جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: منتديات الجامعة و البحث العلمي :: منتدى البحوث العلمية والأدبية و الخطابات و السير الذاتيه الجاهزه :: للغة و اللسانيات. |
الإثنين 23 مارس - 17:47:26 | المشاركة رقم: | |||||||
Admin
| موضوع: التجربة الشعرية عند الأمير عبد القادر الجزائري التجربة الشعرية عند الأمير عبد القادر الجزائري مقدمة: يتبدى للدارس لشخصية الأمير عبد القادر الجزائري جملة من الشخصيات، فهو المجاهد المكافح المغوار، وهو الفارس الذي لا يُشقُ له غبار، وهو الفقيه العلاّمة الموسوعي، البحر الزاخر في شتى العلوم والفنون، وهو المتصوف الشاعر، والشاعر المتصوف، الذي عُرف بتغريده في سماوات الشعر، وتحليقه في آفاقه الرحبة، وطرقه لمختلف الأغراض الشعرية. ومن خلال هذا البحث نسعى لإلقاء بعض الأضواء على تجربة الأمير عبد القادر الشعرية، وذلك من خلال تلمس أهم الأغراض التي طرقها الأمير، بغرض تجلية أهم السمات التي طبعت هذه التجربة، وليس من شك في أن مئات الصفحات لا يمكن أن تُقدم دراسة وافية، وإحاطة شاملة، بشعر الأمير عبد القادر من مختلف الجوانب الفنية، والأسلوبية، والتركيبية. إن هذه الصفحات تقدم لمحات مقتضبة عن التجربة الشعرية لدى الأمير عبد القادر، وذلك نظراً لاتساع تجربة الأمير، وعمقها، وغموضها في كثير من الجوانب، ولاسيما منها الجانب الصوفي، الذي يحتاج بمفرده إلى دراسات مستقلة، لكي يستطيع الدارس تحليله، وتشريحه، وفهم كنهه، وإدراك أعماقه. وقبل الولوج إلى الكون الشعري عند الأمير عبد القادر، نرى أنه من المفيد أن نقدم لمحة مقتضبة عن شخصيته، ومكانته، مما يُسهم في نفض بعض الغبار على أفكاره، ورؤاه التي ستنتصب لنا، ونتصدى لها من خلال شعره. إن الأمير عبد القادر واحد من الشخصيات الفذة التي ستظل الأجيال تذكرها على مر الأزمان، وهو مصباح من المصابيح الوهاجة التي قلما يجود الزمان بأمثالها، وبادئ ذي بدء نقدم هذا الوصف الشامل الذي أورده العلاّمة الدكتور ممدوح حقي في تقديمه لديوانه، والذي وصفه به ابنه الأمير محمد في كتابه (تحفة الزائر في تاريخ الجزائر والأمير عبد القادر)، إذ يقول عنه: «كان معتدل الطول، مليء الجسم، يعلوه رأس ضخم، يتوجه شعر كثّ مختضب بالسواد. يبرز من بين عينيه الشهلاوين أنف أقنى، مطلّ على فم مطبق، تموج فيه ابتسامة تطمع بحنان ناعم، وراءه حزم حازم، يشع من عينين نافذتين كالكهرباء. يمشي مستقيماً، ويقعد كالمستوفز، وينهض بعزم، إذا ركب وثب إلى ظهر الجواد وثباً، وبقي إلى آخر أيامه يحبّ الخيل، ويداعبها،ويُعنى بها، ولا يسير إلا مزعاً وإرقالاً. يصحو من نومه قبل الفجر، فيصلّي الصبح حاضراً، ويقرأ ورده المعتاد بصوت هادئ مسموع، ثم يضطجع، فيغفو إلى ما بعد بزوغ الشمس، وينهض ليملأ نهاره بعمل مستمر. لا ينقطع لحظة واحدة عن عمل يؤديه، أو كتاب يستفيد منه، أو مؤلف يعدّه، أو قصيدة ينظمها، أو رسالة يحبّرها... وأكثر رسائله من المطولات، فإذا وجد فضلة من وقت اشترك في خياطة ثوب، أو مباراة بالشطرنج مع أحد أخصائه. وكان يُجيد استخدام الإبرة في السلم إجادته استخدام السيف في الحرب، لا يهدأ و لا يفتر: عاملاً، جاداً طوال يومه، حتى يصلي العشاء الآخرة، فيذهب إلى فراشه ليستريح من عناء نهار كامل، لم يترك فيه دقيقة واحدة بغير عمل. وكان حادّ الذكاء، عجيب الحافظة، بارعاً في تصريف الأمور، شديد التمسك بدينه، حافظاً عهوده، ووعوده، غير أنه كان عصبي المزاج، عنيفاً في الدفاع عما يعتقد أنه حق، لا يلين للقوة مهما قست وطغت، فيه شيء من عنهجية البادية وعنادها على ليونة في القلب أمام الجمال، وتراخٍ لعزة المرأة»(1). ولا يختلف اثنان في شجاعة الأمير عبد القادر، وبسالته الخارقة، فلا نعجب عندما يقترح عليه والده الشيخ محيي الدين قيادة الحركة الجهادية، فيُلبي مباشرة دون أي اعتراض على الرغم من حداثة سنه قائلاً: «إن واجبي طاعة أوامر والدي». وقد كان الأمير حاكماً عادلاً، وفارساً مقداماً، وشاعراً خنذيذاً، وقائداً فذاً، فقال عنه العقيد الإنجليزي شارل هنري تشرشل متحدثاً عن شخصيته، وعن نظرة مواطنيه إليه: إنهم كانوا ينظرون إليه «بتقديس خرافي إلى رجل يتمتع بشخصية رسمية، ويتقدم بلا خوف دون أن يلحقه أذى حيثما هدد الخطر، فهو مرة يمرق من صفوف الرماة الأعداء، ومرة يطلق النار في شكل تربيعي، ويكتسح حربات البنادق بسيفه، وأخرى يقف دون حراك مشيراً بامتعاض إلى قنابل المدافع وهي تئز حول رأسه، وإلى القذائف وهي تنفجر حول قدميه. فكان الرجل قدوة في الشجاعة والثبات مثل الحلم والعدل مع خصومه أسرى بين يديه، فكان المحارب الموهوب، والحاكم الفذ، فسجل له التاريخ في كل ذلك، وفي جهاده بشكل أخص مواقف بطولية أجبرت أعتى الجنرالات الفرنسيين على إبرام هدنات معه، واتفاقيات كان يستغلها بدوره للتدريب والتنظيم واستيراد السلاح من خارج الجزائر، فمضى على هذا النهج حتى كانت الفاجعة التي اضطرته إلى وضع السلاح، عام1947م بعد الخيانات والمؤامرات، بشروط أخلّ بها المحتلون الفرنسيون، فبدل أن يُفسحوا له في باخرة لهم للاتجاه إلى المشرق العربي أو تركيا وجهوها نحو فرنسا، فبات في وضع أسير تحت الإقامة الجبرية في أمبواز بجنوب فرنسا، حيث مكث حتى عام1852م، حين أطلق سراحه، فانتقل إلى إسطنبول، فأهداه السلطان العثماني قصراً في(بروسة) لم يمكث فيه أكثر من سنتين بعدها قرّر الاستقرار في دمشق، منطلقاً منها في عدة رحلات داخل الوطن العربي وخارجه حتى وفاته سنة: (1300هـ/1883م)»(2). الأغراض الشعرية عند الأمير عبد القادر: لم يكن الأمير عبد القادر رجل سياسة وجهاد، وشجاعة فحسب، بل كان أيضاً رجل فكر وعلم، وأدب، عُرف بعكوفه على القراءة، واجتهاده الكبير في سبيل التحصيل العلمي، حيث إنه اطلع على الكثير من الكتب الفكرية العالمية مترجمة، كما راز في التراث الشعري العربي بدءاً من العصر الجاهلي، حتى العباسي، وحفظ عشرات الأبيات لفحول الشعراء، وهذا ما جعل منه مؤلفاً، وكاتباً، وباحثاً، وشاعراً فذاً. إن المتتبع لتجربة الأمير الشعرية يُدرك أن الشعر قد لازم الأمير طوال حياته، وكان يحلُ معه حيثما حلّ، وكان أنيسه وصاحبه أيام الفرح والقرح، وفي ليالي الشجن والسرور، ورافقه عندما أضحى أسيراً في فرنسا، وبعد ذلك في تركيا، وفي المدينة المنورة، ومكة، وفي دمشق، وغيرها من الأصقاع التي أبدع فيها الأمير قصائده العذاب. وقبل الولوج إلى عوالم الأمير عبد القادر الشعرية، تجدر الإشارة إلى أن الكثير من الباحثين الذين تصدوا لشعر الأمير بالدراسة والتحليل، يرون بأنه متباين من حيث قيمته، بتباين الأغراض، وبانتقال الأمير من موضوع إلى آخر. فهذا الأستاذ الأديب رابح بونار يرى بأن شعر الأمير تظهر عليه روح شعرية مقبولة في مواضيع الحماسة، والفخر، والتصوف، والغزل. وأما إنشاؤه في غير هذه الموضوعات فيبدو عليه التكلف، والإسفاف، والأغلاط النحوية، وضعف الخيال، وفتور العاطفة. وفي دراسة الدكتور فؤاد صالح السيد أكد على أن شعر الأمير عبد القادر من الناحية التاريخية ارتبطت كل مرحلة منه بفن معين من الفنون الشعرية، إذ يرى أن شعر الفخر والحماسة هو أوثق صلة بحياة الأمير من شعر الوصف، ويُرجع ذلك إلى أن أشعاره في الفخر والحماسة هي انعكاس مباشر، ونتيجة لمعاناته في حروبه، وهي تعبر عن تجربته الحربية. ومن الناحية النفسية رأى أن الأمير ارتاح لبعض الفنون الشعرية أكثر من غيرها، وهذا يعود إلى الجو النفسي الذي مرّ به الأمير في كل مرحلة من مراحل حياته، وقد ضرب مثلاً بشعره الصوفي، ومساجلاته مع شيخه محمد الشاذلي القسنطيني، فهو الأقرب كما يرى الباحث للأمير أثناء أسره بالأمبواز في فرنسا. أما شعر المدح الأدبي فقد كان الأكثر صلة به أثناء وجوده في دمشق. أولاً:الفخر والحماسة: يُجمع الكثير من الدارسين لشعر الفخر والحماسة عند الأمير عبد القادر على أنه ينقسم إلى قسمين رئيسين: الفخر الطبيعي(الفطري)، والفخر الوضعي(الاكتسابي)، ويرون بأنه أحد أهم الفنون الشعرية التي عالجها الأمير في ديوانه، وذلك لارتباطه بنضال الأمير، وبطولاته، وحماسته، والتزامه بقضايا أمته، وفي مقدمتها قضية التحرر، والخلاص من المستعمر الفرنسي. ومن جانب آخر فلا نستغرب من استكثار الأمير للفخر والحماسة،فهو ابن عائلة شريفة، ذات حسب ونسب، عظيمة الشأن، فهو ينتمي إلى«الدوحة النبوية الشريفة، فهو من الفرع الحسني، الذي يستمد قدره من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-. من هنا كانت حتمية تقديم الولاء والطاعة لهذه الدوحة النبوية، وطلب الشفاعة النبوية، وبذلك يؤمن المرء لنفسه الاستقرار الروحي والنفسي: أبوُنا رسولُ الله خيرُ الورى طُرا فمن في الورى يبغي يطاولنا قدرا ولانا غداً ديناً وفرضاً مُحَتماً على كل ذي لب به يأمنُ الغدرا ويكتفي الأمير بهذا الفخر عن كل منصب، وعن كل رتبة دنيوية، لأنه لا مجال للمقارنة والمفاضلة بين فخر وفخر، خصوصاً إذا كانت المقارنة والمفاضلة بين فخر نبوي شريف، وبين فخر مادي دنيوي. وحسبي بهذا الفخر من كُل منصبٍ وعن رتبة تسمو وبيضاء أو صفرا»(3). ويؤكد الأمير تمسكه العميق، وحبه الكبير لله سبحانه تعالى، ولرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وسريانه في عروقه، وهو أساس عزته، ونجاحه في الدنيا والآخرة، فلا عزة ولا كرامة من دون إيماننا بالله سبحانه وتعالى، واتباعنا لسنة رسول الله الصادق الأمين: بعليائنا، يعلو الفخار، وإن يكن به قد سما قوم ونالوا بها نصرا وبالله أضحى عزنا، وجمالنا بتقوى وعلم والتزود للأخرى ومن رام إذلالاً لنا قلت:حسبنا إله الورى، والجد،أنعم به ذخرا! وفي نفس سياق الفخر الطبيعي الفطري افتخر الأمير بعروبته، وكما يرى الباحث فؤاد صالح السيد ففخر الأمير بعروبته لا يبرز بروزاً واضحاً، ولا ينال حظاً وافراً بالمقارنة مع ما يحوزه فخره بنسبه النبوي الشريف، وكما رأى الدكتور ممدوح حقي في تقديمه لديوانه بشأن فكرة افتخاره بعروبته أن«القومية العربية قد توضحت عنده، وقد سبق بها زمنه بنحو قرن تقريباً. ويعتبر الأمير نفسه وارثاً للسيادة العربية، والمجد العربي اللذين يبقيان في نظر الأمير، وإن زالت السماء والجبال: ورثنا سؤدداً للعرب يبقى وما تبقى السماء والجبال أما المصدر الثاني من مصادر عظمة الأمير، الذي أراد أن يحققه بإرادته تحقيقاً عملياً، ويمارسه ممارسة تطبيقية، فهو النسب الوضعي الاكتسابي، وتتوسع دائرة هذا الفخر حتى تشمل الفخر بمناقبه الأخلاقية الحميدة، وبثقافته وعلمه، وبالإمارة والملك، وبشجاعته وحماسته في الحروب، ويمكننا تجاوزاً أن ندخل محيط هذه الدائرة أيضاً، فخره بشجاعة صحبه، وحسن بلائهم، وبالبداوة»(4). ومن خلال الفخر الوضعي(الاكتسابي) تجلت لنا مناقب الأمير الأخلاقية الحميدة، وتبدت لنا بطولاته،ومكارمه، ورحلاته في سبيل طلب العُلا، وتحمل الأهوال والمشقات إلى غاية الوصول إلى الأهداف الإنسانية النبيلة، والأخلاق الكريمة الفاضلة، فقد صاغ جميع هذه القضايا في قصائد بديعة، وأبيات رقيقة، مثل قوله في هذه الأبيات: لنا في كُل مكرُمة مجال ومن فوق السماك لنا رجالُ ركبنا للمكارم كل هول وخضنا أبحراً ولها زجالُ إذا عنا توانى الغيرُ عجزاً فنحن الراحلون لها العِجالُ ومن المناقب الحميدة التي كثيراً ما نلفي الأمير يسعى جاهداً بغرض الوصول إليها، ولـطالما رددها في شعره: التنزه عن اللؤم، وصد الضيم والأذى، والحلم والكرم، والسياسة العادلة، والصبر والإرادة. فبالنسبة للتنزه عن اللؤم؛ فالأمير عبد القادر يؤكد دائماً على ضرورة بذل النفس، والكرم، والسعي إلى التضحية والوفاء، وهذا ما يحاول أن يبرزه لنا في أشعاره، إذ يحلو له أن تقترن أقواله بأفعاله، ونستنتج أن هناك توافقا تاما بين النظرية والتطبيق، حيث إنه صادق كل الصدق في تنزهه عن اللؤم قولاً وفعلاً، ويقول في هذا الشأن: رَفَعْنَا ثَوْبَنَا عَن كُلِّ لُؤمٍ وَأَقوَالي تُصَدِّقُهَا الفِعَالُ ويذكرنا الأمير من خلال جملة من أشعاره في الفخر والحماسة، ولاسيما ما يتعلق منها بصد الضيم والأذى بمواقف عنترة بن شداد العبسي، الذي يبرز لنا في أشعاره المفعمة بالفخر كيف أنه يبيت على الطوى، حتى ينال به الكريم المأكل: وَلَقَدْ أبيتُ عَلَى الطوَى وَأظَلَّهُ حَتَّى أنَال بهِ كَرِيمَ المَأكَلِ ويقول الأمير عبد القادر، وهو بصدد الحديث عن صبره الطويل، وتحمله للظمأ الشديد، وصبره على العطش الشديد: وَلَوْ نَدْرِي بِماءِ المُزْنِ يَزري لَكَانَ لَنَا عَلَى الظَّماءِ احتِمَالُ أما الحلم والكرم والعطاء، فالأمير يشير في هذا الشأن إلى أن عقابه ومجازاته للسفهاء ليس بالتعسف، والاضطهاد، بل إنه بالحلم والتروي، والصبر والعفو: وَنَحْلُمُ إنْ جَنَى السُّفهاءُ يَوْماً وَمِن قَبْلِ السُّؤالِ لَنَا نَوَالُ وافتخر الأمير بسياسته العادلة، وقيادته الحكيمة، وتدبيره الدقيق، ويشبه عدالته في بعض أشعاره بعدالة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-، ويتمنى أن تكون هذه السياسة بمثابة السراج المنير، الذي يضيء الليالي الحالكات، ويبعد الظلام والجهل، بعد حين من الدهر كادت أن تُطفئ فيه أنوار الهداية والإيمان، حيث يقول الأمير عن سياسته العادلة: وَقَدْ سِرْتُ فيهم سِيرة عُمَرِية وأسْقَيْتُ ظَامِيها الهدايَة فارْتَوَى وَإنيَ لأرجو أن أكون أنا الذي يُنيرُ الدَياجِي بالسنا بَعْدَ مَا لَوَى ويُدلل الأمير على إرادته الفولاذية، وصبره الكبير عند اشتداد البأس قائلاً: الجودُ والعلمُ النفيسُ وإنني لأنا الصَبورُ لَدَى اشْتِدادِ البأسِ وعن عدم توانيه، وتخاذله، ويأسه يشير الأمير إلى أن جميع هذه الفضائل مرجعها الأساس هو الصبر، إذ يقول: وَمِنْ عَجَبٍ صَبْرِي لِكُلِ كَرِيهَةٍ وَحَمْلِي أثْقَالاً تُجَلُّ عَنِ العَدِّ(5) وكما افتخر الأمير ببطولاته وشجاعته، وصبره، فكذلك الشأن بالنسبة لعلمه، وثقافته، وقدراته الفكرية، حيث يقول مفتخراً بتمكنه من العلوم العربية، ودرايته بالحديث، والفقه المالكي قائلاً: لَنَا سُفُنٌ بَحْرُ الحَدِيثِ بِهَا جَرَى وَخَاضَت فَطَابَ الوِرْدُ مِمَّن بِهَا ارتَوَى وَإنْ رمت فِقْه الأصْبحي فَعُج عَلَى مَجَالِسِنَا تَشْهَدْ لِوَاءَ العَنَا دَوَا وَإن شِئْتَ نَحْواً فانحِنا تَلْقَ مَالَهُ غَدَا يُذْعِنُ البَصْري زُهْداً بِما رَوَى بدا لنا الأمير عبد القادر في شعر الحماسة والحرب مُدافعاً عن كرامة وطنه، يبث روح الكفاح والعزم والإقدام في نفوس المجاهدين. وقد رسم لنا من خلال قصائده صوراً لا تُمحى من ذاكرة الأجيال التي تأملت قصائده الجهادية والحماسية فنراه «يجذ رؤوس الأبطال من ضباط الجيش الفرنسي العدو جذاً، بل يعتز بأنه يتقدم جنوده ولا يدفعهم أمامه، فيطيح رأس قائد جيش العدو مفتخراً بقوة تسديده وتصويبه، معتزاً بجنوده من رجال أشداء ذوي عزم وعزيمة يبذلون أنفسهم فداءً له. وربما كان النموذج الذي يلخص هذه الروح التي تشيع في فخره ومنازلاته إحدى معاركه عام:1832م، وقد صار وجهاً لوجه أمام القائد الفرنسي، فتتداخل لديه هنا صور المعارك السابقة مع المعارك الحاضرة، ليصير ذلك كله إحدى صور البطولة والاستماتة والتحدي والصمود من لدنه وجنوده حوله، فتتجلى في ذلك ملامح المكان دلالة واقعية في جانب، وصورة رمزية في جانب آخر لحياة الإنسان العربي عامة، وابن البادية خاصة، مع حضور الاعتزاز الرمزي بالنسب النبوي، إباءً وصرامة من جهة، وحمايةً رمزية للجهاد في سبيل الحق من جهة أخرى»(6)، وهذا ما تجلى بشكل بارز في وصفه الدقيق لما وقع في معركة خنق النطاح الشهيرة. وعظمة الأمير عبد القادر تتجلى في واقعيته، فهو المناضل الذي «يضرب بتواضعه لكل واجب مثلاً للمناضل الحقيقي، وهو البطل يضع بطولته في طليعة الجيش، وهو الآمر يفرض بفعاليته طاعة أوامره، وهو الأمير إمارته تسابق إلى الاستشهاد، وتطلع إلى ساحات الشرف: أميرٌ إذا ما كان جيشي مُقبلاً ومُوقد نارِ الحربِ إذ لم يكُن لها صال إذا ما لقيتُ الخيل إني لأولُ وإن جال أصحابي فإني لها تال أُدافعُ عنهم ما يخافون من ردى فيشكُرُ كُل الخلقِ من حُسنِ أفعالِي ويعرض الأمير في سخرية لاذعة بالسادات الذين يحملون من البطولة اسمها، ومدلولها براء منهم، يدفعون الجيش إلى أتون المعارك ويحتمون بمؤخرته، متسترين بألقاب الإمارة والقيادة: ومن عادةِ السَادَاتِ بالجيشِ تحتَمِي وبي يحتمِي جيشي وتُحرسُ أبطَالِي فالفروسية عند الأمير ليست ادعاء، ولكنها تجارب مريرة، ومعاناة واقعية، وفخرياته ليست قعقعة جوفاء، ولكنها صدى لقعقعات سلاحه، ولا هي برق خلب، ولكنها وميض سيوف، ولا هي ضباب زائف، ولكنها غبار حروب، فهو الفعال قبل أن يقول، وهو الذي يُفرق بين الادعاء والأصالة، بين اللفظة الجوفاء، واللفظة المشحونة بالبرهان الواقعي، فهو القائل: وما كُلُّ شهمِ يدعي السبق صادقٌ إذا سيق للميدان بأن لهُ الخُسرُ وما كُلُّ من يعلو الجواد بفارِسٍ إذا ثار نقعُ الحرب والجوّ مغبرُ وما كُلُّ سيف (ذو الفقار) بحدِّه ولا كل كرَّارٍ (عليا) إذا كَرُّوا وما كُلُّ طيرِ طار في الجو فاتكاً وما كل صباح إذا صرصر الصَّقرُ فذا مثلُ للمدّعين، ومن يكن على قدم صدق، طبيباً له خبرُ وليست الفروسية عند العرب، ولا عند الأمير براعة وثبة على ظهر الفرس، ولا هي الشجاعة الخرقاء المتهورة. إن الفروسية أخلاق كريمة ومثل عليا، وهو ما نلمسه عند الأمير عبد القادر فهو حين يهديك صورته، يحذرك أن تقنع منها بالمظهر، فإن اعتزازه هو بالمخبر، يرجوك ألا تقف عند حد الملامح والسمات، ولكن أنفذ إلى الأعماق وتلمس الذات الأصلية: لئن كان هذا الرسمُ يُعطيك ظاهِري فليس يُريك الرسمُ صورتنا العُظمى فثم وراء الرسم شخصٌ مُحجّبٌ له همة تعلو بأخمصها النجما وما المرءُ بالوجهِ الصبيحِ افتخارُهُ ولكنه بالعقلِ والخُلُقِ الأسمى وإن جُمعت للمرء هذي وهذه فتلك التي لا يُبتغى بعدها نُعْمى»(7). وتذهب رؤية بعض الدارسين إلى أن كلاً من الأمير والجياد هما توأمان لا ينفصلان في فخره وحماسته، وذكره للحروب، فما إن يحضر الأمير حتى تحضر معه الجياد، وهذا ما تجلى لنا بشكل واضح في قوله: وعِر جياداً جاد بالنفس كرُها وقد أشرفت-مما عراها-على التوى ألا كم-جرت-طلقاً بنا تحت غيهب وخاضت بحار الآل من شدة الجوى ومن العناصر التي يلحظها الدارس لشعر الأمير، وتظهر في غرض الحماسة مجموعة من المواضيع المهمة أشار إليها الباحث فؤاد صالح السيد من بينها: «-معاناته وصدقه: إن شعر الحماسة يتميز بالخبرة والتجربة، والمعاناة التي استمرت سبع عشرة سنة من الجهاد المتواصل، والأمير مخلص وصادق في شعره الحماسي، لأنه لا يتخيل المعارك تخيلاً، بل يصف ما رآه، وعاناه وقاساه، وصف الخبير الذي خاض المعارك، ومارسها ممارسة الجندي والقائد. -السيوف العطشى المرتوية: ويحلو للأمير أن يردد في شعره الحماسي صورة السيوف العطشى المتلهفة للارتواء. فإذا بها ترتوي بدم الأعادي بعد صدورها من كل معركة: وأسيافُنا قد جُردت من جُفونها ورُدت إليها بعد وٍردِ وقد روى -الضيغم: شبه الأمير نفسه في واقعة «برج رأس العين» بالضيغم الذي يزيد الأعداء حزناً وأسىً حين ينزل ساحة الوغى فتتلاحق ضربات سيفه الذي لا يعرف التباطؤ والتخاذل: نزلتُ ببُرج العين نزلة ضيغمٍ فزادوا بها حُزناً وعمهُمُ الجوى -دفاعه عن جيشه: ويبلغ شعره ذروة الحماسة حين يُنصب نفسه للدفاع عن جيشه خلافاً لعادة الملوك والأمراء، فهو الدرع الواقي، والحزام الأمين لجيشه، فهؤلاء الفوارس الذين يماثلون الأشبال قسوة وشجاعة وهيبة يتقنون الطعن والضرب بالأمير الذي يُدافع عنهم ويحميهم: وبي تُتقى يوم الطعان فوارس تخالينهم في الحرب أمثال أشبال إذا ما اشتكت خيلي الجراح تحمما أقول لها: صبراً كصبري وإجمالي وقد كان الأمير كثير الاعتداد بنفسه، حتى ليظن المرء الذي لا يعرف شيئاً عن سيرته أنه من قبيل المبالغة والغلو، بيد أنه صادق في حقيقة الأمر، وخير دليل على ذلك جهاده الذي استمر سبع عشرة سنة»(. ومهما يكن من أمر؛ فقد أبدع الأمير عبد القادر في فخره وحماسته أيما إبداع! فكتب بحروف من ذهب بطولاته، وشجاعته، وانتصاراته الساحقة، فتلك الانتصارات التي لم تكن لتُخلد، وتحفظ مجرياتها لو لم يتوفر فخر الأمير، وحماسته، ودقة وصفه لمجرياتها.(يتبع الجزء الثاني) الهوامش: (1)د.ممدوح حقي: من مقدمة ديوان الأمير عبد القادر الجزائري، دار اليقظة العربية، بيروت،1965م، ص:11. (2)د.عمربن قينة: دوخ جنرالات فرنسا، ودوخته أم البنين: مقال منشور في مجلة الفيصل الأدبية، المجلد الرابع، العددان الثالث والرابع، جمادى الأولى-رجب1429هـ/2007م،ص:87 ومابعدها. (3)د.فؤاد صالح السيد: الأمير عبد القادر الجزائري متصوفاً وشاعراً، المؤسسة الوطنية للكتاب، د،ط،الجزائر،1985م، ص:191. (4)د.فؤاد صالح السيد: الأمير عبد القادر الجزائري متصوفاً وشاعراً، ص:194. (5)د.فؤاد صالح السيد: المصدر نفسه، ص:195ومابعدها. (6) د.عمر بن قينة: دوخ جنرالات فرنسا،ودوخته أم البنين، المصدر السابق، ص:93. (7)د.صالح خرفي: في ذكرى الأمير، المؤسسة الوطنية للكتاب، د،ط،الجزائر،1984م، ص:35 ومابعدها. (رابح بونار: الأمير عبد القادر حياته وأدبه، مقال منشور في مجلة آمال، العدد:08، يوليه،1970م،ص:17 وما بعدها. الموضوعالأصلي : التجربة الشعرية عند الأمير عبد القادر الجزائري // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: berber
| |||||||
الأحد 5 أبريل - 12:29:34 | المشاركة رقم: | |||||||
عضو نشيط
| موضوع: رد: التجربة الشعرية عند الأمير عبد القادر الجزائري التجربة الشعرية عند الأمير عبد القادر الجزائري التونسية سوسة الموضوعالأصلي : التجربة الشعرية عند الأمير عبد القادر الجزائري // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: التونسية سوسة
| |||||||
الأربعاء 22 أبريل - 12:50:29 | المشاركة رقم: | |||||||
عضو نشيط
| موضوع: رد: التجربة الشعرية عند الأمير عبد القادر الجزائري التجربة الشعرية عند الأمير عبد القادر الجزائري بارك الله فيك الموضوعالأصلي : التجربة الشعرية عند الأمير عبد القادر الجزائري // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: التونسية سوسة
| |||||||
الإثنين 7 سبتمبر - 0:01:21 | المشاركة رقم: | |||||||
جوهري
| موضوع: رد: التجربة الشعرية عند الأمير عبد القادر الجزائري التجربة الشعرية عند الأمير عبد القادر الجزائري بارك الله فيك الموضوعالأصلي : التجربة الشعرية عند الأمير عبد القادر الجزائري // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: AHMED-ADEM
| |||||||
الخميس 8 أكتوبر - 22:44:01 | المشاركة رقم: | |||||||
عضو نشيط
| موضوع: رد: التجربة الشعرية عند الأمير عبد القادر الجزائري التجربة الشعرية عند الأمير عبد القادر الجزائري بارك الله فيك اخي الطيب وجزيت كل خير على المجهود الموضوعالأصلي : التجربة الشعرية عند الأمير عبد القادر الجزائري // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: جميلة
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |