أنا أفكر إذن فأنا موجود »أنا أفكر إذن فأنا موجود »
حلل وناقش
إن القولة الذي توجد بين أيدينا تندرج ضمن مجزوءة الوضع البشري، كما تساهم في بناء مفهوم الشخص أو الأنا كمفهوم فلسفي، من خلال معالجة قضية العلاقة بين الشخص من جهة، والهوية من جهة ثانية، وهي قضية معقدة، من خلال تعدد عناصرها ومستوياتها، واختلاف طبيعتها من فيلسوف لآخر، ويمكن التعبير عنها من خلال الأسئلة التالية: أين تكمن هوية الشخص؟ وهل هي هوية ثابتة أم متغيرة؟
إن هذه القولة تتضمن موقفا فلسفيا يتمثل في كون أن هوية الشخص تتمثل في التفكير باعتباره مجموع العمليات الذهنية التي تستعملها الأنا أثناء وعيها لذاتها، والتي تثبت – أثناء ممارستها – أن الأنا موجودة. وتتكون البنية المفاهيمية للقولة من ثلاث مفاهيم فلسفية وهي، مفهوم الأنا: وهو حقيقة الإنسان الثابتة والحاملة لكل الحالات النفسية والفكرية، كما يدل اللفظ على الجانب الواعي في شخصية الإنسان. ومفهوم التفكير: وهو كل العمليات العقلية التي تمارسها الذات، وتتمثل – حسب رونيه ديكارت – في: الشك، الفهم، التصور، الإثبات، النفي، الإرادة، التخيل والإحساس. وأخيرا مفهوم الوجود: وهو الكينونة ، ويطلق على الكون الذي يتشكل من العناصر المادية، والظواهر الطبيعية، ووجود الأنا، هو انبثاقها في هذا العالم. أما المكونات المنطقية للقولة فتتشكل من قضيتين وهما، القضية الأولى هي: ”أنا أفكر“، والقضية الثانية هي: ”أنا موجود“. والبنية البرهانية للقولة تنبني على أساس العلاقة استنتاجية، وهي أحد أشكال البرهنة وخاصة البرهان المباشر، وتتمثل في العلاقة الضرورية بين المقدمة والنتيجة، فالمقدمة هي: الأنا أفكر، والنتيجة هي الأنا موجود. والأداة اللغوية التي تدل على هذه العلاقة الاستنتاجية هي ”إذن“. إذا كان صاحب القولة قد حدد هوية الشخص في ملكة العقل والتفكير، فإن جون لوك قد ذهب في نفس الاتجاه، عندما اعتبر الشخص كائنا عاقلا قادرا على التفكير والتأمل، إلا أنه أضاف أن التفكير لا يمكن أن بتم إلا بواسطة الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة، حيث لا يمكن الفصل بين الشعور والفكر، لأن الكائن البشري لا يمكن أن يعرف أنه يفكر. إلا إذا شعر أنه يفكر، وهذا الشعور هو الذي يشكل، في نظر جون لوك هوية الشخص التي تجعله يشعر أنه هو هو لا يتغير، كما تجعله يشعر باختلافه عن الآخرين، وكلما امتد هذا الشعور ليصل إلى الأفعال والأفكار الماضية، اتسعت وامتدت هوية الشخص لتشمل الذاكرة، لأن الفعل الماضي صدر عن الذات التي تدركه في الحاضر. أما شوبنهاور، وإن ساير كل من ديكارت ولوك في تحديدهما لطبيعة هوية الشخص باعتبارها ذلك العنصر الثابت في ذات الإنسان، مادام أن الفرد يكبر ويشيخ لكنه يحس في أعماقه أنه لا زال هو هو كما كان في شبابه وحتى في طفولته. إلا أنه عارض ديكارت فيما ذهب إليه من ربط لهوية الشخص بملكة التفكير والعقل، لأن هذا الأخير ليس إلا وظيفة بسيطة للمخ. كما انتقد تصور لوك الذي ربطها بالشعور بالذاكرة وأفعال الماضي، لأن الكثير من الأحداث الماضية للفرد يطويها النسيان، كما أن إصابة في المخ قد تحرمه من الذاكرة بشكل كلي، ومع ذلك فهو لا يفقد هويته. وأخيرا انتقد التمثلات العامية التي تربط هوية الشخص بجسمه، لأن الجسم يتغير عبر السنين سواء على مستوى مادته وصورته، في حين أن هويته تظل ثابتة، إن هوية الشخص في تصور شوبنهاور تتمثل في الإرادة، أي في أن نريد أو لا نريد.
ما يمكن استنتاجه في آخر معالجة هذا الإشكال الفلسفي هو أن هوية الشخص ليست عنصرا بسيطا، بل هي بنية مركبة تتشكل من مجموع السمات التي تميز ذات الإنسان، والتي تتجلى في الخصائص الجوهرية والثابتة فيه كالعقل، والشعور، والإرادة