جزر كالاباكوس - الإكوادور
د. عقيل الزبيدي*
لاحظت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو )إن التراث العالمي الطبيعي مهدد بتدمير متزايد ، لا بالاسباب التقليدية للاندثار فحسب ؛ وإنما بتأثير العوامل الاجتماعية والاقتصادية المتغيرة التي تزيد من خطورة الموقف وما تحمله من عوامل الإتلاف والتدمير .


ونظرا لان اندثار أو زوال أي موقع من مواقع التراث الطبيعي يشكل إفقارا ضارا لتراث جميع شعوب العالم .وان بعض مواقع التراث الطبيعي تمثل أهمية استثنائية توجب حمايتها باعتبارها عنصراً من التراث العالمي ؛ لذا اجتهد المجتمع الدولي لحماية هذه المواقع وعندئذ صدرت اتفاقية عالمية لحماية التراث الطبيعي من اليونسكو.
ويمثل التراث الطبيعي المعالم الطبيعة المتآلفة من التشكيلات الجيولوجية والبيولوجية التي لها قيمة عالمية استثنائية من وجهة النظر الجمالية أو العلمية أو المحافظة على الثروات . لذا عد موقع جزر كالاباكوس من مواقع التراث الطبيعي التي تم إدراجها على قائمة التراث العالمي.
جزر كالاباكوس Galapagos Island
تمثل جزر كالاباكوس مجموعة من الجزر البركانية الواقعة في المحيط الهادي وعلى مسافة 1000 كم عن سواحل الاكوادور . وتضم 13 جزيرة كبيرة و 6 جزر متوسطة و 107 جزر صغيرة ، فضلا عن بعض الصخور الظاهرة فوق مستوى مياه المحيط ؛ وتبلغ المساحة الكلية لهذه الجزر حوالي 8000 كم2.
وهذه الجزر من اصل بركاني ، وما تزال بعض البراكين نشطة جدا ، وهي تعود إلى جمهورية الاكوادور ، وخمس من هذه الجزر مأهولة بالسكان إذ يبلغ عددهم 15الف مواطن . و جزر كالاباكوس ذات موقع فريد استثنائي لانها كانت مهجورة لسنوات طويلة ، وهذا ساعد في تطور الأنواع النباتية والحيوانية بشكل مختلف على 14 جزيرة تقريبا وهذا يعني إن الجزر تحتوي على كائنات حية مستوطنة ما تزال محافظة على حالتها الطبيعية وبسبب ذلك فهي موقع مثالي لدراسة التطور والنشوء البيئي.
تاريخ الجزر
تم دخول هذه الجزر من قبل احد لأسبان في عام 1535 وبعد وصف هذه الجزر لم يتحفز السفر إليها من قبل البحارة الأوروبيون لعدم وجود المعادن المهمة .
وفي عام 1600 بدأت عمليات صيد السلاحف الكبيرة لبيع لحومها . وبعد مئتي عام بدأت سفن صيد الحيتان والفقمة تتخذ من جزر كالاباكوس محطات استراحة لها .
وفي عام 1835 توقف جارلس دارون احد نبلاء الطبقة الارسقراطية البريطانية في هذه الجزر لملاحظة عناصر التراث الطبيعي وعند ذلك توصل إلى نظرية النشوء والتطور .
ثم نشأت التجمعات السكانية على هذه الجزر وتدريجيا توسعت هذه التجمعات ؛ وفي الوقت الحاضر يسافر الناس من الإكوادور إلى هذه الجزر للاستيطان والاستقرار عليها بعد انتعاش صناعة السياحة وتحولها إلى منجم ذهب (gold mine) .
الطبيعة (Nature ):
إن استمرار النشاطات البركانية لثلاثة أو خمسة ملايين سنة ساعد في نشوء أرخبيل جديد في المحيط الهادي يضم مجموعة من الجزر ذات السواحل المنبسطة والجبال الداخلية .
وهذه الجزر قاحلة تشبه الصحارى ، وقد هاجرت إليها مجموعة من الأنواع النباتية والحيوانية فأصبحت جزر كالاباكوس في الوقت الحاضر موقعاً فريداً لانواع مستوطنة.
وتقع هذه الجزر الاستوائية على طريق تيارات مائية باردة غنية بالمواد الغذائية ، لذا يلاحظ وجود المرجان(Corals) وشيطان البحر ( Manta Rays) وهو (حيوان بحري من الاسماك الغضروفية ) وباقي نباتات وحيوانات البحار الاستوائية التي تتقاسم الجزر مع البطريق (Penguins) وفقمة الفرو (Fur seal) وأنواع الكائنات الحية للمياه الباردة .
وتضم الجزر أنظمة بيئية طبيعية متنوعة مثل الغابات ، والسواحل ، وفوهات البراكين ،وغابات المانغروف، وغيرها.
وتعد نباتات المانغروف مناطق غنية جدا بالمغذيات (Nutrients ) والطافيات (Planktons) التي تدخل وتخرج مع تيارات المد والجزر ما يجعل هذه الغابات مواطن وفيرة الغذاء وحاضنة لكثير من الأسماك واللافقاريات، فضلاً عن الكثير من الطيور التي تعيش على نباتات المانغروف .
النباتات ( Flora) :
لقد حاولت النباتات دخول الجزر عبر مياه المحيط لكي تكون أنواع رائدة للاستقرار هنا ، وقد تمكنت النباتات القوية من عبور المحيطات بنجاح لكي تحصل على مواطئ في هذه الجزر وتُنشأ تجمعات جديدة في الجزر قاحلة . وبعض هذه النباتات لها ثمار لحمية (Fleshy Fruits ) وزهور رائعة جذابة (Shoy Flowers ) بعد أن تكيفت لكي تُجذب إليها بعض الحشرات الحاملة لمواد التلقيح ، لتلقيح زهورها وإنتاج الثمار
وتضم جزر كالاباكوس 560 نوعاً طبيعياً ؛ ومن الأنواع الموجودة في هذه الجزر: القطن ، والطماطة ، والفلفل ، والجوافة Guavaوزهرة الآلام Passion Flower لقد قام بعض الناس بنقل أنواع نباتية جديدة وهذا يمثل مشكلة كبيرة على التنوع النباتي ، لان الأنواع الجديدة تغزو وتؤذي وتتطفل على النباتات الطبيعية المستوطنة في هذه الجزر.
الحيوانات (Faunas) :
تضم كالاباكوس حيوانات مستوطنة ومتفردة ، واغلبها شجاع لا يعرف الخوف لعدم وجود المفترسات (Predators ) أو الضواري ، واهم الأنواع المعروفة هي السلحفاة العملاقة ، ويعتقد بعض العلماء بأن هذه السلاحف قد تم نقلها مع التيارات المحيطية ، ونمت إلى أحجام هائلة إذ يصل وزنها إلى 250 كغم ، بسبب انتشار الغذاء واختفاء المفترسات . وهناك 14 سلالة (Races) من السلاحف نشأت وتطورت على 14 جزيرة مختلفة ، وقد انقرضت 3 سلالات بسبب الصيد الجائر ، إذ تم صيد 000 100 سلحفاة خلال القرن الماضي وفي الوقت الحاضر توجد 15000 سلحفاة . ومن الزواحف التي تضمها الجزر هي الاغوانة (Iguanas ) (البرية والبحرية ) وهي عضاية أميركية استوائية ضخمة أكلة للإعشاب والاغوانة البرية معرضة للخطر بسبب الكلاب البرية . ومن اللبائن الطبيعية الموجودة على الجزر هي جرذان الرز (Rice Rats)ونوعان من الخفافيش ، و الطيور البحرية المستوطنة والبطريق (Penguin) والقطرس (Albatrosses)وهو طائر بحري كبير ، والغاقة (الغاق ) وهو طائر مائي ضخم نهم وتحت منقاره جراب يضع فيه ما يصيده من الأسماك ، والنورس (Gulls). كما توجد 29 طائراً برياً مقيماً (Resident ). و22 منها مستوطن ، وهذه الطيور معتمة اللون وأليفة إلى درجة كبيرة لعدم وجود المفترسات.
الحياة البحرية (Marine Life) :
تمتاز هذه المنطقة بنظام تيارات محيطية باردة ودافئة وتنوع واسع في الأشكال الأرضية تحت الماء التي تضم براكين يصل ارتفاعها لمئات الأمتار عن قاع المحيط إلى قرب سطح الماء ، وهذا ساعد على وجود تنوع إحيائي واسع يشمل الإسفنج (Sponge) والمرجان (Corals) والشقار أو شقائق النعمان البحرية (Anemones ) والجورجونيانس (Gorgonians) والقريدس أو الروبيان (Shrimps) والمحار (Conchs)ونجم البحر(Starfish) وتتحول الأحياء الصغيرة في هذه الأنظمة البيئية غذاء للأنواع الأكبر منها من الأسماك ، وطيور البحر ، والدولفين ، واسود البحر (Sea Lion) والحيتان .
إن حركة التيارات المائية (الغنية بالمغذيات) التي تعبر المحيط الهادي ، وتضرب جزر كالاباكوس والبراكين تحت المائية ، ثم ترتفع إلى سطح الماء ؛ توفر نطاقاً غذائياً جيداً للبائن البحرية ؛ لذا فأن الأنواع التي تعيش داخل الجزر وجوارها تعتمد على البحر .والمياه الساحلية التي تساعد في توفير السلسلة الغذائية التي تمتد من الطافيات (Planktons) إلى سمك القرش (Shark) وكذلك النباتات الموجودة داخل الجزر والحشرات والطيور .
وقد تم تسجيل 300 نوع من الأسماك فضلا عن اسود البحر والفقمة التي تتوافر قرب السواحل وكذلك الدولفين والحيتان وسلحفاة البحر .
المتنزه الوطني (The National Park) :
لقد تم إدراج جزر كالاباكوس متنزها وطنياً في عام (1968) بعد إصدار قانون خاص من حكومة الإكوادور ، وتشكلت وكالة حكومية خاصة مسؤولة عن إدارة وحماية المتنزه الوطني ، إذ تقوم بحماية الأنواع المهددة من النباتات والحيوانات الطبيعية ، وخطر دخول الأنواع الغريبة ، وقامت بإصدار التشريعات والتعليمات الموجهة إلى السياح لغرض حماية و صيانة التراث الطبيعي لهذه الجزر.
الخاتمة
نظرا للموقع الجغرافي المتميز لهذه الجزر ، وتوافر التنوع الجيولوجي الذي يضم الجبال ، والفوهات البركانية ، والسهول ، والسواحل البحرية ؛ والتنوع البيولوجي الذي يضم نباتات وحيوانات برية وبحرية نادرة وبعضها مهدد بالانقراض ؛ لذا فمن المتوقع ازدهار صناعة السياحة على شكل سفرات جماعية وطلابية وأثرياء ورجال أعمال من دول شرق المحيط الهادي وغربه ، ومن دول أخرى لاسيما بعد إعلانها على قائمة التراث العالمي لذا يجب إتباع شروط السياحة البيئية التي تحافظ على عناصر التراث الطبيعي ، وضرورة تدريب المرشدين السياحيين. ويمثل التراث الطبيعي المعالم الطبيعية المتألقة من التشكلات الجيولوجية والبيولوجية التي لها قيمة عالمية 11111