هل الخلافة بالشورى أم بالتعيين؟

هل الخلافة بالشورى أم بالتعيين؟؟
من الأسئلة التي تعصف في كيان الأمة هذه الأيام ، هل الخلافة بالشورى أم التعيين ؟؟ ولا ريب أن المتمعن في مكامن هذا الاستفهام يستجلي قضية متجذرة في ماضي الأمة الإسلامية وحاضرها ومستقبلها ، فقد انقسم المجيبون عن هذا السؤال الى قسمين :
قسم يقول بأنها نص من الخليفة لمن بعده ، دليلهم في ذلك ما حصل من موقف أبي بكر عند دنو أجله لما عهد بالخلافة بكتاب كتبه يستخلف فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،ويستشهدون على ذلك بالحديث التالي: "سئل عمر : ألا تستخلف؟ قال : إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبوبكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم". (1)
وقسم يقول أنها شورى بين المسلمين ويلجأون الى ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بان ترك الأمر للمسلمين أن يختاروا من يخلفه فيهم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أخرجه الحاكم في المستدرك وقال : هذا حديث صحيح ولم يخرجاه باب ذكر مناقب عبد الله بن مسعود ((إبن أم عبد هو عبد الله بن مسعود))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنقل قبسا عن كتاب قرأته يبحث في قضية الشورى ومسارها عبر التاريخ يقول الكاتب فيها :
"لقد أنزل الوحي تبيانا وتفصيلا لكل شيء ، لكن ما يسترعي الانتباه أن النبي صلى الله عليه وسلم صمت عن مسألة محورية في تاريخ الأمة المسلمة تتمثل فيمن يخلفه في المسلمين، رغم أن المعطيات والظروف التي أحاطت وفاته كانت تجعل من الأولى منطقيا أن يستخلف عليهم من يقوم مقامه فيهم، " فقد دعا المسلمين للتهيؤ لغزو الروم على تخوم الشام ، وهذا يعني أن المدينة ستفرغ من رجالها الأشداء ، وحركة المنافقين التي بدأت تشتد حتى طعنوا في أسامة بن زيد أمير هذه الغزوة.كما أن ملامح الردة غدت مستشرية في جزيرة العرب حتى قبل وفاة الرسول ، فقد ادعى النبوة الأسود العنسي في اليمن ، كما ادعاها مسيلمة باليمامة فاتبعه قومه.، إن الأوضاع كانت تشير الى تطورات خطيرة ستهدد دولة الدعوة الوليدةإذا ما قبض رسول الله الى الرفيق الأعلى ، وهو مالم يكن ليخفى على النبي صلى الله عليه وسلم.
إن كل هذه التطورات ما كانت لتغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مما يجعل أكبر الفرضيات التي تطفو على السطح مفسرة صمته هومفاجأة الموت له وللصحابة أجمعين. لكنها فرضية لا تستقيم عند التحاكم إلى مجموعة من الأحاديث النبوية التي كانت توحي من خلال منطوقها ومفهومها الى علمه بدنو أجله وإعلام غيره بذلك، من ذلك ان" لما بعث معاذ بن جبل الى اليمن قبل حجة الوداع بقليل خرج معه يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته ، فلما فرغ ، قال ((يا معاذ ، إنك عسى ألا تلقاني عامي ، ولعلك تمر بمسجدي وقبري)). فبكى معاذ بن جبل جزعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم" (2) " وكذا حديث أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم :"قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل ، فقال : ((يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي)). فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم ، قال : ((السلام عليكم يا أهل المقابر . ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس، لو تعلمون ما نجاكم الله منه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أولها آخرها، الآخرة شر من الأولى)). قال : ثم أقبل علي ، فقال :((يا أبا مويهبة ، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة ، وخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي عز وجل والجنة)).قال : قلت : بأبي أنت و أمي ، فخذ مفاتيح الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، قال:((لا والله يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي والجنة)). ثم استغفر لأهل البقيع ، ثم انصرف فبدئ رسول الله في وجعه الذي قبضه الله تعالى فيه حين أصبح"(3)
فانتبه الى الحديث وما أخبر به من قدوم الفتن على الأمة كقطع الليل المظلم حتى يغبط الحي فيها الميت على مكانه
ويتابع الكاتب قوله .."إننا إذا أيقنا من خلال هذه الأحاديث لخير الخلق أجمعين (عليه صلاة وسلام رب العالمين) علمه بقرب وفاته ، وبقدر الله النازل على الأمة بفتن مظلمة متتالية ،حتى أن اللاحقة منها ستكون أشد من سابقتها، ثم قطعنا بأنه صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أحدا من بعده لكثرة ما روي في ذلك عن جلة الصحابة ، من ذلك ما روي عن الإمام علي (كرم الله وجهه) ((أنه قال يوم الجمل : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا عهدا نأخذ به في إمارة ، ولكنه شيء رأيناه من قبل أنفسنا ))(1) ، " والحديث الذي أوردته أولا عن استخلاف عمر دليل آخر . يتابع الكاتب قائلا..."إن أيقنا وقطعنا بذلك توافر لدينا وحدة الحكم في النص القرآني الداعي أن الأمر بين المؤمنين شورى بينهم ، وبين السنة النبوية التاركة أمر الخلافة الى اختيار الأمة وهما الأصلان اللذان لا ينسخهما فعل كائن من كان مهما علا قدره. فإن وجد من احتهاد مخالف لهما لاعتبارات ظرفية ، فلا يجوز أن يعلو فوق نص الكتاب وحديث خير الأنام صلى الله عليه وسلم الذي ما سن تعيين أحد دون الرجوع الى رأي المؤمنين.
"....لو قدر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بالأمر من بعده لأحد من آله أو أصحابه ، لانتفى دور الأمة على امتداد تاريخها ، إذ لا يحق لها أن تعزل من عينه نبيها (عليه أفضل الصلاة والتسليم) ، وكل وارث للخلافة إنما سيكون حلقة من حلقات متتالية في سلسلة ذهبية تتصل بالأصل النبوي ."انتهى
يتبين مما سبق ذكره من ترك النبي الأمر للصحابة من بعده وصمته عن كيفية اختيار الخليفة ، أنه فتح الباب واسعا امام الأمة من بعده لاختيار الخليفة حسب الظروف التاريخية ، وتبقى الشورى هي الأصل.
(2) صحيح بن حبان –باب الخوف والتقوى ،والهيثمي في مجمع الزوائد-باب في مرضه ووفاته عليه الصلاة والسلام و مأطلعه الله عليه من ذلك (3) مسند الإمام أحمد \كتاب مسند المكيين ،باب حديث أبي مويهبة مولى رسول الله ، والهيثمي في مجع الزوائد-باب تخييره بين الدنيا والآخرة وقال عنه رواه أحمد والطبراني بإسنادين ورجال أحدهما ثقات

شكرا علي الموضوع

شكرا علي الموضوع