الصوم والصدقة عن الوالد المسلم للشيخ محمد ناصر الدين الألباني– رحمه الله تعالى –لحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية، المتعزز بعظمة الربوبية، القائم على نفوس العالم بآجالها، والعالم بتقلبها وأحوالها، ألمانِّ عليهم بتواتر آلائه، المتفضل عليهم بسوابغ نَعْمَائه، الذي أنشأ الخلق حينأراد بلا معين ولا مشير، وخلق البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير، فمضت فيهم بقدرته مشيئته، ونفذت فيهم بعزته إرادته، فألهمهم حسن الإطلاق، وركَّبَ فيهم تشعُّبَ الأخلاق، فهم على طبقات أقدارهم يمشون، وعلى تشعب أخلاقهم يدورون، وفيما قضى وقدر عليهم يهيمون و{كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}[المؤمنون: 53]، أما بعد:
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة – حديث رقم 484:( أَمَّا أَبُوكَ فَلَوْ كَانَ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ فَصُمْتَ وَتَصَدَّقْتَ عَنْهُ نَفَعَهُ ذَلِكَ ): أخرجه الإمام أحمد حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : ” أَنَّ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ نَذَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَنْحَرَ مِائَةَ بَدَنَةٍ وَأَنَّ هِشَامَ بْنَ الْعَاصِي نَحَرَ حِصَّتَهُ خَمْسِينَ بَدَنَةً وَأَنَّ عَمْرًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : ( فذكره ) .
والحديث دليل واضح على أن الصدقة والصوم تلحق الوالد ومثله الوالدة بعد موتهما إذا كانا مسلمين , ويصل إليهما ثوابها بدون وصية منهما , ولما كان الولد من سعي الوالدين , فهو داخل في عموم قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) النجم 39 , فلا داعي إلى تخصيص هذا العموم بالحديث وما ورد في معناه في الباب , مما أورده المجد ابن تيمية في ” المنتقى ” كما فعل البعض .
واعلم أن الأحاديث التي ساقها في الباب هي خاصة بالأب أو الأم من الولد فالاستدلال بها على وصول ثواب القرب إلى جميع الموتى كما ترجم لها المجد ابن تيمية بقوله ” باب وصول ثواب القرب المهداة إلى الموتى ” غير صحيح لأن الدعوى أعم من الدليل , ولم يأت دليل يدل دلالة عامة على انتفاع عموم الموتى من عموم أعمال الخير التي تهدى إليهم من الأحياء , اللهم إلا في أمور خاصة ذكرها الشوكاني في ” نيل الأوطار , ثم الكاتب في كتابه ” أحكام الجنائز وبدعها ” , وقد يسر الله – والحمد لله – طبعه , من ذلك الدعاء للموتى , فإنه ينفعهم إذا استجابه الله تبارك وتعالى , فاحفظ هذا تنج من الإفراط والتفريط في هذه المسألة .
وخلاصة ذلك أن للولد أن يتصدق ويصوم ويحج ويعتمر ويقرأ القرآن عن والديه , لأنه من سعيهما , وليس له ذلك عن غيرهما , إلا ما خصه الدليل مما سبقت الإشارة إليه , والله أعلم .