هريرةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله : (( غَزَا نبيٌّ مِنَ الأنْبِياءِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهمْ فَقَالَ لِقَومهِ : لا يَتْبَعَنِّي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأةٍ وَهُوَ يُريدُ أنْ يَبْنِي بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا ، وَلا أحَدٌ بَنَى بُيُوتاً لَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا ، وَلا أحَدٌ اشْتَرَى غَنَماً أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ أَوْلادَها . فَغَزا فَدَنَا مِنَ القَرْيَةِ صَلاةَ العَصْرِ أَوْ قَريباً مِنْ ذلِكَ ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ : إِنَّكِ مَأمُورَةٌ وَأنَا مَأمُورٌ ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا ، فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيهِ ، فَجَمَعَ الغَنَائِمَ فَجَاءتْ - يعني النَّارَ – لِتَأكُلَهَا فَلَمْ تَطعَمْها ، فَقَالَ : إنَّ فِيكُمْ غُلُولاً ، فَلْيُبايعْنِي مِنْ كُلِّ قَبيلةٍ رَجُلٌ ، فَلَزِقَتْ يد رجل بِيَدِهِ فَقَالَ : فِيكُمُ الغُلُولُ فلتبايعني قبيلتك، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده ، فقال : فيكم الغلول ، فَجَاؤُوا بِرَأْس مثل رأس بَقَرَةٍ مِنَ الذَّهَبِ ، فَوَضَعَهَا فَجاءت النَّارُ فَأكَلَتْها . فَلَمْ تَحلَّ الغَنَائِمُ لأحَدٍ قَبْلَنَا ، ثُمَّ أحَلَّ الله لَنَا الغَنَائِمَ لَمَّا رَأَى ضَعْفَنا وَعَجْزَنَا فَأحَلَّهَا لَنَا )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . (( الخَلِفَاتُ )) بفتحِ الخَاءِ المعجمة وكسر اللامِ : جمع خِلفة وهي الناقة الحامِل . --------- ( غَزَا نبيٌّ مِنَ الأنْبِياءِ ) أي : أراد أن يغزو ، والنبي المذكور في هذا الحديث هو يوشع بن نون كما بينه شراح هذا الحديث، وصَرَّحتْ به رواية الحاكم في (مستدركه) عن كعب ، ودلت عليه رواية الإمام أحمد في (مسنده) بسند على شرط البخاري عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله )إن الشمس لم تُحْبَسْ لبَشَرٍ إلا ليوشع لَيَاِلَي سافَرَ إلى بيت المقدس ) . ( مَلَكَ بُضْعَ امْرَأةٍ ) (بُضْع) بضم الباء وسكون الضاد ؛ يطلق على الفرج والنكاح والجماع . ( وَهُوَ يُريدُ أنْ يَبْنِي بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا ) أي : ولم يدخل عليها ، ووقع في رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عند النسائي وأبي عوانة وابن حبان ( لا ينبغي لرجل بنى داراً ولم يسكنها أو تزوج امرأة ولم يدخل بها ) وفي التقييد بعدم الدخول ما يفهم أن الأمر بعد الدخول بخلاف ذلك فلا يخفى فرق بين الأمرين , وإن كان بعد الدخول ربما استمر تعلق القلب , لكن ليس هو كما قبل الدخول غالباً . ( وَلا أحَدٌ بَنَى بُيُوتاً لَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا ) وفي صحيح مسلم ( ولما يرفع سقفها ) وهو بضم القاف والفاء لتوافق هذه الرواية . ( وَلا أحَدٌ اشْتَرَى غَنَماً أَوْ خَلِفَاتٍ ) الخَلِفَاتُ بفتحِ الخَاءِ المعجمة وكسر اللامِ : جمع خِلفة وهي الناقة الحامِل . ( فَدَنَا مِنَ القَرْيَةِ ) هي أريحا بفتح الهمزة وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ومهملة مع القصر , سماها الحاكم في روايته عن كعب , وفي رواية مسلم " فأدنى للقرية " أي قرب جيوشه لها . ( فَقَالَ لِلشَّمْسِ : إِنَّكِ مَأمُورَةٌ وَأنَا مَأمُورٌ ) في رواية سعيد بن المسيب (فلقي العدو عند غيبوبة الشمس) وبين الحاكم في روايته عن كعب سبب ذلك فإنه قال (أنه وصل إلى القرية وقت عصر يوم الجمعة , فكادت الشمس أن تغرب ويدخل الليل) وبهذا يتبين معنى قوله (وأنا مأمور) والفرق بين المأمورين أن أمر الجمادات أمر تسخير وأمر العقلاء أمر تكليف . ( اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا ) في رواية أحمد ( اللهم احبسها علي شيئاً ) وهو منصوب نصب المصدر , أي قدر ما تنقضي حاجتنا من فتح البلد , قال عياض : اختلف في حبس الشمس هنا , فقيل ردت على أدراجها , وقيل وقفت , وقيل بطئت حركتها , وكل ذلك محتمل . ( فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيهِ ) في رواية أبي يعلى ( فواقع القوم فظفر ) . ( فلَمْ تَطعَمْها ) أي لم تذق لها طعماً , وهو بطريق المبالغة . ( فَقَالَ : إنَّ فِيكُمْ غُلُولاً ) الغلول : السرقة من الغنيمة . ( فَلْيُبايعْنِي مِنْ كُلِّ قَبيلةٍ رَجُلٌ ، فَلَزِقَتْ يد رجل بِيَدِهِ ) فيه حذف يظهر من سياق الكلام أي فبايعوه فلزقت. 1- الحديث دليل على حل الغنائم لهذه الأمة دون غيرها من الأمم . وقد جاء في حديث جابر قال : قال ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي : .... وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ) متفق عليه . 2- الحديث دليل على فضل هذه الأمة حيث اختصت بحل الغنائم دون غيرها . 3- الحديث دليل على أن من الأنبياء عدداً جماً لم يسم في كتاب الله ، منهم هذا ، وهو يوشع بن نون . 4- أن الشمس لم تحبس إلا له ، فلا يصح قول من قال : إنها حبست لعلي بن أبي طالب . 5- أن الأمور المهمة لا ينبغي أن تفوّض إلا لحازم فارغ البال لها . , والقلب إذا تفرق ضعف فعل الجوارح وإذا اجتمع قوي . 6- تحريم الغلول . 7- أن الغلول وخيم العاقبة على من فعله . 8- وفيه إشعار بأن إظهار العجز بين يدي الله تعالى يستوجب ثبوت الفضل . 9- في هذا الحديث أن فتن الدنيا تدعو النفس إلى الهلع ومحبة البقاء , لأن من ملك بضع امرأة ولم يدخل بها أو دخل بها وكان على قرب من ذلك فإن قلبه متعلق بالرجوع إليها ويجد الشيطان السبيل إلى شغل قلبه عما هو عليه من الطاعة , وكذلك غير المرأة من أحوال الدنيا . 10- وفيه أن من مضى كانوا يغزون ويأخذون أموال أعدائهم وأسلابهم , لكن لا يتصرفون فيها بل يجمعونها , وعلامة قبول غزوهم ذلك أن تنزل النار من السماء فتأكلها , وعلامة عدم قبوله أن لا تنزل، ومن أسباب عدم القبول أن يقع فيهم الغلول . 11- وفي هذا الحديث أن الأمور المهمة ينبغي أن لا تفوض إلا إلى أولي الحزم وفراغ البال لها , ولا تفوض إلى متعلق القلب بغيرها , لأن ذلك يضعف عزمه , ويفوت كمال بذل وسعه فيه . 59-السادس : عن أبي خالد حَكيمِ بنِ حزامٍ ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله : (( البَيِّعَانِ بالخِيَار مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإنْ صَدَقا وَبيَّنَا بُوركَ لَهُمَا في بيعِهمَا ، وإنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بركَةُ بَيعِهِما )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ------------- ( البَيِّعَانِ ) أي : البائع والمشتري ، وأطلق عليهما ذلك من باب التغليب . ( بالخِيَار ) الخيار هو طلب خير الأمرين من إمضاء العقد أو فسخه . ( مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ) أي بأبدانهما على القول الراجح . 1- الحديث دليل على فضل الصدق والبيان في البيع والشراء وأنه سبب للبركة في البيع ، وأن الكذب والكتمان سبب لمحق البركة . فالصدق : أي فيما يصفان السلعة به من الصفات المرغوبة . والبيان : أي فيما يصفان به السلعة من الصفات المكروهة . مثال : لو باع شخص سيارة وقال : هذه السيارة جديدة ونظيفة ، ومدحها بما ليس فيها ، فهذا كذب . مثال : وإذا باع السيارة وفيها عيب ولم يخبره بالعيب ، فهذا كتم ولم يبيّن . 2- الحديث دليل على وجوب بيان عيب السلعة ، لأن البيان سبب لحلول البركة ، ولأن الكتمان غش ، وقد قال : ( من غشَّ فليس منّا ). قال الشيخ السعدي : هذا الحديث أصل في بيان المعاملات النافعة ، والمعاملات الضارة ، وأن الفاصل بين النوعين : الصدق والبيان . فمن صدق في معاملته ، وبيّن جميع ما تتوقف عليه المعاملة من الأوصاف المقصودة ، ومن العيوب والنقص ، فهذه معاملة نافعة في العاجل : بامتثال أمر الله ورسوله ، والسلامة من الإثم ، ونزول البركة في معاملته ، وفي الآجلة : بحصول الثواب ، والسلامة من العقاب . ومن كذب وكتم العيوب ، وما في المعقود عليه من الصفات ، فهو – مع إثمه – معاملته ممحوقة البركة . ومتى نزعت البركة من المعاملة خسر صاحبها دنياه وأخراه . 3- في هذا الحديث إثبات خيار المجلس (وهو الخيار الذي يثبت للمتعاقدين ما داما في المجلس، أي مجتمعين). وإلى هذا ذهب جماهير العلماء ، كالشافعي وأحمد . قال ابن قدامة : وهو مذهب أكثر أهل العلم . قال النووي : وبهذا قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم . لحديث الباب . وذهب الإمام مالك وجماعة إلى أنه لا خيار للمجلس ، بل يلزم العقد بالإيجاب والقبول . وقد أجاب هؤلاء عن حديث الباب بأجوبة كثيرة كلها ضعيفة . ولذلك قال النووي : وهذه الأحاديث الصحيحة ترد على هؤلاء ، وليس لهم عنها جواب صحيح . 4- المراد بقوله : ( ما لم يتفرقا ) أي بأبدانهما . قال بعض العلماء : المراد بالتفرق ، تفرق الأقوال ، وهذا ضعيف . 5- ضابط التفرق ، لم يحدد ، فيرجع فيه إلى العرف ، والقاعدة : [ كل ما ورد مطلقاً في لسان الشارع ، ولم يحدد ، فإنه يرجع إلى تحديده إلى العرف ] . أمثلة : o إذا كانا في بيت ، فبخروج أحدهما منه . o إذا كانا في غرفة ، فبخروج أحدهما منها . 6- الحكمة من خيار المجلس : أن الإنسان قبل أن يملك الشيء تتعلق به نفسه تعلقاً كبيراً ، فإذا ملكه زالت تلك الرغبة ، لذلك شرع خيار المجلس . 7- يثبت البيع إذا تفرقا بأبدانهما بعد البيع . 9-يحرم لأحد المتبايعين أن يقوم خشية الاستقالة . لقوله : ( ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله ) . رواه أبو داود فإن قيل : ما الجواب عن فعل ابن عمر : أنه كان إذا بايع رجلاً فأراد أن لا يقيله قام فمشى هنيّة ثم رجع إليه ؟ الجواب : أ- هذا اجتهاد منه ، مدفوع بالحديث المتقدم الذي ينهى عن ذلك . ب- أو يحمل على أنه لم يبلغه الخبر . والله أعلم ؛؛؛ وصلى الله وسلم على نبينا محمد الشيخ / سليمان بن محمد اللهيميد الموضوعالأصلي : باب الصدق // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: berber
| |||||||
الخميس 28 أغسطس - 21:03:15 | المشاركة رقم: | ||||||||
عضو نشيط
| موضوع: رد: باب الصدق
| ||||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |