أهمية هذا المنهج:[size=30]
8 - أهمية هذا المنهج:
لم يكن هذا هو القصد الأول من حركة تدوين الحديث، وإنما كان هذا القصد هو جمع الحديث خوف ضياعه، فقد جاء فيما كتب به عمر ابن عبدالعزيز إلى أبي بكر بن حزم في الموضوع أنه قال له: «انظر ما كان من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء».
والواقع أنها كانت حركة إنقاذ للعلم الإسلامي الذي لم يكن عند القوم غيره، وكانوا إنما يعتمدون فيه على الحفظ والاستظهار، فلما أسرع الموت إلى رجاله ونقلته، خاف الخليفة العادل من جراء ذلك على هذا العلم ما خافه الخليفة الأول على القرآن من الضياع لما استحر القتل في الصحابة وأمر بجمع المصحف، فكذلك أمر عمر بن عبدالعزيز بكتابة الحديث وهو بعد القرآن منتهى علم المسلمين إذ ذاك، فجدوا في الأمر واجتهدوا وقاموا بما لم تقم به أمة في العمل على حفظ كلام نبيها وأخباره وأحواله، ودونوا ذلك واقتبسوا منه الحكم والأحكام والمعارف والأسرار، ولم ينظروا إليه قط تلك النظرة الضيقة التي تحصره في حيز الفكر الديني بل اعتبروه تراثاً علمياً طائلاً درسوه وتعمقوا فيه مدة قرن من الزمن حتى إذا اتسعت أمامهم آفاق المعرفة ونقلت إليهم علوم الأوائل من فلسفة وطبيعة ورياضيات لم يزدهم ذلك إلا توسعاً وتفريعاً لأصوله وتأسيساً لقواعده، فإنهم لم يقولوا في يوم من الأيام بالفصل بين العلم والدين ولا رجحوا كفة المادة على الروح؛ لأن الدين هو الإسلام، والإسلام والعلم لا يختلفان، ولأن المادة كانت دائماً وسيلتهم إلى السمو بالروح، والوسائل عندهم تعطي حكم المقاصد، فلذلك كانوا في المزاوجة بين المعارف الإلهية والعلوم الكونية كالطائر بين جناحين لا يميل مع أحدهما إلا كان مهددا بالوقوع.
[/size]