العوامــل الجغرافية: العوامــل الجغرافية:
كانت اليونان في القديم من أهم دول البحر الأبيض المتوسط لكونها مهد المدنية والحضارة والحكمة ومرتع العقل والمنطق الإنساني. وإذا استعدنا جغرافيا اليونان إبان ازدهارها فهي تطل جنوبا على جزيرة كريت العظيمة، ويحيطها شرقا بحر إيجة وآسيا الوسطى التي كانت تمد اليونان بمعالمها الحضارية وثقافات الشرق ، وفي الغرب عبر أيونيا تقع إيطاليا وصقلية وإسبانيا، وفي الشمال تقع مقدونيا وهي عبارة عن شعوب غير متحضرة.
وتتشكل اليونان على مستوى التضاريس من جبال شاهقة وهضاب مرتفعة وسواحل متقطعة ووديان متقعرة. وقد قسمت هذه التضاريس بلاد اليونان إلى أجزاء منعزلة وقطع مستقلة ساهمت في تبلور المدن التي كانت لها أنظمة خاصة في الحكم وأساليب معينة في التدبير الإداري والتسيير السياسي. وتحولت المدينة اليونانية إلى مدينة الدولة في إطار مجتمع متجانس وموحد ومتعاون. وتحيط بكل مدينة سفوح الجبال والأراضي الزراعية،وكانت من أشهر المدن اليونانية أثينا وإسبارطة.[2]
وكانت أثينا مهد الفلسفة اليونانية وتقع في شرق إسبارطة ، وموقعها متميز واستراتيجي؛ لأنها الباب الذي يخرج منه اليونانيون إلى مدن آسيا الصغرى، وعبر هذه المدن كانت تنقل حضارة الشرق إلى بلاد اليونان. ومن أهم ركائز أثينا اعتمادها على مينائها وأسطولها البحري. وبين عامي470-490 قبل المسيح ستترك أثينا وإسبرطة صراعيهما وتتوحدان عسكريا لمحاربة الفرس تحت حكم داريوس الذي كان يستهدف استعمار اليونان وتحويلها إلى مملكة تابعة للإمبراطورية الفارسية. ولكن اليونان المتحدة والفتية استطاعت أن تلحق الهزيمة بالجيش الفارسي. وقد شاركت أثينا في هذه الحرب الضروس بأسطولها البحري، بينما قدمت إسبارطة جيشها القوي، وبعد انتهاء الحرب سرحت إسبارطة جيوشها وحولت أثينا أسطولها العسكري إلى أسطول تجاري، ومن ثم أصبحت أثينا من أهم المدن التجارية في حوض البحر الأبيض المتوسط.
هذا، وقد عرفت أثينا نشاطا فكريا وفلسفيا كبيرا بفضل الموقع الجغرافي والنشاط التجاري ونظامها السياسي الديمقراطي وتمتع الأثيني بالحريات الخاصة والعامة وإحساسه بالمساواة والعدالة الاجتماعية في ظل هذا الحكم الجديد . وفي هذا يقول ول ديورانت:” كانت أثينا الباب الذي يخرج منه اليونانيون إلى مدن آسيا الصغرى، فأصبحت أثينا إحدى المدن التجارية العظيمة في العالم القديم، وتحولت إلى سوق كبيرة وميناء ومكان اجتماع الرجال من مختلف الأجناس والعادات والمذاهب وحملت خلافاتهم واتصالاتهم ومنافساتهم إلى أثينا التحليل والتفكير… وبالتدريج تطور التجار بالعلم، وتطور الحساب بتعقيد التبادل التجاري، وتطور الفلك بزيادة مخاطر الملاحة، وقدمت الثروة المتزايدة والفراغ والراحة والأمن الشروط اللازمة في البحث والتأمل والفكر”.