قال رجل فاضل : كنت أسكن بغداد وكانت لي بها دويرة قدبمة , احتجت لبناء حائط سقط منها , فخرجت الى موقف البنائين لأنظر رجلا يعمل فيه. فوقعت عيني على شاب نحيف

ذي وجه نظيف;


, فذهبت اليه و قلت له : أتريد خدمة قال : نعم ; قلت له : تعالى اتبعني قال : لي شروط ; قلت : وماهي ;قال : الأجرة درهم و دانق قلت : نعم قال : اذا أذن المؤذن تتركني


أذهب لأصلي مع الجماعة ;قلت :نعم . فذهبت به الى المنزل فخدم خدمة لم أر مثلها , فذكرت له الغذاء فقال : لا ; فعلمت أنه صائم, فلما سمع المؤذن قال لي :الشرط قلت نعم


فتوضأ وضوءا ما رأيت أحسن منه ثم خرج للصلاة ثم عاد للخدمة حتى العصر ولما سمع الآذان ذهب للمسجد ثم عاد وأكمل عمله حتى المغرب فأعطيته درهمين فقال ما هذا


قلت لأن خدمة البناء عندنا حتى العصر. قال والله لا أزيد على ما كان بيني و بينك شيئا . فما كان من الغد أتيت الموقف فلم أجده, فسألت عنه فقيل لي أنه لا يجيئ هنا الا


من السبت الى السبت . فتعلق قلبي به و قلت في نفسي لا أعمل شيئا الى السبت . فلما كان السبت الثاني, أتيت الموقف فوجدته فقلت له بسم الله ;قال :نفس الشروط


قلت: نعم فخدم حتى المغرب بنفس الأجرة المتفق عليها , فأخدها و سار .فلما كان السبت الثالث , أتيت الموقف فلم أجده فسألت عنه فقيل لي انه في خيمة فلان يشتهر


بالصلاح فذهبت اليه و دخلت عليه, فاذا هو مضطجع على الأرض و تحت رأسه لبنة ووجهه متهللا , فسلمت عليه فرد السلام و قعدت عند رأسه أبكي غربته و صغر سنه و ما ناله


ثم قلت له أ لك حاجة؟ قال :نعم ; قلت :و ماهي قال في الغد , تعالى عند الضحى ستجدني ميتا , فغسلني و احفر قبري و لا تعلم بذلك أحدا و كفني في هذه الجبة التي علي


بعدما تشق جيبها و تخرج ما فيه و تمسكه عندك فاذا صليت علي و واريتني التراب ,اذهب الى هارون الرشيد و اعطه ما وجدته في الجيب و تقرأ عليه مني السلام .


فلما كان من الغد وصلت الخيمة عند الضحى فوجدته ميتا رحمه الله فحفرت قبره بيدي و غسلته ثم شققت الجيب فاذا ياقوتة تساوي ألفا من الدنانير فقلت في نفسي لقد


زهد هذا في الدنيا ثم دفنته . بعد ذلك توجهت الى الخليفة هارون الرشيد و جلست أتحين خروجه , فلما خرج , تعرضت له في الطريق و دفعت له الياقوتة فلما رآها , خر مغشيا


عليه فلما رأوه الجنود أمسكوا بي فلما أفاق هارون الرشيد قال لجنوده خلوا عنه و احملوه الى القصر فلما أتو بي قال لي الخليفة يا أخي ما فعل صاحب هذه الياقوتة فقلت له


انه قد مات ووصفت له حاله , فجعل الرشيد يبكي و يصيح فاز الولد وخاب الوالد. فنادى زوجته و أعطاها الياقوتة فلما رأتها صاحت صيحة أغشي عليها و لما أفاقت طلب مني الخليفة أن أصف لها قصته , فجعلت تبكي و تصيح يا شوقاه الى لقائك يا قرة عيني, ليتني أسقيك اذا لم تجد ساقيا و أؤءانسك اذا لم تجد مؤنسا.


فنظر الي الخليفة و فال لي هذا ولدي كان معي قبل ولايتي هذا الأمر , كان يزور العلماء و يزور الصلحاء, فلما وليت هذا الأمر نفر مني و باعد نفسه عني, فقلت لأمه هذا الولد


منقطع الى الله تعالى ولا بد أن تصيبه الشدائد و يكابد المحن, فادفعي اليه هذه الياقوتة ليجدها وقت الحاجة فدفعتها اليه فرفض ,لكنها عزمت عليه أن يمسكها, فغاب عنا و رمى


الينا بدنيانا و لقي الله نقيا. ثم فال لي يا أخي أرني قبره, فخرجت معه اليه فبات عنده يبكي طويلا ثم سألني الصحبة فقلت له يا أمير المؤمنين لي في ولدك عظة و عبرة .


و سرت في حال سبيلي اردد أنا الغريب فلا آوي الى أحد أنا الغريب وان أمسيت في بلدي

ضيف المساجد آويها و أعمرها فلن يفارقها قلبي ولا جسدي .


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( سبعة يظلهم ةالله في ظله يوم لا ظل الا ظله - امام عادل و شاب نشأ في عبادة الله و رجل قلبه معلق بالمساجد و رجلان تحابا في الله


اجتمعا عليه و تفرقا عليه و رجل دعته امرأة ذات منصب و جمال فقال اني أخاف الله و رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه و رجل ذكر الله خاليا

ففاضت عيناه ) متفق عليه.



وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.