الموطأ أول مؤلف جامع في الحديث:[size=30]
4 - الموطأ أول مؤلف جامع في الحديث:
وكان الذي ألف مالك هو كتابه «الموطأ» ولعله الكتاب الوحيد الذي وصلنا بالرواية الصحيحة من تآليف هذا العصر، ولذلك نتخذه نموذجاً للطريقة التي دون بها علم الحديث في أول الأمر، والموطأ وإن لم يكن في الواقع كتاب حديث مجرد؛ لأنه يحتوي على كثير من الفقه والاستنباط وأقوال السلف ومذاهب الصحابة، إلا أنه فيما اشتمل عليه من الحديث يعطينا فكرة صادقة عن الجهد الذي بذله الإمام مالك في تحري الأحاديث الصحيحة، وعدم الرواية إلا عن الأعلام الأثبات الثقات، فقد قيل أنه لما ألفه أولاً كان يشتمل على نحو عشرة آلاف حديث، ولم يزل ينتقي منه ويختار حتى لم يبق منه إلا نحو ألف حديث، وهذه النسبة وهي واحد من عشرة أو قل عشرة من مائة هي التي عمل عليها تقريباً جل المؤلفين في الحديث بعد ذلك لا سيما أئمة الصحيح، بل أنها لتنزل عند بعضهم إلى أقل من ذلك بكثير مع العلم بأنها نسبة على ما ثبت عندهم من الأحاديث ووقع لهم فيه اشتباه ما، لا أنها نسبة إلى محفوظهم فإن هذا كثير يكاد لا يسلم به أهل هذا العصر الذين ضعفت أو انعدمت فيهم بالمرة ملكة الحفظ، ناهيك بما قيل عن الإمام أحمد بن حنبل من أنه كان يحفظ مليون حديث(4).
ورتب الإمام مالك كتابه «الموطأ» على الأبواب والمسائل، فهو يخرج الحديث الشاهد في أول الباب أو في أثنائه، ثم يخلل الباب بالآثار والأقوال الثابتة عن الصحابة وأئمة السلف في الموضوع ويأتي بباب اسمه الجامع يروي فيه متفرقات من الباب لا تصلح أن تفرد بترجمة، وقد ختم الكتاب كذلك بباب واسع سماه الجامع وضمنه أحاديث في السنن والأخلاق وآداب السلوك ونحو ذلك، قيل وهو أول من ابتكر هذا الصنيع في التأليف أي جمع المسائل المتفرقة في باب اسمه الجامع، وعلى ما نرى طريقة الإمام مالك في تأليفه للموطأ برغم قدم الزمن هي من أحسن الطرق التي ألفت عليها كتب السنة فيما بعد واتبعها معظم المحدثين إلى المائة الثالثة.[/size]