سليمان يحي محمد
كلية الموسيقى والدراما - جامعة السودان
يدور هذا البحث حول الإبداع كخبرة شعبية ممارسة في مجال القصص الشفا هي.ويقدم بعض التعريفات العلمية لمفهوم الحكاية ومعنى الشعبية والشفاهية على ضوء التصنيفات العالمية والمحلية في مجال علم الفلكلور والأساليب الإبداعية المتبعة في السرد الشفاهي. وقد اتخذ من القصص الشعبي السوداني أنموذجًا للدراسةوخلافًا لما هو متبع لدى الكثير من الدارسين والكتاب، يؤكد البحث على أن الفعل أو الموضوع الشعبي لا يعنى القديم أو ما له صلة بالماضي أو المجتمعات الريفية فقط دون غيرها. إذ أن الشعبية تعنى التمتع بقبول جماهيري كبير واستخدام واسع من قبل قاعدة عريضة من المجتمع. فهي تشمل بذلك التقليدي والحديث والمعاصر، سواء كان ذلك في الماضي أم المستقبل. والشفاهي أو الشفوي وفقًا للتعريفات المتفق عليها في العديد من البحوث والكتابات المتخصصة، هو ما يصدر عن طريق الفم، والذي ينشأ وينتشر ويتم انتقاله من جيل إلى آخر ومن مجتمع إلى مجتمع ومن منطقة إلى أخرى ويتداوله الناس ويقوم دوره بينهم ويؤدى وظيفته تجاههم شفاهة وإن خضع للتدوين وتحول إلى سما عي أو
مقروء لاحقًا كما اهتم البحث بتوضيح عدم تطابق التصنيفات العالمية خاصة تلك التي مارستها مدرسة الثقافة الأوربية – الأمريكية في دراسة الأدب الإفريقي الشفا هي تلك، والأخرى القائمة على أساس البنية الحضرية للمكان في القصص الشعبي السوداني وإن كانت مناسبة لدى دراسة ثقافات وبيئات اجتماعية أخرى. عليه يرى البحث أن التصنيف المناسب للقصص الشعبي السوداني يعتمد أو ً لا على المسميات السائدة محليًا، وتقسيم القصص إلى حكاية وقصة شعبية وفقًا لشروط وطبيعة كل منهما.ويتم التصنيف بعد ذلك بناء على الموضوع الغالب في أي منها. فإن كلمة حكاية وحدها غير دقيقة وليست واضحة أما فيما يتعلق بالإبداع، فإن المبدع أساسًا هو الله سبحانه وتعالى.بالتالي فهو هبة منه عز وجل إلى البشر. والإبداع يعنى المقدرة على الخلق والابتكار وتقديم ما هو جديد ومفيد ومشبع للناس. حيث أن هناك نوعين من الإبداع في السرد الشعبي هما الإظهار والتغيير. حيث يعتمد كلاهما على الذاكرة والقدرة على الحفظ وتصحيح الأخطاء وأسلوب الحكي الذي تتحكم فيه خصائص شخصية الراوي ومعرفته بأبعاد المستمع ودقة المشاركة الفاعلة من قبل الجمهور. فالراوي يمثل الوسيط بين الموضوع والجمهور من ناحية بنيوية لتتحقق عبره في النهاية المتعة السردية ويتم بلوغ المرامي المقصودة. وهو يستعين في ذلك بكل قدراته الإبداعية التي حباها له الله مبدع السموات والأرض وما بينها.

يتناول هذا البحث القصص الشعبي السوداني بشقيه الأحاجي والتي تتضمن الألغاز، والحكايات الشعبية كأنموذج للإبداع في السرد الشعبي. وذلك لتوضيح نوعية الإبداع فيها ومفاهيمه ومرتكزاته وتصنيف القصص الشعبي السوداني ودوره ووظيفته في المجتمع على ضوء هذا المصطلح العلمي المتعارف عليه وهو الحكاية الشعبية كما ورد في تصنيف روث فينقان في كتابها الشهير: الأدب الأفريقي الشفاهي والتصنيف العربي والأفريقي والسوداني، وتقديم مقترح لتصنيف القصص الشعبي بالصورة التي يمكن تطبيقها في السودان. ويضاف إلى ذلك بعض العبارات والمفردات وحركات الأداء الشعبية الشائعة في السودان والتي تستخدم بغرض تكثيف الأسلوب الإبداعي في سردالقصص الشعبي السوداني لتقديم صورة واضحة عن الحدث وجذب انتباه المستمع وإثارته ودفعه نحو المشاركة الإيجابية.

كثيرًا ما نستخدم كلمة شعبي أو نسمعها في أحاديثنا اليومية خاصة في مجال الكلام عن كرة القدم والغناء في السودان مث ً لا، ذلك كأن نقول هذا اللاعب أو ذلك المغنى لديه شعبية كبيرة ونقول أن فلانًا إنسان شعبي أو فنان شعبي خاصة مغنى الحقيبة حيث تسمى أغنيات الحقيبة نفسها بالفن الشعبي، بمعنى الفن القديم أو الغناء التراثي. ويقال عادة أن الفول المصري والكسرة والعصيدة والقراصة وسلطة العفوص أكلات شعبية. والثوب والجلابية ملابس شعبية. وكذلك المشاط ودق (وشم) الشفاه والشلوخ ولبس الجدالة والحجول والأساور وريحة الكركار زينة شعبية وغير ذلك من الموضوعات المعروفة في الحياة السودانية. هذا بصفة عامة، أما في مجال الدراسات التخصصية بالذات في علم الفولكلور، فإن كلمة شعبية لديها مدلول علمي خاص ومتفق عليه من قبل الفولكلوريين، فالفعل أو الموضوع الشعبي هو ذلك المنتج الثقافي الذي يتمتع بقبول جماهيري واسع أو تستخدمه قاعدة عريضة من المجتمع ومن ثم تكون له شعبية كبيرة، أي أن شعبيته تقاس بحجم القبول الذي يناله أو مستوى الممارسة التي يجدها. فالشعبي إذًا لا يعنى القديم أو ما له فقط صلة بالماضي أو المجتمعات الريفية دون غيرها. ذلك لأنه حتى لو نشأ في الماضي فإنه قد يزال ممارسًا ومستمرًاكممارسته في الحاضر أوالمستقبل إذا توفرت له الشروط الضرورية سواء في الريف أم الحضر. بهذا فهو قد ينشأ في الحاضر أو ينتقل من الريف إلى المدينة أو العكس. بالتالي فإن ما هو شعبي يشمل الفعل التقليدي والحديث بمعنى أنه يعيش ويتحرك ويمشى وسط الناس أينما ووقتما وكيفما كانوا.أما الناحية الشفاهية، فهي تعنى كل ما تم تأليفه أو إبداعه و أداؤه وتعلمه وتوارثه وانتقاله وانتشاره عن طريق المشافهة حتى لو خضع في شفاهته للتدوين لاحقًا كالأمثال والقصص الشعبي وما اتصل بها.أيضًا النصوص الدينية كالقرآن الكريم مثلا وما جاء فيه أو أشار إليه من قصص الأولين. وكذلك الأحاديث النبوية بنصوصها وموضوعاتها المروية والأساطير والملاحم والأمثال والنوادر وغيرها من موضوعات الأدب السماعي. هذا ما أوضحه منيرالبعلبكي في قوله أن ما هو يعد شفهي أي أنه معطى عن طريق الفم بمعنى ملفوظ. وقد أيده العديد من الآخرين في هذا الشرح.حيث ورد في المعجم الإنجليزي :أن الشفاهي هو
المنطوق وغير المكتوب مع ملاحظة أن هذا لا يمنع أن يدون ما صدر أو نشأ شفاهة وانتقل عن طريق الإطلاع والقراءة. وحينئذ تكون الناحية السماعية هي الأشمل والأكثر دقة. عليه فإن الشفاهي يمكن أن يتحول إلى سماعي، الأمر الذي يجعلنا نقول أن عبارة الأدب السماعي الشعبي صارت أدق من مصطلح الأدب الشفاهي وهو أحد أكبر الأجناس الفولكلورية