مقدمة :
لاشك أنّ حرية الصحافة هي من أهم الحقوق الأساسية التي يقوم عليها بناء الدولة الديموقراطية الحديثة، وهي جزء من الحريات العامة التي ظهرت كسلاح ضد السلطة المطلقة في الحكم، وبالتالي فأنّها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بشكل الحكم القائم في دولة ما، وهذا الحكم إذا ما ارتضى إدخالها في صلب العلاقة السياسية بين الحكام والمحكومين وصف بأنه حكم ديموقراطي.
وقبل الخوض في مضامين حرية الصحافة، لا بد من الإشارة إلى أنّ هذه الحرية تتيح تدفقاً حراً للمعلومات وتمكن المواطن من الوصول إلى وعي تام بحقوقه وواجباته وتنمية حسه الوطني والإنساني عبر تعزيز مبدأ الشفافية، والحوار المسؤول، والموضوعية، واحترام عقله وكرامته.(1)
برزت في حياة الإنسان وسائل أطلق عليها مصطلح وسائل الاتصال الجماهيري لما تتمتع به من قدرة على الوصول إلى الجماهير أينما كانوا وحيثما حلوا، لا تعترف بالحدود ولا الأقاليم، وتتمثل في جميع الوسائل التي تعتمد على مخاطبة حاستي السمع والبصر أو الاثنتين معاً بطرق تجمع المعلومات بشكل دقيق وكبير وتوزعها على نطاق أوسع لتشمل جماهير غفيرة، وهى متعددة كالصحف والمجلات والإذاعتين المرئية والمسموعة وغيرها.(2)
إنّ أهم ما يمز الإنسان عن الكائنات الأخرى، تلك الطاقة العظيمة، المتمثلة في قدرته على التفكير ومن ثم الاتصال، فالإنسان دائماً في حاجة إلى وسيلة تراقب له الظروف، وتحيطه علماً بالأخطار المحدقة به، أو الفرص المتاحة له ووسيلة تقوم بنشر الآراء والأفكار والحقائق وتساعد الجماعة على اتخاذ القرارات، ووسيلة تقوم بنشر القرارات التي تتخذها الجماعة على نطاق أوسع، وسيلة تقوم بنقل حكمة الأجيال السابقة والثقافات السائدة في وقتها إلى الأجيال اللاحقة ووسيلة ترفه عن الناس وتنسيهم المعاناة والصعوبات التي يواجهونها في حياتهم اليومية .(3)
بدأ عصر جديد سمته ظاهرة العولمة بأبعادها المتعددة، والتي تعمقت بشكل متزايد في مختلف أرجاء العالم منذ العقد الأخير من القرن العشرين، اعتماداً على مقومتين أساسيتين هما: التكنولوجيا الحديثة" الاتصال والمعلوماتية" ورأس المال " الشركات المتعددة الجنسية والاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر"، مما جعل مصطلح العولمة يحتل موقعاً أساسياً في العلوم الاجتماعية المعاصرة، لاغياً بعدي الزمان والمكان، وجاعلاً من هذا العالم المترامي الأطراف " قرية كونية صغيرة" ، بحيث إنّ أي فتح معرفي جديد أو تطور اقتصادي أو سياسي أو ثقافي، في أي حي من أحياء هذه القرية يحدث آثاراّ واهتزازات مهمة في أحيائها الأخرى، ودالاً إجرائياً على " عملية تغيير" واسعة ومتسارعة في المفاهيم والأولويات والممارسات لدى كل من الدول والمجتمعات والمنظمات والأفراد، وصولاً إلى زيادة معدلات الترابط والاندماج والتجانس فيما بينها.( 4)
لذا أصبح لهذه القرية الكونية " سوقاً عالمية واحدة" يتم فيها تداول كثير من البضائع والأشياء الملموسة وغير الملموسة، " ومنظمة التجارة العالمية" تتولى تنظيم وتحرير التبادل التجاري بين دول العالم وفقا لاتفاقيات " الجات " وقواعدها الجديدة التي تشمل الخدمات والاستثمار وغيرها، كما بدأت الدعوات تبشر بنهاية التاريخ وبروز عالم واحد تسوده مفاهيم وقيم وثقافة واحدة وفق نموذج الديمقراطية وسيادة حقوق الإنسان.(5)
وظاهرة العولمة كغيرها من الظواهر الاجتماعية تحمل في طياتها من الفرص والمخاطر التي تمثل في مجموعها تحديات العولمة، حيث تشير العديد من الدراسات المتخصصة في العولمة إلى هذه التحديات، والتي تؤثر بدورها على المجالات المختلفة، المعرفية والأنظمة الاجتماعية في أي دولة معاصرة، حتى أن أحداً لن يستطيع تفاديها أو تجنب تأثيرها، ولذلك بدأت العديد من الدول تدرك ضرورة التعامل الإيجابي مع قضايا العولمة.(6)
ومن هنا تأتي أهمية معالجة ظاهرة العولمة بشكل موضوعي، لأنّ مجتمعنا أحوج ما يكون لمعرفة هذه الظاهرة بموضوعها، والوعي بآثارها وتحدياتها التي ستصيب حياة الشعوب الحاضرة والمستقبلية ومن ثم تحديد الاستجابة اللازمة للتعامل معها بشكل عام، وتحديد استجابة الإعلام الأردني ولاسيما الصحافة لهذه التحديات تأثيرا وتأثرا بشكل خاص، وهي استجابة تعبر عن الصورة المثلى للإعلام القادر على التعامل معها بأكبر قدر من المشاركة، واستغلال الفرص التي تتيحها العولمة، وتفادي أو تقليل المخاطر الناجمة عنها، وذلك ضمن المنظومة المتكاملة للمجتمع الأردني، وهو ما سيتناوله هذا البحث. (7)
إشكالية الدراسة
تعد الحرية الصحفية ضرورة إنسانية لرقي المجتمعات وتقدمها، فالمجتمعات المتقدمة أو الساعية إلى التقدم لا يمكنها أن تتخلى عنها والعمل على حمايتها وذلك لدورها في إيصال المعلومات لجميع أفراد الشعب ولاسيما في عصر العولمة الذي أصبح فيه العالم يعيش ثورة الاتصال.
وتسهم الحرية الصحفية في منح الفرد إمكانية التعبير، وتعمل في الوقت ذاته على نشر الحقائق في المجتمع . الأمر الذي يطرح تساؤلاً هل بمقدور الصحافة الأردنية مواصلة دورها بكفاءة في ظل العولمة والانفجار المعرفي لوسائل الإعلام .
هدف الدراسة
تهدف الدراسة إلى الوقوف على واقع حرية الصحافة في الأردن وقدرتها على تحقيق أهدافها، وتقديم رسائل إعلامية تساعد الجمهور في معرفة الحقيقة، ومدى التعاون الذي تقدمه السلطة التنفيذية من أجل الإسهام في نشر الحقائق .
وتأتي هذه الدراسة لتشكل مدخلاً لفهم التحديات القائمة ولخلق انعطافة نحو الخروج من إيقاع الموروث فينا على المستوى المحلي باتجاه آفاق عالمية تستوجب أن نكون جزءاً منها، وأن تحدث نقلة في فن مخاطبة الآخر أيضاً، وهو في النهاية سيترك تأثيره المباشر نحو تعزيز أفق الحرية التي نريد.
مصطلحات الدراسة
الحرية : في لغة العرب وفق ما جاء في معجم لسان العرب فإن أصلها حَرّ، يَحَرُّ، إذا صار حراً والاسم حرية ، وحرره تعنى اعتقه لأنّ الناس ولدوا أحراراً ، وتبقى حريتهم تصطدم بالحق والشر.
العمل الصحفي : هو أن يمارس الصحفي عمله ممارسة فعلية في التحرير والإعلان والكتابة في صحيفة أو مجلة أو دورية .
الحرية الصحفية : تضمنت العديد من المواثيق الدولية والوطنية الدفاع عن حق المواطنين في حرية التعبير بمختلف الوسائل المتاحة فقد تضمن إعلان حقوق الإنسان العالمي سنة 1948 ما يلي "لكل شخص الحق في حرية التعبير والرأي، وينطوي هذا الحق على اعتناق الآراء دون تدخل فضلاً عن السعي لاستقبال ونقل المعلومات بواسطة أي وسيلة ودون اعتبار للحدود"
ويعتبر دستور اليونسكو معاهدة بين الدول التي أقرت هذا الدستور .. وقد جاء في مادته الأولى " التعاون في الجهود الرامية إلى تعريف الشعوب ببعضها بعضاً، وتفهمها المتبادل للقيم الثقافية لكل منها وذلك عن طريق وسائل الاتصال الجماهيري . "(

كما يوضح ميثاق الجامعة العربية أهمية التعاون في الشؤون الثقافية، فأكدت المادة (13) " أنّ الجامعة سوف تعمل على تعريف أبنائها بالأحوال الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية في البلاد العربية بواسطة الإذاعات والمسرح والسينما والصحافة أو بأي وسيلة أخرى" .(9)
وهناك تعريفات أخرى تناولت هذا الموضوع وهي متقاربة إلى حد ما ومن بينها ما يلي:
حرية الصحافة هي حق الفرد في التعبير عن آرائه وعقائده بواسطة المطبوعات بمختلف أشكالها من كتاب أو كراسة أو مجلة أو جريدة أو إعلان، دون خضوعها للإجازة أو الرقابة المسبقة، شريطة أن يتحمل مؤلفوها المسؤولية المدنية والجزائية .(10)
وتعني كذلك أن " حرية الطبع دون إجازة مسبقة ضمن حدود القانون.وتشمل حرية الصحافة ما يلي:
1ـ حق إصدار الصحف .
2- إتاحة الفرصة للمواطنينلنشر آرائهم .
3- حق الصحفيين في الحصولعلى المعلومات من مصادرها المختلفة وتحليلها والتعليق عليها وتداولها ونشرها فيحدود القانون مع الحفاظ على قيم المجتمع وأخلاقه وأمنه القومي.
4- حق الصحفي في الحفاظ علىسرية مصادر المعلومات .
5- حرية التعبير عن الرأيوالفكر دون قيود إلا ما تعلق بأمن المجتمع وأخلاقه وقيمه على الوجه المقرر قانوناً. ."(11)
أما الصحافة الإنجليزية فقد قدمت صحيفة "الديلي مرور" وصفاً تعريفياً للحرية قديماً على أنّها تعرف بـحرية الطباعة، أما في الوقت الحاضر ينظر إليها على أنّها حرية رئيس التحرير في نشر ما يراه مناسباً من الأخبار والآراء بغض النظر عن مدى توافقها أو تعارضها مع توجهات السلطة التنفيذية، دون أن تتسبب هذه الحرية بإخلال للأمن والنظام العام أو المساس بكرامات الناس أو الإضرار بأديانهم وتقاليدهم.(12)
فالحرية الصحفية تعطي للفرد الحق في نشر ما يشاء من الأفكار والأخبار عبر الصحافة ووسائل النشر، بما لا يتعارض مع قوانين النشر وفي الوقت ذاته امتناع السلطة التنفيذية عن تقييد الحرية قبل عملية النشر.فحرية الإعلام هي امتياز عام للمجتمع يعكس التعددية والآراء المختلفة وليست امتيازًا للإعلاميين وحدهم, وممارسة مهنة الصحافة والإعلام تحتاج إلى ضمانات قانونية وسياسية ومهنية أكثر من غيرها.
مصطلح العولمة (Globalization):
كان أو من أطلق مصطلح العولمة معرفياً، هو العالم الكندي" ماكلوهان" في ستينيات القرن العشرين والذي صاغ مفهوم " القرية الكوني" وكان يخص به وسائل الميديا الإعلامية والثقافية أكثر من اتصاله بالعولمة الاقتصادية ثم تبنى " بريجنسكي" هذه الفكرة من بعده الذي أصبح مستشاراً للرئيس الأمريكي في السبعينيات وعمل على أن تقدم أمريكا " نموذجاً كونيا للحداثة" يحمل القيم الأمريكية التي يذيعونها دوما في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي الثمانينيات أصبح هذا المصطلح مألوفاً في معاهد إدارة الأعمال الأمريكية والصحافة الاقتصادية، ليعني انفتاح الحدود الاقتصادية وليونة التشريعات وزيادة توسع النشاطات الرأسمالية والاستثمارية العالمية، إضافة لاستغلال التطورات المعرفية وتقانة الاتصالات والمعلوماتية وتطبيقاتها المختلفة، والتي قضت على المسافات والحواجز وأعطت لهذا المصطلح معنى ومصداقية، حتى أصبح من المفردات الأكثر رواجاً في نهاية القرن العشرين، وتحول إلى سياسات وإجراءات عملية ملموسة في المجالات كافة.(13)
-مصطلح العولمة في اللغة الإنجليزية: ظهر مصطلح العولمة بمعنى جديد ومحصور في المجال البيئي أو الايكولوجي، ومختلف عن معناها التقليدي الذي أطلقه معرفيا " ماكلوهان" عن القرية الكونية ، كما يجد آخرون (أن مصطلح العولمة أول ما ظهر تحت كلمةGlobalizationالإنجليزية وترجم إلى الفرنسية تحت كلمةMondalaizationليعني الأخطبوطية.(14)
-مصطلح العولمة في اللغة العربية: ترجم مصطلح العولمة إلى العربية تحت ثلاث كلمات رئيسية هي: " الكونية، الكوكبية، العولمة" وهي مترادفات تدل على معنى " التعميم" والوزن الصرفي لها " فوعل" فعلا واسما، ومن الأبنية الصرفية له مثل " حوقل الرجل، ولولب الماء، أما مصدره القياسي فهو " فوعلة" ومن كلام المحدثين " قولبة، وبلورة، وحوسبة".
والعولمة مشتقة من كلمة " عالم" في العربية وتعني الخلق وتجمع عالمين لتشمل الكون، والعولمة مصطلح سليم من النحت والتركيب، وهو من المصادر القياسية التي تختص باتساع اتجاهاتها الدلالية من حيث إمكان اتجاهها من جهة، وينوب مناب الفعل مثل " عولمة" فيكون معناه أداء الفعل الذي مادته الجذر اللغوي وهو " العالم" هنا، والمصدر في اللغة العربية : اسم دال على حدث جار على فعله، ولذا فان الدلالة اللغوية لـ
" العولمة" هي إسباغ صفة العالمية على موضوع فعل العولمة.(15)
- الحياة النيابية (البرلمان): وهي الأعمال التي يؤديها مجلس النواب الذي يتم انتخابه من قبل الشعب لكي يمثله تمثيلا يجعل منه العضو المحرك في الدولة للقيام بتشريع القوانين ومراقبة أعمال السلطة التنفيذية ومحاسبتها والتي تصل إلى حد حجب الثقة عن الحكومة طبقاً للصلاحيات التي منحها إليه الدستور. ويشكل مجلس النواب إلى جانب مجلس الأعيان في الأردن مجلس الأمة .(16)