جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: منتديات الجامعة و البحث العلمي :: منتدى البحوث العلمية والأدبية و الخطابات و السير الذاتيه الجاهزه :: للغة و اللسانيات. |
الأربعاء 8 أكتوبر - 22:04:22 | المشاركة رقم: | |||||||
Admin
| موضوع: اللسانيات البنيوية الأوروبية اللسانيات البنيوية الأوروبية اللسانيات البنيوية الأوروبية تمهيد: تعتبر البنيوية حركة فكرية ذات قاعدة عريضة، بدأت قبل عام 1930 في كل من أوربا وأمريكا من دون اتصال بينهما، وكان اللغوي السويسري فردينان دي سوسير قد أرسى قاعدتها، عندما استطاع أن يؤسس هذه المدرسة اللغوية الحديثة التي عدت نموذجا رائعا لبقية العلوم الإنسانية، ومكنتها من أن تضارع العلوم الرياضية والطبيعية في خضوعها للمنهج العلمي الدقيق . وعلى الرغم من أن سوسير نفسه لم يستخدم كلمة بنية أو بنيوي في محاضراته، إلا أن أفكاره ومفاهيمه الثورية عن الانفصال الجوهري بين اللغة والكلام، وكذلك إحلاله النظرة الوصفية محل النظرة التاريخية في الدرس اللغوي مفرقا بذلك بين المنهج التاريخي (Historique). والمنهج الوصفي (Descriptive) في هذا الدرس... كانت قد وفرت قاعدة عريضة للبنيوية التي ركزت على الوظيفة الاجتماعية (التواصلية) للغة، وميزت بين الظواهر التعاقبية والخصائص المميزة للنظام اللساني في مرحلة زمنية معينة. من نقطة الانطلاق هذه توصل البنيويون عامة إلى القول بأن أي معنى في مجال من مجالات الفعاليات الإنسانية يتألف من منظومات مغلقة ومستقلة تماما عن العالم المادي. وبذلك فقد استطاع هذا العلم الذي ثبت أركانه ودعم قواعده أن يلج أقطار العالم ومفكريه من أوربا إلى أمريكا إلى روسيا... وليظهر في إطاره الشمولي المؤتلف في شكل مدارس وفي شكل نزعات ومذاهب ونظريات. ولما لم يكن بمقدوري الإحاطة التامة بكل هذه المدارس والنظريات، ولا أن أقف على متابعة تطوراتها العلمية والمنهجية متابعة دقيقة واضحة، ارتأيت أن أفصل القول في هذا الباب حول الأفكار اللسانية لكل من المدارس اللغوية الشهيرة والمتخصصة في هذا اللون من اللسانيات، ألا وهو اللسانيات البنيوية، ومن أهم هذه المدارس ما يلي: 1- مدرسة جنيف (L'école de Genève): تكونت من أتباع سوسير الذين تتلمذوا على يديه و تشبعوا بمبادئه و أفكاره، و منهم السويسريين: شارل بالي (Charles Balley) (1947-1865) ، و ألبرت سيشهاي (Albert Sechehaye) (1946-1870) اللذين قاما بجمع دروسه و إخراجها للإنسانية عامة 1916، في حين كان لهذين الباحثين أتباع اقتفوا أثرهما وتوجهوا باللسانيات الحديثة في ضوء منظور دي سوسير وتصوراته،ومن هؤلاء الطلاب أذكر: هنري فراي(Henri Friei) و روبرت كوديل (Robert Godel) ...(01) و كلنا يعرف أن دي سوسير قد قدم صورة عامة عن النظام اللساني من خلال تلك الثنائيــات اللسانيـــة و من خلال قوله بأن اللغة مؤسسة اجتماعية بشرية و أداة تواصل هامة عمادها نظام قائم بذاته له قوانينه الخاصة ... و إذا كان هذا الأمر يوحي إلى نوع من التداخل و التعقد في الفكر السوسري، فإن ذلك يدل – حسب ظني- إلى رغبته في الشمول، أي في وضع نظرية لسانية شاملة و مستقلة عن الاعتبارات الفلسفية والنفسية السابقة ...ولعل ما ظهر من مدارس لسانية ومذاهب ونظريات خاصة، ليس سوى دليل على ضرورة الاحتفاظ بمبدأ الشمولية الذي توخاه دي سوسير من الدرس اللساني، وكذلك على إمكانية دراسة الظاهرة اللسانية من أكثر من زاوية، من دون خروج عن نطاق هذه الظاهرة. يقول الدكتور ميشال زكريا موضحا هذه الحقيقة: « يقول دي سوسير إن الهدف الأساسي وهو الوحيد للدراسة الألسنية ينحصر في دراسة اللغة كواقع قائم بذاته و لذاته. و قد لفت الانتباه إلى إمكانية النظر إلى اللغة من أكثر من زاوية واحدة. فيمكن اعتبار اللغة وسيلة تعبير و تواصل من حيث وظيفتها الأساسية، أما من حيث شروط وجودها فيمكن النظر إليها كمحتوى تاريخي ثقافي. أما من حيث نظامها الذاتي فيمكن اعتبارها كتنظيم من الإشارات. و قد عبر عن تعدديـــــة النظرة إلى اللغة بواسطة مفاهيــــم عديــدة كان له السبـــق في وضعها » (01) . كانــــت هذه أغلب المنطلقات النظرية التي قامت عليها مدرسة جنيف – و غيرها من المدارس البنيوية الأخرى – التي انبثقت من تعاليم دي سوسير، و اكتسبت صورتها النهائية من عمل تلامذته الذين « استطاعوا أن يوجدوا نحوا منطقيا و نفسيا انطلاقا من القاعدة التـي جاء بــها أستـــاذهم فــــي محاضــــراته » (02) . و على الرغم من ذلك فقد كانت لهم اهتمامات خاصة بقضايا اللسانيات جعلتهم ينفردون بوجهات نظرة مميزة، سأتعرف عليها متابعة مع أعمال بعض مؤسسيها. * شارل بالي (Chales Bally): باحث لساني سويسري ولد بجنيف، و هو فيلولوجي مختص في الإغريقية و السنسكريتية، اهتم باللسانيات الوصفية (الآنية)و البنيوية، و بعد استيعابه لمعظم مفاهيم دي سوسيـــــر و تمثلها عكف على دراسة الأسلوب الذي أصبح مختصا فيه، فأرسى قواعد الأسلوبية المعاصرة ابتداء من سنة 1902، من مؤلفاته: مختصر الأسلوبية (1902)، اللسانيات العامة و اللسانية الفرنسية (1932) اللغة و الحياة ... (03) و لقد اشتهر بالي بما قدمه من إسهامات هامة في علم الأسلوب (Stylistique)، حيث اعتبر مؤسس الأسلوبيات العقلانية (Stylistiques Rationnel) « و يقصد بها فحص التعبيرات اللســــانية بوجه عـــام و قامت معظم ملاحظاته على أساس من الأسلوبية المقارنة» (04) . و بالإضافة إلى ذلك فقد تبنى بالي ثنائية اللغة و الكلام لدي سوسير، و قام بمناقشتها و تطويرها من وجهة نظر خاصة تعمل على إعطاء صبغة جديدة للطرف الثاني من هذه الثنائية ألا و هو الكلام، « ذلك القطاع الهام الذي سكتت عنه محاضرات دي سوسير استجابة لضرورة منهجية اقتضاها التوجه الصارم للدراسة البنيوية عنــــــده» (01) . و من خلال نظرة بالي الجديدة للكلام باعتباره ظاهرة فردية، و ليست واقعة اجتماعية مثل اللسان طور بالي نظريته الخاصة بالتحقيق (أو الإنجاز) (Actualisation ) ، « تستهدف هذه النظرية عن طريق تحويل اللغة إلى الكلام، تحويل المفاهيم المجردة إلى مفاهيم تتصل بالواقــــع ، أي تحويـــل الإفتراضــي ( Virtuel ) إلى المنجز (Actualisé) » (02) . ما فهمته من هذه النظرية هو أن الكلام باعتباره النشاط العضلي الصوتي المفرد، الصــــادرة عــن وعي و عن نتاج فردي كامل: يمكن القول حينئذ أن اللغة عبارة عن مجموعة من المفاهيم الافتراضية (Virtuels)، نتيجة لأنها تتكون من مجموعة من المفردات العامة الخاضعة للوقائع الاجتماعية التي تمارس عليها، و الكلام – عكس اللغة- يمثل الاستخدام الفعلي للمفرادات اللغوية في الواقع ،و بذلك فهو يحول هذه المفردات من مفاهيم تجريدية افتراضية تتصف بالتعميم المطلق إلى مفاهيم فعليــــة منجــــزة أو متحققة في الواقع و قام بالي بتأسيس نظرية عن المناقلة السينتاجمية و الوظيفية (Syntagmatic and Functional Tansposition) و تعني هذه النظرية بالمبادئ التي تحكم عملية تغيير العلامة اللغوية لوظيفتها النحوية دون أن تغير من معناها المعجمي الأساسي (03) . بمعنى أنه يمكن أن تكون هناك كلمتين مختلفتين أو مجموعة من الكلمات المختلفة في الوظيفة النحويــــة و لكنها تملك نفس المعنى المعجمي، « و مثال ذلك في اللسان الفرنسي نقل الصفة( Adjectif )إلى موضع الاسم الموصوف(Substantif )لتؤدي وظيفته كما في المثال التالي: (le bleu du ciel )» (04) فالكلمتين ( Adjectif )و ( Substantif )مختلفتين في الوظيفة النحوية و لكنهما تحملان نفس الدلالة المعجمية. لقد أسفرت بحوث بالي اللسانية إلى ما أصبح يعرف فيما بعد بعلم الأسلوب، أو الأسلوبيات، هذا العلم الذي يقوم على وصف النصوص الأدبية انطلاقا من مناهج مأخوذة من علم اللغة. و لهذا يعتبره العديد من المفكرين منهجا لغويا في الأساس، نظرا لاعتماده على مبادئ اللسانيات. و لم يقتصر أمر البحث في ثنائية (لسان / كلام) و غيرها من المنجزات اللسانية لدي سوسير على بالي وحده بل تبعه في ذلك العديد من المولعين بأفكار دي سوسير، و على رأسهم الباحث اللساني المتميز هنري فراي، الذي قدم بحثا رائعا في اللسانيات الوظيفية من خلال كتابه: (La grammaire des fautes) (01) . و كذلك ألبرت سيشهاي، الذي أعاد صياغة محاضرات دي سوسير، و اقتحم ميدانا خصبا تمثل في العلاقة بين علم النفس و اللسانيات . و عموما « فإن خلفاء دي سوسير كانوا على رأس مدرسة جنيف و لاسيما شارل بالي (من 1913إلى 1939) و ألبرت سيشهاي (من 1939 إلى 1945) و من ثم هنري فراي. فهؤلاء اللسانيين الثلاثة كانوا قد تابعوا ثورتهم الخاصة، و لاسيما بالي الذي ابتعد نوعا ما في تفكيره اللساني عن دي سوسير، و كان ذلك عام 1940 »(02) . و بذلك فمدرسة جنيف هي مدرسة لسانية بنيوية تقليدية (كلاسيكية) و مؤسسها دي سوسير. 2ــ مدرسة براغ (l’école de Praque) : 1-2ـ التأسيس : تأسست مدرسة براغ عام 1926 ،حيث تم برئاسة الباحث اللسانـي التشيــــكي فيـــلام ما ثيسيوس Vilem Mathesius 1942-1882)) تشكيل ما عرف باسم « حلقة براغ اللسانية» "Circle linguistique de pragne" و ذلك بمساعدة « جيل متحمـــس لأحدث المــذاهب اللسانية في ذلـــك الوقـــت ،و هي أفكار دي سوسير و بو دوان دي كورتوناي و مدرسة فورتوناتوف ( fortunatov )السلافية و كفل النجاح لهذا المشروع ما تمتعت به براغ من تقاليد راسخة في الفكر اللساني » (03) ،فكان من أهم ممثلي هذه المدرسة ما يلي * اللغويين التشيك ( بالاضافة إلى ما ثيسيوس) نجد :ترانكا (B.tranka ) ،و ها فرانك (Havranek و فا شيك (j.vachek). * اللغويين الروس المهاجرين و هم على التوالي : كارسفسكي (S.karcevakij).، و تروبتسكوي (N.trubetzkoy) و رومان جاكبسون (R.jakobson)ـ البولندي الأصل ـ« و لقد أثرت هذه المدرسة على التفكير اللغوي الحديث تأثيرا ربما يفوق تأثير أي جماعة لغوية في تاريخ علم اللغة الحديث» (04) . و مما لاشك فيه أن مدرسة براغ تعد امتدادا من حيث الخلفية الفلسفيـة و المنهجية للمدرسة الروسية التي تأسست سنة 1916 و دليل ذلك أن أغلب الأعضاء البارزين في هذه المدرسة هم من النازحين الروس ،إضافة إلى أن الأسس الأولية لهذه المدرسة قد بدأت عام1920، و هو عام وصول اللغويين الروس إلى تشيكوسلوفاكيا و مساهمتهم مع اللغويين التشيك حينئذ في تطوير مجموعة من الأبحاث الهامة و الأطروحات الأساسية التي تم تقديمها إلى المؤتمر العالمي الأول للسانيات بلاهاي عام 1928، و هو نفس المؤتمر الذي ظهرت فيه مبادئ الفونولوجيا المعاصرة ، و لهذا سميت هذه المدرسة بالمدرسة الفونولوجية نسبة إلى هذا التخصص اللغوي، حيث « اتفق أعضاءها على اتخاذ الفكرة التركيبية و الوظيفية في اللغة كأساس في الدراسة اللغوية ،وإن اختلفوا في مجال التطبيق ،و في بعض التفصيلات » (01) . و قدموا أعمالهم في بحث كامل يحمل عنوان :" النصوص الأساسية لحقة براغ ". و بعد عام كامل من صدور هذا العمل، قاموا بصياغة منهج دراستهم اللغوية في بيان أصدروه في مؤتمر اللغات السلافية سنة 1929 و ركزو على العلاقة بين المنهج الوصفي و المنهج التاريخي، و في عام 1930، نظمت في براغ جمعية عالمية الأبحاث اللسانية شارك فيها عدة ممثلين و تم فيها الاتفاق على تأسيس حلقة خاصة بالدراسات الفونولوجية، و في المؤتمر العالمي الثاني للسانيات المنعقد بجنيف عام 1931، تم تخصيص جلسة اجتماع كاملة و خاصة بموضوع الأبحاث الفونولوجية، وقد حازت على رضى و قبول بعض الجماعات و الهيئات اللسانية العالمية و منها مدينة أمستردام التي قررت احتضـــــان المؤتمــر اللاحـــق و الخاص بالأعمال الفونولوجية فيها، و ذلك عام 1932. و العمل بالتالي على تقديم مختلف النتائج التي تم الحصول عليها في الدراسات الفونولوجية. و هذا ما ساعد الأبحاث الصوتية عامة على الانخراط سريـعا و بصفة أكيدة في الحلقات الخاصة بالدراسات اللسانية. فالنظريات الخاصة بمدرسة براغ، فيما نستطيع تسميته بمرحلتها الكلاسيكية، تتجلى في المجلدات الثمانية الأولى المسماة "بالأعمال اللسانية لحلقة براغ"، سواء تلك المنشورة في السنوات مابيــن 1929و 1938أو في الأعمال الأخرى المنشورة للحلقة و في النشاطات العلمية لأعدادها (02) . و هذا يعني أن تطور نشاط حلقة براغ ظهر بصفة خاصة في السنوات العشر الأولى من تاريخ تأسيسها، ثم توقفت أعمالها تماما لبضع سنوات نتيجة نشوب الحرب العالمية الثانية، و فرار جاكبسون من أيدي النازيين، و موت تروبتسكوي عام 1939 و غلق جامعات تشيكوسلوفاكيا عند نهاية عام 1939، ثم موت ماثسيوس قبل نهاية الحرب في أفريل 1945. و هذا ما أدى إلى حلها كهيئة علمية في 1953، و لكنها تجددت في عام 1964 من خلال بعض الأعمال الوظيفية (03) . الموضوعالأصلي : اللسانيات البنيوية الأوروبية // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: berber
| |||||||
الأربعاء 8 أكتوبر - 22:05:23 | المشاركة رقم: | |||||||
Admin
| موضوع: رد: اللسانيات البنيوية الأوروبية اللسانيات البنيوية الأوروبية اللسانيات البنيوية الأوروبية تمهيد: تعتبر البنيوية حركة فكرية ذات قاعدة عريضة، بدأت قبل عام 1930 في كل من أوربا وأمريكا من دون اتصال بينهما، وكان اللغوي السويسري فردينان دي سوسير قد أرسى قاعدتها، عندما استطاع أن يؤسس هذه المدرسة اللغوية الحديثة التي عدت نموذجا رائعا لبقية العلوم الإنسانية، ومكنتها من أن تضارع العلوم الرياضية والطبيعية في خضوعها للمنهج العلمي الدقيق . وعلى الرغم من أن سوسير نفسه لم يستخدم كلمة بنية أو بنيوي في محاضراته، إلا أن أفكاره ومفاهيمه الثورية عن الانفصال الجوهري بين اللغة والكلام، وكذلك إحلاله النظرة الوصفية محل النظرة التاريخية في الدرس اللغوي مفرقا بذلك بين المنهج التاريخي (Historique). والمنهج الوصفي (Descriptive) في هذا الدرس... كانت قد وفرت قاعدة عريضة للبنيوية التي ركزت على الوظيفة الاجتماعية (التواصلية) للغة، وميزت بين الظواهر التعاقبية والخصائص المميزة للنظام اللساني في مرحلة زمنية معينة. من نقطة الانطلاق هذه توصل البنيويون عامة إلى القول بأن أي معنى في مجال من مجالات الفعاليات الإنسانية يتألف من منظومات مغلقة ومستقلة تماما عن العالم المادي. وبذلك فقد استطاع هذا العلم الذي ثبت أركانه ودعم قواعده أن يلج أقطار العالم ومفكريه من أوربا إلى أمريكا إلى روسيا... وليظهر في إطاره الشمولي المؤتلف في شكل مدارس وفي شكل نزعات ومذاهب ونظريات. ولما لم يكن بمقدوري الإحاطة التامة بكل هذه المدارس والنظريات، ولا أن أقف على متابعة تطوراتها العلمية والمنهجية متابعة دقيقة واضحة، ارتأيت أن أفصل القول في هذا الباب حول الأفكار اللسانية لكل من المدارس اللغوية الشهيرة والمتخصصة في هذا اللون من اللسانيات، ألا وهو اللسانيات البنيوية، ومن أهم هذه المدارس ما يلي: 1- مدرسة جنيف (L'école de Genève): تكونت من أتباع سوسير الذين تتلمذوا على يديه و تشبعوا بمبادئه و أفكاره، و منهم السويسريين: شارل بالي (Charles Balley) (1947-1865) ، و ألبرت سيشهاي (Albert Sechehaye) (1946-1870) اللذين قاما بجمع دروسه و إخراجها للإنسانية عامة 1916، في حين كان لهذين الباحثين أتباع اقتفوا أثرهما وتوجهوا باللسانيات الحديثة في ضوء منظور دي سوسير وتصوراته،ومن هؤلاء الطلاب أذكر: هنري فراي(Henri Friei) و روبرت كوديل (Robert Godel) ...(01) و كلنا يعرف أن دي سوسير قد قدم صورة عامة عن النظام اللساني من خلال تلك الثنائيــات اللسانيـــة و من خلال قوله بأن اللغة مؤسسة اجتماعية بشرية و أداة تواصل هامة عمادها نظام قائم بذاته له قوانينه الخاصة ... و إذا كان هذا الأمر يوحي إلى نوع من التداخل و التعقد في الفكر السوسري، فإن ذلك يدل – حسب ظني- إلى رغبته في الشمول، أي في وضع نظرية لسانية شاملة و مستقلة عن الاعتبارات الفلسفية والنفسية السابقة ...ولعل ما ظهر من مدارس لسانية ومذاهب ونظريات خاصة، ليس سوى دليل على ضرورة الاحتفاظ بمبدأ الشمولية الذي توخاه دي سوسير من الدرس اللساني، وكذلك على إمكانية دراسة الظاهرة اللسانية من أكثر من زاوية، من دون خروج عن نطاق هذه الظاهرة. يقول الدكتور ميشال زكريا موضحا هذه الحقيقة: « يقول دي سوسير إن الهدف الأساسي وهو الوحيد للدراسة الألسنية ينحصر في دراسة اللغة كواقع قائم بذاته و لذاته. و قد لفت الانتباه إلى إمكانية النظر إلى اللغة من أكثر من زاوية واحدة. فيمكن اعتبار اللغة وسيلة تعبير و تواصل من حيث وظيفتها الأساسية، أما من حيث شروط وجودها فيمكن النظر إليها كمحتوى تاريخي ثقافي. أما من حيث نظامها الذاتي فيمكن اعتبارها كتنظيم من الإشارات. و قد عبر عن تعدديـــــة النظرة إلى اللغة بواسطة مفاهيــــم عديــدة كان له السبـــق في وضعها » (01) . كانــــت هذه أغلب المنطلقات النظرية التي قامت عليها مدرسة جنيف – و غيرها من المدارس البنيوية الأخرى – التي انبثقت من تعاليم دي سوسير، و اكتسبت صورتها النهائية من عمل تلامذته الذين « استطاعوا أن يوجدوا نحوا منطقيا و نفسيا انطلاقا من القاعدة التـي جاء بــها أستـــاذهم فــــي محاضــــراته » (02) . و على الرغم من ذلك فقد كانت لهم اهتمامات خاصة بقضايا اللسانيات جعلتهم ينفردون بوجهات نظرة مميزة، سأتعرف عليها متابعة مع أعمال بعض مؤسسيها. * شارل بالي (Chales Bally): باحث لساني سويسري ولد بجنيف، و هو فيلولوجي مختص في الإغريقية و السنسكريتية، اهتم باللسانيات الوصفية (الآنية)و البنيوية، و بعد استيعابه لمعظم مفاهيم دي سوسيـــــر و تمثلها عكف على دراسة الأسلوب الذي أصبح مختصا فيه، فأرسى قواعد الأسلوبية المعاصرة ابتداء من سنة 1902، من مؤلفاته: مختصر الأسلوبية (1902)، اللسانيات العامة و اللسانية الفرنسية (1932) اللغة و الحياة ... (03) و لقد اشتهر بالي بما قدمه من إسهامات هامة في علم الأسلوب (Stylistique)، حيث اعتبر مؤسس الأسلوبيات العقلانية (Stylistiques Rationnel) « و يقصد بها فحص التعبيرات اللســــانية بوجه عـــام و قامت معظم ملاحظاته على أساس من الأسلوبية المقارنة» (04) . و بالإضافة إلى ذلك فقد تبنى بالي ثنائية اللغة و الكلام لدي سوسير، و قام بمناقشتها و تطويرها من وجهة نظر خاصة تعمل على إعطاء صبغة جديدة للطرف الثاني من هذه الثنائية ألا و هو الكلام، « ذلك القطاع الهام الذي سكتت عنه محاضرات دي سوسير استجابة لضرورة منهجية اقتضاها التوجه الصارم للدراسة البنيوية عنــــــده» (01) . و من خلال نظرة بالي الجديدة للكلام باعتباره ظاهرة فردية، و ليست واقعة اجتماعية مثل اللسان طور بالي نظريته الخاصة بالتحقيق (أو الإنجاز) (Actualisation ) ، « تستهدف هذه النظرية عن طريق تحويل اللغة إلى الكلام، تحويل المفاهيم المجردة إلى مفاهيم تتصل بالواقــــع ، أي تحويـــل الإفتراضــي ( Virtuel ) إلى المنجز (Actualisé) » (02) . ما فهمته من هذه النظرية هو أن الكلام باعتباره النشاط العضلي الصوتي المفرد، الصــــادرة عــن وعي و عن نتاج فردي كامل: يمكن القول حينئذ أن اللغة عبارة عن مجموعة من المفاهيم الافتراضية (Virtuels)، نتيجة لأنها تتكون من مجموعة من المفردات العامة الخاضعة للوقائع الاجتماعية التي تمارس عليها، و الكلام – عكس اللغة- يمثل الاستخدام الفعلي للمفرادات اللغوية في الواقع ،و بذلك فهو يحول هذه المفردات من مفاهيم تجريدية افتراضية تتصف بالتعميم المطلق إلى مفاهيم فعليــــة منجــــزة أو متحققة في الواقع و قام بالي بتأسيس نظرية عن المناقلة السينتاجمية و الوظيفية (Syntagmatic and Functional Tansposition) و تعني هذه النظرية بالمبادئ التي تحكم عملية تغيير العلامة اللغوية لوظيفتها النحوية دون أن تغير من معناها المعجمي الأساسي (03) . بمعنى أنه يمكن أن تكون هناك كلمتين مختلفتين أو مجموعة من الكلمات المختلفة في الوظيفة النحويــــة و لكنها تملك نفس المعنى المعجمي، « و مثال ذلك في اللسان الفرنسي نقل الصفة( Adjectif )إلى موضع الاسم الموصوف(Substantif )لتؤدي وظيفته كما في المثال التالي: (le bleu du ciel )» (04) فالكلمتين ( Adjectif )و ( Substantif )مختلفتين في الوظيفة النحوية و لكنهما تحملان نفس الدلالة المعجمية. لقد أسفرت بحوث بالي اللسانية إلى ما أصبح يعرف فيما بعد بعلم الأسلوب، أو الأسلوبيات، هذا العلم الذي يقوم على وصف النصوص الأدبية انطلاقا من مناهج مأخوذة من علم اللغة. و لهذا يعتبره العديد من المفكرين منهجا لغويا في الأساس، نظرا لاعتماده على مبادئ اللسانيات. و لم يقتصر أمر البحث في ثنائية (لسان / كلام) و غيرها من المنجزات اللسانية لدي سوسير على بالي وحده بل تبعه في ذلك العديد من المولعين بأفكار دي سوسير، و على رأسهم الباحث اللساني المتميز هنري فراي، الذي قدم بحثا رائعا في اللسانيات الوظيفية من خلال كتابه: (La grammaire des fautes) (01) . و كذلك ألبرت سيشهاي، الذي أعاد صياغة محاضرات دي سوسير، و اقتحم ميدانا خصبا تمثل في العلاقة بين علم النفس و اللسانيات . و عموما « فإن خلفاء دي سوسير كانوا على رأس مدرسة جنيف و لاسيما شارل بالي (من 1913إلى 1939) و ألبرت سيشهاي (من 1939 إلى 1945) و من ثم هنري فراي. فهؤلاء اللسانيين الثلاثة كانوا قد تابعوا ثورتهم الخاصة، و لاسيما بالي الذي ابتعد نوعا ما في تفكيره اللساني عن دي سوسير، و كان ذلك عام 1940 »(02) . و بذلك فمدرسة جنيف هي مدرسة لسانية بنيوية تقليدية (كلاسيكية) و مؤسسها دي سوسير. 2ــ مدرسة براغ (l’école de Praque) : 1-2ـ التأسيس : تأسست مدرسة براغ عام 1926 ،حيث تم برئاسة الباحث اللسانـي التشيــــكي فيـــلام ما ثيسيوس Vilem Mathesius 1942-1882)) تشكيل ما عرف باسم « حلقة براغ اللسانية» "Circle linguistique de pragne" و ذلك بمساعدة « جيل متحمـــس لأحدث المــذاهب اللسانية في ذلـــك الوقـــت ،و هي أفكار دي سوسير و بو دوان دي كورتوناي و مدرسة فورتوناتوف ( fortunatov )السلافية و كفل النجاح لهذا المشروع ما تمتعت به براغ من تقاليد راسخة في الفكر اللساني » (03) ،فكان من أهم ممثلي هذه المدرسة ما يلي * اللغويين التشيك ( بالاضافة إلى ما ثيسيوس) نجد :ترانكا (B.tranka ) ،و ها فرانك (Havranek و فا شيك (j.vachek). * اللغويين الروس المهاجرين و هم على التوالي : كارسفسكي (S.karcevakij).، و تروبتسكوي (N.trubetzkoy) و رومان جاكبسون (R.jakobson)ـ البولندي الأصل ـ« و لقد أثرت هذه المدرسة على التفكير اللغوي الحديث تأثيرا ربما يفوق تأثير أي جماعة لغوية في تاريخ علم اللغة الحديث» (04) . و مما لاشك فيه أن مدرسة براغ تعد امتدادا من حيث الخلفية الفلسفيـة و المنهجية للمدرسة الروسية التي تأسست سنة 1916 و دليل ذلك أن أغلب الأعضاء البارزين في هذه المدرسة هم من النازحين الروس ،إضافة إلى أن الأسس الأولية لهذه المدرسة قد بدأت عام1920، و هو عام وصول اللغويين الروس إلى تشيكوسلوفاكيا و مساهمتهم مع اللغويين التشيك حينئذ في تطوير مجموعة من الأبحاث الهامة و الأطروحات الأساسية التي تم تقديمها إلى المؤتمر العالمي الأول للسانيات بلاهاي عام 1928، و هو نفس المؤتمر الذي ظهرت فيه مبادئ الفونولوجيا المعاصرة ، و لهذا سميت هذه المدرسة بالمدرسة الفونولوجية نسبة إلى هذا التخصص اللغوي، حيث « اتفق أعضاءها على اتخاذ الفكرة التركيبية و الوظيفية في اللغة كأساس في الدراسة اللغوية ،وإن اختلفوا في مجال التطبيق ،و في بعض التفصيلات » (01) . و قدموا أعمالهم في بحث كامل يحمل عنوان :" النصوص الأساسية لحقة براغ ". و بعد عام كامل من صدور هذا العمل، قاموا بصياغة منهج دراستهم اللغوية في بيان أصدروه في مؤتمر اللغات السلافية سنة 1929 و ركزو على العلاقة بين المنهج الوصفي و المنهج التاريخي، و في عام 1930، نظمت في براغ جمعية عالمية الأبحاث اللسانية شارك فيها عدة ممثلين و تم فيها الاتفاق على تأسيس حلقة خاصة بالدراسات الفونولوجية، و في المؤتمر العالمي الثاني للسانيات المنعقد بجنيف عام 1931، تم تخصيص جلسة اجتماع كاملة و خاصة بموضوع الأبحاث الفونولوجية، وقد حازت على رضى و قبول بعض الجماعات و الهيئات اللسانية العالمية و منها مدينة أمستردام التي قررت احتضـــــان المؤتمــر اللاحـــق و الخاص بالأعمال الفونولوجية فيها، و ذلك عام 1932. و العمل بالتالي على تقديم مختلف النتائج التي تم الحصول عليها في الدراسات الفونولوجية. و هذا ما ساعد الأبحاث الصوتية عامة على الانخراط سريـعا و بصفة أكيدة في الحلقات الخاصة بالدراسات اللسانية. فالنظريات الخاصة بمدرسة براغ، فيما نستطيع تسميته بمرحلتها الكلاسيكية، تتجلى في المجلدات الثمانية الأولى المسماة "بالأعمال اللسانية لحلقة براغ"، سواء تلك المنشورة في السنوات مابيــن 1929و 1938أو في الأعمال الأخرى المنشورة للحلقة و في النشاطات العلمية لأعدادها (02) . و هذا يعني أن تطور نشاط حلقة براغ ظهر بصفة خاصة في السنوات العشر الأولى من تاريخ تأسيسها، ثم توقفت أعمالها تماما لبضع سنوات نتيجة نشوب الحرب العالمية الثانية، و فرار جاكبسون من أيدي النازيين، و موت تروبتسكوي عام 1939 و غلق جامعات تشيكوسلوفاكيا عند نهاية عام 1939، ثم موت ماثسيوس قبل نهاية الحرب في أفريل 1945. و هذا ما أدى إلى حلها كهيئة علمية في 1953، و لكنها تجددت في عام 1964 من خلال بعض الأعمال الوظيفية (03) . الموضوعالأصلي : اللسانيات البنيوية الأوروبية // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: berber
| |||||||
الأربعاء 8 أكتوبر - 22:06:48 | المشاركة رقم: | |||||||
Admin
| موضوع: رد: اللسانيات البنيوية الأوروبية اللسانيات البنيوية الأوروبية - المدرســة الروسيـــة إذا كانت النزعة "البنيوية الروسية" بالمعنى المحدد للكلمة – لم تظهر إلى حيز الوجود إلا عــــام 1928 و ذلك في المؤتمر العالمي لعلوم اللسان المنعقد بمدينة لاهاي بهولندا، عندما قدم كل من جاكبسون (Jackobson) كارسفسكي(Karcevesky)، و تروبتسكوي(Troubetzkoy) بحثا علميا يتضمن الأصول الأولى لهذه النزعة، و لم يلبثوا أن أصدروا بعد ذلك بيانا أعلنوه في المؤتمر الأول للغويين السلاف الذي انعقد في براغ عام 1929 استخدموا فيه كلمة "بنية" بالمعنى المستعمل اليوم، و دعوا فيه إلى اصطناع "المنهج البنيوي" بوصفه "منهجا علميا" صالحا لاكتشاف قوانين بنية النظم اللغوية تطورها" (04) . فإن الأصول الأولى للحركة البنيوية الروسية قد تكونت في مدارس خاصة، عرفت بمدارس الدراسات السلافية التقدمية، و هي تمثل – في نفس الوقت – المدارس البنيوية الروسية التي لم تنبثق عن الفكر السوسري، و هي: 4/1-مدرسة قـــــازان: رائدا هذه المدرسة هما: "جان بودوان دي كورتوناي" (1929-1845) و ميكــولاي كروسفسـكـي (1887-1851) ، اللذان استطاعا أن يقدما أفكارا جليلة و ملاحظات هامة استطاعت أن تبشر ببعض سمات المنهج البنيوي، و تلتقي جل أعمال بودوان و كروسفسكي فيما يمكن تسميته بالدراسة اللسانية الحديثة للفونيم التي كانت بدايتها الأولى على أيديهما، إذ يرجع الفضل إلى بودوان دي كورتوناي في اكتشاف الطبيعة اللغوية للفونام، و يعد تلميذه كروسفسكي أول من استعمل مصطلح فونيم من أجل تعيين الوحدة الصوتية غير القابلة للتجزئة في مقابل الصوت الإنساني الذي يمكننا تحليل خصوصياته المتعلقة بنطقه لدى شخص ما (01) و من الجدير بالذكر أن الباحثين اللسانيين بودوان دي كورتوناي و تلميذة ميكولاي كروسفسكي هم من أنصار النزعة التاريخية في الدراسات اللغوية، هذه النزعة القائلة بأن الطريقة العلمية الوحيدة لدراسة اللغة هي الطريقة التاريخية. غير أن هذين العالـــمين لم يقصرا في بحوثهما اللغوية على الجانب (أو المنهج)التاريخي البحت ؛ بل قاما بتطوير الأفكار اللسانية و بلورتها على أسس من المنهج الوصفي ، و من العمل الوظيفي للغة. و بودوان دي كورتوناي هو لغوي بولوني، « ولد في مدنية فار سوفيا، أين بدأ دراسته التي تابعها ببراغ و إينيا و برلين، درس في الجـامعات سانت بترسبورغ في 1868، ثم في كازان من 1875 إلى 1883 و في (Dorpart) التي تسمى اليوم (Lourev) من 1890 إلى 1893 ، و في كراكوفيا بالنمسا من 1893 إلى 1899، ثم في بترسبورغ من 1920 فتوفي بها سنة 1929، و من خصاله وصفاته أنه يعد من الوطنيين المتحررين، و له أفكار تقدمية، و شجاع، و عرف السجن و دخله بسبب أفكاره في 1919» (02) . و يعتبر بودوان دي كورتوناي من أكبر المؤثرين في الفكر اللغوي للعلامة فردينان دي سوسير لأن هذا الأخير كان قد اطلع على أبحاث دي كورتوناي – على الرغم من أنه كان مجهولا لدى أكثرية العلماء الغربيين – و التي ساعدته على وضع نظرية لسانية متكاملة و متماسكة جعلت منه أبا روحيا للسانيات و رائدا من روادها بلا منازع. و لاشك أن جاكبسون و تربوتسكوي كانا مدينين أيضا لكورتوناي في كثير من آرائهما. و قد اشتهر بودوان دي كورتوناي بأبحاثه الصوتية، و لاسيما تلك المتعلقة بالفونام – باعتباره أصغر وحدة صوتية في النظام الصوتي (الفونولوجي) غير القابلة للتقسيم إلى وحدات فونولوجية أصغـر- « و قد كتب دي كورتوناي عن كروسفسكي، موضحا أهمية الأفكار التي عرضها في رسالته للدكتوراه و تعد مقدمة هذه لرسالة، التي نشرت منفصلة في عام 1881 تحت عنوان "حول التغيرات الصوتية" عملا أساسيا من أعمال مدرسة قازان، و فيها عبر أوضح تعبير عن المفاهيم التقدمية للفونام» (01) . و يعتبر بودوان دي كورتوناي من أنصار المدرسة العقلية النفسية في النظرة إلى الفونام، حيث ترى هذه المدرسة أن الفونيم صوت واحد له صورة ذهنية تجريدية، يستطيع المتكلم استحضاره في ذهنــــــــــه و يحاول لا شعوريا أن ينطقها في الكلام الفعلي، و قد ينجح في ذلك، و قد لا ينجح، و التوضيح ذلك سأعرض المثال التالي: " لنفرض أن متكلما عربيا استحضر في ذهنه صورة الفونيم المسماة (نونا) قد ينجح هذا المتكلم في تحقيق هذه الصورة و إبرازها بصورة مادية حينما ينطق النون في نحن (وهي أسنانية لثوية)، و لكنه قد يفشل في أماكن أخرى و ينطق صورا أخرى تقترب من هذه النون، و ذلك كالنونات في (انظلم) و (انكسر) و بذلك فهو يحاول أن يأتي بأقرب صوت إلى هذه الصورة و إن لم يماثلها تمام المماثلة" . و لقد كان بودوان دي كورتوناي ذا وعي عميق بالقيمة الوظيفية للفونام على حد تعبير جورج مونان – كما كان قد أعطى الفونام تفسيرا نفسيا، حينما قال بضرورة التمييز بين نوعين من علم الأصوات أحدهما: علم الأصوات العضوي: و تتمثل وظيفته في دراسة الأصوات المنطوقة بالفعل. و ثانيهما: علم الأصوات النفسي، و هدفه دراسة الصور الذهنية للأصوات التي تمثلها أو التي تحاول تحقيقها الأصوات المنطوقة. و قد جره هذا العمل إلى التفريق بين نوعين من الكتابة الصوتية: 1- كتابة الأصوات المنطوقة بالفعل. 2- كتابة الفونيمات أو الصور الذهنية أو الأصوات التي يحاول المتكلم نطقها سواء نجح في ذلـك أو فشل(02) و من الملاحظ أن رائد الدراسات الصوتية الوظيفية (الفونولوجية) في مدرسة براغ - كما رأيت- ألا و هو تروبتسكوي قد تأثر - في تحديده لمفهوم الفونام – إلى حد بعيد بأفكار دي كورتوناي حول الفونيم، و يتمثل هذا التأثر في ضرورة التمييز بين ما يلفظه المتكلم حقا – أي الصوت الخام في الكلام – و بين ما يظن المتكلم أنه يلفظه و المستمع أنه يسمعه – أي الفونام – و لم يقتصر أمر التأثر بدي كورتوناي و تلميذه كروسفسكي على تروبتسكوي وحده، بل كانت أفكارهما الثورية باعثا قويا لنشأة النظريات اللسانية الثورية عند كل من دي سوسير و حلقة براغ. و إلى جانب دراستهما للفونام « أكدا بودوان و كروسفسكي الحاجة إلى تمييز كل من اللغة التي تنتمي إلى الكيان الكلي لجماعة اجتماعية بعينها (بالمعنى الذي يعبر عنه مصطلح "اللسان" ﴿Langue﴾ عند دي سوسير) عن كلام الفرد (مصطلح "الكلام" Parole)). و أكدا أهمية الملاحظة اللسانية لتطور الحقائق اللسانية في لحظة زمنية بعــينها (الدراسة الآنية)» (03) من الأفكار اللغوية التي تنسب لبودوان اكتشاف لظاهرة التجديد الفونولوجــي( Neutralisation﴿﴾ و المراد بها إبطال التقابل بين الفونيمات)، و الحاحه على أهمية اللسانيات الثباتية (أوالسكونية) ﴿ Statique﴾- و هي ذاتها اللسانيات التزامنية التي نادى بها دي سوسير – و مشروعيتها في ظل مقابلتها باللسانيات التاريخية، غير أنه لا يصل إلى درجة الفصل المنهجي القاطع بين الدراستين كما هو الحال عنــد دي سوسـير (01). و هذا يعني أنه على الرغم من المنجزات اللسانية الثورية و الهامة التي أتى بها بودوان دي كورتوناي من تطوير أول مفهوم حديث عن الفونيم إلى القول بالدراسة الآنية للظواهر اللغوية ... إلا أن بودوان قد أصَّرَ على اعتبار العامل النفسي أساسيا في الدراسات اللغوية – و هذا ما أعابه عليه العديد من اللسانيين و من بينهم تلميذه كروسفسكي – . و مثال ذلك أنه « اهتم قبل 1889 بعلاقات اللغة بالعوامل النفسية و الاجتماعية، و اعتبر هذه العلاقات نفسية، فهو يرى أن اللغة حدث نفسي، بمعنى إن تطورها مشروط بالعوامل النفسية، و في رأيه لا توجد لغة روسية مثلا و إنما هناك كلام فردي و بمعنى آخر تفكير لساني فردي » (02). و هذا ما مكنه من اكتشاف الفرق بين الفونيم من حيث هو صورة تجريدية مفترضة فيما يمكن أن يظنه المتكلم أو السامــع و بين الصوت في شكله الخام. و « رغم وجود شيء من التقارب بين دي سوسير و بودوان حول بعض الملاحظات و الأفكار اللسانية مثل مفهوم الفونيم و مفهوم النظام إلا أن ما جاء به دي سوسير في لسانياته يبدوا أعمق و أبعد مما توصل إليه بودوان» (03) . و رغم كل هذا يظل بودوان دي كورتوناي و تلميذه كروسفسكي رائدين من رواد الدراسات اللسانية البنيوية الحديثة نظرا لما قدماه من أفكار لغوية ثائرة كانت سببا في انتعاش لسانيات دي سوســــير و حلقة براغ. 2-4- مدرسة فورتوناتوف أو مدرسة موسكو:مؤسس هذه المدرسة هو الباحث اللساني الروسي فيليب فيدورفيتش فورتوناتوف Filip Fedorovic Fortanatoy Troubetzkoy) ( (1914-1848)، كان أستاذا للنحو المقارن بجامعة موسكو، و كان معاصرا لبودوان دي كورتوناي، و قدم عدة أفكار لغوية تقدمية أيضا بالنسبة للزمن، و إن لم تبلغ مبلغ آراء دي كورتوناي في حقبة قازان. و من الأعمال التي قدمها هذا اللساني ما يلي: • استطاع أن يدرك الأهمية التي يمكن أن ينطوي عليها التفريق المنهجي بين الرؤية التزامنية (الآتية) و الزمانية (التاريخية). • و كان قادرا بحدسه المتميز اختيار المعايير الخاصة بالتحليل اختيارا صحيحا، فتجنب ـ بنجاح – إدخال علم النفس في اللسانيات .(04) • و كانت أفكار فورتوناتوف المنهجية مصدر إلهام للعمل الذي قام به أعلام بارزون في الدراسات السلافية مثل بشكوفسكي﴿Peskovsky ﴾، شاخماتوف ﴿Saxmatoy ﴾، بيليتش ﴿Belic﴾ و قد ظلت تقاليد مدرسة فورتوناتوف مستمرة في الاتحاد السوفياتي في السنوات الأولى التي أعقبت الثورة الروسية » (01). و لم تختف مدرسة فورتوناتوف إلاّ بعد أن تركت آثارها في الأقطار السلافية ، فقد كان لمؤسسها فورتوناتوف تلاميذ موهوبون اعتنقوا آراءه التقدمية في اللغة و طوروها بالممارسة، و لاسيما تلميذه المخلص ألكسندر بليتش ﴿ Alescamder Belic ﴾ ( 1960-1876) الذي كان من بين أساتذته عدد من أعلام النحاة المحدثين، و من إسهاماته اللسانية ما يلي : • تتعلق أفكاره الأصلية – التي انبثقت في أغلبها من دراسة الجادة للغة الصربوكراوتية ـ بنظرية تجاوز العناصر اللغوية﴿ Theovy of sgntagmatics ﴾ (و هي التي تعنى بدراسة أنماط تآلف الكلمات على المستوى النحوي). • تمكن من لفت الانتباه إلى بحث الوظيفة البنيوية للكلمات، حتى يمكن فهم كل من الاختلافات في تركيبها الصرفي و مبادئ تسلسلها. (02) 3-4- حركة الشكلاينين الروس ﴿Les Formalists Russes﴾: 1-3-4- نشأة المدرسة الشكلية : نشأة الشكلانية الروسية (le Formalisme russe) في أحضان حلقتي موسكو اللغوية، و بطرسبورغ خلال سنوات ما بين (1930-1915)، و ضمت شخصيات مختلفة منها رومان جاكبسون، فيكتور شكلوفسكي، بوريس ايخنباوم، و غيرهم من نقاد الأدب و علماء اللغة الذين وحدوا هاتين الحلقتين نتيجة اهتمامهم المشترك بدراسة اللغة . يقول جاكبسون ﴿Jakobson﴾ : « في شتاء 1915-1914 أسس بعض الطلبة تحت رعاية أكاديمية العلوم حلقة موسكو اللسانية، رغبة في تشجيع اللسانيات و الإنشائية، مثلما عبر عن ذلك، البرنامج الذي قدمه منظمو هذه الحلقة لسكرتير الأكاديمية، اللساني الشهير "شخمتوف﴿ Shakhmatov﴾ ولقد كانت لمبـــــــــادرة " أ،بريك ﴿ O. Brike ﴾ الذي سانده فريق من الباحثين الشباب الفضل في نشر أول كتاب جماعي للدراسات المتصلة بنظرية اللغة الشعرية في " لينينغراد 1916" كما كان له الفضل بعد ذلك، أي في بداية 1917في تشكيل "جمعية دراسة اللغة الشعرية الجديدة" التي عرفت بالاسم المختصر ﴿ Opiaz﴾ و التي ستتعاون بصورة وثيقة مع "حلقة موسكو" » (03) . إن هذه الشهادة التاريخية – لواحد من أهم ممثلي هذا الاتجاه – تؤكد فكرتين أساسيتين الأولى، هي التزامن التاريخي بين ظهور الشكلانيين مع حلقة "جنيف" حيث انتقل البحث اللغوي إلى المجــــــــال التزامني و تغيرت مهمة علم اللغة المقارن إلى علم اللغة بذاته. يتجلى ذلك في إنشاء حلقة موسكو اللسانية سنة 1915 و صدور كتاب دي سوسير سنة 1916. و النقطة الثانية تظهر تميزا الشكلانيين عن اللسانيين و ذلك في ارتباطهم بالأدب عامة و باللغة الشعرية بشكل خاص، و هذا ما يدل عليه التحاق "Opiaz" بحلقة موسكو اللسانية لأنها تهدف إلى دراسة اللغة الشعرية مستندة في ذلك إلى ما توصلت إليه الدراسات اللسانية.(01) و الشكلية (Formalisme) تعني الاهتمام بالشكل، أي المظاهر التركيبية للعمل الأدبي، ذلك أن الشكليين قد رفضوا الفصل بين الشكل الفني و المضمون، و أعلنوا استقلال و أولوية الشكل في الأعمال الأدبية و الفنية لأن هدفهم هو خلق نظرية أدبية محصرة تقوم على العمل الأدبي في حد ذاته دون أخذ المقاربات الاجتماعية. و النفسية، و الثقافية... في الاعتبار و التي كانت تؤلف أساس العمل النقدي السابق -2-3-4مبادئ و اهتمامات الشكلانيين : يقول الدكتور صلاح فضل معبرا عن منهج الشكلانيين الروس في الدراسات الأدبية و اللغوية: « و في تحليلاتهم لبنية الوقائع الأدبية – على حد تعبيرهم – و ميكانيزم العملية الأدبية كانوا يجنحون إلى استبعاد الثنائية التقليدية المكونة من الشكل و المضمون و إحلال فكرتين محلهما: "المادة" من ناحية و الوسيلة أو الأداة أو "الإجراء" من ناحية أخرى لأن هذه المصطلحات الأخيرة تتسم من وجهة نظرهم بعدة ميزات منهجية، إذ يتم بها انقاذ وحدة العمل الأدبي العضوية إذ إن فكرة التعايش في الشيء الجمالي بين عنصرين متعاصرين و قابلين للانفصال في الظاهر توحي بوجود مرحلتين متعاقبتين في العملية الأدبية، المرحلة السابقة على التشكيل الجمالي و المرحلة الجمالية». (02) هذا يعني أن الشكليين قاموا بتحديد مجال الدراسة الأدبية و اللغوية برفض العلوم المجاورة لها على اعتبار أنها عوائق، جعل الموضوعات الأدبية – بالتالي – مادة للنقد الأدبي، رابطين بينها و بين نظرية جمال مستقلة بدورها عن نفسية المبدع من ناحية و عن الموضوع الاجتماعي الذي يشير إليه بأدواته و إجراءاته الخاصة من ناحية أخرى، و على هذا يكون الشكليون أول من ألغى التمييز بين الشكل و المضمون. و يرى ايخنباوم – أحد أقطاب الشكلية - « أن مصطلح "المنهج الشكلي" يجب أن يفهم كمصطلح تاريخي، و لكن لا يجب الاعتماد عليه كتعريف صالح، لأنه لا "الشكلانية" و لا "المنهجية" كنظرية جمالية و نظام علمي محدد، هما اللتان تميزان أتباع الشكلانية عن غيرهم بل رغبتهم في خلق علم أدبي مستقل انطلاقا من الخصائص الجوهرية للمادة الأدبية» (03) . و من الواضح أن هذا الاعتراف سيقودني إلى إبراز الأجواء العامة التي عصفت بالمنهج الشكلي من ناحية و التي كانت سببا في بروزه من ناحية أخرى، و من أهم هذه الأجواء ما يلي: 1- لقد ولدت المدرسة الشكلية خلال فترة المخاض الروسي والتي انتهت بقيام الثورة الاشتراكية عام 1917 و في الجانب المقابل، ألا و هو الجانب الأدبي و النقدي « تولى جماعة من الشعراء المجددون من أنصار المستقبل و النقاد الطليعيون الدعوة إلى أن يكون الشكل الثوري ضرورة جوهرية للفن "البروليتاري" مثله في ذلك مثل المضمون الثوري. و ساعده على ذلك المناخ العام الذي كان مهيئا لتقبل الجديد و احتقار القديم مهما كان» (01) و هذا يعني – أيضا – أن الشكلين لم يواجهوا أية مصاعب في تطوير أعمالهم بحرية في البداية لانشغال الحكومة عنهم بالحرب الأهلية و التدخلات الخارجية و ما ترتب عليها من أزمات اقتصادية و اجتماعية. متأثرين في انطلاقتهم الأولى بأفكار المستقبلين. و قد ساعدهم هذا الالتقاء مع المستقبليين إلى تمهيد الطريق في شن نزاع مع الرمزيين، لأن الآخرين كانوا – هم أيضا – ضد الرمزيين. و لذلك فقد كانت أولى المعارك التي خاضتها جماعة الأبوجاز (Opiaz) (اختصار للعبارة الروسية جمعية دراسة اللغة الشعرية) كانت ضد الرمزين الذين اشتهروا بالغموض و تغليب الفكرة المجردة عن الواقع الملموس، و نهوضهم على مبدأ نقدي يؤكد أن مهمة الشعر هي التعبير عن شيء لا يمكن صياغة في قالب محدد و لا يمكن الاقتراب منه بأسلوب مباشر « فالرمزية Symbolisme حركة روحية مثالية لدرجة التصوف، و الصلة في إبداعاتها بين الدال و المدلول تحتاج إلى حس مرهف و نظرة ثاقبة لرصدها و تفسيرها» (02). غير أن الشكليين كثيرا ما تذمروا و استاءوا من الدلالات الميتافيزيقية التي أغرق فيها الرمزيون الأدب عامة و الشعر بصفة خاصة. و نظرا لتأثر الشكليين بالأفكار السوسرية في اللغة من جهة و رغبتهم في وضع نظرية أدبية خاصة تنطلق من دراسة العمل الأدبي في ذاته. بات لزاما عليهم إيجاد علم أدبي انطلاقا من الخصائص الجوهرية للمادة الأدبية التي هي المادة اللغوية في حد ذاتها لإدراكهم أن ما يميز النص الأدبي عن غيره هو اللغة باعتبارها ذات وظيفة جمالية. 2 - لا أحد يستطيع إنكار العلاقة الوطيدة بين اللسانيات و الأدب، فهذه العلاقة قد حظيت باهتمام واسع من النقاش ضمن النظرية الأدبية المعاصرة. و هذا يدل على أن اللغة عنصر أساسي في الإنتاج الأدبي و أن نص الأدبي الذي لا يقوم على لغة أصلية و أسلوب واضح و دقيق في تلك اللغة فإنه يكون مبتورا، و لا يستطيع أن يؤدي الهدف الذي ينشده حسبما هو مرغوب. و من الملاحظ أنه منذ نهاية القرن التاسع عشر اكتشف النقاد المعاصرون أنه من الصعب تجاهل مشاكل الشكل اللغوي. هذه المشاكل التي حلت و ستحل في ضوء المنهج اللساني الحديث. هذا المنهج الذي وضع أسسه الأولية فردينان دي سوسير، الذي على الرغم من أنه لم يدون أفكاره أو ينشرها، غير أن محاضراته أمام طلبته كانت كفيلة بفتح آفاق البحث اللساني على معطيات جديدة و مبتكرة، و أولها أهمية مقولاته ثنائية التركيب مثل: اللغة و الكلام / الدال و المدلول / التزامن و التعاقب/ الاستبدال و التركيب/ الغيــاب و الحضور/ التعيين و الإيحاء. فهذه الآفاق اللسانية الحديثة كان قد تأثر بها الشكلانيون أيما تأثر أدى بهم إلى خلق نوع جديد من الدراسة اللغوية للنصوص الأدبية و النقدية تقوم في المقام الأول على اتخاذ الأدب وسيلة – بالغة التطور- من وسائل الاتصال. 3- و في اعتقادي أن قوة الدفع الأولى لهذه الحركة الشكلية تمثلت في الشخصيات العلمية البارزة التي ساهمت في تشكيل هذه المدرسة، و يأتي على رأسها اللساني الكبير رومان ياكسبون « الذي واكب العلم الألسني زهاء نصف قرن، و أسهم ليس فقط في إثراء هذا العلم بالمبادئ و المفاهيم و الأفكار التحليلية، بل أطلق العنان للمنهجية الألسنية و التقنية التحليل فيها لدخول ميادين شتى من المعرفة البشرية» (01)، إضافة إلى أنه قد بين منهج المدرسة وربط بين اللسانيات و الشعرية باعتبار أن كليهما يبــحث في الوظيفة الجمالية للغــــة. 3-3-4- الشكلية و الفن: تحرص النظرية الشكلية في تعاملها مع الفن، على استقلاله عن بقية الأنشطة الحياتية اليومية حتى يؤدي دوره النابع من طبيعته و غير المفروض عليه من خارجه. و في هذا – أيضا- نوع من الرد على المعتقدات التقليدية السابقة التي كانت تركز على العلاقة الوثيقة التي تربط بين الفـــــن و التجربة الحياتية المعاشة خارج مجال هذا العمل، الذي ليس في نظرهم سوى مرآة عاكسة للحياة الاجتماعية التي قد ينهل منها أحيانا و يحاول توضيحها. و لما كان العمل الأدبي أرقى أنواع الفنون، فإن الشكليين انطلقوا في أعمالهم من منطلق دراسة العمل الأدبي في ذاته، بعدما كان مجرد أداة لتوصيل رسالة معينة. لكن علي أن ألاحظ أن النظريات السياقية للعمل الأدبي أو الفني تركز على مختلف مواطن التأثر و التأثير بين هذا العمل و بين الأشياء الخارجية مثل: العوامل الاجتماعية، و النفسيــــــة، و التاريخيـــة و الفلسفية، و الأخلاقية، و غيرها باستثناء حياته الجمالية، لأن الإدراك الجمالي – كما سبق و ذكرت – يتركز على العمل في حد ذاته. و من هنا يمكنني القول أن النظرية الشكلية كانت على جانب كبير من الصواب حينما ركزت دراسة العمل الأدبي في ذاته بدل جعله وسيلة تنتهي وظيفتها و قيمتها بمجرد تحقيق الهدف منها في الحياة اليومية و من ثم فموضوع علم الأدب هو الأدب نفسه، و ليس مجرد ذريعة للإفاضة في دراسات جانبية أخرى. وقد تكون هذه لفتة إلى الاستخدام النصي للغة التي تكتسب معناها من داخل النص و ليس من خارجه – على الرغم من أن البحوث اللغوية و الأدبية في تلك الحقبة من الزمن لا زالت بعيدة عن تحقيق نظرية متكاملة في اللغة، يقول اللساني الكبير رومان جاكبسون محددا منهج الدراسة الأدبية: « إن هدف علم الأدب ليس هو الأدب في عمومه. و إنما أدبيته (*)، أي تلك العناصر المحددة التي تجعل منــه عمــلا أدبيا» (01). و قبله قال شلوفسكي (عام 1917): « إن غرض الفن هو نقل الإحساس بالأشياء كما تـــدرك و ليس كما تعرف، و تقنية الفن هي إسقاط الألفة عن الأشياء أو تغريبها، و جعل الأشكال صعبة، و زيادة صعوبة فعل الإدراك و مداه; لأن عملية الإدراك غاية جمالية في ذاتها و لابد من إطالة أمدها. فالفن طريقة لممارسة تجربة فنية الموضوع، أما الموضوع ذاته فليس له أهمية» (02) . و من هنا فقد استخدم شلوفسكي للتعبير عن أكثر مفاهيمه جذبا للانتباه مصطلح "التغريب"، و في المصطلح دعوة إلى أمرين أساسيين هما: 1- ضرورة استقلال الأعمال الأدبية، « خاصة في الأمرين التاليين: الاستقلالية في علم الأدب (بوصفة مقاربة علمية) و في العمل الأدبي (بوصفة مادة بحث نوعي)» (03) . و بالفعل فقد ظهرت الشكلية في فترة كانت الحلقات الأكاديمية و التقليدية مازالت متمسكة بالقواعد البالية المستعارة من الفلسفة و علم الجمال و الانتربولوجيا و علم النفس ... و هذا ما ساعد على انتشـــار و تقبل طروحاتهم الثورية التي دعت أول الأمر إلى استقلال العمل الأدبي عن نفسية مؤلفه من ناحيــــــة و عن الوضع الاجتماعي الذي يشير إليه بأدواته و إجراءاته الخاصة من ناحية أخرى. 2- التركيز أو الدعوة إلى مبدأ (الآلية) في العمل الأدبي، أو كسر ألفة اللغة. و من هنا تتحد وظيفة الفن الأساسية في الامتاع و تجديد النفس البشرية، ذلك أن اللغة العادية (العامية أو الدراجة) تستخدم آليا، دون التركيز أو تردد. غير أن اللغة الأدبية أو الفنية في حصيلة عملية بناء يقوم به الأديب، و هي الوسيط بين الأدب و الحياة، لذا ينبغي أن تكون مختلفة و غريبة و غير مألوفة، لكن علينا أن ننتبه أن الرومانسيين قد سبقوا الشكليين بمائة عام عندما نادوا بكسر ألفة اللغة و العودة إلى الأشياء البسيطة. غير أن الدوافع تختلف عند الشكليين، « إن التغريب أو كسر ألفة اللغة الذي يتحدث عنه الشكليون و شلوفسكي على وجه التحديد، لا يعني العودة إلى لغة البسطاء، بل يعني تعمد غموض الدلالة. و الواقع أن الشكليين في هذا كانوا قد تأثروا بالفعل بدراسات "فردينان دي سوسير" عن اللغة، و خاصة الجناح الوضعي لمجموعة بطرسبورج الممثل في "يوري تنيانوف" ﴿Jurif Tynjanov﴾ . صحيح أن "شلوفسكي" يقترب من سوسير بطريق المصادفة العلمية، حينما يتحدث عن التغريب أو كسر الألفة بهدف "جعل الفهم أو الإدراك أكثر صعوبة"، لكن "تنيانوف" يتحدث بلغة سوسير دون مواربة حينما يعرف العمل الأدبي بأنه يتألف من حيل تتعدد وظائفها آنيا و تعاقبيا» (01). فثمة فروق واضحة بين المدرستين الشكلية و الرومانسية، ذلك أن الرومانسية تؤكد ذاتية الشاعر و القصيدة و ترى بانسحاب الشعر إلى داخل الشاعر، كما ترى في عجز العقل عن إدراك المعرفة الحقيقية ... و هذا ما تنبذه الشكلية التي تنبهر بانجازات العقل البشري نتيجة انجذابها إلى انجازات العلـــم و تطبيقاته التكنولوجية الباهرة و دعوتها - أيضا – إلى علمية القصيدة الشعرية. ذلك أن الشكليين قد تأثروا – أو ل الأمر- بالمدرسة اللغوية التي صعد نجمها في العقود الأولى من القرن العشرين و التي أصبحت المدخل الرئيسي للعديد من المشاريع النقدية. فكانت انطلاقة الشكليين بذلك من النظام اللغـــــوي « على أساس أن مادة الأدب تتمثل أولا في اللغة، على أن هذه اللغة بدورها تمثل حلقة الاتصال بين الأدب و الحياة، فوظيفة الأدب الاجتماعية تنحصر عند الشكليين في هذا العنصر، اللغوي الوسيط » (02) . هذا يعني أن اللسانيات الحديثة – و لاسيما البنيوية – تفضل التركيز على السبل التي تؤدي بها اللغات وظيفتها في الاتصال- و لما كان الأدب شكلا من أشكال الاتصال، فمن الواضح أن هذا ما جعله يتبوأ مكانة هامة في الدراسات الأدبية. و أسس هذا التطور تعود بالدرجة الأولى إلى الاهتمام باللغة، نظرا لأهميتها البالغة في الإنتاج الأدبي عامة. 4-3-4 – مدرسة باختين: تعتبر الشكلية مدرسة رائدة بزغت في العهد القيصري ثم تألقت في العهد السوفييتي تحت حكم لينين، حيث انتشرت حمى و دعاوى التحديث التي اجتاحت الدولة الحديثة لتعويض ما فاتها تحت حكم القياصرة... هكذا ذاعت أو انتشرت هذه الحركة النقدية التي جعلت الفنان أو الأديب صانعا للكلمات و الصياغات غير أنها تعرضت – خلال عمرها القصير لضغوطات شتى – تمثلت بداية في الاضطهادات السياسية المريرة التي أقامتها عليها الحكومة الروسية حيث أرغمتها على الاندماج مع الواقعيين الاشتراكيين، في منظمة موحدة أعطية لها سلطة الحزب الكاملة لوضع أبعاد السياسية النقدية و الأدبية . و هذا ما عبر عنه الدكتور صلاح فضل قائلا: « إن هناك من النقاد المتسرعين من يرى في الشكلية الروسية مظهرا من مظاهر الانحلال البرجوازي في مجتمع الثورة متعللا ببعض مبادئها اللاسياسية التي كانت تدعو إلى الفن الخالص. و بما كان يدعو إليه أحد قادتها و هو شلوفسكي في المرحلة الأولى من تخليص الفن و تجريده من عبء الحياة الباهظ الثقيل، فكان من السهل إذن اتهامها بالهروب من الالتزام السياسي المباشر» (01) . في حين أن الأمر لم يقتصر على النقاد فقط بل تعداه إلى الرئيس السوفييتي ، الجديد ستالين، فبعد تقلده الحكم عام 1924 بعد لينين قام بفرض سيطرته عن طريق وضع نهاية للتناقض القائم بين مبادئ الشكلية الروسية و بين الماركسية ، لأنه كان يشك في أهداف الشكلية الروسية التي قد تحمل في طياتها ميولا ارستقراطية ، بعكس الواقعية الاشتراكية التي كثيرا ما وضعت الأدب في خدمة أهداف الدولة السوفيتية ، و من ثم فانه " لم يكن أمام زعماء الشكلية اتجاه الهجوم العنيف إلا أحد الأمرين : إما الصمت المطلق والرضا بالموت الأدبي نهائيا ، و إما الاعتراف الصريح بخطئهم في التحليل الأدبي و إعلان التوبة النصوح ، و لم يغفر لهم في هذا المجال إنهم كانوا قد اخذوا يهتمون بالجانب الاجتماعي في الأدب على طريقتهم و اضطر أكثرهم تطرفا في الدعوة إلى مبادئ النظرية الشكلية " إلى نقد نفسه واتهام مبادئ الأبوجاز بالعقم و مجافاة الصواب واعتبارها شيئا ينتمي إلى الماضي " (02). وهذا يعني أن الشكليين قد اضطروا إلى وضع البعد الاجتماعي في الاعتبار، غير أن هذا قد أنتج قبل أن تنتهي الحركة الشكلية حوالي عام 1930 – نتيجة الرفض الرسمي لتوجهاتها بعضا من أفضل أعمال هذه الفترة ، خصوصا كتابات مدرسة باختين (Bakhtin ) التي عدلت من مسار المدرسة الشكلية حيث جعلتها تزاوج بين الشكلية والماركسية و من مؤسسيها : ميخائيل باختين( Mikhail Bakhtin) ،و يقل ميدفيدف(Pavel Medvedev ) ، و فالينتين فولوشينوف(Valentin Voloshinov ) « و لقد ظلت هذه المدرسة شكلية في اهتمامها بالنسبة اللغوية للأعمال الأدبية ، و لكنها تأثرت تأثرا عميقا بالماركسية في إيمانها بأن اللغة لا يمكن فصلها عن الإيديولوجيا ... و لكن نظرة مدرسة باختين إلى الأدب تتباعد عن الفرضيات الماركسية التقليدية حول الإيديولوجيا، لأنها ترفض معالجة الإيديولوجيا، بوصفها ظاهرة ذهنية خالصة تنشأ انعكاسا للبنية التحتية المادية (الواقعية) الاجتماعية و الاقتصادية، فالإيديولوجيا لا تنفصل عن وسيطها اللغة في مدرسة باختين» (01) . و هذا يعني أن مدرسة باختين كانت تهتم باللغة بوصفها ظاهرة اجتماعية، لأن الكلمات علامات حية تشارك المجتمع ديناميته، وهي قادرة على أن تعبر عن أكثر من معنى و أكثر من دلالة تمس طبقات المجتمع المختلفة . فقد كانت الماركسية - السابقة- ترى الفن جزء من "البنية الفوقية" للمجتمع، أي أنها جزء من أيديولوجيا المجتمع ... بمعنى أن الأدب عامة و اللغة خاصة، لا يمكن فصلها عن القضايا الحقيقية داخل المجتمع و لاسيما القضايا الاقتصادية و الاجتماعية. و من ثم تكون مدرسة باختين قد نجحت في إحداث نوع من التوافق بين مبادئ الشكلية و الماركسية . -5-3-4 البنيوية الشكلية : لقد شهد عام 1926 تفكك جماعة الشكلية الروسية، و نهاية نظريتهم في روسيا و إن كان نقاد الغرب قد اعتبروها إنجازا نقديا و أدبيا رائدا لا يجوز إهماله أو تجاوزه، فانتقل بعض أعضاءها إلى أوربا الشرقية و على رأسهم اللساني الكبير روما ياكبسون و تروبــــتسكوي و غيرهمـــا، و شكلا ما يعرف بحلقة براغ اللسانية (1948-1926) برئاسة فيلام ماثيوس و أعلام لغويين آخرين – كما رأيت سابقا- و قد أثرت هذه الحلقة على المنهج و التفكير اللغوي الحديث تأثيرا ربما يفوق تأثير أي جماعة لغوية أخرى في تاريخ علم اللغة الحديث. و لما كانت الشكلانية الروسية قد تأثرت و أخذت من مبادئ سوسير اللغوية – و إن كانت بدايات الحركة كما نعرف قد سبقت نشر كتابه (محاضرات في علم اللغة الحديث) – فإن العديد من اللغويين و النقاد من يعتبر أن مدرسة براغ، كانت أول من وحدَّ بين مبادئ اللسانيات الشكلانية و السوسرية في برنامج نظري واحد، أطلق عليه اسم "البنيوية". و قد اهتم أعضاء حلقة براغ عموما « بدراسة اللغة الشعرية : فتوصلوا إلى وجود نمطين. اللغة القياسية، و اللغة الاستشراقية، و عنوا بمشكلة المنهج الملائم للدراسة اللغوية و تبنو محور التزامن الذي اكتشفه دي سوسير و لم يتجاهلوا أهمية الدراسة التعاقبية للغة،فهي مفيدة لكشف قوانين البنية في الأنظمة اللسانية، كما اهتموا بالأصوات في الشعر و نظام المفردات الشعرية، فقادهم هذا إلى تحديد نظرية في معنـــــــــى الشعـــر. و نظرية في علاقات التتابع و نظرية في نظام أشكال المفردات أو مجاميع الأشكال فضلا عن عنايتهم القصوى بالبنية النحوية » (02). و تتألف النصوص الرئيسية لمدرسة براغ اللسانية من البيان المعروف باسم أطروحــات ياكبـــسون- تنيانوف(1928)- أي تاريخ انعقاد أول مؤتمر دولي للسانيات بلاهاي- ومن أهم ما ورد في هذه الأطروحات- في إطار المشروع البنيوي – ما قاله موكاروفسكي (Mokarovsky) « من وجوب خضوع العمل الفني للتحليل من مبدأ كونه محصلة قوتين : الحركة الداخلية للبنية، و التدخل الخارجي . إن أولى المهمات المطلوبة هنا هي تعيين مفهوم البنية (Structure) و تحديده. و يجهد موكاروفسكي لإثبات أن الطبيعة المتميزة لهذه الكلية ناتجة عن بنية جمالية، و ليست عن صيغة أو إنشاء مخطط أو كلية جمع كــمي »(01). هذا يعني أن موكاروفسكي ينطلق في تحليله النقدي من العوامل غير الأدبية، لأن أي إنتاج فني –في اعتقاده- لابد و أن ينطلق من العلامة الديناميكية الحاصلة بين الأدب و المجتمع وهو ما يسميه " بالوظيفة الجمالية" ذات الطبيعة المتحركة و الدائمة التحول بين عناصرها الداخلية و الخارجية، و كل عنصر من هذه العناصر يشكل ما يعرف بالبنية، التي تعتبر- بدورها- وظيفة لا يمكن فهم عناصرها المختلفة إلا من خلال ارتباطها بالمجموع . فالشكلانيون حينما ألفوا التمييز بين الشكل و المضمون، إنما ليحلوا مفهوم البنية محله باعتبارها تشكل كل أوجه النص الأدبي من الصوت الواحد إلى الموضوع، أي أن النص قد أصبح مجموعة من العلامات اللغوية - حسب المفهوم السوسري - ، يقول موكاروفسكي مبينا هذه الحقيقة :«...يختلف الإصلاح الشعري عن الإصلاح التواصلي من خلال إضعاف علاقته مع الواقع لصالح تسلسله الدلالي في السياق النصي، تتلاقى في الشعر الوظائف التطبيقية للغة، و هي التقديم و التعبير و الدعوة و تخضع الوظيفة الجمالية التي تجذب الاهتمام نحو الرمز نفســه، و يدين السياق في الشعر بأهمية لهيمنة هذه الوظيفية » (02) . الموضوعالأصلي : اللسانيات البنيوية الأوروبية // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: berber
| |||||||
الأربعاء 8 أكتوبر - 22:08:35 | المشاركة رقم: | |||||||
Admin
| موضوع: رد: اللسانيات البنيوية الأوروبية اللسانيات البنيوية الأوروبية 4 البنيوية الشكلية : لقد شهد عام 1926 تفكك جماعة الشكلية الروسية، و نهاية نظريتهم في روسيا و إن كان نقاد الغرب قد اعتبروها إنجازا نقديا و أدبيا رائدا لا يجوز إهماله أو تجاوزه، فانتقل بعض أعضاءها إلى أوربا الشرقية و على رأسهم اللساني الكبير روما ياكبسون و تروبــــتسكوي و غيرهمـــا، و شكلا ما يعرف بحلقة براغ اللسانية (1948-1926) برئاسة فيلام ماثيوس و أعلام لغويين آخرين – كما رأيت سابقا- و قد أثرت هذه الحلقة على المنهج و التفكير اللغوي الحديث تأثيرا ربما يفوق تأثير أي جماعة لغوية أخرى في تاريخ علم اللغة الحديث. و لما كانت الشكلانية الروسية قد تأثرت و أخذت من مبادئ سوسير اللغوية – و إن كانت بدايات الحركة كما نعرف قد سبقت نشر كتابه (محاضرات في علم اللغة الحديث) – فإن العديد من اللغويين و النقاد من يعتبر أن مدرسة براغ، كانت أول من وحدَّ بين مبادئ اللسانيات الشكلانية و السوسرية في برنامج نظري واحد، أطلق عليه اسم "البنيوية". و قد اهتم أعضاء حلقة براغ عموما « بدراسة اللغة الشعرية : فتوصلوا إلى وجود نمطين. اللغة القياسية، و اللغة الاستشراقية، و عنوا بمشكلة المنهج الملائم للدراسة اللغوية و تبنو محور التزامن الذي اكتشفه دي سوسير و لم يتجاهلوا أهمية الدراسة التعاقبية للغة،فهي مفيدة لكشف قوانين البنية في الأنظمة اللسانية، كما اهتموا بالأصوات في الشعر و نظام المفردات الشعرية، فقادهم هذا إلى تحديد نظرية في معنـــــــــى الشعـــر. و نظرية في علاقات التتابع و نظرية في نظام أشكال المفردات أو مجاميع الأشكال فضلا عن عنايتهم القصوى بالبنية النحوية » (02). و تتألف النصوص الرئيسية لمدرسة براغ اللسانية من البيان المعروف باسم أطروحــات ياكبـــسون- تنيانوف(1928)- أي تاريخ انعقاد أول مؤتمر دولي للسانيات بلاهاي- ومن أهم ما ورد في هذه الأطروحات- في إطار المشروع البنيوي – ما قاله موكاروفسكي (Mokarovsky) « من وجوب خضوع العمل الفني للتحليل من مبدأ كونه محصلة قوتين : الحركة الداخلية للبنية، و التدخل الخارجي . إن أولى المهمات المطلوبة هنا هي تعيين مفهوم البنية (Structure) و تحديده. و يجهد موكاروفسكي لإثبات أن الطبيعة المتميزة لهذه الكلية ناتجة عن بنية جمالية، و ليست عن صيغة أو إنشاء مخطط أو كلية جمع كــمي »(01). هذا يعني أن موكاروفسكي ينطلق في تحليله النقدي من العوامل غير الأدبية، لأن أي إنتاج فني –في اعتقاده- لابد و أن ينطلق من العلامة الديناميكية الحاصلة بين الأدب و المجتمع وهو ما يسميه " بالوظيفة الجمالية" ذات الطبيعة المتحركة و الدائمة التحول بين عناصرها الداخلية و الخارجية، و كل عنصر من هذه العناصر يشكل ما يعرف بالبنية، التي تعتبر- بدورها- وظيفة لا يمكن فهم عناصرها المختلفة إلا من خلال ارتباطها بالمجموع . فالشكلانيون حينما ألفوا التمييز بين الشكل و المضمون، إنما ليحلوا مفهوم البنية محله باعتبارها تشكل كل أوجه النص الأدبي من الصوت الواحد إلى الموضوع، أي أن النص قد أصبح مجموعة من العلامات اللغوية - حسب المفهوم السوسري - ، يقول موكاروفسكي مبينا هذه الحقيقة :«...يختلف الإصلاح الشعري عن الإصلاح التواصلي من خلال إضعاف علاقته مع الواقع لصالح تسلسله الدلالي في السياق النصي، تتلاقى في الشعر الوظائف التطبيقية للغة، و هي التقديم و التعبير و الدعوة و تخضع الوظيفة الجمالية التي تجذب الاهتمام نحو الرمز نفســه، و يدين السياق في الشعر بأهمية لهيمنة هذه الوظيفية » (02) . و هذا يعني أن موكاروفسكي يربط بين الوظيفة الجمالية و الوظيفة الاجتماعيـــة للغــة من جهة و يعقد في الوقت نفسه مفارقة بين الدال (Signifiant) و المدلول (Signifié)، أي بين البعد المادي للرمز أو البعد الأدبي (الحدث المصطنع) و ما يفعله به الفاعل حين التفسير (الموضوع الجمالي)... و من المعروف أن مدرسة براغ قد ركزت على الجانب الوظيفي في اللغة و دراستها – كما رأيت سابقا – و هذا ما ساعدها على توضيح الفرق بين البنى الأدبية (الشعرية) و البنى غير الأدبية، من خلال توسيعها للمفهوم الشكلاني عن الوظيفة فالقصيدة الشعرية – بعد ما كانت محصورة في نطاق معين من الأدب – أصبحت حسب مفهوم البراغيين بنية ذات وظيفة تواصلية مثلها في ذلك مثل أنظمة الاتصال العاديــــــة. و هذا ما يفسر – في اعتقادي- تسمية النص الشعري "بالبنية الوظيفية"، ذلك أن « البحث الأدبي البنيوي في الغرب لا يتطرق أبدا إلى العلاقة بين الشعب و الأدب، و يهتم الباحثون السوفييت ممثلي البحث الأدبي في الغرب بميلهم الشديد إلى الحديث المسهب عن الاتصال، و عن الطبيعة الموحدة للنظم القائمة على الإشارات و التي بواسطتها تتجسد الظواهر الروحية. غير أنهم لا يتوقفون عند مسألة الأدب و الفن بصفتهما "لغة – وسيلة" للاتصالات الروحية في المجتمــــــع، و وسيلة للاتصال الفكـــــري و العاطفـي و الجمالي الموجه بصورة خاصة إلى الجمهور الواسع، إلى الشعب، كما أنهم يرفضون تقبل فكرة كون الأدب و الفن "إعلاما جماليا عن الواقع" لأن هذا كله، كما يقولون، ما هو إلا سقفا "ارسطوطالسيا" للتقيلد و افتراضا لمقولة هيغل عن الإنسان و المثل الأعلى، بينما الأدب ليس إلا مجرد "نص" » (01) . و هذا يعني أن الأدب السوفييتي (أو الروسي) في الغرب يسعى إلى هدم العلاقة التقليدية القائمة بين الأدب و المجتمع، أو أن يجعل الأدب – بذلك – منغلقا في إطاره اللغوي البحت، و على هذا الأساس يقول جان ماري أوزيا في كتابه "مفاتيح البنيوية": « بالمناسبة، هناك أدب يمكن تسميته بالأدب البنيوي، أي الأدب الذي يطرح بدرجة أساسية كظاهرة نصية و لا شيء أكثر من ذلك، و لا يمكن القول بكل وضوح عن هذا الرأي بأنه من المستحيل في عصرنا الحالي تجاهل ارتباط الأدب بالمجتمع، أو تجاهل مشكلة "أنا و الآخرون" أو رفض فكرة تأثير الشعب على المبدع. و القول بعكس ذلك يعبر عن موقف إيديولوجي رجعي» (02) . 4-3-6- الخلاصة: و ما يمكنني قوله في خاتمة هذا المبحث الخاص بالحركة الشكلية الروسية أنها قد لعبت دورا بارزا في تاريخ الحركة النقدية الحديثة و المعاصرة، فرغم التعارضات السطحية و التحتية التي يزخر بها، إلا أنه قد درج بالنص بذاته اهتماما مركزيا، يتجاوز الرؤية التقليدية التي كانت تقوم على تفسير العمل الأدبي و البحث في ثناياه عن المعطيات الخارجية المتصلة به، و كما نعلم « فالباحثون السوفييت أثناء معالجتهم للتيارات الفكرية الجديدة، إلى تحديد ما هو "قديم" في هذا الجديد أولا، و من ثم يقومون هذا التيار أو ذاك سلبا و إيجابا. و الحق أن معرفتهم الممتازة و العميقة للتراث الفكري العالمي في أواخر القرن الماضي و بداية القرن الحالي "و لاسيما الروسي الذي يتميز بتنوع و أصالة قلما عرف بلدا أوربي آخر مثيلا لهما" تجعلهم قادرين على امتلاك الوسائل الكفيلة بإيجاد جميع الخيوط الموصلة بين الجديد و القديم، هكذا فعلوا بالنسبة للبنيوية أيضا، فأعلنوا أن جذور المنهج البنيوي تمتد إلى النظريات اللغوية – الشكلية التي عرفتها روسيا في الفترة من 1916- 1923 و إن بعض طروحات البنيوية تكاد تكون تكرار لما طرحه أنصار تلك النظريات في حينه ... » (03). و قد كان الشكلانيون الروس أبرز من تأثر بالآراء اللسانية لدي سوسير، و اجتهدوا في إيجاد علم أدبي انطلاقا من الخصائص الجوهرية للمادة الأدبية التي هي المادة اللغوية في حد ذاتها لإدراكهم أن ما يميز النص الأدبي عن أي نص آخر هو اللغة في وظيفتها الجمالية. الموضوعالأصلي : اللسانيات البنيوية الأوروبية // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: berber
| |||||||
الثلاثاء 6 يناير - 22:43:40 | المشاركة رقم: | |||||||
جوهري
| موضوع: رد: اللسانيات البنيوية الأوروبية اللسانيات البنيوية الأوروبية شكراااااااااااااااااااااااا الموضوعالأصلي : اللسانيات البنيوية الأوروبية // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: نسرين
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |