جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
جواهر ستار التعليمية |
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم ، في منتديات جواهر ستار التعليميه المرجو منك أن تقوم بتسجـيل الدخول لتقوم بالمشاركة معنا. إن لم يكن لـديك حساب بعـد ، نتشرف بدعوتك لإنشائه بالتسجيل لديـنا . سنكون سعـداء جدا بانضمامك الي اسرة المنتدى مع تحيات الإدارة |
|
جواهر ستار التعليمية :: منتديات الجامعة و البحث العلمي :: منتدى البحوث العلمية والأدبية و الخطابات و السير الذاتيه الجاهزه |
الجمعة 15 أغسطس - 22:08:09 | المشاركة رقم: | |||||||
مشرف
| موضوع: بين المسرح الشعري والتاريخ بين المسرح الشعري والتاريخ بين المسرح الشعري والتاريخ توطئة: ثمة حقيقة أولية نود التذكير بها، وهي أن العلاقة بين الفن والتاريخ عريقة وقديمة قدم الإنسان، باعتبار أن الإنسان صانع التاريخ، والفن ـ كما يقول اليساريون ـ تعبير عن ذلك النشاط، وصورة عاكسة له. رافق التاريخ المسرح الشعري العربي منذ البدايات الأولى للتأليف، ولا يعثر الباحث في تاريخ المسرح الشعري عن نصوص لم تستلهم هذا المصدر أو تستظل به. ويبدو أن التوجه نحو التاريخ كان عاماً، ولم يقتصر على المسرح، بل شمل مختلف الأجناس الأدبية، بحيث اعتمده كتاب الرواية والمسرحية النثرية، وفي مرحلة ثانية، القصاصون والشعراء، وكان جورجي زيدان في طليعة الروائيين العرب الذين وظفوا أحداث التاريخ واستحضروا شخصياته في العديد من النصوص، جاوزت العشرين عملاً، استلهم فيها التاريخ العربي الإسلامي، منذ العصر الجاهلي إلى بداية عصر النهضة، وأقبل على كتابتها بعد وفاته نخبة من الكتاب الذي راحوا ينقبون في بطون الكتب، ويقلبون في صفحات التاريخ، بحثاً عن موقف أو حدث أو شخصية، فاستحضروا أسماء القادة والزعماء، والفرسان، والمواقع، فحضر التاريخ في روايات علي أحمد باكثير من خلال "وا إسلاماه"، و"الثائر الأحمر"، و"سلامة القس"، وكرم ملحم كرم في "دمعة يزيد"، و"صقر قريش"، وأثرى الرواية التاريخية عبد الحميد جودة السحار، من خلال "أحمس بطل الاستقلال"، و"درة قرطبة"، و"قلعة الأبطال". ولم يعجب علي الجارم، ومحمد فريد أبو حديد من التاريخ إلا بالشخصيات التي نبغت في الشعر، فقدم الأول أربع روايات، هي "هاتف من الأندلس"، عن سيرة ابن زيدون، وقصة حبه لولادة، و"فارس بني حمدان"، التي استحضر فيها السيرة الشخصية لأبي فراس الحمداني ، وخص المتنبي بعملين هما "الشاعر الطموح"، و"نهاية المطاف". وتناول الثاني بعض عمالقة فن القول، فوظف في رواية "الملك الضليل"، سيرة امرئ القيس، وفي "الزير سالم" سيرة المهلهل سيد ربيعة، وشاعرها. واتخذ نجيب محفوظ التاريخ محطة انطلاق، حيث اعتمده في ثلاث روايات، هي: "عبث الأقدار"، و"كفاح طيبة"، و"رادوبيس"، وهي تشكل مجتمعة مرحلة من مراحل الكتابة الروائية لدى نجيب، هي المرحلة التي اصطلح النقاد على تسميتها بالمرحلة الرومانسية التاريخية.. وهكذا هيمن التاريخ على الرواية لفترة ليست بالقصيرة، وأصبح يشكل أحد اتجاهاتها الرئيسية، وأقبل عليه، في وقت مبكر، عدد من كتاب المسرحية النثرية، كان في طليعتهم فرح أنطون في "صلاح الدين ومملكة أورشليم"، وإبراهيم رمزي في "أبطال المنصورة"، و"المعتمد بن عباد"، و"الحاكم بأمر الله". وليس غريباً أن يتجه العديد من المبدعين في معظم الأجناس الأدبية إلى التاريخ، لما له من أهمية، فهو أحد أهم القيم الثابتة عند الأمم، وفي حضارات الشعوب، والعودة إليه ملمح من ملامح التعبير عن الذات، ووجه من أوجه التعبير عن الوجود؛ فمنه ننطلق لربط الصلة بين الماضي والحاضر، بغية التطلع إلى المستقبل.. وإذا كان المسرح النثري ـ على سبيل المثال ـ قد نوع مصادره الإبداعية وأثراها على نحو ما فعل كتاب الرواية، فإن المسرح الشعري ظل وفياً للتاريخ، يؤثره ويفضله، فإذا كانت مسرحية "المروءة والوفاء" لإبراهيم اليازجي تعدّ باكورة المسرح الشعري وفاتحته، فإن هذه الباكورة قد اتخذت التاريخ العراقي القديم مصدراً لها، حيث استدعى فيها الكاتب شخصية النعمان بن المنذر، الذي حكم منطقة الحيرة في القرن السادس الميلادي، ولم يخرج عبد الله البستاني ـ وهو من أغزر شعراء المسرحية وأسبقهم إلى الكتابة فيها ـ عن هذا التقليد، وإن خالف نهج المبدعين العرب، حين استمد بعض مسرحياته من التاريخ اليهودي فمادة مسرحيته "مقتل هيرودوس"، مستلهمة من "التاريخ اليهودي في القرن الأول قبل الميلاد، والمرجع الذي استقى منه المؤلف حوادث مسرحيته هو تاريخ يوسيفوس اليهودي، الذي أورد تاريخ هيرودوس، وجاء بتفاصيله قبل أولاده". وأثرى أحمد شوقي هذا التقليد وأغناه بطائفة من المسرحيات الشعرية، كانت كليوباترا سنة 1927 فاتحتها، تلتها "مجنون ليلى"، سنة 1930، و"قمبيز وعنترة" سنة 1931. واقتفى آثاره طائفة من الكتاب العرب، الذين اتخذوا أعماله أنموذجاً للمتابعة والاحتذاء، سواء على مستوى الشكل (الشعر الإحيائي)، أو على مستوى المضمون (التاريخ). ورغم التطور الذي شهده المسرح الشعري، لاسيما في المرحلة المعاصرة، إلا أن التاريخ ما زال هو المصدر الذي يؤثره معظم كتاب هذا اللون من التعبير، فلم يخرج الجيل الذي حمل لواء المسرحية الشعرية بعد شوقي عن هذا التقليد الفني، فالتزمه عزيز أباظة في "شجرة الدر"، و"غروب الأندلس"، و"الناصر"، و"العباسة"، وكذلك عدنان مردم بك في مسرحيته "الحلاج"، و"رابعة العدوية"، و"الملكة زنوبيا"، و"القزم"، فكانا صورة لشوقي، وامتداداً له، وإن كانا دونه من حيث الموهبة والاقتدار، وخير من مثل المسرحية الشعرية التقليدية بعده. وآثره الشرقاوي في "مأساة الحسين"، و"صلاح الدين والنسر الأحمر"، و"عرابي زعيم الفلاحين"، والتزمه صلاح عبد الصبور في مسرحية "مأساة الحلاج"، و"ليلى والمجنون"، واستحضره محيي الدين البرادعي في مسرحية "المؤتمر الأخير لملوك الطوائف"، و"دمر عاشقاً"، ومعين بسيسو في مسرحية "ثورة الزنج"، وسليمان العيسى في مسرحية "ابن الأيهم"، وفاروق جويدة في مسرحية"الوزير العاشق"... على أن حذور التاريخ واستدعاء شخصياته لم يكن على مستوى واحد في جميع الأقطار العربية، بل لدى القطر الواحد من مرحلة إلى أخرى، فعلى سبيل المثال، شهد هذا المصدر في حركة التأليف المسرحي في سورية فترات ازدهار وتألق، فأكثر الشعراء من الإقبال عليه وتوظيفه، فخلال ثلاث سنوات صدرت أكثر من عشر مسرحيات شعرية. وعرف أيضاً فترة صمت طويلة، انحسر فيها وتراجع، بل كاد يختفي كلية. فعلى امتداد أربعين سنة، لم تعرف حركة التأليف المسرحي الشعري سوى ثلاث مسرحيات. وتقف هذه النماذج دليلاً على تلك العلاقة الوطيدة بين هذا الفن (المسرح)، وذاك العلم (التاريخ)، بل إن بعض الدارسين جعل التاريخ أحد أسباب قبول العرب هذا الفن، باعتبار أن الشعر هو الفن العربي الأصيل، والتاريخ من أشهر الفنون التي برع فيها العرب، "ولم ترتبط المسرحية في الوطن العربي بالتاريخ في نشأتها فحسب، بل إنها لم تلق القبول، ولم تنتشر، ولم تزدهر، إلا باعتمادها التاريخ مصدراً لها، والشعر وسيلة للتعبير؛ فقد كان التاريخ في المضمون، والشعر في الشكل هما المسوغ لدخول المسرحية في حرم الأدب العربي فقد أكسبها التاريخ من عراقته بعض التقدير، مثلما منحها الشعر من أصالته بعض الإعجاب فحظيت بالقبول، بل والإقبال، لاسيما بعد أن قدم شاعر كبير مثل أحمد شوقي على كتابة المسرحية الشعرية المستمدة من التاريخ". ولا يقف دور التاريخ عند حد المساهمة في نشأة المسرحية، وجعلها فنَّاً يلقى الرضا والإقبال، ويحتل مكانة مميزة ضمن حركة الإبداع العربي، بل كان في بعض الأقطار وراء تألق العديد من النصوص التي استدعت شخصيات تراثية ووقائع تاريخية، ولابد من الاعتراف بأن هذا الاتجاه (نحو التاريخ)، هو الذي قدم في حركة التأليف المسرحي بعض المسرحيات المتألقة، مثل مسرحية "المأمونية"، لأحمد سليمان الأحمد، و"الإزار الجريح"، لسليمان العيسى، و"حكاية الأيام الثلاثة"، للدكتور عمر النص، ومسرحية "أحلام ودموع"، لمعروف الأرناؤوط. ويبدو أن هذه العلاقة الوطيدة التي ظلت لفترة طويلة مميزة لحركة المسرح الشعري، وأحد تقاليده الفنية، كانت وراء اعتقاد بعض النقاد أن المسرحية الشعرية ينبغي "أن تعالج موضوعات مستمدة من الأساطير، أو مستمدة من فترة تاريخية بعيدة عن الحاضر، إلى الحد الذي يتطلب الاعتراف بالشخصيات كشخصيات حية، مما يتيح لها أن تتكلم بالنظم والملابس التاريخية المتعددة الألوان، والتي تساعد على تقبل النظم". وعلى هذا، فإن اعتماد جل شعراء المسرحية التاريخ يكشف بجلاء ووضوح طبيعة العلاقة الوطيدة بين المسرح والتاريخ، وتبعاً لتجذر هذه العلاقة، لم يستطع أن يستغني عنها أي كاتب للمسرح الشعري؛ فقد ينصرف هذا الشاعر أو ذاك، عن التاريخ ويستلهم مادته من مصدر آخر، إلا أنه يعود ثانية بشكل أو بآخر إلى هذا المصدر الثري. وإذا كانت العودة إلى التاريخ ظاهرة مميزة يمكن أن يرصدها الباحث في تاريخ المسرحية الشعرية، إلا أن أسبابها ومسوغاتها تبقى متباينة بين نقاد المسرح وكتابه. فهناك من أرجع عودة رواد المسرح إلى التاريخ إلى قلة التجربة، ونتيجة لافتقار الأدب العربي إلى نماذج تحتذى؛ فحين أقبل هؤلاء على كتابة المسرحية، لم يجدوا إرثاً مسرحياً يتكئون عليه، وأمثلة يحتذونها، ومنها ينطلقون، ومن القائلين بهذا عبد القادر القط، الذي ذهب إلى أن المؤلفين العرب استمدوا "موضوعاتهم في البداية من التاريخ، حين كان أول عهدهم بهذا الشكل الجديد من أشكال التأليف الأدبي، لم يوجد بينهم بعد ـ لغياب البيئة المسرحية و المحاربة الطويلة ـ مواهب مسرحية تستطيع أن تنتزع من الحياة المعاصرة موضوعات وشخصيات من خلق الكاتب المسرحي وحده، فكان طبيعياً أن يلجأ إلى التاريخ، يقتبس من أحداثه وشخصياته ما يغنيه عن الخلق الشامل". ويلتقي القط في هذا مع توفيق الحكيم، الذي ذكر في مقدمة المسرح المنوع، أن قلة الزاد والفراغ المسرحي لم يكن فقط وراء إقبال العديد من الكتاب على التاريخ، بل كان أيضاً وراء تنقل الكاتب، في فترة وجيزة جداً، بين المذاهب المختلفة. وهو رأي يبدو غير مقنع لجملة من الأسباب، أولها أن توظيفه لم يقتصر على رواد المسرح الشعري، بل شمل معظم من كتب للمسرح الشعري، سواء تعلق الأمر بأولئك الرواد أو بالجيل الثاني. وثانيها أن توظيفه ظاهرة ميزت المسرح العالمي وآداب أمم لها تاريخ عريق في هذا الفن، فهل كانت عودة راسين وكورناي وفيكتور هيجو وقبلهم شكسبير إلى التاريخ بسبب جدة هذا الفن على الأدبين الفرنسي والإنجليزي؟!.. ولم لا تكون العودة إلى التاريخ مرجعها إلى اعتبارات فنية وجمالية، قوامها سهولة التشكيل الفني؟! فالمؤلف الذي يعود إلى التاريخ، يجد الأحداث مهيأة والشخصيات جاهزة. وحتى الحل يكون شائعاً ومعروفاً، وما عليه ألا أن يجيد اختيار الحدث وحبكة وإلهاب الصراع بين شخصياته، وصياغة تلك المادة الخام بشيء من التعديل، حتى يعبر ذلك الحدث المنتخب عن رؤيته الفكرية، والقضية التي يود التعبير عنها. وربما كان هذا العامل الفني وراء نزوع العديد من الكتاب في مختلف الأجناس الأدبية نحو التاريخ ووقائعه، "حيث يقدم التاريخ للكاتب كثيراً من المادة التي يمكن تشكيلها درامياً، وتتمثل هذه المادة غالباً في صفات الشخصية وما عرف عنها تاريخياً... كما يحاول الكاتب النفاذ إلى رؤيا عصرية يرصدها من خلال تشكيله اللغوي عن طريق الإيحاء والمماثلة". ودون شك، فإن التاريخ يسهم في تقديم أحداث درامية جاهزة، يمكن إعادة صياغتها في شكل مسرحي، مما يعفي الكاتب من مشقة الخلق وصعوبة المعاناة، والجهد الذي يبذله كل مبدع يسعى إلى أن يبني هيكلاً لمسرحية واقعية، فالتاريخ مصدر ثري وحافل بالمواقف والشخصيات التي لها وميضها الخاص، ولا تزال تحتفظ بقدر كبير من الدرامية، ويمكن للمبدع، مع شيء من التعديل إعادة التشكيل أن يخلق منها مسرحية تتماشى ورؤيته الفكرية، والهدف الذي يود التعبير عنه، وهو زاخر أيضاً بالأحداث والشخصيات والعبر المؤهلة، لأن تكون مادة لنص مسرحي جيد، فعن حوادث الحب والغرام، حفظت الكتب التراثية أخبار عبلة وعنتر، وليلى والمجنون، وعزة وكثير، وعروة وعفراء.... وعن مواقف العزة والشهامة والكبرياء، سجل التاريخ ـ بأحرف من ذهب ـ أسماء المعتصم، وهارون الرشيد، وصلاح الدين. وعن الدهاء والمكر، هناك صفحات تحكي عن دهاء معاوية، ومكر عمرو بن العاص، وأخرى تروي ورع وتقوى أبو بكر، وعمر، وعثمان، وأبي ذر، ورابعة، والحلاج، وابن الفارض. وعن جبروت الأفراد والأسر، حدثنا التاريخ عن الحجاج بن يوسف، وزياد بن أبيه، وأبي مسلم الخراساني، ونكبة البرامكة، وآل طاهر.... وهكذا يجد المسرحي في كتب التاريخ ما من شأنه أن يمده بالمادة ويغنيه. وهذا التعليل يتردد في العديد من الدراسات، ويتكرر على لسان أكثر من ناقد، والذي لاشك فيه، أن سهولة التشكيل (المعيار الفني) وراء إقبال طائفة من المبدعين على توظيف أحداث التاريخ واستدعاء شخصياته، باعتباره المصدر القادر على أن يوفر للنص ما لا يوفره مصدر آخر، ولكن الذي لا نقره هو أن يكون ذلك هو المعيار الوحيد في تفسير الظاهرة، فلم لا يكون الدافع إحساس الكاتب وشعوره بأن هذا المصدر قادر على أن يمنح نصه الإبداعي "طاقات ودلالات تعبيرية لا حصر لها، لأن معطيات التراث لها كثير من التقديس والتبجيل في نفوس الأمة، والكاتب المسرحي، حيث يقوم بتوظيف التراث يقوم في الوقت نفسه بإثارة وجدان الأمة، لما للتراث من حضور حي ودائم في وجدانها".. وقد يكون التأثر بالمذاهب الأدبية من كلاسيكية ورومانسية أحد العوامل الفنية التي جعلت تلك الكوكبة من رواد المسرحية الشعرية يوظفون التاريخ، ويستلهمون أحداثه. فقد كشفت النصوص الأولى التي قدمها إبراهيم اليازجي، وعبد الله البستاني سيادة المسرح الكلاسيكي، لاسيما الفرنسي منه، وجاء شوقي، ثم عزيز اباظة، فجذرا هذا المذهب الذي تشترط قواعده اعتماد التاريخ، سواء أكان حقيقياً أم أسطورياً."إن المذهب الكلاسيكي اشترط لتأليف التراجيدية أن يستمد موضوعها من التاريخ، ولما كان المذهب الكلاسيكي قد قام على بعث محاكاة الآداب اليونانية واللاتينية القديمة، فقد كان من الطبيعي أن يكون التاريخ الحقيقي أو الأسطوري الذي يستمدون منه موضوعاتهم هو تاريخ اليونان والرومان، على نحو ما يلاحظ على مسرحيات الكاتبين الفرنسيين اللذين تتمركز فيهما كلاسيكية المسرح، وهما راسين وكورناي، اللذان استمدا موضوعات مسرحياتهما من تاريخ اليونان والرومان". وعاد الرومانسيون إلى التاريخ الأوروبي الحديث، كبديل عن التاريخ الإغريقي الذي اعتمده الكلاسيكيون، وقصروا مضامين مسرحياتهم عليه. ومن هذا المنطلق، وتداعياً له، قدم فكتور هيجو ـ أديب فرنسا الكبير وحامل لواء المذهب الرومانسي في المسرح ـ الملك يمرح، من تاريخ فرنسا، و"هرناني"(11)، من التاريخ الإسباني، و"كرومويل"، و"ماري تيودور"، من إنجلترا، فأحيوا بذلك ماضيهم الوطني، واتخذوه بديلاً عن التاريخ اليوناني القديم. وبالتبعية والتأثر، استلهم شعراء المسرح العرب تاريخ أوطانهم، فعاد شوقي في "كليوباترة"، و"قمبيز"، و"علي بك الكبير"، إلى تاريخ مصر القديم، وفي "عنترة"، و"مجنون ليلى"، إلى التاريخ العربي، وسار على نهجه تلميذه وحواريه عزيز أباظة، في "الناصر" و"شجرة الدر"، و"غروب الأندلس"، و"العباسة". وحضر التاريخ السوري القديم في مسرح عدنان مردم بك، من خلال "الملكة زنوبيا"، و"غادة أفاميا"، والتاريخ العربي الحديث مجسداً في مسرحيتي "دير ياسين"، و"فلسطين الثائرة". وحضرت هذه الفترة من تاريخنا الحديث لدى عبد الرحمن الشرقاوي، من خلال ثلاث مسرحيات، هي "مأساة جميلة"، و"وطني عكا"، و"عرابي زعيم الفلاحين". وعليه، فإن تفضيل شعراء المسرحية العرب للتاريخ يمثل أحد أوجه التأثر بالمسرح الغربي، لاسيما الكلاسيكي منه. فعلى نحو ما عاد شعراء المسرح في أوروبا إلى تاريخ أوطانهم، واستمدوا منه مضامين مسرحياتهم، عادت ثلة من شعرائنا إلى تاريخنا العربي، تعبيراً عن النزعة الوطنية والقومية. فالنزعة الوطنية والقومية هي عامل آخر أسهم في عودة طائفة من كتاب المسرح إلى التاريخ. فإذا كان من الثابت أن الدافع لدى الجيل الأول من شعراء المسرحية التقليدية لم يكن علاج مشكلات اجتماعية معاصرة، من خلال ا لقناع التاريخي. تلك القضايا لم تكن ضمن دائرة انشغالهم، حيث انحصر هدف الكثير منهم في إحياء أمجاد الماضي، والتعبير عن الحس الوطني أو القومي على نحو ما جاهر به علي أحمد باكثير، الذي يعد أحد الأسماء التي كتبت المسرح الشعري في مرحلة مبكرة، وأرجع توظيفه للتاريخ إلى هذا المعيار، فقال: "لعل اهتمامي بالقومية العربية كان ذا أثر في ولوعي بالتاريخ واستلهامه لموضوعات كثيرة من مسرحياتي". وإذ لم يسقط المقياس الفني أو ما عبرنا عنه بسهولة التشكيل، حيث أقر بأن التاريخ أقدر فنياً وإيحائياً على التصوير من الحاضر. وإلى هذا العامل الفكري (النزعة الوطنية) نعيد اهتمام شوقي بكليوباترة، وعلي بك الكبير، وتناول عزيز أباظة لشجرة الدر، وتوظيف عدنان مردم بك لسيرة الملكة زنوبيا والشرقاوي لأحمد عرابي، وبدر الدين الحامد لموقعة ميسلون. فالوطنية هي التي جعلت شوقياً يتحول من أديب إلى محام بارع، يدافع عن ملكة بلاده التي ظلمتها أقلام المسرحيين الغربيين، من خلال تلك النصوص التي قدمها شكسبير وبرنارد شو، ودريدن، والتي قدمت فيها كليوباترة على أنها امرأة ماجنة غرها جمالها، فضحت بوطنها وعرشها في سبيل ملذاتها الآثمة، والسبب ذاته كان وراء استدعاء عدنان مردم بك لسيرة الملكة زنوبيا والشرقاوي لأحمد عرابي، وبدر الدين الحامد لموقعة ميسلون. حيث جاهر بالدافع الوطني وأعلن أنه كان المحرك لكتابة هذه المسرحية، فقال في مقدمتها: "وخطر لي بعد ذلك أن أجعل من تدمر تلك المدينة السورية التاريخية مسرحاً لحوادث تاريخية عاشتها الملكة العظيمة زنوبيا، لأبعث تاريخاً مشرقاً من تاريخ بلادي، ولأخلد الرحلة الحبيبة على قلبي التي كنت بها صحبة شاعر الشاعر الكبير الخالد الذكر خليل مردم بك". ويمكن أن تقرأ العودة إلى التاريخ خلال تلك المرحلة على أنها مظهر من مظاهر المقاومة والجهاد والتصدي لمخططات هذا الاستعمار، الذي سعى إلى طمس معالم الأمة وتذويب مقوماتها، فإن استحضار صفحاتها المشرقة وشخصياتها المشهورة يعدّ بمثابة رد فعل على سياسة الاستعمار، ومظهراً من مظاهر الولاء للوطن والاعتزاز به وبمن دافع عنه من أبنائه المخلصين. وسبق لمحمد يوسف نجم أن ربط بين الظروف الاجتماعية والسياسية التي كان عليها الوطن العربي، وانصراف العديد من الكتاب إلى التاريخ، فقال: "كان من بواعث توظيفه حالة التدهور التي تردى فيها العرب في عهد الحكم العثماني، وفي عهد الاحتلال، كان وسيلة من الوسائل التي اصطنعها بعض الكتاب لبعث الأمجاد واستنهاض الهمم".. وتميز تناول المادة التاريخية بالتجوال الحر للشعراء عبر مراحل التاريخ العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى المرحلة المعاصرة. فهناك نصوص استمدت مادتها من التاريخ الجاهلي، وأخرى من العصرين الأموي والعباسي، واستأثرت المرحلة المعاصرة بالعديد من النصوص. ولوحظ تركيزهم على فترات الضعف والانكسار في تلك المراحل، وقد بدأت هذه الظاهرة في المسرح الشعري منذ المراحل الأولى من نشأته، حيث انتخبوا لحظات الهزيمة والانكسار، وشدتهم مواقف الفجيعة، احتلال فارس في مسرحية "قمبيز"، وروماني في "مصرع كليوباترة"، و "الملكة زنوبيا"، وفرنسي في "ميسلون" و"مأساة جميلة" ، وإسرائيلي في مسرحية "وطني عكة"، و"دير ياسين"، و"وا قدساه"، وإنجليزي في "عرابي زعيم الفلاحين"، وصراع صليبي في مسرحية "مصرع غرناطة"، و"صلاح الدين"، وجبروت وتسلط في مسرحية "مأساة الحسين"، واستبداد وقهر في مسرحية "مأساة الحلاج"، و"بعد أن يموت الملك". ولهذا كثرت النصوص التي استلهمت مادتها من مأساة فلسطين، باعتبارها فاجعة العرب والمسلمين الأولى في العصر الحديث، وكانت الريادة في هذا للكاتب اللبناني سهيل إدريس، الذي نشر عام 1969 مسرحية "زهرة من دم"، التي عرضت في القاهرة في السنة نفسها، ووجه القصور فيها أنها تقدم أبطالاً من ورق، ولم تستطع طرح القضية الفلسطينية طرحاً "فنياً"، وعبر مساحات الصراع المحددة بشكل لا يحتمل التأويل أو التفسير الظاهري بقدر ما تقدم المسرحية حلولاً وتصورات فنية واهية تنفصل عن حدود اللهب والاحتراق للقضية الفلسطينية". . وتوالت بد ذلك النصوص التي دارت حول هذه المأساة، فقدم الشرقاوي سنة 1970 مسرحية "وطني عكة"، وهاشم هارون مسرحية "السؤال"، ومعين بسيسو "العصافير تبني أعشاشها بين الأصابع"، وعدنام مردم بك "فلسطين الثائرة"، وعلي عقلة عرسان "الفلسطينيات، ويسرى الجندي "وا قدساه"، وهي آخر مسرحية شعرية أمكن الاطلاع عليها، تناولت القضية الفلسطينية، ولا تزال مخطوطة، وهي من أشهر المسرحيات التي لقيت رواجاً كبيراً على خشبة المسرح، حيث اشترك في تجسيدها عدد من كبار أهل المسرح من الوطن العربي. وكانت نكبة الأندلس وسقوط غرناطة الحصن الأخير، الذي احتمى به عرب الأندلس، إحدى مواقف الفجيعة التي شدت نحوها عدداً من كتاب المسرح الشعري، فكتب عنها عزيز أباظة، مصوراً غروب شمس العرب والمسلمين نصاً عنوانه "غروب الأندلس"، واستمد من أحداثها عدنان مردم بك، مصوراً أفول نجم الإسلام من تلك الربوع في مسرحيته "مصرع غرناطة"، وتناولها خالد محيي الدين البرادعي في مسرحية "المؤتمر الأخير لملوك الطوائف"، وتبقى مسرحية "الوزير العاشق"، لفاروق جويدة من أهم المسرحيات الشعرية وأشهرها، التي استلهمت هذه الفترة من التاريخ العربي، وحين عرضت على خشبة المسرح، نالت شهرة كبيرة، وازداد تألقها بعد نقلها على معظم شاشات التلفزيون العربية، لاسيما وقد هيأ لها القائمون عليها الكثير من وسائل النجاح، من مخرج مقتدر، ونخبة من ألمع نجوم التمثيل العرب. وإذا كان شعراء المسرح قد شدتهم هذه المآسي، فاستمدوا منها نصوصهم، فإنهم استلهموا أيضاً بعض النصوص من الفترات المشرقة من التاريخ العربي، على نحو ما جسدته مسرحيتا "الناصر"، و"عبد الرحمن الداخل"، لعزيز أباظة، اللتان تستثمران سنوات المجد والعز العربي في بلاد الأندلس. ومن النصوص التي كانت فترات الازدهار مادة لها، مسرحية "عرابي زعيم الفلاحين"، و"صلاح الدين والنسر الأحمر"، لعبد الرحمن الشرقاوي، و"غادة أفاميا"، لعدنان مردم بك. وقد اختلفت صور التوظيف والتناول، فهناك مسرحيات اهتمت بالحروب والغزوات والوقائع، واهتمت أخرى بإبراز البطولات الفردية لأشخاص أوقفوا حياتهم على نصرة شعوبهم أمثال أحمد عرابي وجميلة بو حيرد، وزنوبيا وكليوباترة، وصلاح الدين الأيوبي، والحسين بن علي، وشجرة الدر... وليس عيباً إن اختار الكاتب فترات الضعف، ولا ميزة تحسب لمن استمد مادة نصوصه من مراحل القوة والازدهار،فالأساس حسن اختيار الحدث وكيفية توظيفه، وهل استطاع أن يعبر به عن حدث معاصر، ثم ما مساحة النجاح ومقياس الفشل. وننتهي إلى أن العودة إلى التاريخ واستحضار وقائعه واستدعاء شخصياته أصبح يشكل أحد التقاليد الفنية العريقة التي طبعت المسرح الشعري العربي منذ المراحل الأولى لنشأته، وشكلت إحدى خصائصه الجميلة. د.اسماعيل بن اصفية ـ الجزائر الموضوعالأصلي : بين المسرح الشعري والتاريخ // المصدر : ممنتديات جواهر ستار التعليمية //الكاتب: محمد12
| |||||||
الإشارات المرجعية |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
|
| |
أعلانات نصية | |
قوانين المنتدى | |
إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان | إعــــــــــلان |