تهافتُ سرّ الحياة ( Vitalism ) ..


عندما تتجلّى الحقائق ، تتهافت وتتساقط الأوهام ، وكم من وهمٍ تغلغل في الأفهام وسيطر على العقول حتّى غدا نظريةً أو قانوناً ، وهو في حقيقته لا يعدوا أن يكون وهماً في ثوب حقيقة . إنّ الأفكار الخاطئة التي مرّت بالإنسانية عبرالتاريخ قد ساهمت ولا شكّ في تأخّرالمكتشفات والمخترعات العلمية لعقودٍ طوال ، فنظرية العناصر الأربعة ( الماء والهواء والتراب والنار ) التي دافع ونافح عنها أرسطو ( 384 ق م - 322ق م ) قد أخّرت تقدّم علم الكيمياء ما يقارب ألفي عام ، وليس ببعيدٍ عنها نظرية حجر الفلاسفة ومادة اكسير الحياة ، والتي جعلتا من الكيمياء شيئاً أقرب إلى السحر والشعوذة منها إلى العلم .

منذ القدم استطاع الإنسان أن يميّز بين نوعين من المواد ، المواد العضوية التي يمكن الحصول عليها من الكائن الحيّ ، وتلك المواد غير العضوية التي يرجع أصلها إلى الصخور والمعادن في القشرة الأرضية ، ولعلّ تمايز الخصائص المشاهَدة للمواد العضوية عن المواد المعدنية قد جعل من عملية التصنيف هذه أمراً مقبولاً ومتّفقاً عليه ، ولأسباب ربما يكون لسلطة الكنيسة المعادية للاكتشافات والاختراعات دورٌ فيها رسخ في الأذهان أنّ القوّة الحيوية ( the vital force ) التي منحها الربّ للكائن الحيّ هي السبب في تميّزها بتلك الخصائص ، وعليه فمن المستحيل تحويل المواد العضوية إلى مواد معدنية أو العكس ، ومن العبث أن نحاول الحصول على المواد العضوية من المعادن . هكذا زعموا !!!


في عام 1828 استطاع فوهلر تحضير مادة البولة ( Urea ) - وهي مادة عضوية يمكن الحصول عليها من بول الثدييات وبعض الحيوانات الأخرى - من عملية تبخير سيانات الأمونيوم (NH4OCN) - وهي مادة يمكن الحصول عليها من القشرة الأرضية كما سيأتي - مثبتاً بذلك خطأ نظرية القوة الحيوية ( the vital force theory ) وليفتح الباب على مصراعيه لتقدّم علم الكيمياء العضوية الذي ساهم بلا شكّ في بناء الحضارة المادية التي نشهدها اليوم .



وُلد فوهلر( Friederich Wohler ) في مدينة Eschersheim القريبة من فرانكفورت بألمانيا في عام 1800 للميلاد ، درس الكيمياء عام 1825في معهد برلين التقني الثانوي ثمّ انتقل إلى معهد عالي لدراسة الكيمياء في كاسل . وفي عام 1836 انتقل إلى جامعة Gottingen وبقي فيها بقيّة حياته .


تمكّن فوهلر من الحصول على ملح سيانات الأمونيوم ( ammonium cyanate ) من تفاعل سيانات الفضّة ( silver cyanate ) مع كلوريد الأمونيوم ( ammonium chloride ) ..



وبتسخين سيانات الأمونيوم حصل على مادة البولة ( Urea ) ..



العجيب أنّ فوهلر لم يهنأ بنتائج هذا الاكتشاف في حياته ، فبالرغم من نشره لهذا الحدث الهام ، إلاّ أنه لم يُلتفت إليه إلاّ بعد تسعين عاماً حيث بدأت حقبة علمية جديدة في عالم الكيمياء كانت البداية لقيام ثورة صناعية كيميائية عضوية لم يشهد التاريخ مثيلاً لها .