جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: قسم التاريخ و الحضارة الاسلامية :: قسم التاريخ و الحضارة الاسلامية |
الإثنين 6 أكتوبر - 10:34:39 | المشاركة رقم: | |||||||
Admin
| موضوع: منهجية عابد الجابري في التعامل مع التراث: منهجية عابد الجابري في التعامل مع التراث: منهجية عابد الجابري في التعامل مع التراث: يرى محمد عابد الجابري في دراساته الفكرية والفلسفية المختلفة بأن التراث العربي الإسلامي يتمظهر بشكل جلي في العقيدة، والشريعة، واللغة، والأدب، وعلم الكلام، والفلسفة، والتصوف... ويمتد من القرن الأول حتى قبل عصر الانحطاط، ولكن دون تحديد دقيق لبدايته، نظرا لاختلاف العلماء حول بداية تراجع المسلمين وانحطاطهم. ولكن ما يهمنا - يقول الجابري-:" هو اتفاق الجميع على أن التراث هو من إنتاج فترة زمنية تقع في الماضي، وتفصلها عن الحاضر مسافة زمنية ما، تشكلت خلالها هوة حضارية فصلتنا، ومازالت تفصلنا عن الحضارة المعاصرة، الحضارة الغربية الحديثة.ومن هنا، ينظر إلى التراث على أنه شيء يقع هناك. فعلا، مايميز التراث العربي الإسلامي في نظرنا هو أنه مجموعة عقائد ومعارف وتشريعات ورؤى، بالإضافة إلى اللغة التي تحملها وتؤطرها، تجد إطارها المرجعي التاريخي والإبستمولوجي في عصر التدوين(القرن الثاني والثالث للهجرة) وامتداداته التي توقفت آخر تموجاتها مع قيام الإمبراطورية العثمانية في القرن العاشر للهجرة(السادس عشر للميلادي).أي: مع انطلاق النهضة الأوروبية الحديثة. وإذاً، فالتراث العربي الإسلامي- منظورا إليه من داخل منظومة مرجعية تتخذ الحضارة الراهنة، حضارة القرن العشرين، نقط إسناد لها-هو إنتاج فكري وقيم روحية دينية وأخلاقية وجمالية...إلخ، تقع هناك فعلا. أي: خارج الحضارة الحديثة، ليس فقط بوصفها منجزات مادية وصناعية، بل أيضا بوصفها نظما معرفية ومنظومات فكرية وأخلاقية وجمالية...إلخ. وبما أننا نعيش هذه الحضارة – على الأقل منفعلين إن لم نكن مستلبين- ونحلم بالانخراط الواعي الفاعل فيها، فإنه لابد من أن نشعر- وهذا ما هو حاصل فعلا- أننا نزداد بعدا عن تراثنا بازدياد ارتباطنا مع هذه الحضارة، وإن المسافة بين هناك وهنا تزداد اتساعا وعمقا.وهذا الشعور يغذي في فريق منا الحنين الرومانسي إليه، وفي الوقت نفسه، ينمي في فريق آخر منا الرغبة في القطيعة معه، والانفصال التام عنه."[20] زد على ذلك، يرى محمد عابد الجابري أنه من المستحيل تحقيق نهضة عربية إسلامية معاصرة، بدون أن ننطلق من تراثنا العربي الإسلامي، أو ننتظم داخل تراث غيرنا، بل علينا أن نقرأ تراثنا بأدوات جديدة، وبعقلية معاصرة، تنطلق من تصورات بنيوية داخلية، واستقراء لحيثيات الموروث مرجعيا وتاريخيا، قصد استقراء أبعاده الأيديولوجية لمحاربة التخلف، ومواجهة طغيان الاستعماري، وتقويض النزعة المركزية الأوروبية فضحا وتعرية وتفكيكا. وكل هذا من أجل تشييد ثقافة عربية أصيلة مستقبلية، تكون أرضية ممهدة لانطلاقنا حيال المستقبل، فلابد –إذاً- من خطوة إلى الوراء من أجل خطوتين إلى الأمام، بشرط أن تكون قراءتنا موضوعية قائمة على الاستمرارية والتأويل المعقلن، وذلك في ضوء تصورات معاصرة متجددة. علاوة على ذلك، لا يمكن أن تتحقق النهضة الفكرية إلا بالتعامل مع التراث داخل الثقافة نفسها، بممارسة نقد الماضي والحاضر معا:" إنه بممارسة العقلانية النقدية في تراثنا وبالمعطيات المنهجية لعصرنا، وبهذه الممارسة وحدها، يمكن أن نزرع في ثقافتنا الراهنة روحا نقدية جديدة وعقلانية مطابقة، وهما: الشرطان الضروريان لكل نهضة.[21]" وعلى وجه العموم، يرى محمد عابد الجابري بأن تعامل المفكر العربي مع التراث يطرح مشكلين متلازمين، وهما: مشكل الموضوعية.أي: كيف يمكن فصل الذات عن الموضوع في التعامل مع تراثنا العربي الإسلامي، وكيف يمكن تحقيق العلمية الحقيقية في التعامل مع الظاهرة التراثية، دون أن تكون الذات حاضرة في التعامل معها تعاطفا وتآزرا ودفاعا. وثانيا، هناك مشكل الاستمرارية، بمعنى أن التراث مازال مستمرا وممتدا في ثقافتنا المعاصرة، ومازال يحتاج إلى تجديد وقراءات مغايرة لفهمه وتفسيره، وتمثل إيجابياته ومواقفه الإيديولوجية الهادفة والبناءة. وفي هذا الإطار، يقول الجابري:" ولكن لماذا الاستمرارية؟ أولا: لأن الأمر يتعلق بتراث هو تراثنا نحن، فهو جزء منا أخرجناه عن ذواتنا لا لنلتقي به هناك بعيدا عنا، لا لنتفرج عليه تفرج الأنتروبولوجي في منشأته الحضارية والبنيوية، ولا لنتأمله تأمل الفيلسوف لصروحه الفكرية المجردة، بل فصلناه عنا من أجل أن نعيده إلينا في صورة جديدة، وبعلاقات جديدة، من أجل أن نجعله معاصرا لنا على صعيد الفهم والمعقولية، وأيضا على صعيد التوظيف الفكري والإيديولوجي.ولم لا إذا كان هذا التوظيف سيتم بروح نقدية ومن منظور عقلاني؟"[22] ومن ثم، فقراءة عابد الجابري للتراث قراءة ثلاثية الأبعاد منهجيا، ويعني هذا أن قراءة الجابريلها صورة بنيوية تكوينية، تستند إلى ثلاث خطوات منهجية أساسية، وهي: الطرح البنيوي الداخلي، والطرح التاريخي، والطرح الإيديولوجي. والآتي، أن المعالجة البنيوية الداخلية تنطلق من النص كألفاظ أولا، ومعان ثانيا، وقضايا وإشكاليات ثالثا. بمعنى أن نتعامل مع النص كمعطى، ولا نهتم بالأحكام الخارجية المسبقة حول التراث، أو الانسياق شعوريا أولا شعوريا وراء الرغبات الحاضرة، فلا بد من الانطلاق من النصوص فهما وتفسيرا وتأويلا. وفي هذا النطاق، يقول الجابري عن المعالجة البنيوية بأنها تعني:" ضرورة وضع جميع أنواع الفهم السابقة لقضايا التراث بين قوسين، والاقتصار على التعامل مع النصوص، كمدونة، ككل تتحكم فيه ثوابت، ويغتني بالتغيرات التي تجري عليه حول محور واحد.هذا يقتضي محورة فكر صاحب النص(مؤلف، فرقة، تيار...) حول إشكالية واضحة قادرة على استيعاب جميع التحولات التي يتحرك بها ومن خلالها فكر صاحب النص، بحيث تجد كل فكرة من أفكاره مكانها الطبيعي (أي المبرر أو القابل للتبرير) داخل الكل. إن القاعدة الذهبية في هذه الخطوة الأولى هي تجنب قراءة المعنى قبل قراءة الألفاظ (الألفاظ كعناصر في شبكة من العلاقات، وليس كمفردات مستقلة بمعناها). يجب التحرر من الفهم الذي تؤسسه المسبقات التراثية أو الرغبات الحاضرة. يجب وضع كل ذلك بين قوسين، والانصراف إلى مهمة واحدة هي استخلاص معنى النص من النص نفسه. أي: من خلال العلاقات القائمة بين أجزائه."[23] أما الخطوة الثانية من المنهجية في التعامل مع التراث، فتستند إلى قراءة فكر صاحب النص قراءة تاريخية، تتكئ على استقراء الظروف التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في فهم أطروحاته وتفسيرها .إن:"هذا الربط – يقول الجابري- ضروري من ناحيتين: ضروري لفهم تاريخية الفكر المدروس وجينيالوجياه، وضروري لاختبار صحة النموذج (البنيوي) الذي قدمته المعالجة السابقة .والمقصود بالصحة هنا ليس الصدق المنطقي، فذلك ما يجب الحرص عليه في المعالجة البنيوية، بل المقصود الإمكان التاريخي: الإمكان الذي يجعلنا نتعرف على ما يمكن أن يقوله النص، وما لا يمكن أن يقوله، وما كان يمكن أن يقوله، ولكن سكت عنه."[24] أما القراءة الثالثة من خطوات منهجية الجابري، فهي خطوة الطرح الإيديولوجي، بمعنى البحث عن الوظيفة أو الوظائف الأيديولوجية التي يؤديها الفكر المعني داخل سياقه الدلالي والتاريخي والمرجعي، أو داخل المنظومة المعرفية التي يشتغل فيها صاحب النص. فالكشف:" عن المضمون الإيديولوجي للنص التراثي هو الوسيلة الوحيدة لجعله معاصرا لنفسه، لإعادة التاريخية إليه.[25]" ويلاحظ أن هذه الخطوات متتابعة ومتعاقبة: مرحلة التحليل البنيوي الداخلي، ومرحلة التحليل التاريخي الخارجي، ومرحلة التأويل الإيديولوجي. ويعني هذا أن محمد عابد الجابري متأثر بطريقة من الطرائق بتصورات لوسيان كولدمان (Lucien Goldmann) صاحب البنيوية التكوينية[26]، والذي يعتمد في قراءته للآداب والظواهر السيوسيولوجية على مبدأين: الفهم والتفسير. بمعنى أن لوسيان كولدمان يقرأ النص قراءة داخلية كلية لاستخلاص البنية الدالة، ثم يقوم بتفسيرها في ضوء المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك من أجل الوصول إلى الرؤية للعالم التي يتضمنها النص المعطى، وهي رؤية إيديولوجية ليس إلا. كما يتأثر محمد عابد الجابري ببول ريكور(Paul Ricoeur) الذي يدعو إلى الجمع بين الطرح البنيوي الداخلي، و القراءة السياقية المرجعية التي تهتم بالذات والمقصدية والإحالة. ويعني هذا أن الجابري يجمع بين الذات والموضوع، وبين الداخل والخارج. وتأسيسا على ما سبق، يقول محمد عابد الجابري بأن هناك:" ثلاث خطوات متداخلة، ولكننا نعتقد أنها يجب أن تتعقب بهذا الترتيب حين ممارسة البحث.أما عند صياغة النتائج، فإن بيداغوجية الكتابة، تقتضي في المرحلة الراهنة على الأقل، الأخذ بيد القارئ من باب التحليل التكويني والطرح الإيديولوجي، والانتهاء إلى الصرح البنيوي. تلك هي عناصر اللحظة الأولى من المنهج الذي نقترحه ونحاول تطبيقه: لحظة الموضوعية أو تحقيق الانفصال عن الموضوع.أما اللحظة الثانية لحظة الاتصال به، والتواصل معه، فتعالج، كما أشرنا من قبل، مشكل الاستمرارية."[27]. ويعد كتاب:"نحن والتراث" لمحمد عابد الجابري نموذجا لهذه المنهجية ذات البعد الثلاثي(قراءة بنيوية داخلية، وقراءة تاريخية، وقراءة إيديولوجية)، بغية تقديم قراءة معاصرة للفلسفة الإسلامية مشرقا ومغربا، من خلال التركيز على بعض الفلاسفة، مثل: الفارابي، وابن سينا، وابن باجة، وابن رشد، وابن خلدون. كما أن الكتاب يدافع عن مدرسة فلسفية مغربية معروفة بإشكالية التوفيق بين الشرع والفلسفة، وذلك في مقابل مدرسة مشرقية معروفة بالتلفيق بين الشرع من جهة، والفلسفة من جهة أخرى. ويعني هذا إذا كانت الفلسفة المشرقية - كما هي عند الفارابي وابن سينا- قائمة على فلسفة الاتصال بين النص والعقل، والخلط بين أفلاطون المثالي وأرسطو المادي، من خلال استحضار أفلوطين المثالي الهرمسي أثناء عملية التوفيق، والوقوع في التلفيق أثناء المؤالفة بين الحكمة والشريعة، فإن فلاسفة المغرب قد انطلقوا منذ البداية بأن الفلسفة ليست هي الشريعة، ولكن هدفهما واحد، مادام الشرع يدعو إلى استخدام العقل والنظر البرهاني، فكذلك الحكمة أو الفلسفة، فهي تنادي إلى استخدام العقل في معرفة المصنوعات، ومعرفة الصانع. ومن هنا، فالدين ليس هو الفلسفة، ولكن يتفقان من حيث الهدف، ألا وهو استخدام العقل. وبما أن هدفهما واحد، فلابأس من الاستعانة بعلوم الأوائل، ودراسة الفلسفة والمنطق كما لدى اليونان، وهذا ما يذهب إليه ابن رشد كذلك. ويعني هذا أن فلاسفة الغرب الإسلامي – حسب محمد عابد الجابري- بعمليتهم التوفيقية هاته، والقائمة على الفصل بين الشرع والفلسفة، قد أسسوا بشكل من الأشكال مدرسة فلسفية مغربية مستقلة، تتميز كثيرا عن المدرسة الفلسفية المشرقية التي سقطت في التلفيق والخلط المنهجي، وتوظيف المؤثرات الدينية الهرمسية والغنوصية والأفلوطينية... وقد اتضحت هذه المدرسة الفلسفية المغربية مع ابن رشد على سبيل الخصوص. وفي هذا النطاق، يقول الجابري:" ننظر إلى المدرسة الفلسفية التي عرفها المغرب الإسلامي على عهد الدولة الموحدين، كمدرسة مستقلة تماما عن المدرسة- أو المدارس- الفلسفية في المشرق، فلقد كان لكل واحدة منهما منهجها الخاص، ومفاهيمها الخاصة، وإشكاليتها الخاصة كذلك.لقد كانت المدرسة الفلسفية في المشرق، مدرسة الفارابي وابن سينا بكيفية أخص، تستوحي آراء الفلسفة الدينية التي سادت في بعض المدارس السريانية القديمة، خاصة مدرسة حران، والمتأثرة إلى حد بعيد بالأفلاطونية المحدثة. أما المدرسة الفلسفية في المغرب، مدرسة ابن رشد خاصة، فقد كانت متأثرة إلى حد كبير بالحركة الإصلاحية، بل بالثورة الثقافية، التي قادها ابن تومرت، مؤسس دولة الموحدين، التي اتخذت شعارا لها:" ترك التقليد والعودة إلى الأصول". ومن هنا، انصرفت المدرسة الفلسفية في المغرب إلى البحث عن الأصالة من خلال قراءة جديدة للأصول... ولفلسفة أرسطو بالذات. إن الانفصال الظاهري بين المدرستين بوصفهما تنتميان إلى ما اصطلح على تسميته بـ "الفلسفة الإسلامية" أو " الفلسفة في الإسلام"، لا ينبغي أن يخفي عنا "انفصالا" أعمق بينهما.لقد عالج فلاسفة الإسلام، بالفعل، الموضوعات نفسها، وتناولوا المشاكل نفسها، ولكن ما يميز فكرا فلسفيا معينا- كما يقول برييه- ليس الموضوع الذي يتناوله، ولا النظريات التي يدافع عنها، " إن الأهم من ذلك هو النظر إلى الروح التي يصدر عنها، والنظام الفكري الذي ينتمي إليه". ونحن نعتقد أنه كان هناك روحان ونظامان فكريان في المشرق والفكر النظري في المغرب، وأنه داخل الاتصال الظاهري بينهما كان هناك انفصال نرفعه إلى درجة القطيعة الإبستمولوجية بين الاثنين، قطيعة تمس في آن واحد: المنهج والمفاهيم والإشكالية"[28] .إذاً، هناك قطيعة إبستمولوجية بين المدرستين: المغربية والمشرقية في مجال الفلسفة، وذلك على مستوى الطرح النظري، وعلى مستوى المنهج والمعالجة، وعلى مستوى البعد المرجعي والإيديولوجي. وهكذا، يتبين لنا بأن محمد عابد الجابري كان يقرأ المدرستين الفلسفيتين: المشرقية والمغربية، من خلال التركيز على الإشكاليات الفكرية، والاستقراء التاريخي، واستكشاف الأبعاد الإيديولوجية . ويتجلى هذا أكثر حين قراءته لفلسفة ابن طفيل إيديولوجيا:" ومما هو جدير بالملاحظة أن الفيلسوف الأندلسي يترك الطريقين متوازيين في النهاية كما وضعهما في البداية.لقد فشل حي بن يقظان في إقناع سلامان وجمهوره بأن معتقداتهم الدينية هي مجرد مثالات ورموز للحقيقة المباشرة التي اكتشفها بالعقل، فشل حي في ذلك، وعاد إلى جزيرته الشيء الذي يعني فشل المدرسة الفلسفية في المشرق التي بلغت أوجها مع ابن سينا في محاولتها الرامية إلى دمج الدين في الفلسفة . أما البديل الذي يطرحه ابن طفيل، بل المدرسة الفلسفية في المغرب والأندلس، بكامل أعضائها، فهو الفصل بين الدين والفلسفة."[29] وتتضح قراءة الجابري المنهجية بخطواتها الثلاث واضحة بشكل جلي وبين، حين قراءته لفلسفة ابن رشد، من خلال التشديد على عقلانيته وفلسفة التوفيق لديه، مع ربط ذلك بالمعطى التاريخي للغرب الإسلامي، ورصد تصور ابن رشد الإيديولوجي، انطلاقا من رؤية تاريخية معاصرة:"الخطاب الفلسفي الرشدي عقلانية نقدية واقعية.لقد تحرر ابن رشد: معرفيا من هيمنة الجهاز الإبستمولوجي الذي كرسته في المشرق مدرسة حران بكيفية خاصة والأفلاطونية الجديدة بكيفية عامة، وإيديولوجيا من العوامل الاجتماعية-التاريخية التي صاغت حلم المدينة الفاضلة الفارابية والحكمة المشرقية السينوية، فاتجه إلى معالجة العلاقة بين الدين والفلسفة بعقلانية واقعية تحفظ لكل من الدين والفلسفة هويته واستقلاله، وتسير بهما في اتجاه واحد، اتجاه البحث عن الحقيقة. إنه جزء من خطاب عقلاني واقعي نقدي تميز به الفكر العربي الإسلامي في المغرب والأندلس على عهد الموحدين، خطاب كان هو الآخر مظهرا من مظاهر الصراع السياسي الصامت أحيانا، المتفجر أحيانا بين مشرق الخلافة العباسية والفاطمية من جهة، ومغرب خرج هو والأندلس عن سلطة الخلافة منذ بداية الدولة العباسية نفسها. إن الحذر في المجال السياسي يتحول إلى نقد في المجال الفكري.إن الواقعية النقدية الرشدية لم تكن امتدادا لنفس النزعة لدى ابن باجة وابن طفيل وحسب، بل كانت تتويجا لتيار نقدي ظل يتحرك في اتجاه واحد، اتجاه رد بضاعة الشرق إلى المشرق في الفقه مع ابن حزم الظاهري، وفي النحو مع ابن مضاء القرطبي، وفي التوحيد (الكلام) مع ابن تومرت، وفي الفلسفة مع ابن رشد."[30] وهكذا، يستند الجابري في قراءته لفلسفة ابن رشد إلى استكشاف القضايا والمفاهيم الكبرى في فلسفته العقلانية، كقضية التوفيق بين الدين والفلسفة، واستقراء الظروف التاريخية التي عرفها المشرق والمغرب على حد سواء، وذلك لعقد مقارنة فكرية ومنهجية بين فلسفة الشرق وفلسفة الغرب الإسلامي، مع رصد كل الأبعاد الإيديولوجية التي كانت تعبر عنها فلسفة ابن رشد التوفيقية. تقويم قراءة عابد الجابري: يتبين لنا، مما سبق قوله، بأن قراءة محمد عابد الجابري للتراث العربي الإسلامي قراءة بنيوية تكوينية قائمة على استقراء الداخل النصي، واستكشاف المرجع الخارجي التاريخي والأيديولوجي. بيد أن ما يؤخذ على الجابري موقفه من المستشرقين، حيث يعتبر رؤيتهم في التعامل مع التراث رؤية سلبية، إما تاريخية وإما ذاتوية وإما فيلولوجية. بيد أننا نجد من المستشرقين من كان موضوعيا في تعامله مع التراث العربي الإسلامي، بل هناك من دافع عن هذا التراث بطريقة علمية، فبين أثر الحضارة العربية الإسلامية على الغرب كله، كما فعلت المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه (Sigrid Hunke) في كتابها: "شمس العرب تسطع على الغرب"[31]. كما أن كثيرا من هؤلاء المستشرقين قد حققوا النصوص التراثية تحقيقا علميا وموضوعيا، ولولا هذا التحقيق لما استطعنا الوصول إلى كثير من المؤلفات العربية الإسلامية الرائدة، وهذا ما يتجلى بينا في مجال تحقيق الدواوين والمخطوطات والنصوص الأدبية. ويعني كل هذا أن المستشرقين خدموا تراثنا بشكل من الأشكال، ومهما كانت نواياهم سلبية أو إيجابية. ولم لا نستفيد من مناهج المستشرقين والماركسيين في التعاطي مع النصوص التراثية؛ فهي قد تساعدنا بحال من الأحوال في فهم بعض الجوانب من هذا التراث الإنساني؟***8252; وحينما يتكئ محمد عابد الجابري منهجيا على البنيوية التكوينية، فإنه لا يأخذها بحذافيرها، كما هي واضحة بينة عند صاحبها لوسيان كولدمان، بل يأخذ روحها العامة ومنظورها الفلسفي، دون الأخذ بمفاهيمها الإجرائية، كالفهم والتفسير، والتماثل، والبنية الداخلية، والرؤية للعالم... فهو يأخذ منها تصورها الجزئي، دون أن يستلهم مبدأ التماثل الذي يعني تجاوز القراءة الانعكاسية المباشرة، والانتقال إلى قراءة تماثلية يتطابق فيها الداخل مع الخارج، ولكن بطريقة غير مباشرة. كما أن قراءة الجابري قائمة على تعدد المناهج: المنهج البنيوي، والمنهج التاريخي، والمنهج الإيديولوجي. ويعني هذا أن ثمة تنافرا بين هذه المناهج، فكيف يمكن الجمع بين المنهج البنيوي الداخلي مع المنهج التاريخي والمنهج الإيديولوجي باعتبارهما منهجين خارجيين؟***8252; كما أن البنيوية – نظريا ومنهجيا- لا تتعامل مع العتبات الخارجية كصاحب النص والمعاني المباشرة، بل تنطلق من قراءة المفاهيم الشكلية للوصول إلى الدلالات الثابتة، عبر علاقات الاختلاف والتضاد والتناقض. في حين، نجد لدى الجابري تلفيقا منهجيا واضحا من خلال الجمع بين مناهج متداخلة ومتنافرة إبستمولوجيا رؤية وإجراء وتصورا . وهناك سؤال آخر ملح ولافت للانتباه، فهل يمكن أن يكون التراث بالفعل نقطة انطلاق إيجابية لنهضتنا العربية الحديثة والمعاصرة؟ ألا يمكن أن يكون تراثنا عائقا أمام تحقيق نهضة علمية تكنولوجية سريعة؟ والآتي، أنه كم سيستغرق تفكيرنا في إشكالية التراث؟ لأننا ضيعنا الوقت الكثير في معالجة إشكالية التراث، ومناقشة ثنائية الأصالة والمعاصرة. وبالتالي، لم نصل إلى نتائج ملموسة أو نتائج يقينية لها مردودية فعالة في واقعنا الاجتماعي والثقافي والفكري والسلوكي.وفي هذا الصدد، يقول الباحث اللساني المغربي عبد القادر الفاسي الفهري:" إنه يمكن أن يتوخى من التراث انطلاق النهضة.كذلك يمكن أن ننظر إلى التراث كعائق للنهضة.وهذا شيء ليس من باب التمني، ولا من باب عدم التمني، ولكنه شيء موجود وفعلي، وهو أن التراث في كثير من الأحيان عائق لهاته النهضة، وفي المجال اللغوي والمجال اللساني أتحدث عن تجربة. كانت الدعوة إلى التراث، في كثير من الأحيان، ومازالت، عائقا للتطور وللتصور ولحل مشاكل اللغة العربية، فمشاكل اللغة العربية الفعلية يمكن أن نتحدث عنها، وأن نقف عندما يقدم لنا التراث من حلول لها إذا أردنا، مثلا، أن نضع كتابا مدرسيا، كتابا لقواعد اللغة العربية، فما هي الحلول التي يقدمها لنا التراث؟ وماهي الحلول التي يمكن أن نستخلصها من اللسانيات الحديثة؟إذا أردنا أن نحل مشكل التعريب، وهو مشكل فعلي، ما هو التنظير أو ما هو المنهج الذي يمكن أن يأتي عبر التراث؟ إن التراث في كثير من الأحيان، يجعلنا نتأخر عن ظرفنا، ونبقى دائما في زمان التراث لا زماننا الحالي والمستقبلي.هناك تراجع وعدم ولوج التاريخ."[32] وعليه، فهناك – إذاً- انتقادات لتصورات الجابري تتعلق بالمنهج من جهة، وانتقادات تتعلق بإشكالية التراث من جهة ثانية. خلاصة تركيبية: وخلاصة القول، يتبين لنا بأن منهجية محمد عابد الجابري في تعامله مع التراث العربي الإسلامي، وبالأخص في مجال الفكر والفلسفة، منهجية بنيوية تكوينية تعتمد على خطوات ثلاث، وهي: أولا، المعالجة البنيوية الداخلية التي ترتكز على استقراء دلالات الألفاظ والمفاهيم، واستكشاف المعاني والمعطيات الدلالية، وتحديد القضايا والإشكاليات. وثانيا، المعالجة التاريخية التي تعنى بتبيان الأبعاد التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي أفرزت هذه الإشكاليات الفكرية والفلسفية المطروحة من قبل صاحب النص. وثالثا، الوظيفة الإيديولوجية التي يحويها النص أو المعطى الدلالي أو الفكري الداخلي[33]. ومن هنا، فمنهجية الجابري تقوم على مجموعة من المبادئ الرئيسية، وهي: ضرورة القطيعة مع الفهم التراثي للتراث، وفصل المقروء عن القارئ لتحقيق الموضوعية، ووصل القارئ بالمقروء لتحقيق الاستمرارية، والاعتماد على رؤية منهجية قائمة على وحدة الفكر ووحدة الإشكالية، والانطلاق من تاريخية الفكر برصد الحقل المعرفي والمضمون الأيديولوجي، حين التعامل مع الفكر الإسلامي والفلسفة على سبيل التخصيص. [1] - ابن منظور: لسان اللسان ، تهذيب لسان العرب، هذبه بعناية: المكتب الثقافي لتحقيق الكتب، تحت إشراف الأستاذ عبد أحمد علي مهنا، الجزء الثاني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 1993م، ص:728-729. [2] - د. محمد عابد الجابري: ( التراث ومشكل المنهج)، المنهجية في الأدب والعلوم الإنسانية، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1986، ص:72-73. [3] - د. محمد عابد الجابري: ( التراث ومشكل المنهج)، ص:73-74. [4] - د. محمد عابد الجابري: ( التراث ومشكل المنهج)، ص:74. [5] - أحمد العلوي: ( مناقشة مقال عابد الجابري حول التراث ومشكل المنهج)، المنهجية في الأدب والعلوم الإنسانية، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1986، ص:97. [6] - سعيد بنسعيد: ( مناقشة مقال عابد الجابري حول التراث ومشكل المنهج)، المنهجية في الأدب والعلوم الإنسانية، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1986، ص:89. [7] - انظر محمد عابد الجابري: الخطاب العربي المعاصر، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، دار الطليعة ، بيروت، لبنان، مايو 1982م،ص:37. [8] - د. عبد الله العروي: أزمة المثقفين العرب، تقليدية...أم تاريخية، ترجمة د.دوقان قرطوط، ص:1581. [9] - د. حسن حنفي: التراث والتجديد، موقف من التراث القديم، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ص:17. [10] - انظر تصور الباحث في مجلة: المستقبل العربي، لبنان، العدد:29يوليو 1981، السنة الرابعة، ص:133. [11] - عباس الجراري: الثقافة في معترك التغيير، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، ص:56-57. [12] - د. علي زيعور: التحليل النفسي للذات العربية وأنماطها السلوكية والأسطورية، دار الطليعة/ بيروت، لبنان، الطبعة الأولى ، ص:115. [13] - انظر: أدونيس: الثابت والمتحول، دار الساقي، بيروت، لبنان، الطبعة التاسعة 2006م. [14] - د. محمد عابد الجابري، نفسه، ص:77. [15] - محمد عابد الجابري: نفسه، ص:80. [16] - عابد الجابري: نفسه، ص:81. [17] - عابد الجابري: نفسه، ص:80-81. الموضوعالأصلي : منهجية عابد الجابري في التعامل مع التراث: // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: berber
| |||||||
الخميس 30 أكتوبر - 13:47:34 | المشاركة رقم: | |||||||
عضو نشيط
| موضوع: رد: منهجية عابد الجابري في التعامل مع التراث: منهجية عابد الجابري في التعامل مع التراث: شكرا الموضوعالأصلي : منهجية عابد الجابري في التعامل مع التراث: // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: wassim25
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |