تاريخ اكتشاف و رصد وهج الشمس

يعد القاسم المشترك بين أغلب الكائنات الحية على سطح الأرض هو أن جميعها تحتاج الى الشمس بلا استثناء، و لا يمكنها الاستغناء عنها. لقد كانت الشمس منذ العصور القديمة ملهمة للشعوب، و محط اهتمام العلماء و العامة، كماكانت لها مكانة كبيرة في العديد من المجتمعات، وصلت إلى حد اعتبارها آلهة تعبد.

إن الشمس التي نراها نهار كل يوم تقريبا هي عبارة عن نجم، أي أنها مادة مترابطة جاذبيا، منعزلة في الفضاء، غير شفافة بالنسبة لإشعاعاتها، تحصل فيها-و على نطاق واسع- اندماجات نووية تحول الهيدروجين إلى هليوم. و هذا التعريف للنجم وصل اليه العلم في القرن العشرين فقط، بعد تطور الفيزياء الفلكية. إلا أن رصد و مراقبة و دراسة الشمس لم تنقطع منذ آلاف السنين.

يعتبر وهج الشمس (ٍsolar prominence) حاليا من أبرز النشاطات التي تأخذ مجراها على سطح الشمس، و هو عبارة عن قوس من غاز يثور من سطح الشمس و يبتعد عنها. و لرصد و اكتشاف وهج الشمس عمر يمتد إلى مئات السنين على الرغم من أنه في البداية لم يكن هناك تعريف لوجه الشمس. و قد شوهد و رصد عدة مرات، لكن ذلك كان يخلط مع هالة الشمس(Corona) التي تحيط بالشمس.

يعود أول رصد مدون للهالة الشمسية (أول وهج الشمس) إلى سنة 1307 قبل الميلاد، عندما تم رصد كسوف الشمس في الصين. بعد ذلك بأكثر من 1500 سنة، و تحديدا في السابع عشر من تموز سنة 334 ميلادية، قام الكاتب و المنجم اللاتيني يوليوس فرميكوس ماترنوس بتدوين ما يعتقد أنه كان رصدا لوهج الشمس.

لم يضف أي جديد يذكر (أو لم يدون ليصلنا) من اكتشافات تتعلق برصد وهج الشمس قبل القرن الثامن عشر. على الرغم من أن جاليليو جاليلي بدأ الرصد عبر المقراب في أوائل القرن السابع عشر (تحديدا في منتصف عام 1609).
في الثاني عشر من أيار عام 1706، قام قبطان انكليزي يدعى "ستانيان" خلال إجازة له في سويسرا بتدوين رصده لمنطقة حمراء محاذية للشمس أثناء الكسوف الكلي، أي أنه رصد إما الهالة الشمسية أو وهج الشمس. و في الخامس عشر من أيار عام 1715 قام الفلكي البريطاني ادموند هالي برصد ما عرف لاحقا بخرزات بيلي، و قد لاحظ كذلك وجود وهج أحمر مشع، و التباين في شكل الهالة الشمسية بين الغرب و الشرق، لكنه لم يكن يعلم إن كانت هذه الهالة تابعة للشمس أم القمر.

أما أول وصف علمي لوهج الشمس فقد قام به الفلكي السويدي فيرغر فاسينيوس أثناء رصده للكسوف الذي حصل في الثالث عشر من أيار عام 1733، و كان الوهج الذي رصده و دونه يرى بالعين المجردة، إلا أنه أخطأ أيضا، و ظن أنه تابع للقمر و ليس الشمس.

أول من اكتشف أن الهالة الشمسية هي جزء من الشمس هو الفلكي البريطاني فرنسيس بيلي، خلال رصده لكسوف الشمس في الثامن من تموز عام 1842 في مدينة بافيا الإيطالية. و قد أكد ذلك الفلكي البريطاني ويليام سوان و الفلكي النمساوي كارل ليترو خلال رصدهم لكسوف الثامن و العشرين من تموز عام 1851، و قد توصلوا إلى هذه النتيجة بعد ملاحظتهم أن القمر يغطي و يكشف الهالة الشمسية بالتزامن مع حركته أمام الشمس. و في نفس اليوم قام الفلكي البريطاني جورج آيري بأول وصف للغلاف اللوني (Chromosphere)، و ظن أنه رآى جبالا على الشمس، في حين أنه كان يرى وهجا شمسيا صغيرا أدى إلى تغير في مظهر الغلاف اللوني.

خلال كسوف الثامن عشر من تموز عام 1860، قام الفلكي الإيطالي أنجلو سيكي و الفلكي البريطاني وارن دي لا رو باستخدام الصور (بدأ استخدام آلات التصوير في علم الفلك عام 1839) الملتقطة للكسوف في إسبانيا، لإثبات أن وهج الشمس يتبع الشمس و ليس القمر. و بعد عدة أيام من كسوف الثامن عشر من آب عام 1868، قام الفلكيان (كل على حدة) البريطاني جوزف نورمان لوكير و الفرنسي بيير جانسن بإثبات أن وهج الشمس يأخذ مجراه على سطح الشمس بعد رصدهم له بعد عدة أيام من حدوث الكسوف، و كانا أول فلكيين يرصدان وهج الشمس خارج ظاهرة الكسوف. خلال فترة هذا الكسوف عام 1860، تم لأول مرة رصد و دراسة وهج الشمس باستخدام المطياف. أما في عام 1869 فقد عمل الفلكي البريطاني ويليام هاغينز بأول دارسة لشكل وهج الشمس.

و في عام 1893 و 1894 قام الفلكيان الامريكي جورج هال و الفرنسي هنريد-الكسندر ديسلاندر (كل على حدى) بتطوير راسم الاشارة الطيفي الشمسي (spectroheliograph ) لتصوير وهج الشمس و الغلاف اللوني و غيرهم، بدون انتظار الكسوف. كما يتم حاليا رصد و تصوير وهج الشمس بشكل يومي في عدد من المراصد و المحطات الشمسية، و باستخدام المركبات الفضائية أيضا.