ترجمة حياة كارل ماركس :ترجمة حياة كارل ماركس :
ربما لا يمكن لنا فهم نظرية و أفكار ماركس دون النظر في ترجمه حياته ، و قراءة ما جاء فيها من مؤثرات قراءة سوسيولوجية متمعنة ، فقد كانت ولادة ماركس في العام 1818م عقب سنوات قليلة من رحيل المنظر الأول للرأسمالية آدم سميث ، و ذلك في مدينة تريف الألمانية حاليا ، و التابعة لدولة بروسيا ذلك الزمان ، وقد ترعرع ماركس في أسرة يهودية اضطرت إلى اعتناق المذهب البروتستانتي بسبب الاضطهاد الذي تعرض اليهود له آنذاك. ومنع والده حينها من الاستمرار في السلك القضائي. التحق الصبي كارل بالمدرسة الثانوية في سن الثانية عشر وحصل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية بتقدير امتياز في سن السابعة عشر. عاش كارل ماركس حياة تنقل فيها كثيرا باحثاً عن مكان آمن وهرباً من المطاردة.. وبعد حصوله على شهادة الدكتوراة في الفلسفة سنة 1841م التحق كأستاذ بجامعة بون. كانت فترة إقامة ماركس في برلين فرصة للتعرف على عدد من المدارس الفكرية مع العلم أن فلسفة هيغل كانت هي الرائجة في تلك الحقبة. وبعد انتقاله إلى مدينة بون بدأ شغب ماركس الفكري ينتقل إلى السياسة حيث أنشأ صحيفة تنتقد أسس الحكم في بروسيا، مما أدى إلى مصادرة الصحيفة وتجريده من الجنسية البروسية، فهاجر ماركس إلى باريس بصحبة زوجته. وهناك بدأ فكره ينضج ويتجه نحو رفض الهيغلية. وخلال فترة إقامته في باريس توطدت علاقته برفيق العمر والإيديولوجيا فريدريك انغيلس. وفيها نشرا سوياً الكتيب الشهير "بيان الحزب الشيوعي".
تعتبر الفترة من عام 1842 حتى عام 1849 مرحلة هامة جداً من حياة ماركس، فهي فترة المنفى، التي قضاها في بريطانيا بعد أن طرد من فرنسا وبلجيكا، بسبب كتاباته ونشاطاته الصحفية التي اعتبرت تحريضا للطبقة العاملة والفقراء على التمرد ضد سطوة السلطة وقهر الاقتصاد. عانى ماركس في تلك الفترة من حياته من ضنك العيش، ولولا وجود رفيقه انغيلس الذي كان ينحدر من أسرة غنية لكان مسار حياته تغير على الأرجح. وفي منفاه الاختياري لندن ألّف ماركس كتبه التي مهدت الطريق للاتجاه الفلسفي والفكري، الذي يحمل اليوم اسم الماركسية. من بين مؤلفاته الهامة: "الصراعات الطبقية في فرنسا من سنة 1848 حتى 1850" و"نقد الاقتصاد السياسي" الذي قام بنشره عام 1859. وفي سنة 1867 ظهر الجزء الأول من مؤلفه الضخم "رأس الـمال" كمنظر للشيوعية ، و ذلك بعد تسعين عاما من صدور كتاب " ثروة الأمم " لآدم سميث المنظر الرأسمالي ، أما الجزء الثاني فنشره انغيلس بعد وفاة ماركس. وبجانب الكتابة حاول الاثنان تنظيم الحركة العمالية، حيث أسسا "الجمعية الدولية للعمال"، التي كان لها شعبية في عدد من دول العالم كأمريكا وألمانيا. وشكلت هذه الجمعية الانطلاقة الأولى لتأسيس عدد من الأحزاب اليسارية منها الحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني. وفي عام 1883 توفى كارل ماركس في بندن عن عمر يناهز الخامسة والستين.( http://www.mojz.com/inf)
حين نتأمل ما جاء في هذه السيرة ، نستطيع أن نلمس بوضوح كيف أنها تعكس المكونات الأساسية التي تدخلت في صياغة نسقه الفكري، فلقد تأثر أولا ً بالفلسفة الألمانية أثناء دراسته الأولى في الجامعة ، و إقامته في ألمانيا و بخاصة فلسفة هيجل و فيورباخ، و عندما انتقل إلى باريس عاش فترة في رحاب الأفكار الاشتراكية التي اهتم بها عموما و خاصة أفكار سان سيمون و برودون ، ثم ما لبث أن عكف على دراسة الاقتصاد السياسي فدرس موضوعات هذا العلم لدى أكثر من عالم و منهم آدم سميث(محمد علي،1997م،105) ، هذه الأفكار المتنوعة و التي قد تكون متضاربة أيضاً كان لها عميق الأثر بالإضافة إلى حياة ماركس الشخصية ، مما ولد عدة نظريات و أفكار طرحها ماركس و تأتي الصراعية على رأسها و أشهر ما نقل عنه حتى أنها عرفت باسمه ( الماركسية ).