تطبيق منهجية الكتابة الإنشائية الفلسفية على نص إيمانويل كانط فيما يلي ونزولا عند رغبة بعض تلامذة السنة الثانية باكلوريا ، أقدم منهجية تحليل نص فلسفي مساعدة مني لهم ، راجيا من الله أن أكون عند حسن الظن ، وهي منهجية اعتمدت فيها على ما جاء في مقررات وتوجيهات الوزراة …واستعنت فيها بنص إيمانويل كانط حول قيمة الشخص والله الموفق للجميع . النص : إيمانويل كانط إيمانويل كانط يعتبر الإنسان داخل نظام الطبيعة (كظاهرة من ظواهر الطبيعة وكحيوان عاقل) غير ذي أهمية قصوى : إذ أنه يمتلك مع مجموع الحيوانات الأخرى – بوصفها منتوجات للارض – قيمة مبتذلة. لكن ما جعله – إضافة إلى امتلاكه ملكة الفهم – يسمو على جميع الكائنات الأخرى هو كونه قادرا على تحديد غايات لنفسه لا يكسب بذلك إلا قيمة خارجية نفعيه، هذا بالرغم من كوننا قادرين على تفضيل هذا الإنسان عن ذاك (وكأننا أمام تجارة للبشر). الأمر الذي يؤدي بنا إلى القول أن الإنسان يقوم بسعر وكأنه بضاعة داخل تجارة للبشر منظورا إليهم من زاوية الحيوان أو الأشياء، لكن سعره ذاك يظل أقل قيمة من قيمة متوسط العملة السائدة والتي تؤخذ كقيمة عليا . . لكن عندما نعتبره كشخص، أي كذات لعقل أخلاقي عملي، سنجده يتجاوز كل سعر. وبالفعل لا يمكن أن تقدره – بوصفه كذلك أي بوصفه شيئا في ذاته – فقط كوسيلة لتحقيق غايات الآخرين أووسيلة لتحقيق غاياته الخاصة بل يمكن تقديره كغاية في ذاته وهذا معنى أنه يمتلك كرامة (وهي قيمة داخلية مطلقة). وبامتلاكه لهذه القيمة يرغم كل الكائنات العاقلة الأخرى على احترام ذاته ويتمكن من مقارنة ذاته بكل مخلوقات نوعه، ويتبادل معها نفس الاحترام على أساس قاعدة المساوا ة. . وهكذا تكون الإنسانية التي تجثم في شخصه موضوع احترام يمكنه أن يلزم به كل الآخرين. ولن يستطيع أي إنسان أن يحرم نفسه منه أو أن يتخلى عنه (..) . وهذا يعني أنه لا ينبغي عليه أن يبحث عن غايته – وهذا من واجباته – بطريقة منحطة (…) ولا ينبغي عليه أن يتخلى عن كرامته، بل يجب عليه دائما أن يحافظ على الوعي بالخاصية السامية لتكوينه الأخلاقي الذي يدخل ضمن مفهوم الفضيلة، . إن هذا الاحترام للذات إذن هوواجب على كل إنسان تجاه نفسه. ……………………………………….إ يما نويل كانط، ميتافيزيقا الأخلاق – الجزء الثاني، ، ص 109-108. المقدمة : ( تحديد موضوع النص وسياقه النظري الإشكالي العام ك الربط بالمجزوءة والمفاهيم المكونة لها من النص) يعدّ النظر في الشروط المحددة للوجود الإنساني أحد أكبر الهموم والقضايا التي شغلت بال الفلاسفة وفكرهم على مر التاريخ ، ذلك أن تحديد ماهية الإنسان يستدعي قبل كل شيئ استشكال دلالات وأبعاد هذا الموجود ، ومن ثم تقديم أجوبة مقنعة . والنص الماثل بين أيدينا يدخل ضمن السياق الإشكالي العام للمجزوءة التي تتناول الوضع البشري باعتباره بنية مركبة تتميز بالتعقيد والتشابك والتداخل بين ما هو ذاتي، وما هو موضوعي، وما هو علائقي، وما هو زماني ، ويفتح ـ يعني النص ـ أفق التفكير في مفهوم الشخص ( تعريف المفهوم ) الذي يعتبر من بين المفاهيم البارزة لتلك المجزوءة ، إذ أنه يشير إلى الذات الإنسانية بما هي ذات واعية ومفكرة من جهة، وذات حرة ومسؤولة من جهة أخرى ، لها هوية خاصة وقيمة تحظى بها. وقيمة الشخص ( إبراز الإشكال المضمر في النص والمفارقات التي يتأسس عليها ) كانت محط جدل كبير بين الفلاسفة إذ اختلفوا في الإجابة عن سؤال من أين يستمد الشخص قيمته ؟ وهذا الاختلاف هو الذي دفع بصاحب النص إلى أن يدلي بدلوه في هذا النقاش الفلسفي وذلك من خلال أطروحة ( الإشارة إلى أطروحة النص ) حاول من خلالها التأكيد على أن قيمة الشخص تكمن في ذاته وتستمد من التزام الشخص بمبدأ عقلي أخلاقي عملي . ( ثم صياغة إشكال النص في أسئلة متدرجة )فما قيمة هذه الأطروحة وحدودها ؟؟؟ وهل العقل والأخلاق هما ما يمنحان للشخص قيمة أم أن هناك أبعادا أخرى تتدخل لتجعل من الشخص ذا قيمة مرتفعة عن الابتذال والانحطاط ؟؟ وبعبارة أخرى هل قيمة الشخص تتحدد انطلاقا من بعد ذاتي أم من بعد خارجي خارجي ؟؟؟ العرض مستوى التحليل (تحديد أطروحة النص وتوضيح مضمونها النظري من خلال استخرتج مفاهيمها وشرحها ) يحاول النص الإجابة عن الإشاكالات السابقة بالتأكيد على أن الشخص هو كائن واع، وهو ما جعله يكتسب قيمة مطلقة في حين لا تتمتع الموجودات غير العاقلة إلا بقيمة نسبية. كما اعتبر أن الشخص هوغاية في ذاته، لذلك لا يمكن التعامل معه كمجرد وسيلة. وهذا يعني أنه يمتلك قيمة وكرامة لا تقدر بثمن. ولكي يحافظ الشخص على احترامه كذات حرة وأخلاقية، يجب عليه ـ حسب صاحب النص ـ أن يتصرف وفقا للأمر الأخلاقي المطلق بحيث يعامل الإنسانية في سلوكه كغاية وليس كوسيلة . وللدفاع عن هذه الأطروحة وتبيان صواب المفاهيم المكونة لها ، استخدم صاحب النص مجموعة من الآليات والأساليب الحجاجية ( هنا نذكر الأساليب الحجاجية + مفاهيم النص وإن ربطناهما معا فسيكون الأمر أفضل )استهلها باستعمال ” المقارنة ” ما بين قيمة الإنسان و قيمة باقي الكائنات ، لينتقل بعدها إلى استخدام ” النفي ” غير ما مرة كقوله في معرض رفضة لتسعير الشخص : ” لا يكسب بذلك إلا قيمة خارجية نفعيه ” و قوله ” لا يمكن أن تقدره فقط كوسيلة ” ، كما استعمل أيضا أسلوب ” التوكيد ” وذلك للتأكيد على أن ما يمنح للشخص قيمة هو كونه ذات عاقلة وأخلاقية وهو ما يوضحه قوله : ” بل يجب عليه دائما أن يحافظ على الوعي بالخاصية السامية لتكوينه الأخلاقي الذي يدخل ضمن مفهوم الفضيلة ” ليختم النص بـ ” استنتاج ” تجلى في قوله :” وهكذا تكون الإنسانية التي تجثم في شخصه موضوع احترام يمكنه أن يلزم به كل الآخرين. ولن يستطيع أي إنسان أن يحرم نفسه منه أو أن يتخلى عنه ” ، وتجلى أكثر في قوله : ” إن هذا الاحترام للذات إذن هوواجب على كل إنسان تجاه نفسه ” . ( هنا ضروري من استنتاج جزئي للخروج من التحليل والدخول في المناقشة = إعادة الأطروحة بصيغة أخرى فنقول مثلا
وعليه يمكن القول مع صاحب النص أن النظر إلى الشخص كظاهرة طبيعية أو ككائن عاقل لا يمنحه إلا قيمة مبتذلة ،لكن إذا ما اعتبرناه كائنا عاقلا أخلاقيا فإننا نجده غاية في حد ذاته، حيث يشعر حينئذ بإنسانية جاثمة في داخله تمنحه كرامة تستوجب منه احترام ذاته وتستوجب من الآخرين احترام هاته الذات ، وذلك في إطار الاحترام المتبادل . مستوى المناقشة ( تبيان قيمة نص وقوة حججه أو ضعفها ومن يتفق معها ) وتبرز قيمة هذا النص في كونه يدعو إلى ضرورة التعامل مع البشر باعتبارهم ذواتا مفكرة وأخلاقية تستحق أن تعامل باحترام، وهي دعوة كانت ولا تزال محط اهتمام كبير من لدن الفلاسفة والمفكرين والحقوقيين ، إذ رأى فيها بعض الحقوقيين اللبنة الرئيسية لبناء صرح حقوق الإنسان ، ورأى فيها بعض الفلاسفة جوابا كافيا عن سؤال من أين يستمد الشخص قيمته ، وهكذا وفي نفس السياق يرى ” إيمانويل مونيي ” أن قيمة الشخص تكمن في وعيه وكرامته وحريته ، فهو ينظر إلى الإنسان من حيث هو شخص لا من حيث هو كائن ، وحسبه أن الإنسان إذا كان يشترك في الكينونة مع الأشياء والحيوانات فهو يتميز عنها بالشخصية أي بكونه شخصا ، والشخص لا يكون كذلك إلا إذا تميز بالوعي والإرادة وتجاوز مستوى الوجود المادي الحيواني ، فهو ليس وسيلة أو أداة بل هو قيمة مطلقة يتطلع إلى ذاته كقيمة من حيث هو وعي وكرامة وحرية . لكن ( هنا الانفتاح على مواقف فلسفية تحاور أطروحة النص ) لكن هل فعلا ما يمنح للشخص قيمة هو كونه ذات عاقلة وأخلاقية أم أن هناك أبعاد أخرى هي التي تجعل الشخص ذا قيمة ؟؟؟؟ إن تركيز النص فقط على الإنسان العاقل الأخلاقي وجعله يستحق الاحترام والمعاملة على أساس أنه غاية في ذاته ، جعله يسقط في نوع من التخصيص الذي دفع البعض إلى التساؤل حول قيمة كائنات بشرية لا تتوفر على شرط العقل والأخلاق كالمجنون والصبي والجنين ، هذا الأمر هو الذي جعل الفيلسوف الأمريكي طوم ريغان ( الموقف الأول مثلا ) ينتقد التأسيس الكانطي لقيمة الشخص وينتقص منه ، حيث رأى أن البويضة المخصبة حديثا و المرضى الذين دخلوا حالة الغيبوبة الدائمة يظلون بشرا، لكنهم ليسوا أشخاصا وفق التعريف الكانطي، و نفس الحكم ينسحب أيضا على الرضع والأطفال حتى سن معينة، هذا إضافة إلى كل الكائنات البشرية التي تفتقد للقدرات الفكرية التي بموجبها يعرف كانط الشخص البشري، إن كل هؤلاء يفتقدون الحق في الاحترام. هكذا فالانسان ليس كائنا عاقلا فحسب، بل كائن حاس يستشعر حياته ، وهذا الاستشعار للحياة هو القيمة الأصلية للشخص . من جانبه يرى ” هيجل ” أن الشخص يكتسب قيمته الأخلاقية من خلال انفتاحه على الآخرين وامتثاله للواجب وانخراطه في روح شعبه عبر تبني قيمه الحضارية وأخلاقياته العامة ، وحسب هيجل فإن كل شخص مطالب من مكانته داخل الجماعة بالمشاركة والمساهمة في الروح العامة للشعب والقيام بالدور الذي أنيط به ، وبفضل هذا الانخراط تذوب ذاتية الفرد ويصبح وجوده وجودا عاما . أما الفيلسوف الأمريكي ” جون راولز ” فيرى أن الشخص يستمد قيمته من اعتباره مواطنا قادرا على المشاركة والتأثير في مختلف مجالات الحياة وميادينها ، واحترام الحقوق والواجبات في ظل ديموقراطية تجعل من المواطنين أشخاصا أحرارا يتوفرون على كفاءات أخلاقية وعقلية تمنحهم عضوية كاملة داخل المجتمع، وهذه العضوية القائمة على التعاون ، تدفع الأشخاص إلى امتلاك حس للعدالة وتصور معين للخير يساعد على تحقيق العدالة والإنصاف للجميع . ( الخروج من المناقشة باستنتاج تقويمي للمواقف المعروضة يبرز تقاطعاتها واختلافاتها) إن الشخص كما حدده كانط وبالرغم من قيمته الأخلاقية يظل سجين نظرة تجريدية لا تأخذ بعين الاعتبار الشروط الواقعية التي يعيشها الشخص ، وهو أمر دفع بالعديد من الفلاسفة إلى الرد عليه وانتقاده بأطروحات مختلفة حالت دون الإجابة عن الإشكالات المطروحة أعلاه بشكل جامع وقاطع . خلاصــــــــــــة . ( إعطاء خلاصة مركزة للتحليل والمناقشة ) يتضح من خلال عمليتي التحليل والمناقشة أن محاولة الإجابة عن سؤال العلاقة بين الشخص وقيمته قد أدى إلى اختلاف وتنوع في آراء الفلاسفة فمنهم من رأى أن قيمة الشخص تكمن في ذاته وتستمد من التزام الشخص بمبدأ عقلي أخلاقي عملي ( كانط ) ، ومنهم اعتبرها تستمد وعيه وكرامته وحريته ( إيمانويل مونيي ) ، ومنهم من اعتبر أن استشعار الحياة هو القيمة الأصلية للشخص ( طوم ريغان ) ، في حين هناك من ذهب إلى القول بأن الشخص يكتسب قيمته الأخلاقية من خلال انفتاحه على الآخرين وامتثاله للواجب وانخراطه في روح شعبه كما هو الحال مع ” هيجل ” ، وهناك من رأى أن قيمة الشخص تستمد من اعتباره مواطنا قادرا على المشاركة في الحياة المجتمعية والتأثير في مختلف مجالاتها ( راوولز) . ( الرأي الشخصي ) وخلاصة القول أن التفكير الفلسفي يعلي من قيمة الشخص ويعتبر وضعه البشري غاية الغايات ، فهو قيمة في ذاته لا يجب أن يسعر أو ينظر له كوسيلة ، وهذه القيمة تزداد بالانفتاح على الغير وتضامنه معه والتزامه بالأخلاق ومشاركته في تحقيق الأهداف المشتركة حتى يحافظ على حقوقه وسماته التي تميزه عن باقي الكائنات الحية.