الاهتمام بالإسناد:[size=30] - الاهتمام بالإسناد:
وعلى كل حال فقد صحب عملية الجمع والتدوين عملية الانتقاء والاختيار، والجهود التي بذلها العلماء في ها الصدد لا يوجد لها نظير عند غير المسلمين، ومن ثم قيل «إن الإسناد من خصائص هذه الأمة»(6) أي تتبع رواة الحديث واحداً فواحداً والبحث عن حالهم من الحفظ والضبط والعدالة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال ابن حزم: نقل الثقة حتى يبلغ به النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومع الاتصال شيء خصص به المسلمون دون جميع الملل..
ولا تغفل عما في هذه الخصيصة من ميزة للدين الإسلامي لا يشاركه فيها غيره من الأديان، وهي ثبوته بالنص القاطع والرواية الصحيحة، فلا جرم أن يقول عبدالله ين المبارك «الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء»(7)، وقوله هذا دليل على أن القوم كانوا في تمييزهم للحديث الصحيح من السقيم يستبرئون لدينهم كما كانوا يتحرون المنهج العلمي الصحيح.
ويروى عن عبدالله بن المبارك -أيضاً- أنه كان يقول: «بيننا وبين القوم القوائم»(8) أي: الإسناد، وهذا يبين طريقتهم العملية في نقد الرجال، فإنهم جعلوا قوائم بأسماء الرواة ورتبوها بحسب القوة والضعف ترتيبا يكون هو الحكم في قبول الحديث أو رده، فإذا لم يعرف حال الراوي ترك الحديث وكذا إن سقط من سنده أحد الرواة وإن كان في السند ثقات فقد جاء في مقدمة الصحيح لمسلم بن الحجاج: «وقال محمد -يعني ابن عبدالله بن تهزاد-: سمعت أبا إسحاق بن إبراهيم بن عيسى الطالقاني قال قلت لعبدالله بن المبارك يا أبا عبدالرحمن الحديث الذي جاء «إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك وتصوم لهما مع صومك»، فقال عبدالله يا أبا إسحاق ممن هذا؟ قال: قلت له هذا من حديث شهاب بن خراش فقال: ثقة عمن؟ قال: قلت عن الحجاج بن دينار قال: ثقة، عمن؟ قلت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يا أبا إسحق إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة اختلاف»(9).
[/size]