لاعجاز العلمي في الشمسلشمس: وهي الجرم الأعظم الذي يظهر في السماء نهاراً. وهي الجرم الأهم للحياة على الأرض فمنها يصدر الضوء، ومنها تنبعث الحرارة اللازمة لتدفئة الأرض، وإحياء نباتها ومعيشة أهلها. والشمس كتلة غازية هائلة يتألف معظمها من الهيدروجين، وتطلق في كل ثانية من الطاقة ما يعادل كتلة قدرها 4444 ألف طن. وبرغم هذه الكمية الكبيرة من المادة التي تطلقها الشمس على شكل حرارة وإشعاعات فإنها ستعمر طويلاً جداً قبل أن تنفذ جزءاً محسوساً من كتلتها الهائلة. والشمس تدور حول نفسها في مدة محددة، وهذه المدة لا تنطبق على كامل الشمس إذ أن سطحها لا يتصرف كجسم صلب واحد، بل تتفاوت سرعة دوران أجزائه بعضها عن البعض الآخر بحسب الموقع. وأما معنى قوله تعالى: {والشمس تجري لمستقر لها} (يس: 39) فقد أشار القرآن الكريم إلى ما هو معروف في عالم الفلك من الحركة المستمرة للشمس في مجرتها في اتجاه محدد لها وهو ما يطلق عليه بالنسر الواقع (الفيجا). وهي في دورانها مع المجرة والتي هي واحدة من نجومها تجري ضمن نجوم المجرة أيضاً. وقد ذكر القرآن هذه الإشارات العلمية الفلكية بأسلوب مطابق للحقيقة العلمية تماماً، ولا يصدم الناس في ما يعتقدون، ولو كان ما يعتقدونه مخالفاً لتلك الحقيقة وهذا من الحكمة البالغة في الإعجاز العلمي والبلاغي في أسلوب القرآن الكريم حيث نبه الله سبحانه الناس إلى هذه الحقائق الكونية على قدر عقولهم بالإشارة وليس بصريح العبارة في آيات قرآنية عدة إلى حقائق علمية غير مكتشفة وقد تكون مخالفة للحقائق الآنية بحيث يفهمون النص بقدر ما يتوافر لديهم من معلومات في كل زمان، حتى إذا تقدم العلم كما هو اليوم وجدوا في معاني القرآن ما يكشف تلك الحقائق، وهذا إعجاز في الأسلوب فضلاً عن المعنى الذي لا يقدر عليه إلا صاحب الخلق سبحانه وتعالى. أما بالنسبة إلى الوقود الذي تتغذى عليه الشمس لتبقى مستمرة في إشعاع الطاقة لآلاف الملايين من السنين فلم يتوصل العقل البشري إلى تفسير صحيح لهذا اللغز الكامن في توليد الطاقة من باطن الشمس إلا بعد تقدم العلوم النووية. وكانت النظرية النسبية الخاصة لألبرت آينشتاين قد مهدت الطريق لذلك ومن خلال اكتشاف علاقة الطاقة والمادة حيث تبين أن كمية هائلة من الطاقة تحتويها نوى الذرات من خلال ترابط أجزائها بعضها بالبعض الآخر. هذه الطاقة مخزونة كطاقة ربط لأجزاء النواة، فإذا ما تم تفكيك الأجزاء فإن هذه الطاقة لا بد أن تتحرر ويختلف مقدار هذه الطاقة بحسب عدد الجسيمات النووية المؤلفة لنواة الذرة. وتحرير الطاقة النووية هذه يحصل بإحدى طريقتين: ـ الانشطار النووي: ويعني تفتيت الذرات الثقيلة كذرة اليورانيوم إلى نوى أصغر فتتحرر طاقة كبيرة هي حاصل الفرق بين طاقة المكونات الناتجة وطاقة المكونات الأصلية، وهذا ما يحصل بالقنابل النووية والانشطارية. ـ الاندماج النووي: وهو يعني اندماج نوى الذرات الخفيفة كذرة الهيدروجين أو الهيليوم لتكوين نوى ذرات أثقل منها. والطاقة المتحررة هذه المرة هي الفرق بين طاقة النواتج وطاقة المكونات الأصلية. وهذا ما يحصل في عملية الاندماج النووي والقنابل الهيدروجينية. وهكذا فإن الشمس تعتمد على التوازن بين القوى الداخلية في اللب والقشرة بالخارج. وهي عندما تضعف النوى الداخلية في اللب فإن القشرة الخارجية المنتفخة لا تستطيع أن تسند نفسها على شيء فينهار جسم الشمس على بعضه في عملية تسمى التكوير collapse وذلك بسبب جاذبية أجزائه بعضها للبعض الآخر مما يجعلها تنكمش انكماشاً مفاجئاً وسريعاً. فتنسحق المواد للشمس وتتداخل الجزيئات وتتقارب الذرات تقارباً شديداً حتى تكاد تتداخل، إلا أن قوة التنافر الكهربائي بين الأغلفة الالكترونية للذرات تقاوم تداخلها عندما تصبح المسافة بينها قليلة. وبذلك تتعادل قوة التنافر الكهربائي مع قوى الجذب التي تؤدي إلى «تكوير» الشمس. وعندما يحصل هذا التوازن تكون الشمس قد وصلت إلى مستقرها. وتدعى «قزم أبيض» إذ لا يتبقى من ضوئها إلا نور خافت ضئيل. وهنا نفهم قول الله تعالى: {إذا الشمس كوّرت} (التكوير: 1). فالشمس آيلة إلى التكوير. حتى تصير قزماً أبيض، فكلمة كورت لم ترد لإيضاح معنى ما فحسب ذلك لأننا نقرأ في معاجم اللغة أن الفعل «كوّر» هو فعل صحيح يدل على دور وتجمع وهذا ما يحصل بالضبط أثناء الانهيار الجذبي، إذ تتجمع مادة النجم على بعضها وتدور. أما القزم الأبيض فهو كتلة مساوية لكتلة الشمس فيؤول إلى حالة مستقرة تماماً بعد أن يخفت ضؤها، ويمك