جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: الركن الأسلامي العام :: منتدي الحديت والقران الكريم |
السبت 16 مايو - 23:42:13 | المشاركة رقم: | |||||||
عضو نشيط
| موضوع: رسالة في إعجاز سورة الكوثرللزمخشري رسالة في إعجاز سورة الكوثرللزمخشري رسالة في إعجاز سورة الكوثرللزمخشري تحقيق حامد الخفاف تقديم بسم الله الرحمن الرحيم مما لا مجال للشك فيه أن عهد نزول القرآن في حياة العرب يمثل ذروة اهتمام المجتمع القبلي في الجزيرة العربية ببلاغة الكلمة وفصاحة المنطق ودقة الحس البياني ، أكثر من أي وقت مضى ، فليس غريبا عنا ما كانت توليه القبيلة من احترام وتقدير لاصحاب اللسان الماشق والحس المرهف ، فترى الشاعر سيف القبيلة الناطق ، الذي تجرده بوجه أعدائها ، وتقدمه درعا واقيا يرد عنها سهام الكلام ، حتى أن أبياتا من الشعر تحوي من قارص الكلم أشده يمكن أن تفعل فعلها أشد من السنان وأمضى من المهند المصقول . وذاك سوق عكاظ ، نادي الادباء العرب ـ إن صح التعبير ـ يجتمعون فيه ، لتتصارع الكلمة في حلبة البلاغة ، وليتبارز البيان بسيوف الفصاحة ، تشد إليه الرحال ، وتعقد عليه الآمال ، كل ذلك كان يعمق في الجزيرة العربية حقيقة كونها مجتمع الكلمة الذي لم يعرف اللحن له طريقا ، ولا العجمة سبيلا . وجاء القرآن ، كلام الله المجيد ، ينشر من أريجه عطر القداسة ، ويضم بين دفتيه ما يحير العقول ، ويأخذ بالالباب ، انظروا إلى عدو الله الوليد بن المغيرة ( 196 ) المخزومي ، فاغرا فاه ، يتمتم بحيرة : « والله لقد نظرت فيما قال هذا الرجل فإذا هو ليس بشعر ، وإن له لحلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمعذق ، وإنه ليعلو وما يعلى » . جاء ليتحدى كبرياء الكلمة في عقر دارها ، وشموخ البيان في عنفوانه : « قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا » ، فكانت المعجزة التي ألقت لها الفصاحة قيادها ، وكأن دولة البلاغة العظمى كانت تنتظر ملكها بلهفة وشوق ، وهكذا كان . وكتابنا الصغير هذا ، جواب من الزمخشري ـ رجل البلاغة والفصاحة ـ على عدة إشكالات ، وردت من صديق له حول إعجاز القرآن ، بصورة رسالة بعثها إليه ، سائلا إياه الاجابة ، فتصدى المؤلف للجواب عنها ، باسلوبه الشيق الرفيع ، برسالة حول إعجاز سورة الكوثر ، هي كما قال عنها : « رسالة من أبلغ الرسالات ، اورد فيها مقدمة في إعجاز القرآن الكريم ، في فضل اللسان العربي على كل لسان ، على وجه عجيب ، واسلوب على طرف الثمام قريب غريب » مضيفا بذلك للمكتبة الاسلامية جهدا رائعا يشار إليه بالبنان ، حاولنا أن نضفي عليه بتحقيقنا إياه من روعة الاخراج ما نتمكنه ، ومن متطلبات التحقيق ما يحتاجه ، وعلى الله التكلان . * * * ( 197 ) ترجمة المؤلف هو العلامة جار الله أبوالقاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الزمخشري الخوارزمي ، كبير المعتزلة ، صاحب الكشاف والمفصل (1) ، أمره في الاشتهار أوضح من الشمس وأبين من الامس . ولادته وبلده : ولد الزمخشري في يوم الاربعاء السابع والعشرين من رجب سنة سبع وستين وأربعمائة بزمخشر خوارزم ، على مانقله القفطي عن ابن اخته أبي عمر عامر بن الحسن السمساري (2) ، وقال أيضا : « ونقلت من كتاب محمد بن محمد ابن حامد قال : كان مولده ـ يعني الزمخشري ـ في سابع عشر شهر رجب سنة سبع وستين وأربعمائة » (3) . يقول الزمخشري : « وأما المولد فقرية من قرى خوارزم مجهولة ، يقال لها : ____________ (1) توجد ترجمته في : الانساب 6 : 297 ، معجم البلدان 3 : 147 ، معجم الادباء 19 : 126|41 ، الكامل في التاريخ 11 : 97 ، إنباه الرواة 3 : 265|753 ، وفيات الاعيان 5 : 168|711 ، ميزان الاعتدال 4 : 78|8367 ، العبر 2 : 455 ، سير أعلام النبلاء 20 : 151|91 ، تذكرة الحفاظ 4 : 1283 ، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد : 228|173 ، مرآة الجنان 3 : 269 ، البداية والنهاية 12 : 219 ، لسان الميزان 6 : 4 ، بغية الوعاة 2 : 279|1977 ، طبقات المفسرين 104|127 ، طبقات المفسرين للداودي 2 : 314|625 ، شذرات الذهب 4 : 121 ، روضات الجنات 8 : 118|711 ، الكنى والالقاب 2 : 297 ، هدية العارفين 2 : 402 ، وعن هامش السير : نزهة الالباء : 391 ، المختصر في أخبار البشر 3 : 16 ، إشارة التعيين : الورقة 53 و54 ، البدر السافر : ورقة 193 ، تاريخ الاسلام : وفيات 538 ، دول الاسلام 2 : 56 ، تلخيص ابن مكتوم : 243 ، الجواهر المضية 2 : 160 ، العقد الثمين 7 : 137 ، طبقات المعتزلة : 20 ، طبقات ابن قاضي شهبة 2 : 241 ، النجوم الزاهرة 5 : 274 ، تاج التراجم : 71 ، طبقات الفقهاء لطاش كبرى : 94 و95 ، مفتاح السعادة 2 : 97 ، أزهار الرياض 3 : 282 ، الفوائد البهية : 209 ، كنوز الاجداد : 291 ، تاريخ بروكلمان 5 : 215 . (2) إنباه الرواة 3 : 266 . (3) إنباه الرواة 3 : 271 . ( 198 ) زمخشر ، سمعت أبي قال : اجتاز بزمخشر أعرابي فسأل عن اسمها واسم كبيرها ، فقيل له : زمخشر والرداد ، فقال : لا خير في شر ورد ، ولم يلمم بها » (4) . وزمخشر ـ بفتح أوله وثانيه ، ثم خاء معجمة ساكنة ، وشين معجمة ، وراء مهملة ـ : قرية جامعة من نواحي خوارزم (5) ، وقال القفطي : سمعت بعض التجار يقول : إنها دخلت في جملة المدينة ، وإن العمارة لما كثرت وصلت إليها وشملتها ، فصارت من جملة محالها (6) . وقال فيها الشريف أبوالحسن علي بن عيسى بن حمزة الحسني المكي عند مدح الزمخشري : تـبـوأهـا دارا فــداء زمخشرا * جميع قرى الدنيا سوى القرية التى إذا عد في أسد الشرى زمخ الشرى (7) * وأحر بأن تزهى زمخشر بامرئ وبعد نشوئه تنقل الزمخشري في بلدته يجوب الاقطار طلبا للعلم وسعيا وراء المعرفة ، فطاف الآفاق وتنقل ما بين بغداد ونيسابور ، ثم أقام بمكة المكرمة ، ولذلك لقب نفسه جار الله لمجاورته البيت العتيق ، وكان أين ما حل وارتحل محل احترام وتقدير . مكانته العلمية : يعتبر الزمخشري شخصية بارزة في عالم الفصاحة والبلاغة والادب والنحو ، نتلمس ذلك جليا في مصنفاته وآثاره من جهة ، ومن إطراء وتبجيل كل من ترجم له من جهة اخرى . يقول القفطي : وذكره صاحب الوشاح ـ ذكره بألقاب وسجع له على عادته ـ فقال : « استاذ الدنيا ، فخر خوارزم ، جار الله العلامة أبوالقاسم محمود ____________ (4 ، 5) معجم البلدان 3 : 147 . (6) إنباه الرواة 3 : 265 . (7) إنباه الرواة 3 : 268 . ( 199 ) الزمخشري ، من أكابر الامة ، وقد ألقت العلوم إليه أطراف الازمة ، واتفقت على إطرائه الالسنة ، وتشرفت بمكانه وزمانه الامكنه والازمنة ، ولم يتمكن في دهره واحد من جلاء رذائل النظم والنثر ، وصقال صوارم الادب والشعر ، إلا بالاهتداء بنجم فضله ، والاقتداح بزند عقله ، ومن طار بقوادم الانصاف وخوافيه ، علم أن جواهر الكلام في زماننا هذا من نثار فيه ، وقد ساعده التوفيق والاقبال ، وساعفه من الزمان الماضي والحال ، حتى اختار لمقامه أشرف الاماكن ، وجمع بجوار بيت الله الحرام بين الفضائل والمحاسن ، وودع أفراس الامور الدنياوية ورواحلها ، وعاين من بحار الخيرات والبركات سواحلها ، وقد صغر في عيون أفاضل عهده ما رأوه ورووه ، وملك في قلوب البلغاء جميع ما رعوه ووعوه ، وإن كان عدد أبياته التي ذكرتها قليلا فكماله صار عليها دليلا » ( . ولما قدم الزمخشري إلى بغداد قاصدا الحج زاره الشريف أبوالسعادات هبة الله بن الشجري مهنئا له بقدومه ، فلما جلس إليه أنشده متمثلا : كانت مسألـة الركبان تخبرني * عـن أحمد بن دواد أطيب الخبر حتى التقينا فلا والله ما سمعت * أذني بأحسن مما قد رأى بصري وأنشد أيضا : فلما التقينا صغر الخَبَرَ الخُبْرُ(9) * وأستكبر الاخبار قبل لقائه وكان الزمخشري ممن يضرب به المثل في علم الادب والنحو واللغة ( 10) ، وما دخل بلدا إلا واجتمعوا عليه وتلمذوا له ، واستفادوا منه ، وكان علامة الادب ، ونسابة العرب ، تضرب إليه أكباد الابل ، وتحط بفنائه رحال الرجال ، وتحدى باسمه مطايا الآمال (11) . وقال ياقوت : كان إماما في التفسير والنحو واللغة والادب ، واسع العلم ، ____________ ( إنباه الرواة 3 : 268 . ( 9) معجم الادباء 19 : 128 . (10) الانساب 6 : 297 . (11) طبقات المفسرين للسيوطي : 105 ، إنباه الرواة 3 : 266 . ( 200 ) كبير الفضل ، متفننا في علوم شتى (12) . ولا نريد الاطالة في سرد العبارات الواردة في مدح المصنف والثناء عليه ، ففي ما ذكرناه كفاية لمن يقنع بالتلميح عن التصريح . مؤلفاته : 1 ـ الكشاف في تفسير القرآن . 2 ـ الفائق في غريب الحديث . 3 ـ نكت الاعراب في غريب الاعراب ، في غريب إعراب القرآن . 4 ـ كتاب متشابه أسماء الرواة . 5 ـ مختصر الموافقة بين أهل البيت والصحابة . 6 ـ الاصل ، لابي سعيد الرازي إسماعيل . 7 ـ الكلم النوابغ ، في المواعظ . 8 ـ أطواق الذهب ، في المواعظ . 9 ـ نصائح الكبار . 10 ـ نصائح الصغار . 11 ـ مقامات في المواعظ . 12 ـ نزهة المستأنس . 13 ـ الرسالة الناصحة . 14 ـ رسالة المسامة . 15 ـ الرائض في الفرائض . 16 ـ معجم الحدود . 17 ـ المنهاج في الاصول . 18 ـ ضالة الناشد . ____________ (12) معجم الادباء 19 : 126 . ( 201 ) 19 ـ كتاب عقل الكل . 20 ـ النموذج ، في النحو . 21 ـ المفصل ، في النحو . 22 ـ المفرد والمؤلف ، في النحو . 23 ـ صميم العربية . 24 ـ الامالي في النحو . 25 ـ أساس البلاغة ، في اللغة . 26 ـ جواهر اللغة . 27 ـ كتاب الاجناس . 28 ـ مقدمة الادب ، في اللغة . 29 ـ كتاب الاسماء ، في اللغة . 30 ـ القسطاس ، في العروض . 31 ـ حاشية على المفصل . 32 ـ شرح مقاماته . 33 ـ روح المسائل . 34 ـ سوائر الامثال . 35 ـ المستقصى ، في الامثال . 36 ـ ربيع الابرار ، في الادب والمحاضرات . 37 ـ تسلية الضرير . 38 ـ رسالة الاسرار . 39 ـ أعجب العجب في شرح لامية العرب . 40 ـ شرح المفصل . 41 ـ ديوان التمثيل . 42 ـ ديوان خطب . ( 202 ) 43 ـ ديوان رسائل . 44 ـ ديوان شعر . 45 ـ شرح كتاب سيبويه . 46 ـ كتاب الجبال والامكنة . 47 ـ شافي العي من كلام الشافعي . 48 ـ شقائق النعمان في حقائق النعمان ، في مناقب الامام أبي حنيفة . 49 ـ المحاجاة ومتمم مهام أرباب الحاجات ، في الاحاجي والالغاز . 50 ـ المفرد والمركب ، في العربية (13) . 51 ـ رسالة في إعجاز سورة الكوثر ، وهي الرسالة التي بين يديك . تلامذته والرواة عنه : يظهر مما ذكره القفطي في إنباه الرواة : « وما دخل بلدا إلا واجتمعوا عليه وتلمذوا له » (14) كثرة تلاميذه وانتشارهم باعتبار كثرة سفره وتجواله في الاقطار ، نذكر منهم ما استطعنا العثور عليه خلال استقراء عاجل لمظان ترجمته : 1 ـ أبوالمحاسن إسماعيل بن عبد الله الطويلي . 2 ـ أبوالمحاسن عبد الرحيم بن عبد الله البزاز . 3 ـ أبوعمر عامر بن الحسن السمسار . 4 ـ أبوسعد أحمد بن محمود الشاشي . 5 ـ أبوطاهر سامان بن عبد الملك (15) . 6 ـ الشيخ علي بن محمد الخوارزمي . 7 ـ الشيخ محمد بن أبي القاسم بن ياجوك البقالي الخوارزمي اللغوي . ____________ (13) انظر معجم الادباء 19 : 134 ، وفيات الاعيان 5 : 168 . (14) إنباه الرواة 3 : 266 . (15) الانساب 6 : 298 . ( 203 ) 8 ـ الشيخ أبوالفتح ناصر بن عبدالسيد بن المطرز (16) . شيوخه وأساتذته ومن سمع منهم : 1 ـ أبومضر محمود بن جرير الضبي الاصبهاني . 2 ـ أبوالحسن علي بن المظفر النيسابوري . 3 ـ شيخ الاسلام أبومنصور نصر الحارثي . 4 ـ أبوسعد الشقاني (17) . 5 ـ أبوالخطاب بن البطر (18) . شعره : ورد شعر الزمخشري متفرقا في المصادر التي تعرضت لترجمته ، فحاولنا جهد الامكان أن نجمع شتات ما استطعنا العثور عليه فيها من الابيات الشعريه سواء كان قطعي الصدور عنه أو كان منسوبا إليه ، ونذكر مع كل قطعة شعرية مصدر النقل : قال الزمخشري : وسواه في جهلاته يتغمغم * العلم للرحمن جل جلاله يسـعى ليعلم أنه لا يعلم * مـا للتراب وللعلوم وإنما وقال أيضا : يدعي الفوز بالصراط السوي * كـثـر الشك والخلاف وكل ثـم حـبـي لاحمد وعـلي * فاعتصامي بـلا إلـه سـواه كيف أشقى بحب آل نبي ؟! * فاز كلب بحب أصحاب كهف ____________ (16) روضات الجنات 8 : 123 . (17) معجم الادباء 19 : 127 . (18) العبر 2 : 455 ، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد : 228 . ( 204 ) وقال في مدح تفسير الكشاف : وليس فيها لعمري مـثل كشافي * إن التفاسير في الـدنـيا بلا عدد فالجهل كالداء والكشاف كالشافي (19) * إن كنت تبغي الهدى فالزم قراءته وقال يرثي استاذه أبا مضر النحوي : تساقطها عيناك سمطين سمطين * وقـائـلـة ما هذه الدرر التي أبومضر اذني تساقط من عيني (20) * فقلت هو الدر الذي قد حشابه وقال أيضا يرثيه : سـتـعـلم بعد الموت أيهما أحـرى * أيا طـالـب الـدنيا وتارك الاخرى وذكـرت بالآيات لو تـنـفع الذكرى * ألم يقرعوا بالحق سمعك ؟! قل : بلى كأنك في اذنـيـك وقـر ولا وقـرا * أما وقر الطيش الذي فـيـك واعظ أم الله لـم يـودعـك لـبا ولا حجرا * أمن حـجـر صـلـد فؤادك قسوة وموت فريد العصر قد خرب العصرا * وما زال موت المرء يـخـرب داره فشبهت بالخنساء إذ فـقـدت صخرا (21) * وصك بـمـثل الصخر سمعي نعيه وقال أيضا : وأكـتـمـه ؛ كتمانه لي أسلم * إذا سألوا عن مـذهبي لم أبح به ابيح الطلا وهو الشراب المحرم * فإن حـنـفيا قلت ، قالوا بأنني ابيح لـهم أكل الكلاب وهم هم * وإن مالكيا قـلـت ، قالوا بأنني ابيح نـكاح البنت والبنت تحرم * وإن شـافعيا قلت ، قالوا بأنني ثقيل حـلـولـي بغيض مجسم * وإن حنبليا قـلـت ، قالوا بأنني يقولون تيس لـيس يدري ويفهم * وإن قلت من أهل الحديث وحزبه فما أحد من ألسن الناس يـسـلم * تعجبت مـن هـذا الزمان وأهله ____________ (19) معجم الادباء 19 : 129 . (20) معجم الادباء 19 : 124 ، إنباه الرواة 3 : 267 . (21) إنباه الرواة 3 : 267 . ( 205 ) على أنهم لا يعلمون وأعلم (22) * وأخـرنـي دهري وقدم معشرا وله أيضا : من وصل غانية وطيب عناق * سـهـري لتنقيح العلوم ألذ لي أشهى وأحلى من مدامة سـاق * وتمايلي طربا لحل عويصـة أحلى من الدوكاء والعـشـاق * وصرير أقلامي على أوراقها نقري لالقي الرمل عن أوراقي * وألـذ من نـقـر الفتاة لدفها نوما وتبغي بـعـد ذاك لحاقي (23) * أأبيت سهـران الدجى وتبيته وقال أيضا : وما تطيبنا النجل من أعين البقر * ألا قل لـسـعدى ما لنا فيك من وطر عيونهم والله يـجزي من اقتصر * فـإنـا اقتصرنا بـالـذين تضايقت ولم أر في الدنيا صـفاء بلا كدر * مليح ولـكـن عـنـده كـل جفوة إلى جنب حوض فيه للماء منحدر * ولم أنس إذ غـازلـته قرب روضة أردت به ورد الـخدود وما شعر * فـقـلـت لـه : جئني بورد وإنما فقلت له : هـيهات ما في منتظر * فقال : انتظرني رجع طرف أجئ به فقلت له : إنـي قنعت بما حضر (24) * فقال : ولا ورد سـوى الخد حاضر وله أيضا فـالاواقي لـماء وجهي أواقي (25) * لاتـلـمـنـي إذا وقـيـت الاواقـي وقال أيضا في ذم متابعة النساء : ولن يسـود فتى أعطى النسا رسنه * اعـص النساء فتلك الطاعة الحسنه ____________ (22) مقدمة الفائق 1 : 9 . (23) مقدمة الفائق 1 : 8 . (24) وفيات الاعيان 5 : 172 ، سير أعلام النبلاء 20 : 155 ، وقال الذهبي معلقا : هذا شعر ركيك لارقيق . (25) روضات الجنات 8 : 126 . ( 206 ) ولو سعى طالبا للعلم ألف سنه (26) * تـعـوقـه عن كمال في فضائله ومما ينسب إليه قوله : فـيـا ليتني قد مت قبل التزوج * تزوجت لم أعلم وأخطأت لم أصب ولـكـنني أبكي على المتزوج (27) * فوالله مـا أبكي على ساكني الثرى وينسب له في مدح الخمول : غـيـرك يطلب أساميا وكنى * اطـلـب أبا القاسم الخمول ودع تبرزه إن كـنـت عاقلا فطنا * شـبـه ببعض الاموات نفسك لا واجعل له من خـمـوله كفنا * ادفـنـه فـي البيت قـبل ميتته إذ أنت في الجهل تخلع الرسنا (28) * علك تـطـفـي مـا أنت موقده ومن شعره : أأنت أخـو ليلى ؟ فقال : يقال * أقول لظبي مـر بـي وهو راتع : يقال : أخو ليلى ؟ فقال : يقال * فقلت : وفي حكم الصبابة والهوى يقال : ويستسقى ؟ فقال : يقال (29) * فقلت : وفـي ظل الاراكة والحمى وقال أيضا : مرء وإلا فعـيـشـه كدر * لا بد في غفلة يعيش بها الـ ما لا يبالي بـمـثله الحذر * أمـا رأيـت الصحيح يؤلمه وله أيضا من لـيـس يبلغه لنا تسليم * أشمال ويحك بلغي تسليمي ليكون فيك من الحبيب نسيم * مـري بـه وتعلقي بردائه ____________ (26 ) روضات الجنات 8 : 127 . (27) روضات الجنات 8 : 127 . (28) الكنى والالقاب 2 : 268 . (29) شذرات الذهب 4 : 121 . الموضوعالأصلي : رسالة في إعجاز سورة الكوثرللزمخشري // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: souad1968
| |||||||
السبت 16 مايو - 23:43:06 | المشاركة رقم: | |||||||
عضو نشيط
| موضوع: رد: رسالة في إعجاز سورة الكوثرللزمخشري رسالة في إعجاز سورة الكوثرللزمخشري 207 ) ولقد عهدتك بي وأنت رحيم * قولي له : ما بال قلبك قاسيا والله يعـلم أنـنـي مظلوم (30) * إني أجـلك أن أقول ظلمتني وأجاب الزمخشري الامير شبل الدولة أبوالهيجاء مقبل بن عطية البكري الذي مدحه بعدة أبيات فقال : فاعتلى منه نبات الجسد * شـعره أمطر شعبي شرفا بـات مسقيا بنوء الاسد * كيف لا يستاسد النبت إذا وقال أيضا في قصيدة طويلة يمدح بها الوزير مجير الدولة الاردستاني : ويـا حـبـذا أين استقل خيامها * أيا حـبـذا سـعـدى وحب مقامها وعزي وذلي وصلها وانصرامها * حياتي ومـوتي قرب سعدى وبعدها وإن كان لايقرا علي سـلامـها * سلام عـلـيها أين أمست وأصبحت وروض أرضـا سام فيه سوامها * رعى الله سرحا قد رعى فيه سرحها فقد أرغم المـسك الذكي رغامها * إذا سـحـبت سعدى بأرض ذيولها تنكس واسـتـعلى عليها قوامها (31) * وإن ما يـسـت قضبان بان رأيتها قال القفطي : وأنشدني أفضل الدين أميرك الزبياني له من قصيدة فيها : إذا التحبت فـيـها ذلاذل ريح * يفوح كفوح المسك فـاغم نشرها مقيما على تلك الصبابة فوحي * يقول لها الطش السماوي والصبا مناجم قيصوم منـابـت شيح * مضاجع سـعـدان مغارس حنوة يـجـاوبـه قمريها بـمـليح * اذا مـلـح المكاء رجع صغيره عـلـى وتر للموصلي فصيح (32) * كأن بـديـحا والغريض تطارحا ____________ (30) إنباه الرواة 3 : 270 . (31 ) إنباه الرواة 3 : 267 . (32) إنباه الرواة 3 : 269 . عقيدته : أطبقت المصادر التي تعرضت لترجمة المصنف أنه كان حنفي المذهب معتزلي العقيدة ، ويقال انه لما صنف كتابه الكشاف استفتح الخطبة بالحمد لله الذي خلق القرآن . فقيل له : متى تركته على هذه الهيئة هجره الناس فغيره بالذي أنزل القرآن ، وقيل : هذا اصطلاح الناس لا اصطلاح المصنف (33) . يقول فيه الذهبي : « صالح ، لكنه داعية إلى الاعتزال ، أجارنا الله ، فكن حذرا من كشافه » (34) . وقال ابن كثير « وكان يظهر مذهب الاعتزال ، ويصرح بذلك في تفسيره ويناظر عليه » (35) . ويظهر أن الزمخشري كان يعتد بما يذهب إليه كثيرا ، فقد ذكر ابن العماد الحنبلي ما لفظه : « وكان الزمخشري معتزلي الاعتقاد متظاهرا به حتى نقل عنه أنه كان إذا قصد صاحبا له واستأذن عليه في الدخول ، يقول لمن يأخذ له الاذن ، قل له : أبوالقاسم المعتزلي بالباب » (36) . إلا أن الامير محمد حسين الحسني الحسيني الاصفهاني ذهب ـ على ما نقله عنه صاحب الروضات ـ إلى أن الرجل تشيع في أواخر حياته ، بدليل ما ورد في « ربيع الابرار » من نصوص تشعر بهذا المعنى ، فقال : « فإنه لا ريب في كونه على مذهب أهل السنة والجماعة في مبادئ أمره ، كما يفصح عنه تصفح الكشاف ، فإنه سلك فيه مسلك الاعتساف في مسألة الامامة وما يتعلق بها ، ولذلك أجمعت الامامية على كونه من العامة ولم يجوز أحد من العلماء استبصاره ورجوعه ، ولكنه ____________ (33) انظر مرآة الجنان لليافعي 3 : 270 . (34) ميزان الاعتدال 4 : 78 . (35) البداية والنهاية 12 : 219 . (36) شذرات الذهب 4 : 121 . ( 209 ) لما اتفق لي مطالعة كتابه المسمى بـ « ربيع الابرار » وعثرت على كلام له صريح في التشيع لا يقبل التأويل ثم تصفحت وتفحصت فيه عما يؤكد ذلك فظفرت على غيره من الشواهد مما لا يجتمع مع قواعد العامة وتأويلاتهم من نحو ذكره لفضائل السيد الحميري وأشعاره الرائقة في فضائل أهل البيت عليهم السلام » (37 ) ثم ذكر عدة موارد من الكتاب تأكيدا لما يذهب إليه . وعلق السيد الخوانساري على الابيات التي قالها في مدح آل النبي صلى الله عليه وآله قائلا : « وفيه أيضا من الدلالة على تشيع الرجل ـ ولو في آخر عمره ـ ما لا يخفى » (38) . ولا نريد في هذه العجالة الخوض في لجج هذه المسألة ، بقدر ما قصدنا الاشارة إليها . وفاته : توفي الزمخشري بعد رجوعه من مكة المكرمة ليلة عرفة من سنة 538 هـ في جرجانية خوارزم ، وهي بضم الجيم الاولى وفتح الثانية وسكون الراء بينهما وبعد الالف نون مكسورة وبعدها ياء مثناة من تحتها مفتوحة مشددة ثم هاء ساكنة ، قال ياقوت : يقال لها بلغتهم كركانج ، وقد عربت فقيل لها الجرجانية وهي على شاطئ جيجون . وأوصى أن تكتب على لوح قبره هذه الابيات : فـي ظلمة الليل البهيم الاليل * يا من يرى مد البعوض جناحها والمخ فـي تلك العظام النحل * ويرى عروق نياطها في نحرها ما كان منه في الزمان الاول * اغـفـر لعبد تاب من فرطاته ____________ (37) روضات الجنات 8 : 120 . (38) روضات الجنات 8 : 127 . ( 210 ) نحن والرسالة : من الطريف أن كل من ترجم للزمخشري وذكر مصنفاته ، لم يذكر رسالتنا هذه ولم يتعرض لها ، مما يضفي على هذه الرسالة أهمية خاصة لا تخفى على ذوى الالباب ، إلا أن هذه الحقيقة تفتح الابواب مشرعة أمام من يتسأل عن صحة نسبة الرسالة للزمخشري ، وجوابنا هو ما يلي : 1 ـ إن اسلوب كتابة الرسالة من المتانة اللغوية والبلاغية بمكان ، يكاد يقطع كل من يطالعها إلى أنها ترتقي بمستواها إلى اسلوب الزمخشري الرفيع . 2 ـ توجد هناك مجموعة من التعابير المجازية المستخدمة في الرسالة وجدتها بألفاظها ومعانيها في كتاب « أساس البلاغه » للزمخشري ، وفي هذا من الدلالة ما لا يستهان به . 3 ـ قول السائل في مقدمة الرسالة التي بعثها للمؤلف : « ساعات سيدنا الامام الزاهد الحبر العلامة جار الله شيخ العرب والعجم » وقوله أيضا : (بعد أن جشم خاطره في « الكشاف عن حقائق التأويل ») يدل دلالة واضحة على أن مؤلف الرسالة هو الزمخشري صاحب الكشاف ، ويدل أيضا على أن تأليفها كان بعد تأليف كتاب الكشاف ، ولعل هذا يفسر عدم ذكر المصنف لهذه الرسالة في تفسير سورة الكوثر في كتابه الكشاف . منهج التحقيق : اعتمدت في تحقيق الرسالة على نسخة واحدة قام باستنساخها سماحة العلامة السيد عبد العزيز الطباطبائي عن النسخة المحفوظة في المكتبة الظاهرية بدمشق في تاريخ 17 ربيع الاول سنة 1383 هـ ، حيث تفضل علي بها مشكورا ، والنسخة المذكورة كان قد نقلها محمد سعيد بن عمر كرامة عن نسخة موجودة في المكتبة العارفية في المدينة المنورة ، صدرها بقوله : « رسالة في إعجاز سورة الكوثر التي هي ( 211 ) أقصر السور للعلامة الطائر الصيت جار الله الزمخشري « وتوجد في النسخة حواشي كتبها الناسخ ، نقلت منها في ثلاثة موارد فقط رامزا لها بـ « هـ م » أي هامش المخطوط ، حفظا للامانة العلمية . وحاولت جهد الامكان أن أقدم نصا مضبوطا للقارئ ، أقرب ما يكون لما تركه المؤلف على أنه لم تقع في يدي أكثر من نسخة واحدة ، وفي ذلك من المصاعب ما لا يخفى على أصحاب الخبرة في هذه الميدان ، فسعيت لتحقيق هذا الغرض بتخريج أغلب الالفاظ الصعبة من المعاجم اللغوية ، ولا يفوتني أن أشكر أخي الاستاذ أسد مولوي الذي استفدت من ملاحظاته في هذا المضمار ، وترجمت لاغلب الاعلام الواردين في الرسالة ، وشرحت الامثال التي أقحمها المؤلف في سياق كلامه مع ذكرها مصادرها ، وتعرضت لشرح المصطلحات البلاغية والكلامية كـ « الالتفات » و« الصرفة » متوخيا بذلك تبسيط النص ، وخرجت النصوص الواردة من آيات وأحاديث وآثار ، ذيلت كل ذلك في هامش الكتاب الذي يعتبر ساحة عمل المحقق . آملا بعملي هذا أن يكون قد قدمت جهدا متواضعا يصب في خدمة المكتبة الاسلامية ، ورافدا لمسيرتها المباركة ، بما هو نافع من تراثنا المعطاء ، والحمد لله رب العالمين . حامد الخفاف21 رجب 1408 هـ ( 212 ) هذه الرسالة المعروضة إلى العلامة الزمخشري من بعض معاصريه التي كانت رسالته الآتية جوابا عنها بيانا لما في ضمنها . الموضوعالأصلي : رسالة في إعجاز سورة الكوثرللزمخشري // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: souad1968
| |||||||
السبت 16 مايو - 23:44:04 | المشاركة رقم: | |||||||
عضو نشيط
| موضوع: رد: رسالة في إعجاز سورة الكوثرللزمخشري رسالة في إعجاز سورة الكوثرللزمخشري سم الله الرحمن الرحيم ساعات سيدنا الامام الزاهد الحبر العلامة جار الله شيخ العرب والعجم ، أدام الله إمتاع المسلمين ببقائه ، وإن كانت مقصورة على الاستعداد للمعاد ، مستغرقة في اتعاب خاطره الوقاد في فنون الاجتهاد ، لا يفتر طرفة عين عن تصنيف ينفث فيه سحره ، ويلفظ للغواصين فيه دره ، بعد أن جشم خاطره في « الكشاف عن حقائق التأويل » وأجال رويته في البحث عن وجوه التأويل ، مدئبا في الفكر مطاياه ، متغلغلا في علم البيان إلى زواياه وخباياه ، حتى ارتفع كتابا ساطعا بيانه ، جليا برهانه ، مشحونا بفوائد لا يدركها الاحصاء ، ومحاسن لا يقصرها الاستقصاء ، لكنه مع هذا يتوقع من دينه المتين وفضله المبين أن يتصدق على معشر الداعين لايامه ، الشاكرين لانعامه ، بالجواب عن اعتراضات تنزاح بسببه شبه المرتابين ، ليتوصلوا بنتائج خاطره ، وبركات أنفاسه ، إلى ثلج الصدور وبرد اليقين ، والله تعالى ولي توفيقه في مايكسبه جزيل المثوبة في العقبى ، وحسن الاحدوثة في الدنيا إن شاء الله . فمنها : سأل سائل فقال : ذكرتم أن لغة العرب لها من الفضيلة ما ليس لسائر اللغات ، فقلتم قولا غفلا ساذجا من غير أن تشيروا إلى بيان وجه التفضيل ، وتبينوا الخواص التي لاجلها أحدث وصف الفضيلة والشرف ، وتعدوها فصلا فصلا ، وتشيروا إليها شيئا فشيئا ، وما أنكرتم على من قال لكم : إن لغة العرب وغيرها من اللغات المختلفة كالسريانية والعبرانية والهندية والفارسية كلها على ( 213 ) السواء ، لا فضيلة لبعضها على البعض ، وإنما هي مواضعات ورسوم واصطلاحات وضعت لاجيال الناس للافهام والاعلام ، لتكون دلالات على المقاصد والاغراض . وذكرتم أن في لغة العرب دقائق وأسرارا لا تنال إلا بجهد التأمل وفرط التيقظ ، فلا يخفى أن هذه الاسرار والدقائق لا يمكن دعواها في الاسماء المفردة والافعال المفردة والحروف المفردة ، وإنما يمكن دعوى هذه الاسرار على تقدير ارتباط الكلم ، وجعل بعضها يتصل بسبب بعض وينتظم ، ومثل هذا موجود في كل لسان إذا ربطت بعض الكلم ببعض ، وراعيت في ربطها الاليق فالاليق ، حصل لك المقرر والمقصود ، وقارن في هذه القضية لغة العرب وغيرها من اللغات على السواء . ومنها : أنه لا يخفى أن القرآن سيد معجزات رسولنا عليه الصلاة والسلام ، والعلم بكونه معجزا علم ضروري ، ولكن الشأن في بيان إعجازه ، فمن قائل يقول وهو النظام (1) ومن تبعه : إن الآية والاعجزية في القرآن اختصاصه بالاخبار عن الغيوب بما كان ويكون ، وبمنع الله العرب أن يأتوا بمثله . قال : وأما التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد ، لو لا أن الله تعالى منعهم وأعجزهم بمنع وعجز أحدثهما فيهم . ومن قائل يقول : وجه الاعجاز في القرآن أنه اسلوب من أساليب الكلام ، وطريقة ما عهدها العرب ولا عرفوها ، ولم تكن مقدورة لهم . ومن قائل يقوله : وجه الاعجاز فيه علمنا بعجز العرب العاربة عن أن ____________ (1) هو إبراهيم بن سيار بن هانئ البصري ، أبوإسحاق النظام ، من أئمة المعتزلة ، تبحر في علوم الفلسفة ، واطلع على أكثر ما كتبه رجالها من طبيعيين وإلهيين ، وانفرد بآراء خاصة ذكرها الشهرستاني في الملل والنحل ، تابعته فيها فرقة من المعتزلة ، سميت « النظامية » نسبة إليه ، أما شهرته بالنظام فبعض يقول : إنها من إجادته نظم الكلام ، وبعض يقول : إنه كان ينظم الخرز في سوق البصرة ، توفي سنة 231 هـ . انظر « أمالي المرتضى 1 : 132 ، تأريخ بغداد 6 : 97 ، الملل والنحل 1 : 56 ، سفينة البحار 2 : 597 ، الاعلام 1 : 43 » . ( 214 ) يأتوا بمثله ، وتركهم المعارضة مع تكرار التحدي عليهم وطول التقريع لهم ، فإذا عجز العرب عن ذلك فنحن أولى بالعجز . ومن قائل يقول : وجه الاعجاز فيه هو ما اختص به من الفصاحة والبلاغة التي بهرم عند سماعها ، وطأطأوا رؤوسهم عند طروقها ، وعليه الاكثرون . فإن عسى اعترض المعترض وقال : ماذا أعجزهم ؟ وما ذا أبهرهم ؟ ألفاظ القرآن أم معانيه ؟! إن قال : أردت الالفاظ مع شيء منهما لا يجب فضل البته على تقدير الانفراد ، لان الالفاظ [ لا ] تراد لنفسها ، وإنما تراد لتجعل دلالات على المعاني ، ولان الالفاظ التي نطق بها القرآن ليست إلا أسماء وأفعالا وحروفا مرتبطا بعضها ببعض ، ويستعملونها في مخاطباتهم ، وكذلك الجمل المنظومة . وإن قال : أعجزهم المعاني . يقال له : أليس انهم كانوا أرباب العقول وأهل الحجى ، يدركون غوامض المعاني بأفهامهم ، ولهم المعاني العجيبة ، والتمثيلات البديعة ، والتشبيهات النادرة . وإن قال : بهرم النظم العجيب . يقال له : أليس . معنى النظم هو تعليق الكلم بعضها ببعض ، وهي الاسماء والافعال والحروف ، ومعرفة طرق تعلقها ، كتعلق الاسم بالاسم ، بأن يكون خبرا عنه أوصفة له أو عطف بيان منه ، أو عطفا بحرف عليه ، إلى ماشاكله من سعة وجوهه ، وكتعلق الاسم بالفعل ، بأن يكون فاعلا له ، أو مفعولا ، إلى سائر فروعه واتباعه ، وكتعلق الحرف بهما كما هو مذكور في كتب النحو ، وهم كانوا يعرفون جميع ذلك ، وكانوا يستعملونه في أشعارهم وخطبهم ومقاماتهم ، ولو لم يعرفوا وجوه التعلق في الكلم ، ووجوه التمثيلات والتشبيهات ، لما تأتي لهم الشعر الذي هو نفث السحر . فحين تأتي لهم ذلك ، ومع هذا عجزوا عن المعارضة ، دل على أن الله تعالى أحدث فيهم عجزا ومنعا . ( 215 ) قال : ولان الاعجاز في القرآن لو كان لمكان اختصاصه بالفصاحة والبلاغة لنزل القرآن من أوله إلى آخره في أعلى مراتب الفصاحة ، ولكان كله على نسق قوله تعالى : « وقيل يا ارض ابلعي مائك ويا سماء اقلعي وغيض الماء . . . » (2) . وليس كله نزل على هذا النسق ، بل فيه ما هو في أعلى مراتب الفصاحة كما ذكرنا ، وما هو دونه كقوله تعالى : « تبت يدا أبي لهب وتب » و« اذَا جَاءَ نَصْرُ الله وَالْفَتْحُ » و« قُلْ يَا اَيُّهَا الْكَافِرُونَ » . ولان الحال لا تخلو إما أن يقال لارتبة في الفصاحة أعلى من رتبة القرآن ، كما ذهب إليه بعض أهل العدل ، فقالوا : لو كان في المقدور رتبة أعلى منها لانزل الله سبحانه وتعالى عليها القرآن ، إذ لا يحسن أن يقتصر المكلف على أدنى البيانين مع قدرته على أعلاهما ، ولان في أعلى البيانين وجه الدلالة على صدق الرسول أقوى . واما أن يقال : بأن القرآن وإن كان فصيحا بليغا ففي مقدور الله تعالى ما هو أعلى منه مرتبة في الفصاحة . فيقول المعترض فهلا أنزله من أوله إلى آخره على أعلى مراتب الفصاحة التي ليس وراءها منتهى . قال : فهذا دليل على أن العمدة في الاعجاز ليس اختصاصه بالفصاحة والبلاغة لكن عجز ومنع أحدثهما الله تعالى فلم يشتغلوا بالمعارضة . ومنها : ان الله تعالى أنزل القرآن وأودع فيه من العلوم ما علم أن حاجة الخلق تمس إليه إلى قيام الساعة ، لاجرم بذل العلماء في كل نوع منه مجهودهم ، واستفرغوا فيه جهدهم ووسعهم ، فأهل الكلام ـ خصوصا أهل العدل والتوحيد ـ استظهروا في ما ذهبوا إليه من العدل والتوحيد بالآيات الواردة فيه على صحة ما اعتقدوه ، وعلى [ إبطال ] ما ذهب إليه أهل الاهواء والبدع وفساد ما انتحلوا . وأهل الفقه غاصوا في بحور النصوص فاستنبطوا منها المعاني وفرعوا الاحكام عليها . ____________ (2) سورة هود 11 : 44 . ( 216 ) وأهل التأويل خاضوا في محكمها ومتشابهها ، ومجملها ومفصلها ، وناسخها ومنسوخها . وأهل النحو بسطوا الكلام في تصانيفهم بسطا فكل أنفق على قدر ما رزق ، ثم لم يبلغنا عن واحد منهم أنه شمر ذيله وادرع ليله (3 ) في بيان وجه الاعجاز على التفصيل سورة فسورة وآية فآية ، فابتدأ مثلا بفاتحة الكتاب فكشف عن وجه الاعجاز في ثلاث آيات منها ، ثم ترقى إلى ثلاث آيات اخر فكشف عنها أيضا وجه الاعجاز إلى أن ينتهي إلى آخرها ، مع شدة الحاجة إلى ذلك في كل زمان ، إذ حجة الله تعالى قائمة ، ومعجزته على وجه الدهر باقية . وكذلك لم ينقل أنهم صنفوا في هذا الباب على هذا الوجه تصنيفا مع تهالكم وولوعهم ، والعجب أنهم صنفوا في حلي الصحابة والتابعين وهيئاتهم ، فذكروا الطوال منهم والقصار ، ومن ابتلي منهم بالعمى والعور والعرج والعجمة والزمانة والشلل ، مع أن بالخلق مندوحة وغنية عن ذلك . وهذا أبوعثمان عمرو بن بحر الجاحظ (4) صنف كتبا في الجد والهزل تكاد لا تعد ولا تحصى ، فصنف كتابا سماه « القعرة والشفرة » (5) وآخر سماه « مفاخرة الشتاء والصيف » إلى أشباه هذا كثيرة ، صعد فيها وصوب ، وشرق وغرب ، ____________ (3) يقال : « شمر ذيلا وادرع ليلا » أي استعمل الحزم واتخذ الليل جملا . « الصحاح ـ درع ـ 3 : 1207 » . (4) عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء ، الليثي ، أبوعثمان ، الشهير بالجاحظ : كبير أئمة الادب ، ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة ، ولد سنة 163 هـ ، وكان مشوه الخلقة ، وفلج في آخر عمره ، له تصانيف كثيرة ذكرت في مظان ترجمته ، قتلته مجلدات من الكتب وقعت عليه ، مات في البصرة سنة 255 هـ . انظر « تأريخ بغداد 12 : 212 ، وفيات الاعيان 3 : 470|506 ، لسان الميزان 4 : 355|1042 ، ميزان الاعتدال 3 : 347|6333 ، شذرات الذهب 2 : 121 ، الاعلام 5 : 74 » . (5) إمرأة قعرة وقعيرة : بعيدة الشهوة ؛ عن اللحياني ، وقيل : هي التي تجد الغلمة في قعر فرجها ، وقيل : هي التي تريد المبالغة ، وقيل : نعت سوء في الجماع « لسان العرب ـ قعر ـ 5 : 109 » . والشفرة والشفيرة من النساء : التي تجد شهوتها في شفرها فيجيء ماؤها سريعا ، وقيل : هي التي تقنع من النكاح بأيسره ، وهي نقيض القعيرة « لسان العرب ـ شفر ـ 4 : 419 » . ( 217 ) وحشاها بما لا حاجة للخلق فيه إلى معرفته ، ثم لما آل الامر إلى بيان وجه الاعجاز على التفصيل آية فآية وسورة فسورة ، ضم شفتيه ضما ، وختم على لسانه ختما ، فلم ينبس بكلمة أو كلمتين ، ورضي من الغنيمة بالاياب (6) . وإذ صح أن السلف رحمهم الله مع تقدم الخواص منهم في علم البيان ، والتبحر في الاحاطة بحقائق المعاني ، وصدق رغبتهم في إحراز الثواب ، وحاجتهم إلى أن يكون لهم لسان صدق في الآخرين ممر الاحقاب ، لم يشتغلوا ببيان الاعجاز على التفصيل في كل آية منه ، بل أعرضوا من ذلك بواحدة مع أنهم أشاروا إلى ذلك على سبيل الاجمال ، والحال لا تخلو إما أن يقال خفي عليهم وجه الاعجاز على التفصيل على هذا الوجه ، فلم يقفوا عليه ولم يهتدوا إليه أولا . فإن قيل : خفي عليهم ولم يقفوا عليه ولم يجدوا طريقا إليه . فيقال : إذن مؤنة البحث والتنقير عنهم ساقطة ، ووجوه العذر لهم في الاعراض عن ذلك ظاهرة . ولئن لم يخف عليهم فلم لم يصرفوا معظم همهم إلى هذا الامر العظيم ، والخطب الجسيم ، فيصنفوا ويشرحوا كما صنفوا في فروع الاحكام من الحلال والحرام ، وصنفوا في فروع الكلام ، فلم يبق إلا أن يقال : أحدث في الكل منعا منعهم عن ذلك لمصلحة رآها فيه . فهذه عدة أسئلة فليتفضل أدام الله علوه بالاجابه عنها ، والله يعصمه من الخطأ والزلل ، ويوفقه لاصابة القول والعمل ، إنه على ما يشاء قدير . تمت . * * ____________ (6) مثل سائر ، أول من قاله امرؤ القيس بن حجر في بيت له ، وهو : وقد طوفت في الآفاق حتى * رضيت من الغنيمة بالاياب يضرب عند القناعة بالسلامة ، « مجمع الامثال 1 : 295|1560 » . ( 218 ) الموضوعالأصلي : رسالة في إعجاز سورة الكوثرللزمخشري // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: souad1968
| |||||||
السبت 16 مايو - 23:47:47 | المشاركة رقم: | |||||||
عضو نشيط
| موضوع: رد: رسالة في إعجاز سورة الكوثرللزمخشري رسالة في إعجاز سورة الكوثرللزمخشري سم الله الرحمن الرحيم ساعات سيدنا الامام الزاهد الحبر العلامة جار الله شيخ العرب والعجم ، أدام الله إمتاع المسلمين ببقائه ، وإن كانت مقصورة على الاستعداد للمعاد ، مستغرقة في اتعاب خاطره الوقاد في فنون الاجتهاد ، لا يفتر طرفة عين عن تصنيف ينفث فيه سحره ، ويلفظ للغواصين فيه دره ، بعد أن جشم خاطره في « الكشاف عن حقائق التأويل » وأجال رويته في البحث عن وجوه التأويل ، مدئبا في الفكر مطاياه ، متغلغلا في علم البيان إلى زواياه وخباياه ، حتى ارتفع كتابا ساطعا بيانه ، جليا برهانه ، مشحونا بفوائد لا يدركها الاحصاء ، ومحاسن لا يقصرها الاستقصاء ، لكنه مع هذا يتوقع من دينه المتين وفضله المبين أن يتصدق على معشر الداعين لايامه ، الشاكرين لانعامه ، بالجواب عن اعتراضات تنزاح بسببه شبه المرتابين ، ليتوصلوا بنتائج خاطره ، وبركات أنفاسه ، إلى ثلج الصدور وبرد اليقين ، والله تعالى ولي توفيقه في مايكسبه جزيل المثوبة في العقبى ، وحسن الاحدوثة في الدنيا إن شاء الله . فمنها : سأل سائل فقال : ذكرتم أن لغة العرب لها من الفضيلة ما ليس لسائر اللغات ، فقلتم قولا غفلا ساذجا من غير أن تشيروا إلى بيان وجه التفضيل ، وتبينوا الخواص التي لاجلها أحدث وصف الفضيلة والشرف ، وتعدوها فصلا فصلا ، وتشيروا إليها شيئا فشيئا ، وما أنكرتم على من قال لكم : إن لغة العرب وغيرها من اللغات المختلفة كالسريانية والعبرانية والهندية والفارسية كلها على ( 213 ) السواء ، لا فضيلة لبعضها على البعض ، وإنما هي مواضعات ورسوم واصطلاحات وضعت لاجيال الناس للافهام والاعلام ، لتكون دلالات على المقاصد والاغراض . وذكرتم أن في لغة العرب دقائق وأسرارا لا تنال إلا بجهد التأمل وفرط التيقظ ، فلا يخفى أن هذه الاسرار والدقائق لا يمكن دعواها في الاسماء المفردة والافعال المفردة والحروف المفردة ، وإنما يمكن دعوى هذه الاسرار على تقدير ارتباط الكلم ، وجعل بعضها يتصل بسبب بعض وينتظم ، ومثل هذا موجود في كل لسان إذا ربطت بعض الكلم ببعض ، وراعيت في ربطها الاليق فالاليق ، حصل لك المقرر والمقصود ، وقارن في هذه القضية لغة العرب وغيرها من اللغات على السواء . ومنها : أنه لا يخفى أن القرآن سيد معجزات رسولنا عليه الصلاة والسلام ، والعلم بكونه معجزا علم ضروري ، ولكن الشأن في بيان إعجازه ، فمن قائل يقول وهو النظام (1) ومن تبعه : إن الآية والاعجزية في القرآن اختصاصه بالاخبار عن الغيوب بما كان ويكون ، وبمنع الله العرب أن يأتوا بمثله . قال : وأما التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد ، لو لا أن الله تعالى منعهم وأعجزهم بمنع وعجز أحدثهما فيهم . ومن قائل يقول : وجه الاعجاز في القرآن أنه اسلوب من أساليب الكلام ، وطريقة ما عهدها العرب ولا عرفوها ، ولم تكن مقدورة لهم . ومن قائل يقوله : وجه الاعجاز فيه علمنا بعجز العرب العاربة عن أن ____________ (1) هو إبراهيم بن سيار بن هانئ البصري ، أبوإسحاق النظام ، من أئمة المعتزلة ، تبحر في علوم الفلسفة ، واطلع على أكثر ما كتبه رجالها من طبيعيين وإلهيين ، وانفرد بآراء خاصة ذكرها الشهرستاني في الملل والنحل ، تابعته فيها فرقة من المعتزلة ، سميت « النظامية » نسبة إليه ، أما شهرته بالنظام فبعض يقول : إنها من إجادته نظم الكلام ، وبعض يقول : إنه كان ينظم الخرز في سوق البصرة ، توفي سنة 231 هـ . انظر « أمالي المرتضى 1 : 132 ، تأريخ بغداد 6 : 97 ، الملل والنحل 1 : 56 ، سفينة البحار 2 : 597 ، الاعلام 1 : 43 » . ( 214 ) يأتوا بمثله ، وتركهم المعارضة مع تكرار التحدي عليهم وطول التقريع لهم ، فإذا عجز العرب عن ذلك فنحن أولى بالعجز . ومن قائل يقول : وجه الاعجاز فيه هو ما اختص به من الفصاحة والبلاغة التي بهرم عند سماعها ، وطأطأوا رؤوسهم عند طروقها ، وعليه الاكثرون . فإن عسى اعترض المعترض وقال : ماذا أعجزهم ؟ وما ذا أبهرهم ؟ ألفاظ القرآن أم معانيه ؟! إن قال : أردت الالفاظ مع شيء منهما لا يجب فضل البته على تقدير الانفراد ، لان الالفاظ [ لا ] تراد لنفسها ، وإنما تراد لتجعل دلالات على المعاني ، ولان الالفاظ التي نطق بها القرآن ليست إلا أسماء وأفعالا وحروفا مرتبطا بعضها ببعض ، ويستعملونها في مخاطباتهم ، وكذلك الجمل المنظومة . وإن قال : أعجزهم المعاني . يقال له : أليس انهم كانوا أرباب العقول وأهل الحجى ، يدركون غوامض المعاني بأفهامهم ، ولهم المعاني العجيبة ، والتمثيلات البديعة ، والتشبيهات النادرة . وإن قال : بهرم النظم العجيب . يقال له : أليس . معنى النظم هو تعليق الكلم بعضها ببعض ، وهي الاسماء والافعال والحروف ، ومعرفة طرق تعلقها ، كتعلق الاسم بالاسم ، بأن يكون خبرا عنه أوصفة له أو عطف بيان منه ، أو عطفا بحرف عليه ، إلى ماشاكله من سعة وجوهه ، وكتعلق الاسم بالفعل ، بأن يكون فاعلا له ، أو مفعولا ، إلى سائر فروعه واتباعه ، وكتعلق الحرف بهما كما هو مذكور في كتب النحو ، وهم كانوا يعرفون جميع ذلك ، وكانوا يستعملونه في أشعارهم وخطبهم ومقاماتهم ، ولو لم يعرفوا وجوه التعلق في الكلم ، ووجوه التمثيلات والتشبيهات ، لما تأتي لهم الشعر الذي هو نفث السحر . فحين تأتي لهم ذلك ، ومع هذا عجزوا عن المعارضة ، دل على أن الله تعالى أحدث فيهم عجزا ومنعا . ( 215 ) قال : ولان الاعجاز في القرآن لو كان لمكان اختصاصه بالفصاحة والبلاغة لنزل القرآن من أوله إلى آخره في أعلى مراتب الفصاحة ، ولكان كله على نسق قوله تعالى : « وقيل يا ارض ابلعي مائك ويا سماء اقلعي وغيض الماء . . . » (2) . وليس كله نزل على هذا النسق ، بل فيه ما هو في أعلى مراتب الفصاحة كما ذكرنا ، وما هو دونه كقوله تعالى : « تبت يدا أبي لهب وتب » و« اذَا جَاءَ نَصْرُ الله وَالْفَتْحُ » و« قُلْ يَا اَيُّهَا الْكَافِرُونَ » . ولان الحال لا تخلو إما أن يقال لارتبة في الفصاحة أعلى من رتبة القرآن ، كما ذهب إليه بعض أهل العدل ، فقالوا : لو كان في المقدور رتبة أعلى منها لانزل الله سبحانه وتعالى عليها القرآن ، إذ لا يحسن أن يقتصر المكلف على أدنى البيانين مع قدرته على أعلاهما ، ولان في أعلى البيانين وجه الدلالة على صدق الرسول أقوى . واما أن يقال : بأن القرآن وإن كان فصيحا بليغا ففي مقدور الله تعالى ما هو أعلى منه مرتبة في الفصاحة . فيقول المعترض فهلا أنزله من أوله إلى آخره على أعلى مراتب الفصاحة التي ليس وراءها منتهى . قال : فهذا دليل على أن العمدة في الاعجاز ليس اختصاصه بالفصاحة والبلاغة لكن عجز ومنع أحدثهما الله تعالى فلم يشتغلوا بالمعارضة . ومنها : ان الله تعالى أنزل القرآن وأودع فيه من العلوم ما علم أن حاجة الخلق تمس إليه إلى قيام الساعة ، لاجرم بذل العلماء في كل نوع منه مجهودهم ، واستفرغوا فيه جهدهم ووسعهم ، فأهل الكلام ـ خصوصا أهل العدل والتوحيد ـ استظهروا في ما ذهبوا إليه من العدل والتوحيد بالآيات الواردة فيه على صحة ما اعتقدوه ، وعلى [ إبطال ] ما ذهب إليه أهل الاهواء والبدع وفساد ما انتحلوا . وأهل الفقه غاصوا في بحور النصوص فاستنبطوا منها المعاني وفرعوا الاحكام عليها . ____________ (2) سورة هود 11 : 44 . ( 216 ) وأهل التأويل خاضوا في محكمها ومتشابهها ، ومجملها ومفصلها ، وناسخها ومنسوخها . وأهل النحو بسطوا الكلام في تصانيفهم بسطا فكل أنفق على قدر ما رزق ، ثم لم يبلغنا عن واحد منهم أنه شمر ذيله وادرع ليله (3 ) في بيان وجه الاعجاز على التفصيل سورة فسورة وآية فآية ، فابتدأ مثلا بفاتحة الكتاب فكشف عن وجه الاعجاز في ثلاث آيات منها ، ثم ترقى إلى ثلاث آيات اخر فكشف عنها أيضا وجه الاعجاز إلى أن ينتهي إلى آخرها ، مع شدة الحاجة إلى ذلك في كل زمان ، إذ حجة الله تعالى قائمة ، ومعجزته على وجه الدهر باقية . وكذلك لم ينقل أنهم صنفوا في هذا الباب على هذا الوجه تصنيفا مع تهالكم وولوعهم ، والعجب أنهم صنفوا في حلي الصحابة والتابعين وهيئاتهم ، فذكروا الطوال منهم والقصار ، ومن ابتلي منهم بالعمى والعور والعرج والعجمة والزمانة والشلل ، مع أن بالخلق مندوحة وغنية عن ذلك . وهذا أبوعثمان عمرو بن بحر الجاحظ (4) صنف كتبا في الجد والهزل تكاد لا تعد ولا تحصى ، فصنف كتابا سماه « القعرة والشفرة » (5) وآخر سماه « مفاخرة الشتاء والصيف » إلى أشباه هذا كثيرة ، صعد فيها وصوب ، وشرق وغرب ، ____________ (3) يقال : « شمر ذيلا وادرع ليلا » أي استعمل الحزم واتخذ الليل جملا . « الصحاح ـ درع ـ 3 : 1207 » . (4) عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء ، الليثي ، أبوعثمان ، الشهير بالجاحظ : كبير أئمة الادب ، ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة ، ولد سنة 163 هـ ، وكان مشوه الخلقة ، وفلج في آخر عمره ، له تصانيف كثيرة ذكرت في مظان ترجمته ، قتلته مجلدات من الكتب وقعت عليه ، مات في البصرة سنة 255 هـ . انظر « تأريخ بغداد 12 : 212 ، وفيات الاعيان 3 : 470|506 ، لسان الميزان 4 : 355|1042 ، ميزان الاعتدال 3 : 347|6333 ، شذرات الذهب 2 : 121 ، الاعلام 5 : 74 » . (5) إمرأة قعرة وقعيرة : بعيدة الشهوة ؛ عن اللحياني ، وقيل : هي التي تجد الغلمة في قعر فرجها ، وقيل : هي التي تريد المبالغة ، وقيل : نعت سوء في الجماع « لسان العرب ـ قعر ـ 5 : 109 » . والشفرة والشفيرة من النساء : التي تجد شهوتها في شفرها فيجيء ماؤها سريعا ، وقيل : هي التي تقنع من النكاح بأيسره ، وهي نقيض القعيرة « لسان العرب ـ شفر ـ 4 : 419 » . ( 217 ) وحشاها بما لا حاجة للخلق فيه إلى معرفته ، ثم لما آل الامر إلى بيان وجه الاعجاز على التفصيل آية فآية وسورة فسورة ، ضم شفتيه ضما ، وختم على لسانه ختما ، فلم ينبس بكلمة أو كلمتين ، ورضي من الغنيمة بالاياب (6) . وإذ صح أن السلف رحمهم الله مع تقدم الخواص منهم في علم البيان ، والتبحر في الاحاطة بحقائق المعاني ، وصدق رغبتهم في إحراز الثواب ، وحاجتهم إلى أن يكون لهم لسان صدق في الآخرين ممر الاحقاب ، لم يشتغلوا ببيان الاعجاز على التفصيل في كل آية منه ، بل أعرضوا من ذلك بواحدة مع أنهم أشاروا إلى ذلك على سبيل الاجمال ، والحال لا تخلو إما أن يقال خفي عليهم وجه الاعجاز على التفصيل على هذا الوجه ، فلم يقفوا عليه ولم يهتدوا إليه أولا . فإن قيل : خفي عليهم ولم يقفوا عليه ولم يجدوا طريقا إليه . فيقال : إذن مؤنة البحث والتنقير عنهم ساقطة ، ووجوه العذر لهم في الاعراض عن ذلك ظاهرة . ولئن لم يخف عليهم فلم لم يصرفوا معظم همهم إلى هذا الامر العظيم ، والخطب الجسيم ، فيصنفوا ويشرحوا كما صنفوا في فروع الاحكام من الحلال والحرام ، وصنفوا في فروع الكلام ، فلم يبق إلا أن يقال : أحدث في الكل منعا منعهم عن ذلك لمصلحة رآها فيه . فهذه عدة أسئلة فليتفضل أدام الله علوه بالاجابه عنها ، والله يعصمه من الخطأ والزلل ، ويوفقه لاصابة القول والعمل ، إنه على ما يشاء قدير . تمت . * * ____________ (6) مثل سائر ، أول من قاله امرؤ القيس بن حجر في بيت له ، وهو : وقد طوفت في الآفاق حتى * رضيت من الغنيمة بالاياب يضرب عند القناعة بالسلامة ، « مجمع الامثال 1 : 295|1560 » . ( 218 ) الموضوعالأصلي : رسالة في إعجاز سورة الكوثرللزمخشري // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: souad1968
| |||||||
السبت 16 مايو - 23:49:18 | المشاركة رقم: | |||||||
عضو نشيط
| موضوع: رد: رسالة في إعجاز سورة الكوثرللزمخشري رسالة في إعجاز سورة الكوثرللزمخشري بسم الله الرحمن الرحيم نمقت يد الاخ في الله الامام الصمصام زاده الله في الدين طمأنينة وثلجا (7) ، وفي مواقف الجدل فوزة وفلجا ( ، صحيفة قد احتبى في تجويدها وتربع ، وتبدع في إنشائها وتبرع ، ولم يألها تمليحا وترشيقا ، وما ادخر عنها توشيحا وتطويقا ، وخرج سؤالات لوصك بها ابن الاهتم لهتمت أسنانه (9) ، أو ابن المقفع (10 ) لقفعت بنانه ، أو ابن القرية (11) لبقى خابطا في مرية (12) ، وإن أفرغ ____________ (7) يقال : ثلجت نفسي بالامر تثلج ثلجا ، وثلجت تثلج ثلوجا إذا اطمأنت إليه وسكنت ، وثبت فيها ووثـقت به « النهاية ـ ثلج ـ 1 : 219 » . ( الفالج : الغالب أو المنتصر ، انظر « النهاية ـ فلج ـ 3 : 468 » . (9 ) صكه ضربه شديدا ، ومنه قوله تعالى : « فصكت وجهها » ، وابن الاهتم هو عمرو بن سنان الاهتم ، وإنما لقب أبوه سنان بالاهتم لانه هتمت ثنيته يوم الكلاب أي كسرت ، يقال : هتمت الثنيه إذا كسرتها ، وهتمت هي إذا انكسرت . وعمرو هذا من أكابر سادات بني تميم وشعرائهم وخطبائهم في الجاهلية والاسلام وهو بليغ القول ، فصيح العبارة . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم « إن من البيان لسحرا » لما سمع منه ما قاله في حق الزبرقان بن بدر . انظر شرح رسالة ابن زيدون عند الكلام على قوله : (وعمرو بن الاهتم إنما سحر ببيانك) . « هـ م » . (10) عبد الله بن المقفع : من أئمة الكتاب ، وأول من عنى في الاسلام بترجمة كتب المنطق ، ولد في العراق مجوسيا ، وأسلم على يد عيسى بن علي (عم السفاح ) ، وولي كتابة الديوان للمنصور العباسي ، وأنشأ وسائل غاية في الابداع ، واتهم بالزندقة فقتله في البصره أميرها سفيان بن معاوية المهلبي سنة 142 هـ ، وأما المقفع أبوه فاسمه المبارك ، ولقب بالمقفع لان الحجاج ضربه فتقفعت يده أي تشنجت . انظر « أمالي المرتضى 1 : 94 ، لسان الميزان 3 : 366 ، الاعلام للزركلي 4 : 140 » . (11) هو أيوب بن زيد بن قيس بن زرارة الهلالي : أحد بلغاء الدهر ، خطيب يضرب به المثل ، يقال : « أبلغ من ابن القرية » والقرية جدته ، قتله الحجاج سنة 84 بعد أن أسره في وقعة دير الجماجم بعد أن قال له : والله لازيرنك جهنم ! قال : فأرحني فإني أجد حرها ! فأمر فضربت عنقه . ولما رآه قتيلا قال : لو تركناه حتى نسمع كلامه . وأخباره كثيرة . انظر « وفيات الاعيان 1 : 250|106 ، الكامل في التاريخ 4 : 498 الاعلام 2 : 37 » . (12) المراء : الجدال ، والتماري والمماراة : المجادلة على مذهب الشك والريبة « النهاية ـ مرا ـ 4 : 332 » . ( 219 ) صماخ قريته (13) ، وهكذا جحاجحة العرب ، لا تتخطاهم في رشق أصابه ، ولا تسقط لنازعهم في قوس نشابه (14) . وسألني الاجابة عن تلك السؤالات بنظم رسالة من أبلغ الرسالات ، تقع من السائل موقع الفرات (15) من الحران (16) ، وتنزل منه منزلة السداد من الحيران ، وكرر الطلب وردد ، وألح فيه وشدد ، وضيق علي الامر وعوصه ، وقال : أنت الذي عينه الله وشخصه ، حتى لم أجد بدا من إجابته إلى ما أراد ، وإسعافه بما ابدأ فيه وأعاد ، وكان أمثل الامرين أن الجم نفسي وأحجرها ، وأن القمها حجرها ، ولا أفغر بمنطق فما ، ولا أبل بجواب قلما ، وليس بين فكي لسان دافع ، وليس في ماضغي ضرس قاطع ، ولا بين جنبي نفس حركة نشيطة ، ولكن حردة (17) مستشيطة ، لما أنا مفجوع به من مفارقة كل أخ كان يسمع مني الكلمة الفذة فيضعها على رأسه ، ويعض عليها بأضراسه ، ويتقبلها بروحه ، ويلصقها بكبده ، ويجعلها طوقا في أعلى مقلده ، ويسكنها صميم فؤاده ، ويخطها على بياض ناضره بسواده ، لولا خيفة أن تسول له نفسه أنني أقللت الاكتراث بمراسلته ، وأخللت الاحتفال بمسألته ، وأن يقول بعض السمعة ـ ممن يحسب لساني لسان الشمعة ـ : أقسم بالله قسما ما وجد في ديسم (18) دسما ، فمن ثم ضرب عنه صفحا ، وطوى ____________ (13) أفرغ : صب ، وصماخ ككتاب : الاذن ، وكغراب : الماء ، وقرية : الحوصله . والمراد بها ما اشتهر به من البلاغة حتى صارت له كالعلم ، كما صار اسم حاتم للكرم ، والتفسير عليها دون القرية واحدة القرى ، ودون القربة سقاء الماء واللبن ، أي وإن صب اذن حافظته ، أو استنزف ماء قريحته ، كناية عن إجهاد نفسه في البيان ، وخنق فرسه في الميدان ، فهذه الاسئلة إن قرعت له سمعا يضيق بها ذرعا ، ويبقى خابطا في الشك والجدل ، لا حول له بها ولا حيل . « هـ م » . (14) لا تسقط أي لا تخطئ ، ونزع القوس مدها ، ونشابه أي نبله ، أي هذه السؤالات كما يقصر عنها المذكورون من أئمة الادب ، فإنها تصيب بلاغة سادات العرب ، ولا تخطئ نبل متقوسهم في ارب . « هـ م » . (15) الفرات : أشد الماء عذوبة « لسان العرب ـ فرت ـ 2 : 65 » . (16) الحران : العطشان « مجمع البحرين ـ حرر ـ 3 : 264 » . (17) يقال : حرد الرجل حرودا إذا تحول عن قومه وانفرد . انظر « النهاية ـ حرد ـ 1 : 362 » . (18) الديسم : بالفتح ولد الدب ، قال الجوهري : قلت لابي الغوث : يقال إنه ولد الذئب من الكلبة ، == ( 220 ) عنه كشحا ، ولم يوله لمحه طرف ، ولم ينطق في شأنه بحرف . أما العرب فقد صح أن لغتها أصح اللغات ، وأن بلاغتها أتم البلاغات ، وكل من جمح في عنان المناكرة ، وركب رأسه في تيه المكابرة ، ولم يرخ للتسليم والاذعان مشافره (19) فما أفسد حواسه ومشاعره ! وهو ممن أذن بحرب منه لعقله الذي هو إمامه في المراشد ، ولتمييزه الذي هو هاديه إلى المقاصد . إعلم يا من فطر على صلابة النبع ، وامد بسلامة الطبع ، ووفق للمشي في جادة العدل والانصاف ، وعصم من الوقوع في عاثور الجور والاعتساف ، فإن واضع هذا اللسان الافصح العربي من بين وضاع الكلام ، إن لم يكن واضعه رافع السماء وواضع الارض للانام ، فقد أخذ حروف المعجم التي هي كالمادة والعنصر ، وبمنزلة الاكسير والجوهر ، فعجمها مبسوطات فرائد ، ودافها (20) الواحد فالواحد ، وتقلقلت في يده قبل التأليف ، تقلقل الدنانير في أيدي الصياريف (21) ، حين تراهم ينفون زيفها وبهرجها (22) ، ويصطفون إبريزها وزبرجها ، فتخير من بينها أطوعها مخارج ، وتنخل منها أوطأها ____________ == فقال : ما هو إلا ولد الدب ، وقال في المحكم : إنه ولد الثعلب . وقال الجاحظ : إنه ولد الذئب من الكلبة ، وهو أغير اللون وغبرته ممتزجه بسواد ، وحكمه تحريم الاكل على كل تقدير . « الحيوان 1 : 343 » . (19) الشفر : بالضم ، وقد يفتح ، حرف جفن العين الذي ينبت عليه الشعر « النهاية ـ شفر ـ 2 : 484 » . (20) داف الشيء دوفا وأدافه : خلطه « لسان العرب ـ دوف ـ 9 : 108 » . (21) لم يرد جمع الصيرفي أي النقاد على هذه الصيغة إلا في الشعر قال ابن منظور : « الجمع صيارف وصيارفة ، والهاء للنسبة ، وقد جاء في الشعر الصيارف ، فأما قول الفرزدق : تنفى يداها الحصى في كل هاجرة * نفي الدراهيم تنقاد الصيارف فعلى الضرورة لما احتاج إلى تمام الوزن أشبع الحركة ضرورة حتى صارت حرفا » . وقال الفيروز آبادي : « وقد جاء في الشعر صياريف » ولعل ما أورده الزمخشري تبعا لاقتضاء سجع العبارة ظاهرا ، انظر « لسان العرب 9 : 190 ، القاموس المحيط 3 : 162 ، مادة صرف » . (22) البهرج : الباطل ، واللفظة معربة . وقيل كلمه هنديه أصلها نبهله ، وهو الردئ ، فنقلت إلى الفارسية ، فقيل نبهره ، ثم عربت فقيل : بهرج . « النهاية ـ بهرج ـ 1 : 166 » . ( 221 ) مدارج وميز أسلسها على الاسلات (23) ، وأعذبها على العذبات (24) ، وأحلاها في الذوق وأسمحها ، وأبهاها عند السبر وأملحها ، وأبعدها من مج الاسماع ، وأقربها امتزاجا بالطباع ، وأوقعها لفحول الامة الناغمة بأجراسها ، وأحسنها طباقا لطرق أنفاسها . ولما انتقل من انتقاء وسائطها ، بعد انتقاد بسائطها ، إلى أن يؤلف ويركب ، ويرصف ويرتب ، عمد في عمل التراكيب إلى أشرف الانماط والاساليب ، فألف أنماطا تستهش (25) أنفس الناطقين ، وكلمات تتحلب (26 ) لها لهى (27) الذائقين ، وتجول في فجوات الافواه ، فتتمطق (28) بها مستلذات ، ويطرق بها الآذان فتهوي بها مغذات (29) ، وما طنت على مسامع أحد من أجيال الاعاجم ، وأخياف الطماطم (30) إلا أصغى إليها متوجسا ، وأصاخ لها مستأنسا ، وأناس (31) فوديه (32) مستعجبا ، وأمال عطفيه مستغربا ، وقال : ما هذا اللسان المستلذ على الصماخ (33) إيقاعه ، المحولى في مخارق الآذان استماعه ، المفارق لجميع اللغات والالسنة ، المصون من الحروف الملكنة . ____________ (23) الاسلات : جمع أسلة ، وهي طرف اللسان « النهاية ـ أسل ـ 1 : 49 » . (24) عذبة اللسان : طرفه ، والجمع « عذبات » كقصبة وقصبات . « مجمع البحرين ـ عذب ـ 2 : 117 » . (25) يقال : استهشني أمر كذا فهششت له أي استخفني فخففت له « لسان العرب ـ هشش ـ 6 : 364 » . (26) تحلب العرق وانحلب أي سال « الصحاح ـ حلب ـ 1 : 115 » . (27) جمع لهاة ، وهي اللحمات في سقف أقصى الفم « النهاية ـ لها ـ 4 : 284 » . (28) يقال : ذاقه فتمطق له إذا ضم شفتيه إليه وألصق لسانه بنطع فيه مع صوت « أساس البلاغة : 432 » . ( 29) مغذات : مسرعات . (30) أخياف أي مختلفون ، والطماطم جمع طمطم ، وهو الذي في لسانه عجمة لايفصح . انظر « أساس البلاغة ـ خيف ـ 124 ، الصحاح ـ طمم ـ 5: 1976 » . (31) ناس الشيء ينوس نوسا ونوسانا : تحرك وتذبذب متدليا . « لسان العرب ـ نوس ـ 6 : 245 » . (32) الفَوْدُ : معظم شعر الرأس ممايلي الاذن ، ووفودا الرأس جانباه « لسان العرب ـ فود ـ 3 : 340 » . (33) صماخ الاذن بالكسر : الخرق الذي يفضي إلى الرأس ، وهو المسيع ، وقيل هو الاذن نفسها « مجمع البحرين ـ صمخ ـ 2 : 437 » . ( 222 ) وما ذاك إلا لان حكم المسموعات حكم المبصرات والممسوسات ، وغيرها من سائر المحسوسات ، فكما أن الاعين فارقة بين المناظر العثاث والملاح ، والاوجه القباح والصباح ، والانوف فاصلة بين الاعطار الفوائح ، وبين مستكرهات الروائح ، والافواه مميزة بين طعوم المآكل والمشارب وبين المستبشعات منها والاطائب ، والايدي مفرزة لما استلانت مما استخشنت ، ولما استخفت مما استرزنت (34) ، كذلك الآذان تعزل مستقيمات الالحان من عوجها ، وتعرف مقبول الكلام من ممجوجها ، والالسن تنبسط إلى ما أشبه من الكلام مجاج الغمام (35) ، وتنقبض عما يشاكل منه اجاج (36) الجمام (37) ، وهذه طريقة عامية يسمعها ويبصرها ويسلمها ولا ينكرها من يرى به شيء من طرف ، أو يرامق (38) بأدنى عرف . وأما الطريقة الخاصية التي تضمحل معها الشبه ، ويسكت عندها المنطق المفوه ، فما عنى بتدوينه العلماء ، ودأب في تضييفه العظماء ، في ألفاظ العربية وكلمها ، من بيان خصائصها ونوادر حكمها ، مما يتعلق بذاوتها ، ويتصل بصفاتها ، من العلمين الشريفين ، والعلمين المنيفين ، وهما علم الابنية وعلم الاعراف ، المشتملان على فنون من الابواب ، وناهيك بكتاب سيبويه (39) الذي ____________ (34) رزنت الشيء أرزنه رزنا ، إذا رفعته لتنظر ما ثقله من خفته ، وشيء رزين أي ثقيل « الصحاح ـ رزن ـ 5 : 2123 » . (35) مجاج الغمام : مطره . انظر « لسان العرب ـ مجج ـ 2 : 362 » . (36) ماء اجاج أي ملح ؛ وقيل : مر ، وقيل : شديد المرارة ؛ وقيل : الاجاج : الشديد الحرارة . « لسان العرب ـ أجج ـ 2 : 207 » . (37) الجمة : المكان الذي يجتمع فيه ماؤه ، والجمع الجمام . « الصحاح ـ جمم ـ 5 : 1890 » . (38) رمقه بعينه رمقا : أطال النظر إليه « مجمع البحرين ـ رمق ـ 5 : 173 » . (39) هو عمرو بن عثمان بن قنبر ، مولى بني الحارث ، يكنى أبا بشر وأبا الحسن ، الملقب بـ « سيبويه » ومعناه بالفارسية : رائحة التفاح ، ولد في إحدى قرى شيراز ، وقدم البصرة فلزم الخليل ابن أحمد ففاقه ، وصنف كتابه المعروف بـ « كتاب سيبويه » في النحو ، لم يصنع قبله ولا بعده مثله ، توفي سنة 180 هـ ، وفي مكان وفاته والسنة التي مات بها خلاف . انظر « انباه الرواة 2 : 346|515 ، وفيات الاعيان 3 : 463|504 ، تأريخ بغداد == ( 223 ) هو الكتاب ، يطلق فلا تضله الالباب ، وهو الديوان الاقدام ، والميزان الاقوم ، والقانون الذي هو لكل محتذ مثال ، والمعقل الذي لكل منضو تمثال ، وكأنه الرأس الذي هو رئيس الاعضاء ، والراز (40) الذي بيده مطمر (41) البناء ، والامام الذي إن نزلت بك شبهة أنزلتها به ، وإن وقعت بك معضلة أوردتها على بابه ، والحكمة التي قيدت بها الفلاسفه فهي حاجلة (42) فراسفه (43) . وأحـربـأن تعتاص تلك وتشتدا * حشا غامضات سيبويه كتابه فلم يجدوا من مرجع القهقرى بدا * إذا وقع الاحبار فيها تحيروا آخران : على عمرو بن عثمان بن قنبر * ألا صلى المليك صلاة صدق بـنـو قـلـم ولا أبناء منبر * فـإن كتابه لـم يغن عـنـه ثم لا تسأل عن تناسق هذه اللغة وتتاليها ، وعن تجاذب أطرافها وتجاليها ، وما ينادي عليه طرق اشتقاقها من حسن تلاؤمها واتفاقها ، يصادف المشتق الصيغ متناصره ، آخذا بعضها بيد بعض متخاصره ، ووراء ذلك من الغرائب ما لا ينزف وإن نزف البحر ، ومن الدقائق ما لا يدق معه الكهانة والسحر ، ولايعرف ذلك إلا من فقه فيها وطب (44) ، وزاولها مذ شب إلى أن دب ، وضرب آباطها (45) ، حتى بلغ نياطها (46) . الموضوعالأصلي : رسالة في إعجاز سورة الكوثرللزمخشري // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: souad1968
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |