المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع
قوله: ويحرم قطع شجره وحشيشه الأخضرين إلا الإذخر، ويجوز قطع اليابس، والثمرة، وما زرعه الآدمي، والكمأة والفقع، ويُباح انتفاع بما زال أو انكسر بغير فعل آدمي ولو لم يُبَنْ، وتضمن شجرة صغيرة عُرفًا بشاة وما فوقها ببقرة، ويضمن حشيش وورق بقيمته، وغصن بما نقص، وكره إخراج تراب الحَرَم وحجارته إلى الحلّ؛ لا ماء زمزم، ويحرم إخراج تراب المساجد وطيبها للتبرُّك وغيره [1]
.قال في الإفصاح: واتَّفقوا على أن شجر الحرم مضمون على المُحِلِّ والمُحرِم[2]، إلا مالكًا[3] فإنه قال: ليس بمضمون.
واختلفوا فيما غرسه الآدميون:
فقال أبو حنيفة[4]: إن كان من جنس ما يغرسه الناس جاز قطعه، سواء غرسه غارس أو لم يغرسه، مثل شجر الموز والجوز وغيره.
وإن كان مما لا يغرسه الغارس؛ فغرسه غارس؛ لم يجب بقطعه جزاء، وإن أنبته الله تعالى - لا بكسب آدمي - وجب فيه الجزاء كالقصب ونحوه.
وقال الشافعي[5]: يجب بإتلافه الجزاء في الحالين.
وقال أحمد[6]: ما غرسه الآدميون من الشجر يجوز قطعه، ولا ضمان على قاطعه.
وما نبت بلا كسب آدمي فلا يجوز قطعه، فإن قطعه ضمنه سواء كان من جنس ما يغرسه الآدميون أو لم يكن.
واختلفوا فيما يضمن به الشجرة الكبيرة والصغيرة:
فقال أبو حنيفة[7]: يضمن الجميع بالقيمة.
وقال الشافعي[8] وأحمد[9]: يضمن الكبيرة ببقرة والصغيرة بشاة.
واختلفوا في جواز رعي حشيش الحرم:
فقال أبو حنيفة[10] وأحمد في أظهر الروايتين[11]: لا يجوز.
وقال الشافعي[12] وأحمد في الرواية الأخرى[13]: يجوز[14].
وقال ابن رشد: واختلفوا في نبات الحَرَم هل فيه جزاء أم لا؟
فقال مالك[15]: لا جزاء فيه، وإنما فيه الإثم فقط للنهي الوارد في ذلك.
وقال الشافعي[16]: فيه الجَزَاء، في الدوحة بقرة، وفيما دونها شاة.
وقال أبو حنيفة[17]: كل ما كان من غرس الإنسان فلا شيء فيه، وكل ما كان نابتًا بطبعه ففيه قيمته.
وسبب الخلاف: هل يقاس النبات في هذا على الحيوان لاجتماعهما في النهي عن ذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: لا يُنفَّر صيدها ولا يُعْضَد شجرها[18][19].
وقال البخاري: باب: لا يُعضد شجر الحَرَم.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يُعضد شوكه. وذكر حديث أبي شريح وفيه: فلا يحل لامرئٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا ولا يعضد بها شجرةً[20].
قال الحافظ: قوله: باب: لا يُعْضَد شجر الحرم أي: لا يقطع.
قال القرطبي[21]: خص الفقهاء الشجر المنهي عن قطعه بما ينبته الله تعالى من غير صنع آدمي؛ فأما ما ينبت بمعالجة آدمي فاختلف فيه، والجمهور على الجواز[22]. وقال الشافعي[23]: في الجميع الجزاء. ورجَّحه ابن قدامة.
واختلفوا في جزاء ما قطع من النوع الأول:
فقال مالك[24]: لا جزاء فيه بل يأثم.
وقال عطاء: يستغفر.
وقال أبو حنيفة[25]: يؤخذ بقيمته هدي.
وقال الشافعي[26]: في العظيمة بقرة، وفيما دونها شاة.
واحتج الطبري بالقياس على جزاء الصيد. وتعقَّبه ابن القصَّار بأنه كان يلزمه أن يجعل الجزاء على المحرِم إذا قطع شيئًا من شجر الحِل، ولا قائل به.
وقال ابن العربي[27]: اتفقوا على تحريم قطع شجر الحَرَم[28] إلا أن الشافعي[29] أجاز قطع السواك من فروع الشجرة، كذا نقله أبو ثور عنه. وأجاز أيضًا أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها ولا يُهلكها، وبهذا قال عطاء ومجاهد وغيرهما.
وأجازوا قطع الشوك؛ لكونه يؤذي بطبعه؛ فأشبه الفواسق، ومنعه الجمهور[30] كما سيأتي في حديث ابن عباس بعد باب بلفظ: ولا يعضد شوكه[31]. وصحَّحه المتولِّي من الشافعية، وأجابوا بأن القياس المذكور في مقابلة النص فلا يُعتبر به، حتى ولو لم يرد النصُّ على تحريم الشوك لكان في تحريم قطع الشجر دليل على تحريم قطع الشوك؛ لأن غالب شجر الحَرَم كذلك، ولقيام الفارق أيضًا فإن الفواسق المذكورة تقصد بالأذى بخلاف الشجر.
قال ابن قدامة[32]: ولا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان، وانقطع من الشجر بغير صنع آدمي، ولا بما يسقط من الورق، نصَّ عليه أحمد[33] ولا نعلم فيه خلافًا[34].
وقال الحافظ أيضًا في باب: لا يحل القتال بمكة: قوله: ولا يختلى خلاها[35]. والخلا: مقصورٌ وهو الرطب من النبات، واختلاؤه: قطعه واحتشاشه. واستُدلَّ به على تحريم رعيه؛ لكونه أشدَّ من الاحتشاش، وبه قال مالك[36] والكوفيون[37]، واختاره الطبري.
وقال الشافعي[38]: لا بأس بالرعي لمصلحة البهائم، وهو عمل الناس بخلاف الاحتشاش فإنه المنهي عنه، فلا يتعدَّى ذلك إلى غيره، وفي تخصيص التحريم بالرطب إشارة إلى جواز رعي اليابس واختلائه، وهو أصح الوجهين للشافعية[39]؛ لأن النبت اليابس كالصيد الميت.
قال ابن قدامة[40]: لكن في استثناء الإذخر إشارة إلى تحريم اليابس من الحشيش، ويدلُّ عليه أن في بعض طرق حديث أبي هريرة: ولا يحتش حشيشها[41].
قال: وأجمعوا على إباحة أخذ ما استنبته الناس في الحرم من بقل وزرع ومشموم، فلا بأس برعيه واختلائه[42][43].
وقال [في] الفروع: قال الإمام أحمد رحمه الله[44]: لا يخرج من تراب الحرم ولا يدخل من الحِل، كذلك قال ابن عمر وابن عباس. ولا يخرج من حجارة مكة إلى الحِل، والخروج أشد. واقتصر بعض أصحابنا على كراهة إخراجه، وجزم في مكان آخر بكراهتهما. وقال بعضهم[45]: يُكره إخراجه إلى الحِل. وفي إدخاله إلى الحرم روايتان[46].
وفي الفصول: لا يجوز في تراب الحِل والحَرَم، نصَّ عليه.
قال أحمد[47]: والخروج أشد لكراهة ابن عمر وابن عباس، وفيها أيضًا في تراب المسجد يُكره كتراب الحَرَم، قال: ونحن لأخذ تراب القبور للتبرك أو النبش أكره؛ لأنه لا أصل له في السُّنَّة ولا نعلم أحدًا فعله.
كذا قال! والأَولى أن تراب المسجد أكره. وظاهر كلام جماعة يحرم، وهو أظهر[48]. وذكر جماعة: يُكره للتبرُّك وغيره. ولعل مرادهم: يحرم. وفي فنون ابن عقيل: أن أحمد[49] كرهه في مسألة الحِل والحَرَم؛ لأنه قد كره الناس إخراج تراب المسجد تعظيمًا لشأنه فكذا هنا.
كذا قال! وأحمد لم يعتمد على ما قال، بل على ما سبق، ولعله بدعة عنده.
وأما تراب المسجد فانتفاع بالموقوف في غير جهته؛ ولهذا قال أحمد[50]: فإن أراد أن يستشفي بطيب الكعبة لم يأخذ منه شيئًا ويلزق عليها طيبًا من عنده، ثم يأخذه. وذكر عنه جماعة في طين الحرم منهم المستوعب.
وفي الرعاية: فإن ألصقه عليها وعلى يده وغيرها للتبرُّك جاز إخراجه والانتفاع به.
كذا قال! وسبق حكم التيمم بتراب المسجد، ومنع الشافعية[51] له، ثم لو جاز لم يلزم مثله هنا؛ لأنه يسير جدًا لا أثر له، وقد سبق، ولا يُكره وضع حصىً في المسجد كما في مسجده في زمنه عليه السلام وبعده.
قال في الفنون: والاستشفاء بالطيب. وهذا يدل على الاستشفاء بما يوضع على جدار الكعبة من شمع ونحوه قياسًا على ماء زمزم، ولتبرك الصحابة بفضلاته عليه السلام.
كذا قال! وبعض أصحابنا يرى في مسألة الاستشفاء بالطيب ونحوه نظرًا، وأنه ليس كماء زمزم ولا كفضلاته عليه السلام، ولا يُكره إخراج ماء زمزم.
قال أحمد[52]: أخرجه كعب[53]. لم يزد على ذلك.
قال الشيخ: ولأنه يُستخلف كالثمرة. وعن عائشة أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمله. رواه الترمذي، وقال: حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه[54]، وهو من رواية خلاد بن يزيد الجعفي، ذكره البخاري في تاريخه فذكر حديثه هذا عن عائشة أنها كانت تحمل من ماء زمزم في القوارير، وقالت: حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأداوي والقرب، فكان يصب على المرضى ويسقيهم. ثم قال: لا يتابع عليه[55].
وقال ابن حبان في الثقات: ربما أخطأ[56][57].
[1] الروض المربع ص206.
[2] فتح القدير 2 /280، وحاشية ابن عابدين 2 /602- 603، وتحفة المحتاج 4 /190، ونهاية المحتاج 3 /354، وشرح منتهى الإرادات 2 /521- 522، وكشاف القناع 6/220.
[3] الشرح الصغير 1 /298، وحاشية الدسوقي 2 /79- 80.
[4] فتح القدير 2 /280، وحاشية ابن عابدين 2 /603.
[5] تحفة المحتاج 4 /190، ونهاية المحتاج 3 /354- 355.
[6] شرح منتهى الإرادات 2 /521، وكشاف القناع 6 /221.
[7] فتح القدير 2 /280، وحاشية ابن عابدين 2 /603.
[8] تحفة المحتاج 4 /191، ونهاية المحتاج 3 /354.
[9] شرح منتهى الإرادات 2 /521 و522، كشاف القناع 6 /222.
[10] فتح القدير 2 /281، وحاشية ابن عابدين 2 /603.
[11] شرح منتهى الإرادات 2 /522، وكشاف القناع 6 /222.
[12] تحفة المحتاج 4 /194، ونهاية المحتاج 3 /355.
[13] شرح منتهى الإرادات 2 /522، وكشاف القناع 6 /221.
[14] الإفصاح 1 /498- 500.
[15] الشرح الصغير 1 /298، وحاشية الدسوقي 2 /79.
[16] تحفة المحتاج 4 /191، ونهاية المحتاج 3 /354.
[17] فتح القدير 2 /280، وحاشية ابن عابدين 2 /603.
[18] أخرجه البخاري 1833، ومسلم 1353، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[19] بداية المجتهد 1 /339.
[20] البخاري 1832.
[21] المفهم 3 /471.
[22] فتح القدير 2 /280، وحاشية ابن عابدين 2 /602، وحاشية الدسوقي 2 /79، وشرح منح الجليل 1 /536، وشرح منتهى الإرادات 2 /521، وكشاف القناع 6 /221.
[23] تحفة المحتاج 4 /192، ونهاية المحتاج 3 /354- 355.
[24] الشرح الصغير 1 /298، وحاشية الدسوقي 2 /79.
[25] فتح القدير 2 /280، وحاشية ابن عابدين 2 /603.
[26] تحفة المحتاج 4 /191، ونهاية المحتاج 3 /354.
[27] عارضة الأحوذي 4 /24- 25.
[28] فتح القدير 2 /280، وحاشية ابن عابدين 2 /602- 603، والشرح الصغير 4 /297، وحاشية الدسوقي 2 /79، وتحفة المحتاج 4 /189، ونهاية المحتاج 3 /353، وشرح منتهى الإرادات 2 /520، وكشاف القناع 6 /220.
[29] تحفة المحتاج 4 /192- 193، ونهاية المحتاج 3 /355.
[30] فتح القدير 2 /280، وحاشية ابن عابدين 2 /605، وشرح منتهى الإرادات 2 /520، وكشاف القناع 6 /220.
[31] البخاري 1834، مسلم 1353.
[32] المغني 5 /187.
[33] شرح منتهى الإرادات 2 /521، وكشاف القناع 6 /220.
[34] فتح الباري 4 /44.
[35] سبق تخريجه 3 /317.
[36] المشهور من مذهب المالكية: أنه لا بأس بالرعي في حرم مكة وحرم المدينة في الحشيش؛ انظر: المدونة 1 /451، وشرح منح الجليل 1 /536.
[37] فتح القدير 2 /280، وحاشية ابن عابدين 2 /605.
[38] تحفة المحتاج 4 /194، ونهاية المحتاج 3 /355.
[39] تحفة المحتاج 4 /190، ونهاية المحتاج 3 /353.
[40] المغني 5 /187.
[41] لم أقف عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة 2 /797 2102، من طريق إسحاق بن أبي فروة، عن عبدالله بن رافع، عن الحارث بن غزية رضي الله عنه، به.
وإسحاق بن أبي فروة: متروك الحديث، تهذيب الكمال 2 /452.
[42] فتح القدير 2 /281، وحاشية ابن عابدين 2 /603، والشرح الصغير 1 /297، وحاشية الدسوقي 2 /79، وتحفة المحتاج 4 /189، ونهاية المحتاج 3 /353، وشرح منتهى الإرادات 2 /521، وكشاف القناع 6 /221.
[43] فتح الباري 4 /48- 49.
[44] شرح منتهى الإرادات 2 /523، وكشاف القناع 6 /224.
[45] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 9 /61.
[46] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 9 /61، وشرح منتهى الإرادات 2 /523، وكشاف القناع 6 /224.
[47] شرح منتهى الإرادات 2 /523، وكشاف القناع 6 /224.
[48] شرح منتهى الإرادات 2 /524، وكشاف القناع 6 /224.
[49] شرح منتهى الإرادات 2 /523، وكشاف القناع 6 /224.
[50] شرح منتهى الإرادات 2 /524، وكشاف القناع 6 /324.
[51] تحفة المحتاج 1 /72، ونهاية المحتاج 1 /218.
[52] شرح منتهى الإرادات 2 /523، وكشاف القناع 6 /224- 225.
[53] أخرجه ابن أبي شيبة 8 /95 [هندية]، والأزرقي 2 /52.
[54] الترمذي 963. وأخرجه أيضًا أبو يعلى 8 /139 4683، والحاكم 1 /485، والبيهقي 5 /202.
قال ابن حجر في التلخيص الحبير 2 /287 1107: في إسناده خلاد بن يزيد وهو ضعيف، وقد تفرد به فيما يقال.
[55] التاريخ الكبير 3 /189 639.
[56] الثقات 8 /229 13158.
[57] الفروع 3 /482- 483.