لسفاح المبيح والثائر المبين . أبو العباس السفّاح . أول خلفاء بني العباسهو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي . أبو العباس . أمه ريطة بنت عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان الحارثي, وزوجته أم سلمة المخزومية . بويع له بالخلافة في اليوم الثالث من شهر ربيع الأول سنة 132 هـ بالكوفة بعد مناورة فاشلة قام بها أبو سلمة الخلال, كانت ترمي إلى إسناد الخلافة للعلويين . صعد المنبر عند توليه الخلافة وألقى خطابا في أهل الكوفة تحدث فيه عن أرومة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحقيتهم في الخلافة, وذكر بني أمية وجورهم وطغيانهم وذكر أهل الكوفة بالخير, وختم خطابه بقوله: أنا السفاح المبيح والثائر المبيد, ومن هنا اقترنت كنيته بلقب السفاح, واللفظ يحتمل سفك الدماء, كما يحتمل السخاء وبذل المال, فقد جاء في القاموس المحيط: سفح الدم, أراقه, وسفح الدمع أرسله, ويستمر صاحب القاموس فيقول, والسفاح هو المعطاء والفصيح, ومثل ذلك جاء في لسان العرب وتاج العروس, ونحن نرجح معنى العطاء والسخاء, فقد ورد لفظ (السفاح) في خطاب أبي العباس بعد قوله لأهل الكوفة وقد زدت أعطياتكم مائة درهم فاستعدوا, مما يؤيد ترجيحنا أن أبا العباس كان كريما, وفيه يقول السيوطي: إنه كان أسخى الناس, ما وعد عدة فأخرها عن وقتها, ولا قام من مجلسه حتى يقضيها, وفي أخباره أمثلة كثيرة عن سخائه . وأما قوله (والثائر المبيد) فقد قصد به تهديد المخالفين . كان أبو سلمة الخلال يعمل في السر على نقل الخلافة إلى العلويين, فلما انكشف أمره لأبي العباس, بعد مبايعته بالخلافة, عزم على قتله وأضمر عزمه, وخرج إلى مسجد الكوفة فخطب ذلك الخطاب فيهم ووعدهم بأن يكون سفاحا في أعطياته, وأنذر من يعمل على مقاومته بإبادته, فقال (وأنا الثائر المبيد) . وفي رأينا أنه قصد أبا سلمة الخلال, ولم يلبث أن كتب إلى أبي مسلم الخراساني يأمره بقتله فأرسل إليه أبو مسلم من قتله . أما قول بعض المؤرخين أن أبا العباس كان سفاكا للدماء, وأنه من أجل ذلك لقب بالسفاح, وأنه تتبع الأمويين وقتل من وقع في قبضته, فإن الذي فعل ذلك هم أعمامه, عبد الله وسليمان وصالح, وأما قتله لأبي سلمة الخلال فلخيانة كشفها . وأبو العباس ولد من أم عربية هي (ريطة الحارثية) وبسببها بايعه العرب بالخلافة فكان يدعى (ابن العربية) , وقنع بزوجة واحدة كانت عربية أيضا هي (أم سلمة المخزومية) وكانت أثيرة عنده, ولم يتجه للجواري الحسان . أما بقية الخلفاء من بني العباس فكانوا أبناء جوار من فرس وروم وبربر وأتراك وغير ذلك, باستثناء محمد المهدي ومحمد الأمين فقد كانت أم كل منهما عربية, فأم المهدي هي (أروى بنت منصور الحميرية) وأم محمد الأمين هي (زبيدة بنت جعفر بن المنصور) . عهد أبو العباس بالخلافة من بعده لأخيه أبي جعفر ومن بعده لابن أخيه عيسى بن موسى . توفي بالجدري ودفن بالأنبار وكان عمره 32 سنة
فالسفاح هو أول خلفاء بني العباس أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم ولد سنة ثمان ومائة وقيل سنة أربع بالحميمة من ناحية البلقاء ونشأ بها وبويع بالكوفة وأمه ريطة الحارثية حدث عن أخيه إبراهيم بن محمد إلإمام وروى عنه عمه عيسى بن علي وكان أصغر من أخيه المنصور أخرج أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن يقال له السفاح فيكون إعطاؤه المال حثيا وقال عبيد الله العيشي قال أبي سمعت الأشياخ يقولون والله لقد أفضت الخلافة إلى بني العباس وما في الأرض أحد أكثر قارئا للقرآن ولا أفضل عابدا ولا ناسكا منهم قال ابن جرير الطبري كان بدء أمر بني العباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعلم العاس عمه أن الخلافة تؤول إلى ولده فلم يزل ولده يتوقعون ذلك وعن رشدين بن كريب أن ابا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية خرج إلى الشام فلقي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فقال يا ابن عم إن عندي علما أريد أن انبذه إليك فلا تطلعن عليه أحدا إن هذا الأمر الذي ترتجيه الناس فيكم قال قد علمته فلا يسمعنه منك أحد وروى المدائني عن جماعة أن الإمام محمد بن علي بن عبد الله بن عباس قال لنا ثلاثة أوقات موت يزيد بن معاوية ورأس المائة وفتق بإفريقية فعند ذلك تدعولنا دعاة ثم تقبل أنصارنا من المشرق حتى ترد خيولهم المغرب فلما قتل يزيد بن أبي مسلم بإفريقية ونفضت البربر بعث محمد ا��ام رجلا إلى خراسان وأمره أن يدعو إلى الرضى من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولا يسمى أحدا ثم وجه ابا مسلم الخراساني وغيره وكتب إلى النقباء فقبلوا كتبه ثم لم ينشب أن مات محمد فعهد إلى أبنه إبراهيم فبلغ خبره مروان فسجنه ثم قتله فعهد إلى أخيه عبد الله وهو السفاح فاجتمع إليه شيعتهم وبويع بالخلافة بالكوفة في ثالث ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين ومائة وصلى بالناس الجمعة وقال في الخطبة الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه فكرمه وشرفه وعظمه واختاره لنا وأيده بنا وجعلنا أهله وكهفه وحصنه والقوام به والذابين عنه ثم ذكر قرابتهم في آيات القرآن إلى أن قال فلما قبض الله نبيه قام بالأمر أصحابه إلى أن وثب بنو حرب ومروان فجاروا واستأثروا فأملى الله لهم حينا حتى آسفوه فانتقم منهم بأيدينا ورد علينا حقنا ليمن بنا على الذين استضعفوا في الأرض وختم بنا كما افتتح بنا وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا ومنزل مودتنا لم تفتروا عن ذلك ولم يثنكم عنه تحامل أهل الجور فأنتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا وقد زدت في أعطياتكم مائة مائة فاستعدوا فأنا السفاح المبيح والتأثر المبير وكان عيسى بن علي إذا ذكر خروجهم من الحميمة يريدون الكوفة يقول إن أربعة عشر رجلا خرجوا من دارهم يطلبون ما طلبنا لعظيمة همهم شديدة قلوبهم ولما بلغ مروان مبايعة السفاح خرج لقتاله فانكسر كما تقدم ثم قتل وقتل في مبايعة السفاح من بني أمية وجندهم مالا يحصى من الخلائق وتوطدت له الممالك إلى أقصى المغرب قال الذهبي بدولته تفرقت الجماعة وخرج عن الطاعة ما بين تاهرت وطبنة إلى بلاد السودان وجميع مملكة الأندلس وخرج بهذه البلاد من تغلب عليها واستمر ذلك مات السفاح بالجدري في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة وكان قد عهد إلى أخيه أبي جعفر وكان في سنة أربع وثلاثين قد انتقل إلا الأنبار وصيرها دار الخلافة ومن أخبار السفاح قال الصولي من كلامه إذا عظمت القدرة قلت الشهوة وقل تبرع إلا معه حق مضاع وقال إن من أدنياء الناس ووضعائهم من عد البخل حزما والحلم ذلا وقال إذا كان الحلم مفسدة كان العفو معجزة والصبر حسن إلا على ما أوقع الدين وأوهن السلطان والإناة محمودة إلا عند إمكان الفرصة قال الصولي وكان السفاح أسخى الناس ما وعد عدة فأخرها عن وقتها ولا قام من مجلسه حتى يقضيه وقال له عبد الله بن حسن مرة سمعت بألف ألف درهم وما رأيتها قط فأمر بها فأحضرت وأمر بحملها معه إلى منزله قال وكان نقش خاتمه الله ثقة عبد الله وبه يؤمن وقل ما يروى له من الشعر وقال سعيد بن مسلم الباهلي دخل عبد الله بن حسن على السفاح مرة والمجلس غاص ببني هاشم والشيعة ووجه الناس ومعه مصحف فقال يا أمير المؤمنين أعطنا حقنا الذي جعله الله لنا في هذا المصحف قال له إن عليا جدك كان خيرا مني وأعدل ولى هذا الأمر أفأعطى جديك الحسن والحسين وكانا خيرا منك شيئا وكان الواجب أن أعطيك مثله فإن كنت فعلت فقد أنصفتك وإن كنت زدتك فما هذا جزائي منك فانصرف ولم يحر جوابا وعجب الناس من جواب السفاح قال المؤرخون في دولة بني العباس افترقت كلمة الإسلام وسقط اسم العرب من الديوان وأدخل الأتراك في الديوان واستولت الديلم ثم الأتراك وصارت لهم دولة عظيمة وانقسمت ممالك الأرض عدة أقسام وصار بكل قطر قائم يأخذ الناس بالعسف ويملكهم بالقهر قالوا وكان السفاح سريعا إلى سفك الدماء فأتبعه في ذلك عماله بالمشرق والمغرب وكان مع ذلك جوادا بالمال مات في أيامه من الأعلام زيد بن أسلم وعبد الله بن أبي بكر بن حزم وربيعة الرأي فقيه أهل المدينة وعبد الملك بن عمير ويحيى بن أبي إسحاق الحضرمي وعبد الحميد الكاتب المشهور قتل بيوصير مع مروان ومنصور ابن المعتمر وهمام بن منبه المنصور